27‏/03‏/2011

البيان السادس للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح

الحمد لله وحده وصلى الله وسلم وبارك على مَن لا نبي بعده، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:

فإنَّ الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تتوجه إلى عموم الأُمَّة المصرية في هذه المرحلة المهمة مِن المسيرة الوطنية بالبيان التالي:

أولاً: تؤكد الهيئة الشرعية أنَّ الدولة الإسلامية في تاريخها القديم والمعاصر لم تعرف النموذج الغربي للدولة الدينية الثيوقراطية المستبدة، وليس للحاكم فيها قداسة أو عصمة، كما لا يملك تفويضًا إلهيًّا، وإنما هو وكيل عن الأمة؛ كما ملكت توليته تملك عزله سواء بسواء.

ثانيًا: تحذِّر الهيئة المجترئين على الدين، والمصادمين لمشاعر المسلمين، والمخالفين لكل الأعراف المرعية من التمادي في التطاول على الثوابت الشرعية، وتطالب بإقالة كل مسئول يبدو منه هذا المسلك الخطير، ومحاسبة كل مجتريء شرعيًّا، وملاحقته قضائيًّا.

ثالثًا: إنَّ ممارسة الحقوق السياسية ليست حكرًا على فئة مِن فئات المجتمع بعينها، ولدى هذا الشعب الحر المتحضر مِن البصيرة في اختيار ممثليه ما يحول دون فرض الوصاية عليه أو مصادرة مواقفه، أو انتخاب الفاسدين والمغْرضين.

رابعًا: تدعو الهيئة جميع الخطباء والدعاة والمتحدثين في وسائل الإعلام إلى اجتناب الإثارة والخطاب المستفز، وتوقي الدخول في قضايا حساسة باندفاع، وليعلم أنَّ التدرج في الإصلاح منهج شرعي ومسلك مرضي.

خامسًا: يتعين على أصحاب التوجهات الصحيحة والمناهج السديدة أنْ يتعاونوا على البر والتقوى ويجتمعوا على ما اتفقوا عليه -وهو كثير بحمد الله- وأنْ يتعاذروا ويتغافروا ويتناصحوا فيما اختلفوا فيه، وعلى الجميع النظر إلى مصالح الأُمَّة الكُلية قبل المصالح الحزبية.

سادسًا: تدعو الهيئة الحكومات العربية والإسلامية كافة إلى مد يد العون للشعب الليبي المنكوب بقيادته، وتحذر مِن إيجاد موضع قدم في ليبيا للاستعمار الغربي تحت أي مسمى كان.

سابعًا: تقدر الهيئة الدعم العسكري الخليجي لدولة البحرين في مواجهة المد والتدخل الرافضي الصفوي، وتدعو الحكومة البحرينية لإقامة العدل ومحاربة الفساد وضبط الاستقرار في البلاد وقطع ذرائع التدخل الأجنبي.

ثامنًا: تطالب الهيئة الحكومة السعودية بالأخذ على أيدي الرافضة العابثين بأمن بلاد الحرمين، وتسأل الله تعالى أنْ يحفظ بلاد الإسلام جميعًا سخاء رخاء إنه أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.

وآخر دعوانا أنْ الحمد لله رب العالمين.

ليلة السبت 21/4/1432ﻫ - 25/3/2011م

رئيس الهيئة الشرعية
  أ.د. نصر فريد واصل

نائب رئيس الهيئة
أ.د. على أحمد السالوس

الأمين العام
د. محمد يسري إبراهيم

24‏/03‏/2011

قاموس "الجمل" بين القداسة والعفن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فعادة ما يسبِق الدكتور "يحيى الجمل" لقب: "الفقيه الدستوري"، وهي كلمة رنانة تصف صاحبها بالفقه الذي هو الفهم الدقيق؛ وليس هذا فحسب، بل في مجال الدستور الذي تبقى صياغته في الغالب عقودًا ما يعني أن هذه الكلمة تحمل تحت طياتها كلمة فقيه لغوي، ومحقق أصولي، وخبير مجتمعي.
ولكن إذا حللت أي جانب مِن هذه الجوانب في شخصية "الدكتور الجمل"، فسوف تُصاب على الفور بخيبة أمل كبيرة؛ ليست نابعة مِن انتمائه في "آخر مراحل حياته" إلى مدرسة فكرية وافدة وهي "الليبرالية" التي ضنَّ مفكروها علينا، فاحتقروا لغتنا إلى الدرجة التي لم يكلفوا خاطرهم عناء ترجمة المصطلح فأبقوا عليه أعجميًا -كالفكرة التي يُعبِّر عنها تمامًا- ولكن المصدر الأكبر لخيبة الأمل أنك سوف تفاجئ أنَّ لغة "الجمل" انتقائية بشكل كبير، فمرة تجده متملقًا مجاملاً؛ بينما تجده في الثانية سبابًا شاتمًا، بينما تجده في الثالثة غير مكترث تخرج الكلمة مِن فمه قبل أنْ تمر على عقله!
ثم إنَّ دهشتك سوف تزداد إذا علمتَ مع مَن يستخدم "الجمل" كل نوع مِن قواميسه. فتعال معنا في جولة في قواميس "الجمل"، ثم احكم بعدها على الرجل في أي خانة سوف تُصنِّفه:

