18‏/06‏/2011

الإعلام.. اللاعب الكبير في المخطط العلماني الكنسي ضد السلفيين

جاءت أحداث إمبابة الأخيرة لتبرهن للجميع على أن ملف الفتنة الطائفية بات هو الملف الأنجح لإحباط مكتسبات الثورة والعودة في البلاد إلى مرحلة ما قبل 25 يناير 2011.
لكن الدور الإعلامي مع الأحداث التي أعقبت تنحي الرئيس السابق حسني مبارك أثبت هو الآخر أنه وقود عملية إحباط الثورة المستمرة والتي يعرفها البعض بالثورة المضادة، مع الاعتراف بأن البعض الآخر غير مقتنع بوجود هذه الثورة أصلا.
وبات واضحا أن إعلام الفتنة هو إعلام مركب ومعقد فهو يبدأ من رجل الشارع ـ الجاهل أو المتآمر ـ وينتهي بالصحافة الإلكترونية والفضائيات التي تلعب دورا سريعا في إذكاء نيران الفتنة خلال الشهور الأخيرة.

استهداف السلفيين
عاب السلفيين خلال تاريخهم سوء التنظيم وهو ما جعل الإعلام الذي تسيطر عليه العلمانيون والليبراليون يرون في التيار السلفي نموذجا لترويج الكثير الشائعات حولهم بشكل ممنهج لإرهاب الناس من الإسلاميين بشكل عام بعد أن تأكدوا من عدم صلاحية هذا النهج مع جماعة الإخوان كما سيتضح لاحقا.
واستغل الإعلام عاملي سوء التنظيم وتمايز صفوفهم بعد الثورة في اتجاهين أولهما صنع تيار جديد بزعامة المنشقين عن السلفية واستغلال تأخر السلفيين في الرد على الشائعات تجاههم ـ بسبب افتقارهم لشبكة اتصال سريعة تستطيع التبين وقت الحدث ـ في إيهام الجماهير بانفصال بين الشيوخ وتلامذتهم والتلميح بأن هؤلاء الشيوخ يبطنون غير ما يظهرون.
وكانت استضافة قناتي أون تي في (المملوكة لرجل الأعمال القبطي نجيب ساويرس) ودريم للشيخين المحسوبين على السلفية أسامة القوصي ومحمود عامر ـ رغم المزاعم عن تعاونهم السابق مع جهاز أمن الدولة ـ فرصة ذهبية للإعلام كي يتناول السلفية بالتهجم أو التهكم ونعتها بالجهل والتلون.
كذا كان المظهر المطبوع في الذهن للسلفيين عاملا ممتازا جنده الإعلام لخدمة أغراضه المدعية والدعائية ضد السلفيين وذلك على الرغم من أن هذا السمت لا يخص السلفيين وحدهم وبالرغم من أن جماعات كالتبليغ وأفراد يطلقون لحاهم لأغراض ليست مرتبطة في جميع الأحيان بالتدين.
وعلى ذلك كان كافيا أن يدعي أحد شهود العيان على قناة فضائية أن ملتحيا شارك في إحدى الفعاليات الطائفية لإدانة التيار برمته وهو ما حدث في واقعة قطع أذن قبطي في قنا.
وحول تلك الواقعة يقول بلال فضل في مقال بعنوان "محمد حسان رئيساً للجمهورية!" بتاريخ ٩/ ٤/ ٢٠١١ أن الكاتب الروائي محمد شمروخ أحد سكان المنطقة التي وقعت فيها الحادثة أكد له في رسالة أن السلفيين أبرياء من هذه الواقعة تماما. وللعلم فإن شمروخ وفضل يتبنيان موقفا متشددا تجاه السلفية إلى حد اعتبار الأخير السلفيين ألغاما زرعها النظام السابق.

