30‏/05‏/2011

أربعين سنة... تاهوا أم يتيهون؟

إنَّ لحظات التغير في حياة الأمم قليلة ونادرة، وأقل منها وأكثر ندرة أنْ تُـتاح في أوقات التغيير فرصة للتفكير واختبار الوجهة، بحيث تُعطى الفرصة للأمة لتتدبر ماضيها ولتختار مستقبلها دون قيود أو معوقات، وفي هذه الحالة لا تكون لحظة تغيير فحسب، ولكنها معجزة مِن معجزات الله تبارك وتعالى وآية مِن آيات قدرته ربما تشبه إلى حد ما الفرصة التي يمنحها الله تبارك وتعالى لعباده كل عام في رمضان، بحيث تُصفد الشياطين كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((إِذاَ جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ)) [متفق عليه]. وعندها يقف الإنسان أمام نفسه بدون معوقات تحول بينه وبين ربه.. لكن!! نحن نتكلم هنا عن حياة الأمم حين تقع المعجزة وتصبح الأمة عن الاختيار غير عاجزة ولا تقف بينها وبين الخير قوة حاجزة، فالأمر هنا كبير ربما لم يحدث إلا مرات قليلة جداً، لعل منها ما حدث مع بني إسرائيل وقد كانوا في معيشة ضنك، يسومهم فرعون سوء العذاب ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ [القصص:4] عقود مِن الذل والاستعباد عاشها بنوا إسرائيل تحت وطئة فرعون وملئه، حتى تغيرت الفِطَر وألفت النفوس الذل والإستعباد وحتى المهانة التي لحقت بهم قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ نَجَّيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنَ الْعَذَابِ الْمُهِينِ﴾ [الدخان:30]، نجاهم ربنا تبارك وتعالى بأمرٍ مِن عنده بعد لحظات عصيبة عاشوها، عذاب لا يحتمل، ومهانة خالطت القلوب والأجساد ثم هروب مِن فرعون وجنوده إلى حافة البحر حتى قالوا: ﴿إِنَّا لَمُدْرَكُونَ﴾ وفُرِقَ البحر بقدرة الله، وهذه آية مِن آيات الله التي تكفي ليوقن مَن عاشها وشاهدها بوجوده سبحانه وبقدرته، وفي لحظات حاسمة طويت صفحة فرعون، وأدركه الغرق بعد أنْ كاد هو يدرك بني إسرائيل، ومضى حكم الله نافذاً ﴿إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ﴾ [الدخان:24].. ﴿كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ [الدخان:28].

ووقف القوم على الشاطيء الآخر مِن البحر، على الشاطيء الآخر مِن المعجزة.. بدون فرعون.. بدون هامان.. وبدون جنودهما!!
ذهب الخوف ورُفِعت القيود، ونظر الناس أمامهم والخيار في أيديهم.
نحن أمام معجزة تمت لقد كُسِرَت القيود ولاحت الفرص. وهي معجزة بالغة الدلالة على فضل الله سبحانه وتعالى، لكن العجيب أنَّ القوم عندما وقفوا على أرض الحرية ذهبوا في الاتجاه المعاكس تماماً ﴿يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾ [الأعراف:138] سبحان الله تريدون إلهاً؟! إذاً فمَن الذي نجاكم منذ لحظات؟! ﴿قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:140].

هذا ما وقع فيه بنو إسرائيل بعدما نجاهم الله سبحانه وتعالى راحوا يطلبون إلهاً غيره وطريقاً غير طريقه، وفي قصتهم هذه درس عظيم خاصة في هذه الأيام مِن "أيام الله" التي نشهد فيها أحداثاً على قدر كبير مِن التشابه مع ما حدث لهم، فنحن نقف الآن على أرض الحرية بعد أنْ نجانا الله مِن القوم الظالمين وأصبحنا على الجانب الأخر نتدبر ما كان ونختار لمستقبلنا ومستقبل أمتنا.. فهل ننظر إلى نعمة الله علينا، فنقول كما قال موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ﴾ [القصص:17] فنتوجه إلى صاحب النعمة إلى رب العالمين..؟ أم إننا بحاجة إلى استكمال القصة كما استكملها بنوا إسرائيل؟!!

﴿قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ [البقرة:93] على هذا المنهج سار القوم وبمثل هذا الدستور استكملوا حكايتهم على أرض الحرية، اختاروا طريقهم.. طريق العبودية، لكن عبدوا ﴿عِجْلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ﴾ (الأعراف:148)!! .. بهذه الصفات البشعة اختار القوم معبودهم الذي طلبوه مِن موسى عليه السلام!!
ومِن هنا بدأت الرحلة واختار القوم بكامل حريتهم طريقاً غير طريق الله ﴿ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾ [النساء:153] وبعدما تاهوا وراء عجلهم علموا أنَّ الطريق مسدودة ﴿وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قَالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [الأعراف:149].
وعادوا بعدها إلى نقطة البداية واختاروا طريقاً جديداً لكنهم وكأنَّ شيئاً لم يكن ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ [النساء:46] فلما قال لهم نبيهم: ﴿يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ﴾ [المائدة:21] ﴿قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا﴾ [المائدة:24]، فكَتَبَ الله تبارك وتعالى عليهم التيه الذي اختاروه لأنفسهم مِن بداية الرحلة على أرض الحرية ﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ﴾ [المائدة:26] تاه القوم وظلموا هكذا لا يستقر لهم قرار ولا يستقيم لهم حال، كلما أنعم الله عليهم بنعمة يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير!!
والتيه في اللغة: الحيرة.. قال السعدي: ((يتيهون في الأرض، لا يهتدون إلى طريق ولا يبقون مطمئنين)).