1- مصطلح القداسة:
ربما تظن أنَّ الدكتور "يحيى الجمل" بحكم انتمائه للإسلام يؤمن بأنَّ الله هو القُدُّوس يلهج لسانه بذكر الله، والثناء عليه بتقدسه وعلوه وتسبيحه وتنزيهه عن كل نقص.. كما هي عادة كل مسلمي مصر، ولكنك سوف تفاجئ بأن هذا اللفظ لم يَرد على لسان "يحيى الجمل" إلا في شأن "بطريرك الكنيسة"!
والأعجب أنه جعله عنوانًا لمقالة نُشرت في "المصري اليوم" بتاريخ: 25-5-2009، جعل عنوانها: "قداسة البابا شنودة"!
ثم جعل موضوعها وصلة مدح، وتملق للرجل بصورة جعلته يكرر كلمة: "قداسته" عشرين مرة في المقالة! ثم انتهت المقالة فجأة.. ومقدمتها وخاتمتها وموضوعها هو: "حب الجمل لقداسته"!
والأعجب أن جريدة "المصري اليوم" رأت في هذا "المقال" الذي لا يصلح إلا أنْ يكون خطابًا شخصيًا مِن موظف إلى مديره، أو مِن مُريد إلى شيخه؛ رأت فيه أنه يستحق النشر على صفحاتها؛ لأنها جريدة تحرص على حرية الرأي، وليبرالية الفكر، وتعرض لمشاكل المجتمع التي أغفلتها الجرائد القومية التي لا همَّ لها إلا مدح "فخامة الرئيس"! ولا أدري: ما الفرق بيْن "فخامته" و"قداسته"؟! إلا أنَّ لكل رأس أذنابه وأبواقه!
لن أطيل عليك أيها القارئ الكريم في ذكر مقتطفات مِن ثناء الجمل على "قداسته"، لكن نكتفي من ذلك بقوله: "كنت مرة في زيارة قداسته.. وقد لا يصدق كثيرون أنني وأنا المسلم أجد راحة كثيرة عندما أجلس إليه، وأشكو إليه بعض همي، وأطلب منه الدعوات وأحس أن كلماته ودعواته تتسرب إلى قلبي في يُسر عجيب.. !".
إلا أنَّ أهم ما في الخطاب -أقصد المقال- هو خاتمته التي يبدو أنها نوع مِن الفضفضة العلنية، وأنَّ بداية علاقة المريد والشيخ بدأت بينهما منذ قَبِل "مهمة الدفاع عن شنودة" أمام قرار السادات بعزله، رغم أنه كان وزيرًا سابقًا في عهد السادات -كان الأولى أن يقول: لأنه كان مِن الوزراء الذين استعملهم السادات فترة ثم أقالهم-.
على أي.. يقول لنا "الجمل" في آخر خطابه: "ومِن يومها وعلاقتي مع قداسته تزداد كل يوم احترامًا وتقديرًا وحبًا مِن جانبي، وعطفًا ومحبة مِن جانب قداسته"!
إذن فالـ"جمل" يُخاطِب "البطريرك" بهذا الأدب الجم؛ لأنه منحه عطفًا ومحبة -"رغم أن معلوماتنا المتواضعة أنَّ الموكِّل يعطي للمحامي أتعابًا مادية.. وليست مجرد عطف ومحبة"-!
على أي فلسنا طرفًا في علاقة مبادلة الاحترام بالعطف، وليس حتى الاحترام المتبادل، وإنما فقط نحاول تحليل قاموس "يحيى الجمل".
ولننتقل الآن إلى لفظ آخر مِن "قاموس الجمل".

2- مصطلح السيادة:
في الوقت الذي يرفع الدكتور "يحيى الجمل" راية الثورة على كل شيء، ويُعلن سقوط الدستور -بينما المجلس العسكري الذي عيَّنه نائبًا لرئيس الوزراء يعلن تعليق الدستور-؛ نجد أنَّ تاريخه يقول: إنه كان أحد رجال النظام بامتياز، وهذه صفحته على "الويكبيديا" تُعدد الهيئات التي شغلها -في ظل النظام السابق طبعًا-، وهي:
- عضو المجلس القومي للتعليم والبحث العلمي.
- عضو محكمة التحكيم الدولية بباريس.
- عضو مجلس أمناء جامعة 6 أكتوبر.
- عضو مجلس الشعب.
- عضو مجلس جامعة الزقازيق.
- عضو لجنة القانون بالمجلس الأعلى للثقافة.
وطبعًا كنا نتمنى مِن الدكتور "الجمل" إذ أصبح ثائرًا بامتياز أن يُعلن عن مقدار المكافآت التي تقاضاها مِن المجلس القومي للتعليم، ومِن المجلس الأعلى للثقافة، ومدى إسهاماته في كل منهما، وعدد الجلسات التي حضرها..
كما كنا نود أن يُبيِّن لنا كيفية الجمع بيْن عضوية مجلس جامعة حكومية وأخرى خاصة؟! وما علاقته بطبقة رجال الأعمال التي استصدرت قرارات الجامعات الخاصة في العهد السابق؟! ومتى يجد الوقت لكي يقوم بمهام عمله في هذه الوظائف الحكومية مع عمله بالمحاماة؟!
وكونه شريكًا في سلسلة مكاتب قانونية كما ورد في ذكر خبراته العملية في صفحة "مؤتمر الكويت الدولي للتحكيم التجاري" على الإنترنت: "شريك رئيسي في المكاتب القانونية للدكتور يحيى الجمل، والسيد/ عبد العزيز سالم, محاميان في محكمة النقض".
والأهم مِن ذلك كله نحتاج إلى أن نعرف كيف مَرَّ الحزب الذي أسسه هو والدكتور "أسامة الغزالي حرب" مِن مقصلة "صفوت الشريف" و"لجنة شئون الأحزاب" في وقت لم يمر فيه أحزاب الإسلاميين، بل والناصريين: كـ"حزب الكرامة"، وغيره.. !
المهم أنه وبتأسيس هذا الحزب ظهر الدكتور "يحيى الجمل" كمعارض سياسي للرئيس السابق، ولكن "معارضة الحمل الوديع" الذي لا يُخاطِب الرئيس إلا بلقب: "سيدي الرئيس"، ويرجوه أن يغفر أنه تجاوز حده! فقد خاطب الرئيس السابق في مقاله في المصري اليوم بتاريخ 1/ 9/ 2008 تحت عنوان: "سيدي الرئيس".
طبعًا "يحيى الجمل" يُفضِّل دائمًا أن يكتب في "المصري اليوم"؛ لذلك قال مازحًا في لقائه برؤساء التحرير بصفته نائبًا لرئيس الوزراء: "أنا بشتغل عند "مجدي جلاد" -رئيس تحرير المصري اليوم-.
وفي الواقع: إن هذه وحدها كانت كفيلة بأن يُسقطه الشعب، والمجلس العسكري، ورئيس مجلس الوزراء؛ لولا أن الجميع كان في صدمة التظاهرات الطائفية التي ملأت البلاد فجأة وقتها.
وأيضًا سوف أكتفي هنا بنقل خاتمة مقال: "سيدي الرئيس"؛ لتعرف شخصية الرجل.. حيث قال في خاتمتها: "سيدي الرئيس: أرجو أنْ تغفر لي يا سيدي إنْ كنتُ قد تجاوزتُ قدري في هذا الحديث، فما فعلته إلا مِن أجل مصر التي هانت على كثير مِن أبنائها، أهانهم الله.
ولست أبغي مِن هذا الحديث إلا وجه الله ووجه مصر، لا أبغي جاهًا ولا مغنمًا ولا منصبًا، فأنا أعلم جيدًا أن الطريق إلي الجاه والمغنم والمنصب في هذا الزمن هو غير طريق الصدق والصراحة والوضوح.
أنا يا سيدي الرئيس بلغت مِن العمر ما أدرك معه جيدًا أنني لا أصلح لأي منصب ولا يصلح لي أي منصب، اللهم إلا تلك المحاضرة التي ألقيها بيْن الحين والحين على طلابي في معاهد العلم، وإلا كلمة حق أقولها لوجه الله ووجه مصر.
سيدي الرئيس: أنت عملتَ مِن أجل مصر الكثير، ولم يبق في العمر الكثير، ومصر تستحق الكثير يا سيدي الرئيس. توكل على الله والله معك، وستكون مصر كلها بحق معك".
إذن فالرجل يرى أنَّ الرئيس وإنْ ظلم وجار، وأراد أنْ يُورِّث الحكم لابنه سيدًا لا يُنتقد إلا بكل إجلال واحترام!