تحييد الإخوان
وكما أدرك الإعلام أن السلفيين هدفا مناسبا لحملاتهم من أجل ضرب الإسلاميين فإنهم رأوا ضرورة تجنب الإخوان بشكل كبير للتخلص من اتهامات بمحاربة الإسلام خاصة بعد أن صارت الجماعة في موقف قوة لدورها الرئيس في الحفاظ على الثورة في أحرج لحظاتها واعتراف العلمانيين أنفسهم وقتئذ بأن الثورة ما كانت لتنجح لولا كتائب الإخوان.
تنظيم الجماعة الرائع كان سببا آخر في تجنب الاصطدام بهم لأن النتيجة في النهاية ستكون لصالحهم على الرغم من أن تصريحات الإخوان بشأن الخلافة وإقامة الشريعة، والمنافسة برلمانيا على نصف المقاعد بعد تصريح سابق بأن الثلث يكفي، وترشح عبد المنعم أبو الفتوح للرئاسة كانت جميعها عوامل كافية لمهاجمتهم بوقائع لا شائعات.
لكن النغمة السائدة الآن صارت هي أن الإخوان طرف أصيل في العملية السياسية وأن نبذه ليس في صالح الوطن بغرض تحييد الجماعة في المعركة مع السلفيين ودفع رموزها أحيانا إلى مطالبة القيادي عصام العريان السلفيين بمراجعة مواقفهم وفرز صفوفهم واشتراط عضو مكتب الإرشاد مصطفى الغنيمي نبذ العنف للتحالف مع السلفيين.
ولعل هذا النهج الإعلامي لتحييد السلفيين هو السبيل الوحيد لتفكيك التحالف الإخواني السلفي الذي ظهرت بوادره في تصريحات للشيخ محمد حسان أعلن فيه دعمه الإخوان في المشاركة السياسية وتعليقات قطب السلفية محمد عبد المقصود المشيدة بالجماعة واعتبار الشيخ فوزي السعيد قيادات الإخوان رجال المرحلة. وتبلور هذا التحالف في المؤتمر الذي عقد في الهرم بتاريخ 7/5/2011 وضم رموزا للتيارين.

ازدواجية في المعايير
اتسم الإعلام في تعاطيه مع الأزمات التي اعتبرها طائفية بازدواجية المعايير، وأشار إلى ذلك بلال فضل في تساؤلات غير بريئة نصها: لماذا لم نشهد استنكاراً بشعاً في جميع الصحف والمجلات ووسائل الإعلام للجريمة البشعة التي حدثت في كرداسة بالجيزة لسيدة مسيحية أسلمت فتعرضت للقتل غدراً على أيدي إخوتها الثلاثة، بل وقتلوا طفلها وأصابوا زوجها وطفلتها؟ يا ترى لو كان ثلاثة من السلفيين قد قاموا بهذه الجريمة ضد أخت لهم تنصرت، هل كانت الصحف والمجلات ووسائل الإعلام ستسكت بهذا الشكل المريب؟ ألست ترى أن الكثير من الكتاب والصحفيين مازالوا حتى الآن يتعاملون مع قطع أذن مواطن مسيحي في الصعيد بوصفه جزءاً من عقيدة سلفية سيتم تطبيقها على كل المسيحيين.
لكن تلك الواقعة لم تكن الوحيدة لإثبات الكيل بمكيالين عند وسائل الإعلام فقصة غزوة الصناديق التي كان بطلها الشيخ السلفي محمد حسين يعقوب ـ بشأن التعديلات الدستورية ـ سبقتها قصة مماثلة لأنبا كنائس وسط القاهرة رافائيل الذي اعتبر التصويت بنعم معناه قيام دولة إسلامية. ولم تحظ القصة الأخيرة بالزخم الإعلامي الذي حظيت به الأولى واعتبرت وسائل الإعلام يعقوب ممثلا للتيار السلفي رغم خطأ هذا الزعم ورغم كون رافائيل ممثلا رسميا للأرثوذكس!
ليس هذا آخر الأمثلة فتطاول الدكتور يحيى الجمل على الذات الإلهية في غير مناسبة ودون اعتذار، ووصفه الله بأنه لا يتكلم منذ 1400 عام جرى التسامح حيالها بينما لم تتوقف الأقلام عن مهاجمة الشيخ يعقوب رغم اعتذاره عن لفظة الصناديق وتفرغ الصحفيون العلمانيون لمواصلة مهاجمته بدعوى أن المزاح لا يصلح في هذا المقام.