هكذا كانت وجهة بني إسرائيل عندما فتحت أمامهم أبواب الحرية والاختيار.. وهذه قصتهم أخبرنا الله تبارك وتعالى بها في كتابه لتكون حكمة بالغة لعلنا نتذكر أو نخشى.
وعند هذا الحد كان مِن المفترض أنْ تقف البشرية كلها على هذه القصة، وكان مِن المتوقع ألا تتكرر.. ولكنها السنن!!
كما روى أبو واقد الليثي- وكان من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم- قال: ((لما افتتح رسول الله مكة خرج بنا معه قبل هوازن حتى مررنا على سدرة الكفار -سدرة يعكفون حولها ويدعونها ذات أنواط- قلنا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الله أكبر إنها السنن، هذا كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾ [الأعراف:138] ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لتركبن سنن مَن قبلكم)) [ابن حبان وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم].

هكذا هي السنن فمن سنن الله التي لا تتبدل أنَّ مَن اختار طريقاً غير طريق الله دخل في تيه لا يعلم منتهاه إلا الله، ولقد ذقنا مرارة الاحتلال الأجنبي لبلادنا، فلما نجانا الله مِن المحتل اختار أصحاب القرار وقتها من على أرض الحرية طريقاً غير طريق الله وقالوا: "اشتراكية ومركسية"، ووافقهم مَن وافقهم على ذلك فدخلت الأمة في التيه ثم عادت كما عاد بنو إسرائيل، لكنهم وبنفس الطريقة اختاروا طريقاً غير طريق الله وقالوا: "ديموقراطية ورأس مالية" ودخلت الأمة في التيه سنين عدداً، ثم لما عرف القوم أنَّ الطريق مسدود عادوا إلى نقطة البداية وهذه المرة بفضل الله المحض وقفت الأمة على أعتاب باب الحرية!!
لكن.. مازالت أصوات عالية ومصممة على دخول التيه مرة أخرى فنسمع مَن ينادي بالعلمانية تارة، ومَن ينادي بالليبرالية تارة أخرى ومَن يجمع بينهما، والمهم عندهم أنْ تبتعد الأمة مرة أخرى عن طريق ربها!!

والسؤال هنا هل نتمكن هذه المرة أنْ نخرج مِن هذا التيه الذي دخلت فيه أمتنا منذ سنين، ونكتفي بهذه المراحل التي تاهت مِن عمر الأمة وتاهت فيها الأمة أم ندخل في مرحلة جديدة مِن التيه بعد أنْ تبينت لنا سنن الله في المخالفين لمنهجه؟!
وإجابة هذا السؤال تعتمد إلى حد كبير على نجاح أهل الحق في عرض الحق الذي معهم وتحويله إلى واقع ملموس في حياة الناس.
ونقول لهؤلاء الذي ما كفاهم المتاهات التي دخلت فيها الأمة بعيداً عن شرع الله نقول لهم كما قال الله تعالى ﴿وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال:19]، انتهوا خيراً لكم يا عباد الله، هذه هي سُنة الله فيمن اختار طريقاً غير طريقه، أنتم الآن على أرض الحرية، فأين تذهبون؟!

كتبه: سامح أحمد أبو الروس
مجلة التوحيد: العدد 474 – السنة الأربعون – جمادى الآخر 1432هـ

27‏/05‏/2011

البيان الحادي عشر للهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بشأن ما سُمي بجمعة الغضب الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد

تتوجه الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بمصر إلى الأمة بالبيان التالي:
فقد دعت بعض التيارات السياسية والفكرية إلى الخروج فيما أسموه جمعة الغضب الثانية. ومع التأكيد على وجاهة ومشروعية جزء كبير من مطالب هذه التظاهرة من محاربة الفساد وتعجيل محاكمة رموزه – إلا أن الباعث الأهم والخطر الأكبر والشعار الأعظم لبعض التيارات الداعية لهذه التظاهرة هو محاولة الالتفاف حول اختيار شعب مصر الذي عبرت عنه نتيجة الاستفتاء والذي تمثل في تأكيد ثقة الشعب في المجلس العسكري في الخطوات التي أعلنها لتحقيق مطالب الثورة المباركة والوصول بمصر إلى بر الأمان.

وإن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح – ومع تقديرها واحترامها لحسن نية وتوجه كثير من المشاركين في هذه التظاهرة- إلا أنها تنظر بعين القلق والريبة إلى هذه الدعوة وتوقيتها، وترى أنها تؤدي إلى إيقاع فتنة خطيرة بين الشعب المصري وجيشه العظيم الذي انحاز إلى خياره، ومِن ثَم فإن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تدعوا إلى عدم المشاركة في هذه التظاهرة دفعاً للمفاسد والمخاطر العظيمة التي قد تنشأ عن استغلال المتربصين ودعاة الفتنة وفلول النظام السابق لمثل هذه التجمعات والاعتصامات لترويج وتمرير مخططاتهم الخبيثة.