3- مصطلحات: "الضلامة - الانغلاق - العفانة":
قد تستغرب أن ذلك اللسان الحلو الذي يقطر سكرًا، ويفيض حلاوة، ويتملق مَن عطف عليه، ويحترم مَن استبد على شعبه، ويعطي خده الأيمن لمن ضربه على الأيسر، يتحول إلى وحش كاسر تنطلق الاتهامات منه يمنة ويسرة بالفصيح تارة، وبالعامية تارة أخرى، وذلك تحديدًا في معرض كلامه على الإسلاميين "لا سيما السلفيين"؛ فهو يرى أن عقولهم "ضلمة" -أي مظلمة بلغة العرب-، والتي استطاع أن يترجمها بعد في مقاله المنشور في الأهرام 21-3-2011 إلى أنَّ عقولهم "مغلقة".
ولكنه أراد أن يُثبت أنَّ الفصحى لغة غنية تسعف المتملق بألفاظ مِن عينة: "القداسة والسيادة والفخامة والحب والإجلال"، كما تسعف الساب بالتلفظ بالسب والشتم؛ فأضاف إليها: وصف العفن، فقال: "وفي حديثي الأخير مع "خيري رمضان" قلتُ نفس الشيء، ولاقى الحديث استحسانًا واسعًا‏,‏ ولكن بعضًا مِن ذوي العقول المغلقة أو العفنة -على حد تعبير أستاذنا الشيخ خلاف- لم يعجبهم كلامي.. وهذا حقهم،‏ كل ما أرجوه هو أنْ نقول رأيًا، ولا نقول سبابًا أو تهديدًا أو اتهامًا‏".
وطبعًا لا أدري.. كيف يسب الرجل مخالفيه ويصفهم بالعفن والانغلاق، ومِن قبل وصفهم بالضلامة، بل أخرجهم مِن الإسلام -"نقترح على الجمل أنْ يؤسس جماعة: الليبرالية التكفيرية"-!
المهم لن نقف كثيرًا عند سباب الرجل؛ فإنَّ القرآن يقول: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) (الفرقان:63).
وقد يقول قائل: إننا وقعنا في خطئه ومبادلة السب بالسب، والصحيح: أنَّ مَن بدأ بالسباب يُقال: إنه قد جهل عليك، وحينئذ الأفضل ألا تعامله بأخلاقه.
بيد أنَّ الجهل (بمعنى عدم المعرفة) قد تكون هي أفضل ما يمكن أنْ تصف به الرجل في ظل سقطاته الشنيعة في كلامه على الله -عز جل-، وفي مثل هذه الحالات فليس أمامنا إلا أحد وصفين للرجل: إما الكفر، وإما الجهل؛ ونحن نميل دائمًا إلى الثانية إلا إنْ أصر صاحبها على الأولى! وهذا هو موضوع المحطة الرابعة الأخيرة مِن محطات قاموس "يحيى الجمل"..

4- عدم المبالاة عند الكلام عن الله -عز جل-:
قد تتعجب أنَّ "يحيى الجمل" الذي كرر كلمة: "قداسته" عشرين مرة في خطابه لـ"بطريرك الكنيسة"، واستعمل كلمة: "سيدي الرئيس" في خطاب الرئيس السابق -رغم أنه كان في مقام المعارضة-؛ هو الذي تطيش منه الكلمة يمينًا ويسارًا وهو يتكلم عن ذات الله -عز جل-!
ورغم أنَّ الرجل يُنادي بفصل الدين عن الدولة احترامًا للدين -على زعمه-! إلا أنه لا يجد مثالاً للتعبير عن عدم وجود إجماع بيْن البشر على شيء؛ إلا أن يقول: "إن الله إذا حصل على 70% في استفتاء يحمد الله"! وتفسير ذلك عند وجود الملحدين، وهذا يفتح سؤالاً: هل العالمانيين يحترمون حرية الأديان بالفعل أم يغازلون الأقليات العطوفة الكريمة كحال "شنودة" وفرقته، بينما يسخرون مِن الأديان الأخرى؟!
ومع هذا التفسير لكلامه.. يبقى السؤال:
أين تعظيم الله؟!
لماذا يضرب المثل بالله -تعالى- في قضية كهذه؟!
وهل يدرك أنَّ الله هو الغني الحميد؟!
وهل يدرك أنَّ الله لا ينفعه إيمان مؤمن، ولا يضره تكذيب كافر، بل كما لا يضره "استهزاء زنديق"؟!
وإذا كان الله قد نهى المؤمنين أنْ يقولوا قولاً موهمًا في حق رسول الله -صلى الله عليه سلم- رغم إرادتهم المعنى الحسن له كما في قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (البقرة:104)؛ فكيف بمن قصده؟!
والأعجب مِن هذا أنْ يصر عليه، وأنْ يتباهى أنه قال هذا الكلام مِن قبل في برنامج آخر قبل خمس سنوات، ولم يعترض أحد حينها!
والرجل يظن أنه محل اهتمام الناس أينما حل أو رحل!
وبالتالي: يتصور أنهم سمعوا حديثه السابق..
وفي واقع الأمر: فإنَّ أحدًا لم يكن يلتفت إلى الدكتور "يحيى الجمل" قبل أنْ يصبح نائبًا لرئيس للوزراء في فترة استفتاء يتابع فيها الجمهور كل ما يُعرض عليهم بكل شغف؛ ولولا ذلك لمرت تلك الجريمة كما مرت سابقتها.
بالإضافة إلى أن: قبل الثورة كانت "أمن الدولة" ترصد الخطب والمقالات، بل والبلاغات إلى النائب العام قبل أنْ تُنتشر وتؤذي الثلة العالمانية؛ لا سيما العالمانيين المُُعمرين الذين خدموا في بلاط كل رئيس، كما هو الحال مع "الجمل"؛ الذي عمل سفيرًا ووزيرًا في عهد "عبد الناصر"، و"السادات"، وعُيِّن في كل الهيئات المشار إليها آنفًا في "عهد مبارك"، ثم لما "سُمِح" له بتكوين حزب معارض؛ خاطبه بقوله: "سيدي الرئيس"!
وإنْ تعجب.. فاعجب لقوله في معرض اعتراضه على الدولة الدينية: "إنني أستطيع أن أقول لعبد الناصر: أنت ديكتاتور! -"ولماذا لم يسمع لكَ حين وقتها إذن!"-.
 وأستطيع أن أقول للسادات: أنت ديكتاتور! -"ولماذا لم يسمع لكَ حين وقتها إذن!"-.
وأستطيع إن أقول لمبارك: أنت ديكتاتور! -"ولماذا خاطبته بقولك: سيدي الرئيس!"-.
ولكن لا أستطيع أن أقول لربنا: أنت ديكتاتور!".
وهي كلمة قبيحة؛ لأن الهم بقولها كفر وإنْ لم يقلها؛ لأنه لم يقلها لعدم اقتناعه بها، بل لعدم قدرته على عدم قولها! (مع علمي بأنه إنْ سُئِل سوف يجد للكلام جوابًا، ومِن ثمَّ فنحن ننصحه بأنْ يُعِد الجواب أمام الله أولاً).
وفي معرض آخر يقول: "إنَّ مناصري الدولة الدينية يقولون: ربنا قال وربنا بقاله 1400 سنة ما قالش"!
وهذا يدفعنا للتساؤل عن عقيدته في القرآن: هل يعتقد أنه كلام الله أم لا؟!
وعن عقيدته في حفظه: هل يعتقد أنه محفوظ؛ لا يأتيه الباطل مِن بين يديه ولا من خلفه أم لا؟!
وعن عقيدته في الله: هل هو أحكم الحاكمين أم لا؟!
وهل تشريع أحكم الحاكمين تشريعٌ للعالمين دونما قَيْد بزمانٍ أو مكانٍ أم لا؟!
ومعلوم أنَّ الإجابة عن أي سؤال مما مضى بلا. تساوي الإجابة عن سؤال: هل أنتَ مسلم بلا؟!
ثم إنَّ أي تأويل يمكن أنْ يُدَّعى في مثل هذه الألفاظ.. ربما يعفي صاحبه مِن وصف الكفر أمام الناس، لكنه لن يعفيه مِن أنَّ الله مطلع على ما في قلبه، ثم إنَّ الكلام فاحش بذيء على كل حال؛ فإنْ نجى صاحبه مِن الكفر؛ فلا أقل مِن التوبة والاستغفار والندم.
ومِن عباراته القبيحة في حق الله -عز جل-.. قوله في معرض نقد الدولة الدينية -في حوار سابق-: "إنَّ أصحاب الدولة الدينية يقولون: "ربنا قال"، ومِن ثمَ يغلق معك باب المناقشة.. وهذا ما نرفضه.. "!
وهذا الذي ذكره هو حال المنافقين الذين وصفهم الله -تعالى- بقوله: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) (النساء:61). وهذا هو عين فعل الجمل الذي حكاه بنفسه عن نفسه بغير واسطة!

والحاصل أنَّ الدكتور "الجمل":
1- يتكلم على ذات الله -تعالى- بطريقة فيها قدر مِن اللامبالاة، في الوقت الذي يتأكد مِن كلامه على غير الله أنه يحس الكلام بلغة التوقير والتبجيل متى أراد!
2- أنه يعرض عن حُكم الله إذا جاءه!
وكل واحدة مِن هاتين أطم مِن الأخرى، ولولا احتمال الجهل والتأويل الذي يجب اعتبارهما -وإنْ بدا احتمالهما ضعيفًا-؛ لكان لنا معه شأن آخر.

ولكن.. ليكن الموقف الآن:
1- مطالبة "يحيى الجمل" بالتبرؤ والتوبة إلى الله مِن كل هذه الفتن.
2- مطالبة المجلس العسكري بالإقالة الفورية لهذا الرجل مِن كل مناصبه، ونذكرهم بموقف الرئيس السابق الذي قطع إرسال التلفزيون لإذاعة خبر إقالة "زكي بدر" لما سب بعض الرموز الصحفية، وإن كان قد توانى عن فعل ذلك مع مَن سب الله! وهذا والله مِن أعظم أسباب إزالة الله لحكمه؛ فلا ينبغي أن نكرر الخطأ..
ولو أرادوا استفتاءً على ذلك؛ فليكن.. ونحن نثق أنَّ النتيجة ستكون أكثر مِن 77% التي خرج بها استفتاء تعديل الدستور.
3- مطالبة الجمهور بتفعيل حملات إسقاط "يحيى الجمل" دون الخروج إلى مظاهرات الآن؛ حيث يُخشى أن يكون الأمر استفزازًا لجر البلاد إلى مظاهرات متبادلة؛ لإفساد نتيجة الاستفتاء.
ولتكن الوسائل:
إرسال رسائل إلى كل قادة المجلس العسكري..
ومجلس الوزراء..
بإسقاط.. "يحيى الجمل".

كتبه: عبد المنعم الشحات
18-ربيع ثاني-1432هـ   23-مارس-2011

20‏/03‏/2011

رؤوس الضلال الدُعاةُ على أبوابِ جهنم

قال النووي رحمه الله: ((قوله عليه الصلاة والسلام: "دُعاةٌ على أبواب جهنم، مَن أجابهم إليها قذفوه فيها"، قال العلماء: هؤلاء مَن كان مِن الأمراء يدعو إلى بدعةٍ أو ضلالٍ آخَر، كالخوارِج والقرامِطة وأصحاب المِحنة)) [صحيح مسلم شرح النووي (6/37)]...
ولا شك أنَّ أهل البِدَع المعاصِرة المنتسبين إلى الإسلام الداعين إلى الكفر والنفاق مِن أصحاب المذاهب الإلحادية كالعَلمانيين، وأصحاب القوانين الوضعية، والديموقراطيين، والاشتراكيين، والوطنيين القوميين الذين يريدون هدم الرابطة الدينية للمجتمع وإقامة الرابطة الوطنية بدلاً منها، ومَن ينادي بلزوم اتَّباع الغرب وتقليده، وكذا سائر الأحزاب القائمة على خِلاف مبدأ دين الله أو مباديء دين الله سبحانه، بالإضافة إلى دعاة البِدَع القديمة التي تُطِل في ثوبٍ جديد أو في ثوبها القديم، كالرافضة والخوارج والقبوريين، لا شك أنَّ كل هؤلاء ينطبق عليهم هذا الوصف مِن النبي صلى الله عليه وسلم، وما أكثرهم في زماننا، وقد قَوِيَ سلطانهم وتملَّكوا بلاداً وأقطاراً نشروا فيها النفاق الأكبر، وأحياناً الكفر البواح بلا مُداراة، فضلاً عن صفات النفاق والفسوق والعصيان التي ملأت المجتمعات بسببهم، وتفرق الناس في صراعات جاهلية في متابعتهم، أهلكت القلوب والأبدان والعباد والبلاد.
ولا شك أنَّ القبول بتصدُّر أمثال هؤلاء ورياستهم للمجتمع والإقرار بولايتهم على المسلمين – ولاية شرعية يُؤمَرُ المسلمين فيها بالسمع والطاعة والاعتراف لهم بحق التوجيه والأمر والنهي – مِن أعظم ما يؤدي إلى فُرقة المسلمين وهلاكهم في طاعة هؤلاء.
وللأسف فهذا مذهب البعض مِن أبناء الصحوة، يَرَوْن هؤلاء الدعاة على أبواب جهنم ولاة أمور شرعيين وليسوا فقط قد فرضوا على المسلمين أمراً واقعاً بالقوة لا بالحق. ولا شك في ضرورة التفرقة بين الأمر الواقع والأمر الشرعي الذي هو الحق دون ما سواه.
ومِن أسباب الشُّبهة التي دخلت على البعض في هذا المقام: كلام أهل العلم في أنَّ الولاية تثبُت بالاستيلاء والتغلُّب، ولو لم يكُن مستوفياً شروط الإمامة.
والحقيقة أنَّ كلام العلماء في ذلك إنما هو إستيلاء مَن هو صالح للإمامة، قال الإمام الجُوَيْني: ((فإن خلا الزمانُ عن ذلك واستولى كافٍ ذو استقلال بالأشغال للذب عن بيضةِ الإسلام وحوزته، فهذا له حُكم الآمر بالمعروف الناهي عن المنكر الذي تُوَكَّل له الأمور التي كانت مَنوطة بالأئمة، لأنهم إنما تولوا الأمور ليكونوا ذرائع إلى إقامة أحكام الشرائع)) [راجع غياث الأُمم – صفحات (239-278)]، والأدلة التي استدلوا بها تدل على ذلك، فإنَّ مِن أدلة ذلك قَوْل النبي صلى الله عليه وسلم: ((لو استُعْمِل عليكم عبدُ حبشيٌ يقودُكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا)) [صحيح مسلم (1298)، والنسائي (4203)، وابن ماجة (2861)]، وفي رواية: ((مجدَع الأطراف))، ومعلومٌ أنَّ الحرِّية والنَّسَب مِن شروط الإمامة، ((وقد حَمَل العلماء الحديث على صورتَيْن: إما أنْ يوليه بعض الأئمة أو أنْ يتغلَّب على البلاد بشوكته وأتباعه)) [صحيح مسلم شرح النووي (26/6)]، والحديث ظاهر في أنه لابد أنْ يقود الناس بكتاب الله، فالغرض إقامة الدين وسياسة الدنيا بالدين.
وكما قال الإمام الجُوَيْني: ((والغَرَض استصلاح أهل الإيمان على أقصى ما يُفْرَض فيه الإمكان)). وليس المقصود وجود صورة الولاية حتى لو كانت حرباً على الدين وأهله وولايةً للكفار ونُصحاً لهم وسعياً لمصلحتهم على حساب المسلمين وبلادهم، فإذا أضفنا إلى ذلك أنهم ما تولوا الرياسة أصلاً باسم الدين ولا نسبوا أنفسهم إلى القيام بواجباته، بل يُقسِمون صراحةً على إقامة دساتيرهم وقوانينهم الوضعية، التي يعلم الكافَّة مخالفتها للشريعة المخالفة الكفرية، بل لا يتولى أحدهم منصبه بمثل هذا القَسَم.
فأين العَقْد الذي عقدته له الأمة ممثَّلةً في أهل الحل والعقد منها؟ وأين المقصود الشرعي للإمامة شكلاً أو موضوعاً، رسماً أو حقيقةً واقعةً حتى يُمكِن مِن أجله تصحيح الولاية شرعاً للقيام بالمصالح والمقاصد الشرعية وعدم إهدارها ولو بدون عقد ولاية مِن أهل الحل والعقد؟ مِن الواضح الجلي أنه لا هذا ولا ذاك يمكن أنْ يُدًّعى وجوده بأقل الدرجات.
وهذه المسألة – نعني عدم اعتبارهم ولاة شرعيين – ليست مبنية على تكفير أعيانهم مِن عدم تكفيرهم، فالإسلام شرط آخر مِن شروط الولاية تبطل بفقده كولاية شرعية ابتداءً أو عند طروء الكُفر كما هو مُبَيَّن في موضعه، ولكن لا يلزم مِن عدم التكفير بالأعيان – لعذرٍ بجهل أو تأويل أو إكراهٍ مُدًّعَى – أنْ تُصَحَّح الولاية شرعاً، لأنَّ العَقْد لم يتم عليها، ولا المقاصد الشرعية وُجِدَت حتى يُمْكِن اعتبارها صحيحة بالتغَلُّب.
أما مسألة التكفير فهي لأهلِ العِلمِ حسب استيفاء الشروط وانتفاء الموانِع، وكثيراً ما يكون الاختلاف فيها راجعاً غلى تحقيق المناط، وهذا في أحوالنا اليوم غالباً ما يكون سائغاً لانتشار المنافقين وكثرة مداراتهم وتلبيسهم على الناس، حتى أهلِ العِلم منهم.

كتبه: ياسر برهامي
مِن كتاب "فقه الخلاف بين المسلمين"

17‏/03‏/2011

لماذا قلنا: نعم؟ ولماذا قالوا: لا؟

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فالليبراليون والعالمانيون يدَّعون أنهم مع الديمقراطية والحرية، وأنهم مع إرادة الشعب، وأنهم ضد الحكم العسكري، إلى درجة أنهم يستنكفون -أسوة بأمريكا- أن يكون وزير الدفاع نفسه عسكريًا، ويُطالبون بأن يكون مدنيًا؛ بينما يهتم الإسلاميون في العادة بجوهر الإصلاحات التي تتم، ويُعلون المصلحة العليا للبلاد والعباد، وهذه الحقيقة تثبت الأحداثُ ـ يومًا بعد يوم ـ صدقَها.
بينما يبدو أن العالمانيين والليبراليين تحكمهم قواعد أخرى غير العالمانية التي يريدون نشرها قسرًا بيْن الناس والليبرالية التي يزعمون التبشير بها!

إننا أمام "مفارقة كوميدية" بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ؛ "ليبرالية" أو حرية مطلقة -لا سيما مِن قيد الدين كما هو تعريفها عند أصحابها- يُراد لها أن تُفرض على الناس فرضًا، وفي سبيل ذلك يدعو العالمانيون صراحة إلى بقاء الجيش في السلطة لمدة أطول - رغم رفض الجيش لذلك- من أجل البحث عن حيلة تُوجِد لهم موطأ قدم على الأرض.
وهذا مِن وجهة نظري: "انتحار سياسي" لكل مَن يُطالِب به مِن العالمانيين والليبراليين؛ لأنه ببساطة يصنفهم في خانة مَن يَسعى إلى توسيع جبهة التأييد له، ولو على حساب مبادئه!

لقد قال معظم العالمانيين "لا" للتعديلات الدستورية، وهذه مناقشة لأهم أسباب رفضهم لها.

السبب الأول:
الإحباط مِن عدم مساس هذه التعديلات بالمادة الثانية، والملاحظ أن عددًا كبيرًا جدًا ممن يعترضون على التعديلات الدستورية كانوا يُطالبون بحذف أو تعديل المادة الثانية مِن الدستور التي تنص على أن دين الدولة هو الإسلام، وأن لغتها هي اللغة العربية، وأن مبادئ الشريعة إسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وقد بيَّنا أهمية هذه المادة في أكثر مِن مقال سابق.
ويكفي أن تعرف الجيوش التي جُيشت لإلغائها، وأن المبرر الرئيسي للمطالبة بدستور جديد هو: إلغاؤها بدون الحاجة إلى استفتاء شعبي، ثم عمل دستور جديد خالٍ منها، وبعضهم قد صرح بهذا!
وعلى الرغم مِن أن التعديلات الحالية تنص على عمل دستور جديد بعد استكمال مؤسسات الدولة المنتخبة إلا أنها أوكلت اختيار اللجنة التأسيسية إلى مجلس الشعب الذي مِن المتوقع أن يكون تمثيل الإسلاميين فيه في غاية القوة، ومِن ثمَّ فهم يريدون لجنة تأسيسية تختار بسياسة الصوت العالي، ومَن يملك الحضور أكثر في وسائل الإعلام، وهذا ما جعل البعض يصرحون بالسبب الثاني.

السبب الثاني:
إن الرفض هو إجراء تكتيكي؛ لتعطيل ما وراء ذلك مِن إجراءات، وأهمها: انتخابات مجلس الشعب؛ لأن الانتخابات القادمة لن تفرز إلا الإسلاميين، وبقايا النظام السابق، وهذه زلة لو وقع فيها ليبرالي أو ديموقراطي غربي؛ لانسحب على أثرها مِن الحياة السياسية إلى الأبد؛ لأن التخوف هنا ليس مِن تزوير الانتخابات؛ ولكن التخوف مِن أن تأتي الانتخابات النزيهة بأناس ليسوا على مزاج الساسة العالمانيين، وهم رموز النظام السابق، رغم أن معظم الليبراليين المتخوفين مِن هذه الجزئية معدودين من رموز النظام السابق.
ألم يكن الدكتور "يحيى الجمل" عضوًا في لجنة تعديل الدستور التي أسسها الرئيس السابق؟!
ألم يكن "ساويرس" رجل الأعمال المقرب لدى السلطة الذي لم ترفض له تصريح قناة في الوقت الذي منع غيره؟!
حتى الدكتور "البرادعي" الذي ظل طوال الفترة السابقة على أحداث يناير يدافع عن الرئيس السابق، ولكنه فقط يستنكر تأخر قطار التغيير، ثم بعد أحداث 25 يناير - وإن شئت الدقة - في 28 يناير تحول "البرادعي" إلى مطالب بإسقاط النظام بكل رموزه، ومعه الدستور، وتحول النظام السابق إلى نظام مستبد جائر إلى آخره؟!
وعلى أيٍّ، فالديمقراطية التي يزعمون الإيمان بها تفرض عليهم أن يرحبوا بمن أتى عبر صناديق الاقتراع، ولو كان مِن رموز النظام السابق الذين لم يسعفهم الحظ فيقفزوا مِن قطاره في اللحظة المناسبة كما قفز غيرهم.
ثم إن رموز النظام السابق لن تستطيع الوصول إلا مِن خلال الانتخابات الفردية حيث التربيطات الانتخابية، والعصبية القبلية، وعلاج هذا الأمر لا سيما في بلد يتعاظم الانتماء القبلي والعائلي في كثير مِن بقاعه يتمثل فى اجراء الانتخابات بالقائمة، ولأن الليبراليين يرفضون هذه الفكرة أيضًا - مع أنها تعمق أن يكون المجلس التشريعي مجلسًا سياسيًا، وليس مجرد مجلس آخر للمحليات -، وطالما كان الأمر كذلك؛ فليقبلوا برموز النظام السابق شاءوا أم أبوا.
وأما الفريق الآخر الذي يقر العالمانيون بأنه سيحصل على تمثيل كبير في المجلس القادم فهو الإسلاميون، والسؤال مرة أخرى: هل الديمقراطية حكر على المناهج الوافدة أم ماذا؟
فإذا كان هؤلاء يدْعون للديموقراطية؛ فلمَ ينزعجون مِن نتائجها؟
ولماذا يُقصى الإسلاميون طالما أن الأمة سوف تختارهم في انتخابات نزيهة؟!
يقولون: لأنه عبر ثلاثين سنة سَمحَ النظام للإخوان بالتواجد العلني بخلاف الأحزاب الليبرالية التي كانت مقيدة، ومِن ثمَّ فهي في حاجة إلى فترة يكسبون فيها أنصارًا!
ولا أدري أي سماح سمح به النظام للإخوان بحرية العمل، وهم الذين كانوا يعتقلون، وتصادر أموالهم، وتجرم لافتاتهم؟! في وقت كان الدكتور فلان يستخدم صالة كبار الزوار في مطار القاهرة ذهابًا وإيابًا، والمناضل علان يحصل حزبه على الدعم الحكومي للأحزاب!
عمومًا.. يكفينا اعتراف الأحزاب الليبرالية مجتمعة بأنها لا تملك رصيدًا في الشارع المصري في انتخابات نزيهة؛ بغض النظر عن مبررات أصحابها.
يبقى أنهم سوف يتمحكون في "شباب الثورة" الذين هم أصحاب الثورة الحقيقيين، والذين يجب أن نعطيهم فرصة؛ لكي تعرفهم الناس، وكأن هذه التعديلات انتخابات تشريعية، وليست استفتاء على الدستور، وما زالت هناك فرصة قبل الانتخابات التشريعية؛ ليتواجد شباب الثورة بين الناس.
ثم مَن هم شباب الثورة؟ مَن دعا إليها أولاً؟ أم مَن وصل بها إلى بر الأمان؟
فإذا كان شباب "الفيس بوك" - وليس بيننا وبينهم إلا الحب والإعجاب - هم من دعا إلى "مظاهرات 25 يناير"؛ فإن مَن حوَّلها إلى ثورة، وحماها، وصد الهجوم البربري عليها هم شباب التيار الإسلامي مِن إخوان وسلفيين باعتراف ساويرس نفسه.
فلماذا ـ إذن ـ اختزال شباب الثورة في المجموعة غير السياسية من الشباب مع أن المسيسين كانوا أكثر؟!
نعم، تم الاتفاق على عدم تسييس الثورة، ولكن كانت كل الاتجاهات ممثلة، وعدد غير المسيسين ـ أصلاً ـ كان قليلاً، ثم سرعان ما أعلنوا عن مشروعات أحزاب سياسية.
ثم إنَّ جعل المشروعية مشروعية الثورة استبداد شمولي يفوق استبداد ثورة يوليو، لا سيما أن "فاتورة الثورة" لم يدفعها محتجو التحرير فقط؛ فبينما كانت كاميرات الإعلام العالمي تقدم قدرًا مِن الحماية لمحتجي التحرير؛ كان البلطجية يقتلون وينهبون؛ حتى يثور الشعب على الثوار، ولكنه لم يثر - بفضل الله -، ثم بفضل التواجد الإسلامي ـ لا سيما "السلفي" في الشارع المصري ـ.
إن الشعب قد تحمل الخوف والنقص في المؤن والعطلة في الأعمال، ولو أننا افترضنا أن الشعب كان مؤيدًا للنظام أو محايدًا ـ على أقل تقدير ـ؛ لما جاز أن تُسمى هذه ثورة، ولما أصبحت لها أي مشروعية.
فلماذا يقولون: الشعب يريد إسقاط النظام، والشعب يجب أن يصبر حتى يسقط النظام، ثم يقولون: متظاهرو التحرير يريدون وضع الدستور منفردين؟!
ثم مَن الذي يضمن لنا مَن سيخرج إلى التظاهر في التحرير؛ إذا دعوا إلى ذلك؟! أو مَن سينضم إلى كيان هو ممن خرج إلى التحرير قبل تنحي الرئيس؟!
إن ادعاء أن المشروعية هي مشروعية التحرير، ثم ادعاء أن ذوي "الكرافتات الأنيقة" هم مَن يملك التحدث باسمهم هو نوع مِن السرقة المركبة للشعب أولاً، ثم لمتظاهري التحرير ثانيًا؛ فإذا كان شعار التحرير: "الشعب يريد إسقاط النظام"، فليكن الشعار القادم: "الشعب يريد أو لا يريد التعديلات الدستورية".

السبب الثالث:
اعتراضهم على منع مزدوج الجنسية والمتزوج بأجنبية مِن الترشيح، ونحن نقول: إن الاشتراطات الخاصة برئيس الجمهورية مِن الناحية الشرعية مطلوب أن يزاد عليها شروط تضمن ولاءه لأمته، ولكن وضع هذه الشروط قد يكون غير متيسر الآن؛ فلا أقل من استبعاد من أصبح ولاؤه منقوصًا بحكم العرف الدستوري المصري منذ نشأته.
وهذا يختلف حتى مِن وجهة النظر الديمقراطية في بلد مثل مصر تعرض لاحتلال وحروب عن بلد آخر قائم على الهجرة، ومعظم أبنائه مزدوجو الجنسية، ومع هذا يتعرض مَن هناك شبهة نقص في ولائه لهجوم شرس كما تم في حالة "أوباما"، مع أن "أمريكا" دولة مؤسسات بكل ما تحويه الكلمة مِن معانٍ، ومِن ثمَّ فإن استبعاد كل مَن يوجد احتمال في نقص ولائهم أمر مطلوب، وليس هذا طعنًا في كل مزدوج جنسية، ولكنه احتياط اقتضته طبائع الأمور.
والعجيب: أن الدكتور "البرادعي" يصرِّح بأنه ليست معه جنسية أخرى، وأن زوجته مصرية؛ فلمَ افتعال المشكلات ـ إذن ـ؟!
ثم إن مزدوج الجنسية لا يحصل عليها في الغالب إلا بعد هجرة طويلة أو دائمة إلى البلاد الأخرى؛ فكيف يمكن أن يهبط أمثال هؤلاء بالبراشوت؛ ليتبوءوا رأس الهرم في السلطة التنفيذية؟!
ومِن طرائف الأمور: ما أدلى به الدكتور "البرادعي": إنه عندما جاء لتعزية أسرة "خالد سعيد" في الإسكندرية كانت المرة الأولى في حياته التي رأى فيها "الأمن المركزي"!
ولا ندري كم مِن الأمور المركزية الأخرى في مصر التي لم يرها الدكتور البرادعى مِن قبل؟!
وكم مِن الأمور التي رآها وأحبها وتشبع بها في حياته خارج مصر، ومنها: الليبرالية الأخلاقية؟! ولا مجال للخوض فيما هو أكثر من ذلك الآن!