التعميم وإقحام السلفيين
ولم تكن الأحداث المذكورة آنفا هي الوحيدة التي تصور الأسلوب التعميمي الإعلامي ضد السلفيين فوضع التيار في مواجهة الأوقاف بسبب نزاع شخصي بين الشيخ حافظ سلامة على ملكية مسجد النور بالعباسية كان مثالا آخر فاضحا.
بل وجرى إقحام السلفيين في أحداث ثبت بالدليل عدم تورطهم فيها أصلا وجرى تصوير احتجاجات أهالي قنا على المحافظ الجديد عماد ميخائيل على أنها احتجاجات طائفية ضد تولي قبطي منصب المحافظ، وأفسح بعض الإعلاميين لخيالهم الحديث عن إقامة إمارة إسلامية هناك ورفع شعارات المملكة العربية السعودية وهو ما نفاه أكثر من مصدر منهم الصحفي مصطفى بكري والشاعر عبد الرحمن الأبنودي والذين أكدا أن أقباطا يشاركون في الاحتجاجات.
وانتشرت مقالات على الشبكة العنكبوتية حول همجية السلفيين تجاه الأضرحة واتهامهم بهدم الكثير منها قبل أن تبرأ نيابة قليوب والطرق الصوفية في المنوفية أبناء التيار من وقائع هدم أضرحة في تلك المناطق. وقالت الطرق الصوفية في تصريح خطير إن تلك الأضرحة هدمت في عهد وزير الأوقاف السابق محمود زقزوق. بل وخرج شيخ الطريقة العزمية الصوفية علاء أبو العزايم ليعلن صراحة أن السلفيين لا علاقة لهم بقضية هدم الأضرحة.
ولعل واقعة الاعتداء على قبطيات وخطفهن في الأسكندرية لكشفهن شعرهن واحدة من سلسلة الأحداث الملفقة للسلفيين والتي نفاها البابا شنودة شخصيا.

ترصد ومصالح شخصية
كان من الواضح أن الصحف والفضائيات التي يديرها علمانيون تقود حملة واضحة لإسقاط الإسلاميين عن طريق السلفيين ولو على حساب الصالح المصري. فحمل فريق علماني على عاتقه التصدي لمبادرة كنيسة أطفيح التي قادها الشيخان محمد حسان وصفوت حجازي وتساءلوا مرارا كيف لدعاة متشددون كهؤلاء أن يحلو الأزمة الطائفية!. الموقف نفسه تكرر مع أزمة محافظ قنا (غير الطائفية) رغم نجاح المبادرتين.
وترافق هذا الأسلوب مع تجاهل ما يوصفون بالنخبة الاعتذار عما ثبت زيفه بحق السلفيين بشكل أوحى أن تبرئة السلفيين من هدم الأضرحة أو أذن متري القناوي أو هدم الأضرحة بمثابة هزيمة لمصداقية الأقلام العلمانية وخسارة لمعركتها ضد الإسلاميين.
أسلوب آخر أكثر خبثا انتهجته الصحف الإلكترونية في تحريك السلفيين نحو العنف قسرا تمهيدا لإدانتهم فأفسحت مساحات لتصريحات من عينة تصريحات يحيى الجمل التي تطاولت على الذات الإلهية لاستفزاز السلفيين الذين يهتمون بجانب العقيدة بشكل زائد عن غيرهم وإن جاء هذا استفزازا لقطاع عريض من العوام.
نشرت صحيفة اليوم السابع خبرا عن اجتماع كنسي لإلغاء المادة الثانية التي حمل السلفيون على عاتقهم الذود عنها ولو على حساب أرواحهم قبل أن تنفي الكنيسة الخبر.
الغريب أن تلك الأبواق الإعلامية لم تعرف طعم الاعتذار عن تلك الأخبار المفخخة رغم كمية التعليقات التي احتشدت بها صفحات تلك الأخبار والتي تحمل بذور فتنة تأكل الأخضر واليابس.
وفي اليوم التالي لحادث إمبابة قالت اليوم السابع إن ما يقرب من 15 ألف قبطي توجهوا لماسبيرو، مرددين هتافات "السلفيين فين.. الأقباط أهم"!.