كما تهيب الهيئة الشرعية بوسائل الإعلام المختلفة وأئمة المساجد أن يقوموا بدورهم المنشود في توجيه المُصرّين على المشاركة في هذه التظاهرة إلى عدم الاستجابة إلى دعاوى الاعتصام التي يطالب بها البعض بما يترتب على ذلك مِن تعطيل مصالح الجماهير، وإيقاف عجلة التنمية، وزيادة التدهور في اقتصاد البلاد.

وفَّق الله مساعي المخْلصين، وحفظ ثورة المصريين، ووقى البلاد الفتن ما ظهر منها وما بطن.

والحمد لله رب العالمين.

الخميس 23 جمادى آخر 1432هـ / 26 مايو 2011

رئيس الهيئة الشرعية
أ.د. نصر فريد واصل

نائب رئيس الهيئة
أ.د. على أحمد السالوس
                         
الأمين العام
د. محمد يسري إبراهيم

24‏/05‏/2011

مفارقات بين إرهاب بن لادن وإرهاب أمريكا

إرهاب بن لادن انتصار للإسلام، ومقاومة للمحتلين بطريقة جاوز في بعضها الوسطية والاعتدال، وإرهاب أمريكا كان انتصارا للهيمنة والظلم والطغيان، وتركيع شعوب وأنظمة العالم للقطب الأمريكي.
إرهاب بن لادن كان يحمل راية الجهاد في سبيل الله بعد أن تخلَّت عنه الدول الإسلامية في مقاومة الصهيونية في فلسطين، والشيوعية في أفغانستان، والهندوسية في كشمير و..... وربما استعجل بن لادن شيئا قبل أوانه ولم يستشر علماء الأمة ودعاتها فاجتهد فأخطأ في بعض أفعاله.
أما إرهاب أمريكا فجوهره الهيمنة على المال والسلطة لإذلال الأنظمة والشعوب وسرقة خيراتها، ونهب مواردها، وصناعة الطغاة في عالمنا العربي والإسلامي.

إرهاب بن لادن بدأ تحت عنوان: "تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال: من الآية60)، وإرهاب أمريكا كان ولا يزال تحت عنوان: "أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَىٰ" (النازعات: من الآية24)، "فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَىٰ" (طه: من الآية71).

إرهاب بن لادن جمع بين نبل الغاية وخطأ الوسيلة -إن صحَّ ما نُسب إليه-، ونُبل الغاية هي تحرير الأمة من الشيوعيين والصليبيين والصهاينة المعتدين، أما إرهاب أمريكا فقد جمع بين خسة الغاية والوسيلة، فهي الدولة التي قامت بأعلى درجات الظلم والطغيان في دول أمريكا الجنوبية لتسيطر على مواردها، حتى أورد نعومي تشومسكي في كتابه: "ماذا يريد حقيقة العم سام" من جرائم أمريكا مع النصارى مثلهم في دول أمريكا اللاتينية والجنوبية ما تشيب له الرؤوس، وقد أتى بدراسات موثقة أن أمريكا تقتل بلا هوادة من يفكر في منع توريد الموز والقهوة وغيرها من السلع إلى أمريكا ب2% فقط من سعره الحقيقي لتقوم ببيعه إلى العالم بمكاسب هائلة، وتواترت الروايات عن صناعة أمريكية للفقر والجهل والمرض في العالم، فيموت كل خمس ثواني إنسان بسبب الجوع والمرض، وفي مجلة "التايمز" الأمريكية في مارس 2005م جاء أن أمريكا لو أرادت إنهاء هذا الموت البطيء لفقراء العالم فما تحتاج أن تنفق إلا 15 سِنتا ليس من كل دولار، وإنما من كل مائة دولار.

إرهاب بن لادن مظنون لأن مصدر الاتهام فيه جهاز الإعلام وليس القضاء، وإرهاب أمريكا مقطوع حيث إن مئات الآلاف من الجنود لا يرابطون داخل أمريكا دفاعا عنها، وإنما تحركوا كأنهم جراد منتشر في العراق وأفغانستان ودول الخليج وكوريا وأوربا واستراليا، وعندما كانت الطائرة تهبط بي في مطار طشقند ثم بشكيك في جولة كانت في البلاد الإسلامية التي كانت تابعة الاتحاد السوفيتي لم ألحظ العلم التابع لهذه الدول قدر ما لاحظت الدبابات الأمريكية في المطارات والجنود الأمريكان المتغطرسين! ولن ينس التاريخ هذا الاحتلال للعراق وتحويله إلى ثلاث مزق وفرق متناحرة، وخلَّفوا ببراعة 8 مليون أرملة ويتيم بعد نهب المليارات من براميل البترول والمعادن النفيسة والآثار النادرة، وحدِّث ولا حرج عن الشيء نفسه في باكستان وأفغانستان وغيرها.

إرهاب بن لادن لم يُعرف عنه أنه عذَّب أسيرا أو هتك عرض امرأة على حين تحصل أمريكا على أعلى وسام في الإرهاب بوجود سجون جوانتينامو، وهتك أعراض بناتنا في العراق وأفغانستان ليس فقط اغتصاب الأحياء وإنما النذالة الأمريكية تفوقت باغتصاب بناتنا بعد قتلهن ومنع رفع القضايا عليهم داخل الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن الدعم المفتوح والمفضوح للكيان الصهيوني لقتل وتشريد الملايين من أبناء الشعب الفلسطيني.

إرهاب بن لادن لم يرم جثة في البحر!، وإرهاب أمريكا أعجزها منذ أوائل التسعينات بكل صولجانها وهيمنتها أن تصل إلى بن لادن، ولعل ادعاء رمي الجثة في البحر قد يرجح الإشاعة بأنه قد مات منذ سنوات بما يلطخ الوجه الأمريكي بالعجز المطلق فصنعوا لنا هذا التمثيلية في وقت يريدون حصد مكاسب وهمية تماما مثل الأسلحة النووية في العراق.يا قوم في السماء إله واحد عادل يحكم ما يريد، "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (الشعراء: من الآية227).
________
أ.د.صلاح الدين سلطان
كُتبت هذه المفارقة في 1 جمادى الآخر 1432هـ -  3 مايو 2011م

21‏/05‏/2011

حوار هاديء مع فضيلة المفتي حول مقاله في جريدة الواشنطن بوست

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد فوجئتُ بخبر على موقع مفكرة الإسلام عنوانه: "مفتي مصر للواشنطن بوست: السلفيون وراء استهداف الكنائس والأضرحة!".
فقلت: لعل في الأمر لبْسًا، لعل مصدر الخبر غير موثوق، فعلتُ هذا تطبيقًا لمنهج الإسلام في التثبت مِن الأخبار؛ لئلا نتهم فضيلة المفتي بما هو منه بريء، فدخلتُ على موقع جريدة "الواشنطن بوست" فوجدت مقالة بتاريخ 18/4/2011 بعنوان:
"Revolution، counterrevolution and new wave of radicalism in Egypt"
By Ali Gomaa
ترجمته: "الثورة والثورة المضادة، وموجة جديدة مِن التطرف في مصر" بقلم علي جمعة.
وأقسم بالله العظيم.. لقد خطر ببالي أن الخبر نُسب إليه خطأً، وأن الموقع المذكور قد ظلم فضيلة المفتي حيث لم تَرِدْ إشارة إلى منصبه في صدر المقال، وليس كل مَن اسمه "علي جمعة" هو مفتي مصر، ولكني فوجئت في نهاية المقال بما يلي:
Ali Gomaa is the Grand Mufti of Egypt  وترجمته: "علي جمعة هو فضيلة مفتي مصر".
فتأكدتُ أن المقال لفضيلة المفتي، إلا إذا أصدر بيانًا يكذّب فيه الصحيفة، ويتهمها فيه بتلفيق هذا المقال، وهذا ما نتمناه، ولكنه للأسف لم يحدث حتى الآن.
ثم وجدتُ المقال مترجمًا على موقع صحيفة الأهرام المصرية بتاريخ: 19/4/2011 بعنوان: "الثورة والثورة المضادة وموجة الأصولية الجديدة في مصر" بقلم: د‏.‏"علي جمعة‏"، ولم أجده على صفحات نفس العدد المذكور، وإن كنت قد لاحظت أن موقع الأهرام ترجم كلمة المفتي في المقال: "who call themselves Salafis" بـ "السلفيين"، رغم أن معناها: "الذين يسمون أنفسهم بالسلفيين".

وهذا المقال دفع عشرة محامين للتقدم ببلاغ إلى الدكتور المستشار "عبد المجيد محمود" النائب العام المصري، يطالبون فيه بالتحقيق مع الدكتور "على جمعة" مفتى الجمهورية، ويتهمونه بتحريض دولة أجنبية معادية، وهى أمريكا ضد مواطنين مصريين؛ مما يهدد السلام الاجتماعي والوحدة الوطنية، ويثير الفتن.

وفيما يلي.. حوار هادئ مع فضيلة المفتي حول بعض ما سطره في هذا المقال:

قال فضيلة المفتي: "من أبرز سمات الروح الثورية التي اجتاحت مصر خلال فترة الشهرين الأخيرين هي المشاركة غير المسبوقة في الحياة العامة لجميع فئات المجتمع المصري‏.‏ فجميع المواطنين من شتي الدوائر الاجتماعية‏،‏ ومن جميع مناطق البلاد، ومِن مختلف الثقافات أظهروا معًا إرادة علي التضحية من أجل مستقبلهم السياسي، وهذا في حد ذاته تطور مشجع وملهم في آن واحد".

التعليق:
هذا اعتراف مِن فضيلة المفتي بمشاركة وتضحيات السلفيين في الحياة العامة، فهم جزء مِن جزء مِن "جميع فئات المجتمع المصري"، وجزء مِن "جميع المواطنين".
وأعتقد أنهم كغيرهم يستحقون ثناءه.

قال فضيلة المفتي: "ولعل أكثر الظواهر إزعاجًا ـ علي الإطلاق ـ خلال الأسابيع القليلة الماضية هي العنف المتصاعد مِن بعض الأوساط المتطرفة ضد بعض الأماكن ذات الأهمية الدينية، ومنها: الكنائس والأضرحة، وتعد هذه الظاهرة تطورًا خطيرًا للغاية، وخاصة في ظل الحالة الهشة التي تعيشها بلادنا في هذا المنعطف التاريخي الدقيق".

التعليق:
مَن الذي قال: إن المتطرفين الذين سمَّاهم فضيلة المفتي في مقاله بعد ذلك "مَن يسمون أنفسهم بالسلفيين" "who call themselves Salafis" مَن الذي قال: إنهم الذين قاموا بالاعتداء على الكنائس والأضرحة؟!
ما دليل فضيلة المفتي على هذا الاتهام؟ ألم يسمع المفتي أن التحقيقات قد أثبتت براءتهم من تلك الاتهامات؟!
ألم يعلم فضيلة المفتي أن النصارى يتهمون وزير الداخلية السابق بتفجير كنيسة الإسكندرية، وأنهم قد أقاموا دعوى ضده أمام المحاكم؟!
ألم يعلم فضيلة المفتي أن السلفيين هم الذين كانوا يحمون الكنائس في ظل الغياب الأمني؟!
ألم يخطر ببال فضيلة المفتي أن السلفيين لو كانوا يريدون هدم جميع الأضرحة وجميع الكنائس؛ لفعلوا ذلك في أثناء الغياب الأمني؟! وكانوا سيجدون مَن يساعدهم، ولكن لم يمنعهم من أن يفعلوا ذلك إلا دينهم ومراعاتهم لفقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتقديرهم للمصالح والمفاسد.
لو كان فضيلة المفتي يعيش في واشنطن أو باريس أو حتى في وارسو؛ فقد يكون له بعض العذر، رغم أن تكنولوجيا الاتصالات الحديثة لم تُبْقِ لأحدٍ عذرًا في عدم التثبت مِن الأخبار أو تلفيق الاتهامات بلا دليل، فما بالك إن كان فضيلته يعيش في مصر، وأخبار تبرئة القضاء والشرطة للسلفيين مِن هدم الأضرحة، وحراستهم للكنائس يعلمها القاصي والداني.

قال فضيلة المفتي: "وعلينا أن نحترس مِن هؤلاء بشدة، وأن نعمل على وقفهم؛ حماية لسلامة بلادنا ووحدتها السياسية والاجتماعية والدينية"!

التعليق:
مَن الذين يجب عليهم أن يحترسوا مِن هؤلاء بشدة؟!
مَن الذين يجب أن يعملوا على "وقف السلفيين"؛ حمايةً لسلامة بلادنا ووحدتها السياسية والاجتماعية والدينية؟!
الجواب:
1 إن كان فضيلته يقصد "المجلس العسكري" الذي يحكم البلاد؛ فكان على فضيلته أن يخاطبه مباشرةً مِن باب حرصه على مصلحة البلد، مع أن المجلس العسكري قد أثنى كثيرًا على السلفيين لتعاونهم معه وما زالوا في حفظ أمن البلاد.
لدرجة أن المحلل السياسي الدكتور "عمار علي حسن" قال حسب موقع الجزيرة نت في 21/4/2011: "إن المجلس العسكري يأمل في استغلال السلفيين كقوة منظمة في المشهد الاجتماعي والسياسي؛ لضبط الشارع وعملية انتقال السلطة".
2 وإن كان يقصد الرأي العام المصري الذي يتعاطف كثيرون منه مع السلفيين؛ فكان الواجب على فضيلته أن ينشر هذا المقال في إحدى الصحف المصرية الناطقة بالعربية، والتي ذكر كثير منها أخبار تبرئة السلفيين واتهام غيرهم بتلك الجرائم، بدلاً مِن أن يلجأ إلى صحيفة أمريكية تؤثر على الرأي العام الأمريكي!
"نحن يا فضيلة المفتي ومعنا معظم المصريين نرفض الوصاية الأمريكية".

قال فضيلة المفتي: "إن من يُقـْدمون علي هذه الأفعال الشنيعة ما هم إلا وصوليون ومتطرفون لا علاقة لهم علي الإطلاق بتعاليم الإسلام العظيمة".

التعليق:
يصف فضيلة المفتي السلفيين بأنهم "وصوليون ومتطرفون لا علاقة لهم علي الإطلاق بتعاليم الإسلام العظيمة"! فهلا شققْتَ يا فضيلة المفتي.. عن قلوب هؤلاء الملايين حتى تتهمهم بهذه التهم الجزافية؟!
في سلسلة مقالاته في "جريدة الأهرام المصرية" يتحدث فضيلة المفتي عن التعايش مع الآخر أي الكفار مِن اليهود والنصارى وغيرهم، وكنا ننتظر منه أن يعاملنا حتى بنفس الطريقة ونحن مسلمون!
ألا يستحق السلفيون ما يستحقه اليهود والنصارى؟! أم أن السلفيين عند فضيلة المفتي غير مسلمين؟! وإن كان ذلك رأيه؛ فليأتنا بالدليل..
وهل وَصْفُهُ لهم بأنهم: "لا علاقة لهم علي الإطلاق بتعاليم الإسلام العظيم" يعني: تكفيرهم؟ نريد مِن صاحب الفضيلة توضيحًا.

قال فضيلة المفتي: "وللأسف.. فمن يُقْدمون علي هذه الأفعال الهمجية ضد الشعب المصري ومؤسساته الثقافية، والدينية لا يهدفون ببساطة إلى إظهار مثالية الماضي، بل إلى عودة تامة إليه بكل تفاصيله وأدق خصائصه، ويشكل هذا الفكر الرجعي معضلة في حد ذاته، بل والأسوأ مِن هذا تصوير هذا الفكر على أنه مرجع يتعين علي جميع المسلمين التمسك به، أما مَن يرفضون هذا الفكر الرجعي فيعتبرونهم ضالين، ويشككون في عقيدتهم، وتتسبب هذه القوى في بث مشاعر الكراهية في المجتمع، وتعزل بعض شرائح المجتمع المسلم عن شرائحه الأخرى".

التعليق:
أين ذلك الواقع الذي يتحدث عنه فضيلة المفتي؟ في أي مدينة؟ وفي أي حي؟ ومَن هم هؤلاء الأشخاص؟! إن كان عنده أشخاص بتلك الصفات؛ فلْيُظهِرهُم لنا، أو حتى يبلغ عنهم الشرطة، ونحن سنساعده إن شاء الله في إصلاح هؤلاء المتطرفين.
ونحن نطالب فضيلة المفتي بالموضوعية حيث إنه أستاذ جامعي، ولا بد أن تكون كل كلمة يكتبها مبنية على الدليل لا على الهوى، فالتهم الفضفاضة لأشخاص مجهولين ليست مِن البحث العلمي في شيء.
وكان ينبغي على فضيلته أن ينزه لسانه وقلمه عن اتهام السلفيين وهم قطاع عريض من المسلمين اعترف هو في المقال بأنهم الأعلى صوتًا بألفاظ كهذه:
1 يهدفون إلي الرجوع للماضي بجميع تفاصيله، وأدق خصائصه.
2 الفكر الرجعي.
3 مَن يرفضون هذا الفكر الرجعي فيعتبرونهم ضالين، ويشككون في عقيدتهم.
4 وتتسبب هذه القوى في بث مشاعر الكراهية في المجتمع، وتعزل بعض شرائح المجتمع المسلم عن شرائحه الأخرى.

ونقول لفضيلة المفتي:
1 إن السلفيين يهدفون إلي الرجوع إلى منهج الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح، ولا يمنعهم ذلك مِن الأخذ بتطورات العصر الحديث ما دامت لا تتعارض مع هذا المنهج القويم.
2 إن الفكر الذي يحمله السلفيون ليس رجعيًّا كما يزعم فضيلة المفتي، بل هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضي الله عنهم، ومنهج الأئمة الأربعة وغيرهم مِن أئمة الدين عبر العصور، وهذا المنهج يؤمن به "كثير مِن أساتذة جامعة الأزهر"، وغيرها مِن الجامعات المصرية، وكثير مِن المثقفين المصريين مِن أطباء ومهندسين ومدرسين وغيرهم.
وما أظن أن مقالة فضيلتكم في الصحيفة الأمريكية ستُثْنِي هؤلاء إن شاء الله عن التمسك بدينهم، وما أظن الجيوش الأمريكية أو جيوش الناتو ستفلح في ذلك إن شاء الله.
3 نحن لا نشكك في عقيدة المسلمين، بل نحملهم على ظاهرهم، أما فضيلتكم فقد اتهمتم السلفيين، بأنهم "لا علاقة لهم علي الإطلاق بتعاليم الإسلام العظيم"! هكذا.. "لا علاقة لهم على الإطلاق"، فمَن الذي يشكك في عقيدة المسلمين: نحن أم أنت، أم كما يقولون: "رمتني بدائها وانسلت"؟!
4 أما اتهامكم للسلفيين بأنهم يتسببون في بث مشاعر الكراهية في المجتمع، فهذا افتراء لا دليل عليه، بل هم دائمًا حريصون على التأليف بين المسلمين وجمع كلمتهم على الكتاب والسنة مع عدم التفريط في شيء من ثوابت الدين، ويعاملون غير المسلمين وفق تعاليم دينهم، فلا يظلمونهم ، وفي نفس الوقت لا يقرونهم على الكفر، ولا يسعون لإرضائهم على حساب دينهم.

قال فضيلة المفتي: "وعندما يعجز هذا المنظور المثالي للمجتمع الذي يروج له مَن يسمون أنفسهم بالسلفيين عن التبلور؛ تتجه الأمور إلي مزيد مِن الأصولية الخطرة.
إن حقيقة أن الماضي الذي يسبغون عليه المثالية الكاملة هو مجرد نتاج لخيالهم، ومِن ثمَّ فهو بعيد المنال (لا يمكن لأحد تحقيقه) يتحول إلى محرك للأصولية التي يغذيها شعورهم بالإحباط، وهو حتمًا ما يصلون إليه.
والنتيجة الأخرى لهذا الوضع هو: الانعزالية التي تقصي المرء عن محيطه مِن إخوانه المواطنين المتدينين، وبالتالي مِن الإنسانية كلها.
فهؤلاء السلفيون يصبحون جزءًا مِن المشكلة بالنسبة للعالم، وليس إخوانًا علي الصراط المستقيم (طريق الله)، وهذا الفكر الذي يتبنونه لا مكان فيه للثقافة أو الحضارة ولا حتى لكرامة الإنسان، ويهدد هذا الانعزال بإشاعة روح مِن الشعور بالاضطهاد، ومنظور تجاه العالم تسوده نظريات المؤامرة، وتغيب عنه ـ تمامًا ـ قيم الإسلام العظيمة: كالحكمة والعقلانية".

التعليق:
يستمر فضيلة المفتي في التحذير مِن السلفيين، ويستعدي الأمريكان عليهم، ويستخدمهم كفزاعة للغرب؛ مثلما كما كان يفعل الرئيس المصري المخلوع "حسني مبارك"، فبهم من وجهة نظر فضيلة المفتي "تتجه الأمور إلى مزيد مِن الأصولية الخطرة "، ويتسببون في وجود "محرك للأصولية التي يغذيها شعورهم بالإحباط"، وهم "جزءٌ مِن المشكلة بالنسبة للعالم، وليسوا إخوانًا علي الصراط المستقيم"!
وإن تعجب فعجبٌ تلك الاتهامات الباطلة التي يحزننا أن تصدر من مفتي الديار المصرية الذي يُنتظر منه أن يدافع عن المسلمين، لا أن يكيل لهم الاتهامات بلا دليل، تلك الاتهامات التي ما فتئ اليهود والصليبيون وأذنابهم في ديار الإسلام يتهمون بها دعاة الإسلام في كل مكان.
وإن الماضي الذي يسبغ عليه السلفيون المثالية الكاملة ليس مجرد نتاج لخيالهم، بل هو منهج النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وليس بعيد المنال، بل سيتحقق، فقد أخبرنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم بأن الخلافة الراشدة ستعود على منهاج النبوة، فقد روى الإمام أحمد في مسنده عن حُذَيْفَةُ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ: (تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلافَةً عَلَى مِنْهَاجِ النُبُوَّةٍ)  ثُمَّ سَكَتَ. (رواه أحمد، وحسنه الألباني).
أما حديث فضيلة المفتي عن انعزال السلفيين عن عموم الناس فأحسب أنه ليس له وجود إلا في مخيلة فضيلته، فالسلفيون بفضل الله موجودون بقوة داخل فئات المجتمع، وليس أدل على ذلك مِن تخوف العالمانيين مِن شعبيتهم الجارفة.
ونسأل فضيلة المفتي عن قوله عن السلفيين: إنهم ليسوا "إخوانًا على الصراط المستقيم (طريق الله) "not fellow wayfarers on the path to God": هل معنى ذلك عنده أنهم ليسوا بمسلمين، أي: أنه يكَفّرُهم؟!

قال فضيلة المفتي: "وتكمن خطورة هذا الفكر الرجعي في أن مكوناته المختلفة تعوق أدني إمكان للتطور، وتعتبر أي تغيير بدعة منكرة تستوجب اللعنة، ويحول هذا دون العمل على مواجهة مشكلات العالم مِن خلال تطوير مؤسساتنا وأممنا بطريقة ايجابية تتسق مع قيمنا الإسلامية.
ومِن المحزن أن هذا الخليط الخطر مِن الانعزالية والمثالية بوسعه أن يغذي ـ أيضًا ـ شعورًا زائفًا مِن الثقة بالنفس، بل والغطرسة.
وإجمالاً يمكننا القول: إن هذه المكونات تشكل معًا فوضى روحية هي آفة التطرف، ولا يمكن مواجهتها دون قاعدة إسلامية صحيحة، ويتعين علينا مقاومة هذا الفكر على الدوام مِن أجل مستقبل بلدنا ومِن أجل ديننا، ولتحقيق هذا يجب علينا العودة إلى قيمنا الصحيحة ومؤسساتنا الراسخة".

التعليق:
"فكر رجعي مكوناته المختلفة تعوق أدنى إمكان للتطور، وتعتبر أي تغيير بدعة منكرة تستوجب اللعنة".
مرة أخرى اتهام بلا دليل.. !
إن الإسلام الذي يدعو السلفيون جميع المسلمين إلى الالتزام به هو الإسلام النقي المصَفَّى مِن الشركيات والبدع والخرافات، وهو لا يعوق التطور أبدًا، ولكنه يقف حائط صَدٍّ ضد أي محاولة لتمييع الشخصية المسلمة، أو اختراقها بالدعاوى الخداعة.

ونسأل فضيلة المفتي: مَن الذي قال مِن السلفيين: إن "أي تغيير بدعة منكرة تستوجب اللعنة"؟! وأين يسكن بالضبط؟! فهذا افتراء، لا دليل عليه.
إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلالَةٌ) (رواه مسلم)، والمقصود بها: البدعة في الدين.
فالابتداع على قسمين:
1 ابتداع في العادات: كابتداع المخترعات الحديثة، وهذا مباح في ذاته؛ ما دام لا يشتمل على محرم، أو يؤدي إلى محرم؛ لأن الأصل في العادات الإباحة.
2 ابتداع في الدين: وهذا مُحرَّم؛ لأن الأصل فيه التوقيف.

يا فضيلة المفتي.. كنا ننتظر مِن فضيلتكم هذه الوثبة عندما مُنِعت الأخت "كاميليا شحاتة" مِن "إشهار إسلامها في الأزهر الشريف"، وحُبست مع غيرها مِن المسلمات المحتجزات خلف قضبان الأديرة.

يا فضيلة المفتي.. كنا ننتظر مِن فضيلتكم هذه الوثبة نصرةً للمسلمين الذين سبَّ دينَهم "وزير المالية السابق" النصراني "يوسف بطرس غالي"، أو دفاعًا عن الدكتور "عمر عبد الرحمن" المدرس بجامعة الأزهر المحتجز ـ ظلمًا ـ في سجون أمريكا، أو دفاعًا عن المسلمين المحتجزين ـ ظلمًا ـ في سجون جوانتانامو.

يا فضيلة المفتي.. كنا ننتظر مِن فضيلتكم هذه الوثبة نصرةً للمسلمين في: فلسطين، والعراق، وأفغانستان.

يا فضيلة المفتي.. كنا ننتظر مِن فضيلتكم هذه الوثبة للتدخل لدى الحكومة؛ لمنع ما يحدث عند الأضرحة مِن دعاء للأموات، واستغاثة بغير الله، وذبح لغير الله سبحانه وتعالى.

يا فضيلة المفتي.. كنا ننتظر مِن فضيلتكم هذه الوثبة للتدخل لدى الحكومة؛ لمنع ما يحدث في الموالد مِن: عري، وغناء، وخمر، وميسر، ونوم الرجال بجوار النساء في المساجد.

يا فضيلة المفتي.. كنا ننتظر مِن فضيلتكم هذه الوثبة ضد نوادي الليونز الماسونية التي حذر منها علماء الأزهر، ولكنا وجدناك تحتفل بعيد ميلادك مع أعضاء الليونز: رجالهم ونسائهم يوم الأحد، في يوم 8 مارس 2009.
(راجع فتوى الشيخ "عطية صقر" عن الماسونية وموقف الدين منها، حيث ذكر فيها أنه كان للماسونية محافل وجمعيات في مصر، صدر قرار وزارة الشئون الاجتماعية بحلها في 18/4/1964).


يا فضيلة المفتي.. إن كنت تستعدي أمريكا على السلفيين؛ فإنا نذَكّرُك بقول عبد الله ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: (حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا: (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا، وَقَالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ) (صحيح البخاري).

يا فضيلة المفتي.. نحن نحاكمك لشرع الله سبحانه وتعالى: أين البينة على تلك الافتراءات؟! فالبينة على المدَّعي.

يا فضيلة المفتي.. نحن مولانا الله، أما الأمريكان الذين تستعديهم علينا فلا مولى لهم.

يا فضيلة المفتي.. نذكرك بقول الله سبحانه: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا) (الحج:38).

يا فضيلة المفتي.. اتهمت الملايين مِن السلفيين ظلمًا، ولن نشكوك إلى أمريكا، ولكن سنشكوك لخالق السماوات والأرض؛ الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.

يا فضيلة المفتي.. إن عاقبة الظلم وخيمة، فنذكرك وأنفسنا وجميع المسلمين بقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: (اتقوا الظّلم، فإنّ الظّلم ظلمات يوم القيامة) (رواه مسلم).

ونذكرك وأنفسنا وجميع المسلمين بقول الشاعر:
أمـا والـلـه إنَّ الـظـُـلم شــؤمُ    وَلاَ زَالَ المُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
إِلَى الدَّيَّانِ يَوْمَ الدِّيْنِ نـَمْـضِي وعـنـد الله تجتـمعُ الخصومُ
ستعلمُ في الحساب إذا التقينا            غدًا عند المَليكِ مَن المـلومُ
ستـنـقـطـع الـلـذاذة عن أناس من الدنيا وتنـقطع الهـمـومُ

يا فضيلة المفتي.. إن كانت مقالتك تلك رسالة استغاثة موجهة إلى الأمريكان؛ للاستقواء بهم على السلفيين في مصر، فإن ذلك لن يوقف المد السلفي، ولن ينعش المد الصوفي بعد الانحسار الذي شهده؛ بسبب انتشار السلفيين.
وإن مقال فضيلتك.. ليذكرنا بالتقارير السابقة الموجهة لأمن الدولة، ولكنه هنا موجَّه لأمن الدولة في أمريكا.
هل يريد فضيلة المفتي مِن أمريكا أن تتدخل؛ لتقوم بدور أمن الدولة في مصر تجاه السلفيين بعد أن ألغيت في مصر؟!
أم يهدف مِن ذلك أن تقوم أمريكا بالضغط على المجلس العسكري؟!
أم يهدف إلى ما هو أبعد من ذلك: طلب تدخل أمريكي مباشر في مرحلة لاحقة؟!
في السابق كنا نرى استقواء النصارى والعالمانيين بأمريكا، والآن انضم إليهم الصوفية علمًا أن الصوفية كانوا ـ ولا زالوا ـ يمثلون النموذج الأمثل للمسلم مِن وجهة نظر المستعمر قديمًا وحديثًا.
فالأمريكيون بالطبع يعجبهم النموذج الصوفي، فقد حضر "توماس رايلي" السفير الأمريكي في المغرب يوم 14 أبريل 2006 عيد المولد النبوي الشريف الذي أحيَتْه الطريقة القادرية.
وشارك السفير الأمريكي في مصر "فرانسيس ريتشارد دوني" أهالي مدينة طنطا احتفالاتهم بـ"مولد السيد البدوي"؛ اتباعًا لعادة استَنَّها منذ وصوله إلي مصر، بل إنه حرص على لقاء شيخ مشايخ الطرق الصوفية الشيخ "حسن الشناوي" في أحد سرادقات الطرق الصوفية، قبل أن يذهب برفقة محافظ الغربية الأسبق مترجِّلاً وسط الجموع، إلى سرادق مشيخة عموم السادة الجازولية الحسينية، حيث حضر إحدى حلقات الذكر ليشارك الحضور أذكارهم علي نغمات الدف ومع التهليل وهو جالس على الأرض، ولاحظ المراقبون إصرار السفير على حضور معظم احتفالات المولد!

نسأل الله أن يجعلنا مفاتيحًا للخير مغاليقًا للشر، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن. اللهم آمين.

كتبه/ شحاتة محمد صقر
25جماد أول1432هـ   28إبريل2011