ثم إن مَن يتابع ما أشيع مِن أن الرئيس السابق فكَّر في التنحي مبكرًا، وأن الابن وأمه هم مَن حاول مِن خلال بعض الساسة عرقلة التنحي؛ يتبيَّن له أن الانتماء إلى جنسية أخرى ولو مِن زوجة الرئيس خطر في حالة مثل الحالة المصرية.

السبب الرابع:
يدعى هؤلاء أن الدستور الحالي يجمع الصلاحيات في يد الرئيس مما يهدد بوجود طاغية آخر.
وهؤلاء يغفلون أن الرئيس لم يتوحش إلا بعد تزوير مجلس الشعب، وأن السنوات الأولى مِن حكم أي رئيس - مهما أعطاه الدستور مِن صلاحيات - تكون أقرب إلى مراعاة المصلحة، وأن تقييد مدة حكم رئيس الجمهورية كافية في المرحلة الراهنة حتى ننتقل بسرعة إلى الحكم الطبيعي.
السبب الخامس:
ادعاء أن الدستور سقط بقيام الثورة.
وقد تناسى هؤلاء أن القوات المسلحة التي ابتهج الثوار عندما آل الحكم إليها قامت على أساس هذا الدستور، وأنها تولت الحكم بناء على تنحي الرئيس السابق الذي تنحى لصالح المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ففي ادعاء سقوط الدستور ادعاء لسقوط القوات المسلحة مما يعني: سقوط الدولة ككل!
ثم إنها مسألة شكلية.. لا ندري وجه اهتمام اللبراليين الذين ما يفتأون يدعوننا إلى تطبيق روح الدين، وترك قشوره - التي تشمل عندهم كل التشريعات العامة، وجزءًا مِن العبادات -، ثم يتمسكون بشكلية سقوط الدستور مثلاً!

الحاصل أن: العالمانيين يقولون: لا؛ لأنهم يحتاجون أن يقوموا بحالة إبقاء للوضع على ما هو عليه حتى ينظموا صفوفهم، فهم يعطلون الجدول الزمني للإصلاح ليس إلا؛ بينما يقول الإسلاميون: نعم؛ لأسباب بيناها مِن قبل.

منها على سبيل الإيجاز:
1- تثبيت المادة التي تقول: "إن الإسلام هو دين الدولة الرسمي".
2- تثبيت أن الشريعة هي: "المصدر الرئيسي للتشريع".
3- وبالجملة فالدستور السابق أكثر محافظة على الهوية مما يرتب له العالمانيون والليبراليون.
4- منع مزدوج الجنسية مِن قيادة البلاد في وقت تتربص فيه دول العالم بنا، وتريد أن تقودنا عن طريق وكلائها.
5- لأنها نزعت مِن الرئيس أهم سبب من أسباب طغيانه وهو طول فترة حكمه؛ لأنها نزعت ممن يشغل منصب الرئيس أهم ما يغرى حكام زماننا بالطغيان؛ وهو طول فترة حكمهم، وأما باقي الصلاحيات ـ على اتساعها ـ فلم تكن سببًا في الاستبداد، والفترة الأولى مِن حكم الرئيس السابق تشهد بهذا.
6- لسرعة إنجاز مهام الفترة الانتقالية؛ ليتفرغ الجيش لحماية الحدود، ونسارع بعجلة العودة إلى الحياة الطبيعية، ونعود ندعو قومنا إلى مزيدٍ مِن العودة نحو الإسلام: حكامًا ومحكومين.
7- لسرعة عودة الصورة الطبيعية للحالة الاقتصادية، وتهيئة مناخ الاستثمار؛ وإلا كانت الثورة سببًا لتأخر الاقتصاد، لا لتقدمه.

إخواننا الأعزاء:
التعديلات الدستورية خطوة على الطريق الصحيح، نخشى إن ضاعت؛ أن يلتف أعداء الأمة عليها، ويقفزوا فوق مكتسبات أبنائها المخلصين.
لذلك تدعوكم الدعوة السلفية جميعًا إلى المشاركة في الاستفتاء السبت 19-2-2011، والتصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية.

هذا وبالإضافة إلى "الدعوة السلفية" فقد دعت تيارات ورموز إسلامية كثيرة إلى الموافقة على التعديلات الدستورية، منها:
1- جماعة أنصار السنة
2- جماعة الإخوان المسلمين.
3- الجماعة الإسلامية.
4- حزب الوسط.
5- الهيئة الشرعية للحقوق و الاصلاح
وقد وقع عن الهيئة كل من:
1- الشيخ نصر فريد واصل
2- أ.د. علي أحمد السالوس
3- د. محمد يسري إبراهيم

ومِن الرموز الإسلامية والمفكرين أيضا:
4- الشيخ "محمد عبد المقصود"، ومِن الجدير بالتنبيه عليه: أنه دعا أولاً إلى التصويت بلا، ثم تبين له خطورة ذلك وما قد يؤدي إليه من إتاحة الفرصة للتحرش بهوية الأمة؛ فنصح بالتصويت بنعم، فجزاه الله خيرًا.
5- فضيلة الشيخ "أحمد المحلاوي" - حفظه الله -.
6- الدكتور محمد سليم العوا
7- الأستاذ جمال سلطان

و الله من وراء القصد، وهو الموفِّق والهادي إلى سواء السبيل.

كتبه: عبد المنعم الشحات
11-ربيع ثاني-1432هـ   16-مارس-2011