قراءة في أحداث إمبابة
لقد كانت أحداث إمبابة نموذج للخبث الإعلامي في مصر فتم تصوير الحادث منذ الوهلة الأولى على أنه اشتباكات بين سلفيين وأقباط لإقصاء الطرف الأول بالضربة القاضية فيما تناولت الخبر الوكالات العالمية بشكل آخر ثبت اتساقه مع الواقع وهي أنها اشتباكات طائفية بين مسلمين ومسيحيين تشكل الغوغاء الغالبية فيها.
وتلك عينة من أخبار الوكالات العالمية وعينة أخرى من أخبار الصحافة المصرية:
  • سي إن إن: مصر: 5 قتلى و54 جريحاً باشتباكات طائفية
  • رويترز: مقتل ستة واصابة 75 في اشتباكات بين مسلمين ومسيحيين بالقاهرة
  • بي بي سي: مصر: مقتل أربعة في اشتباكات طائفية بين مسلمين وأقباط
  • اليوم السابع: سلفيون يحاصرون كنيسة بإمبابة للمطالبة بإعادة فتاة مسيحية أسلمت
  • الشروق: بالفيديو.. شهود عيان: اشتباكات بالأسلحة النارية بين مجموعة من السلفيين وقوات الجيش والشرطة
  • المصري اليوم: مصادمات عنيفة بين سلفيين وأقباط بإمبابة.. ومئات الأهالي يهتفون للوحدة الوطنية
  • الدستور: مصادر: 6 قتلى و94 مصاب في اشتباكات إمبابة..وتحطيم محال لأقباط على يد سلفيين
وفي الوقت الذي جرى فيه الحديث عن سلفيين يهاجمون الكنائس كان التليفزيون المصري يبث خبرا عن ملتحين (وليس سلفيين) يسارعون في إطفاءه ويتسلقونها لإنزال أهل الكنيسة بسلام وتأمينهم بما يوحي أن السلفيين لا يسعون إلا في الشر.
ونفي صحفي جريدة الشروق هيثم رضوان لقناة الجزيرة القطرية أي علاقة للسلفيين بالواقعة مؤكدا أن الاشتباكات بين مسلمين ومسيحيين، كما ذكر شهود عيان للفضائيات أن إطلاق النار جاء من داخل الكنيسة وهو ما يدعم اتهامات سابقة بتخزين أسلحة في الكنائس.
لقد تحدث سلفيون عن فخ نصبه الأقباط بمساعدة العلمانيين لصرف النظر عن قضية كاميليا وإغلاق ملف المسلمين الجدد وهو ما يفيد الكنيسة، ولإسقاط طرف إسلامي ذي تأثير للتفرغ للإخوان لاحقا وهو ما يصب في صالح الكنيسة والعلمانيين معا.
وتحدث المتحدث الإعلامي باسم الدعوة السلفية في الأسكندرية عبد المنعم الشحات عن مسلسل غربي للنيل من المسلمين عامة والسلفيين خاصة.
وفي النهاية خرج وزير الداخلية منصور العيسوى ليكشف التضليل الإعلامي الواسع ويحرج الناعقين قائلا إن المتجمهرين أبلغوا مديرية أمن الجيزة قبل بداية أحداث إمبابة للتدخل لحل الموضوع مع مسئولى الكنيسة، وبالفعل انتقل الحكمدار إلى مقر الكنيسة، وفور دخوله أغلقت الأبواب فى وجه القوات المصاحبة له ولم يتمكنوا من دخول الكنيسة، وبدأ إطلاق النار من مواطن مسيحى صاحب مقهى مجاور للكنيسة على المتجمهرين مما أدى إلى وقوع الاشتباكات.
والآن يعتصم أقباط أمام السفارة الأمريكية ويطالبونها بالتدخل لحمايتهم على الرغم من أن عدد قتلى الأقباط في الأحداث الأخيرة مقارب لعدد قتلى المسلمين وهو ما يؤكد أن الأقباط قادرون على حماية أنفسهم. ويقارن أحد المعتصمين بحسب صحيفة الدستور اعتصامهم الراهن بتظاهر المسلمين أمام السفارة احتجاجا على احتجاز واشنطن الشيخ عمر عبد الرحمن!
الآن أيضا يهدد محامي الكنيسة نجيب جبرائيل باللجوء إلى المجلس الدولى لحقوق الإنسان فى حالة عدم الاستجابة لمطالب الأقباط!
الآن أيضا يؤكد القمص عبد المسيح بسيط، مدرس اللاهوت وتاريخ العقيدة، أنه يخشى أن يلجأ المسيحيون إلى استخدام السلاح للدفاع عن أنفسهم! ولا أدري من أين سيأتون بالسلاح؟!

لقد بات الإعلام العلماني ـ بنفس منطق التعميم ـ مطالبا بإثبات مصرية الأقباط الذين دق عليها طوال السنوات الماضية لا سيما وأن الاستقواء بواشنطن ليس المرة الأولى.


كتب : حسام عبد العزيز
08/05/2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق