30‏/07‏/2009

آراء باحثي الغرب في التحريف الذي حدث بالنصرانية

سؤال: أيمكن أن يتحول دين سماوي خالص إلى مزيج مُركب من خرافات ووثنيات متضاربة؟
وسؤال أعجب منه: كيف احتفظت المسيحية باسمها ونسبتها إلى المسيح وهي على هذه الحال؟

إن الكثير من مؤرخي الفكر الغربي قد تخلصوا من الإجابة على مثل هذه التساؤلات بتقسيمهم الدين النصراني قسمين متباينين لا رابط بينهما سوى النسبة للمسيح :
1. المسيحية الأصلية، أو "مسيحية يسوع ".
2. المسيحية الرسمية، أو "مسيحية بولس". ويعنون بها العقيدة التي نشرتها الكنيسة ابتداء من سنة (325م) بمجلس نيقية.
ومجلس نيقية هو المجلس الذي عقده الامبراطور الروماني قنسطنطين وحضره ألفان وثمانية وأربعون من البطاركة والأساقفة يمثلون مذاهب متنافرة ومتناحرة وتم فيه إقرار النصرانية الوثنية المحرفة كديانة رسمية للامبراطورية الرومانية.

يقول جرين برنتن - كتاب أفكار ورجال (قصة الفكر الغربي) ص207 - : " إن المسيحية الظافرة في مجلس نيقية – العقيدة الرسمية – في أعظم إمبراطورية في العالم مخالفة كل المخالفة لمسيحية المسيحيين في الجليل، ولو أن المرء اعتبر العهد الجديد التعبير النهائي عن العقيدة المسيحية لخرج من ذلك قطعاً لا بأن مسيحية القرن الرابع تختلف عن المسيحية الأولى فحسب، بل بأن مسيحية القرن الرابع لم تكن مسيحية بتاتاً ".

أما المؤرخ الإنجليزي هـ. ج. ويلز - كتاب معالم تاريخ الإنسانية ص720،693. وبعض الكُتاب أنكر وجود المسيح كلية، انظر كتاب محاضرات في النصرانية ص42، ولكن هذا مما لا يلتفت إليه - فيقول: "من الضروري أن نستلفت نظر القارئ إلى الفروق العميقة بين مسيحية نيقيا التامة التطور وبين تعاليم يسوع الناصري… فمن الواضح تماماً أن تعاليم يسوع الناصري تعاليم نبوية من الطراز الجديد الذي ابتدأ بظهور الأنبياء العبرانيين، وهي لم تكن كهنوتية ولم يكن لها معبد مقدس حسباً عليها ولا هيكل، ولم يكن لديها شعائر ولا طقوس، وكان قربانها "قلباً كسيراً خاشعاً "، وكانت الهيئة الوحيدة فيها هيئة من الوعاظ، وكان رأس ما لديها من عمل هو الموعظة. بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين، وإن احتفظت بتعاليم يسوع في الأناجيل – كنواة لها – كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طراز مألوف للناس من قبل منذ آلاف السنين، وكان المذبح مركز طقوسها المنمقة، والعمل الجوهري في العبادة فيها هو القربان الذي يقر به قديس متكرس للقداس، ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة، ولئن اتشحت المسيحية بأردية خارجية تشابه نِحَل سيراييس أو آمون أو بعل مردك مشابهة غير عادية فلا بد لنا أن نذكر أنه حتى كهانتها نفسها كانت مظاهر جديرة بأعيانها، ولقد بلغ من جرأة الكتاب المتشككين أن أنكروا إمكان أن يسمى يسوع مسيحياً على الإطلاق
".
وإذا كان هذا هو رأي العلماء الباحثين فإن من المفيد أن نعرف رأي رجال الكنيسة في هذا الأمر، وحسبنا أن نقرأ ما كتبه الدكتور "وليام تامبل " أسقف كنيسة كنتربري وحبر من أحبار إنجلترا، حيث يقول: "
إن من الخطأ الفاحش أن نظن أن الله وحده هو الذي يقدم الديانة أو القسط الأكبر منها " - من كتاب الجفوة المفتعلة بين العلم والدين لمحمد علي يوسف ص11 - وليس هذا الكلام فلتة من الحَبر الكبير، أو سهواً غير مقصود، وإنما هو تعبير صريح صادق عن عقيدة الكنيسة وواقع تاريخها.

وعلى ضوء هذه الآراء نستطيع أن نعرف ما إذا كانت أوربا قد اعتنقت النصرانية الحقة الموحاة من الله، أو اعتنقت المُرَكَّب الذي صنعه أجداد الدكتور تامبل من آباء الكنيسة الأولين، واستخرجوه من العقائد السائدة في عصرهم آنذاك.


كتبه: د. سفر بن عبد الرحمن الحوالي، من كتاب "العلمانية: نشأتها وتطورها" - رسالة ماجيستير
http://www.alhawali.com

الفَرْقُ بين الاختلاف والافتراق

الفرق بين الاختلاف والافتراق أمر مُهم جداً، وينبغي أن يُعنى به أهل العِلم، لأن كثيراً من الناس خاصة بعض الدُعاة وبعض طُلاب العلم الذين لم يكتمل فقههم في الدين، لا يُفَرقون بين مسائل الخلاف ومسائل الافتراق، ومن هُنا قد يُرتب بعضهم على مسائل الاختلاف أحكام الافتراق، وهذا خطأ فاحش أصله الجهل بأصول الافتراق، ومتى يكون؟ وكيف يكون؟ ومن الذي يحكُم بمفارقة شخص أو جماعة ما؟

من هُنا كان لابد من ذِكر بعض الفُروق بين الاختلاف والافتراق، وسأذكر خمسة فُروق على سبيل المِثال لا على سبيل الحصر:

الفرق الأول: أن الافتراق أشد أنواع الاختلاف، بل هو من ثمار الخلاف، إذ قد يصل الخلاف إلى حد الافتراق وقد لا يصل، فالافتراق اختلاف وزيادة، لكن ليس كُل اختلاف افتراقاً، وينبني على هذا الفرق الثاني.

الفرق الثاني: وهو أنه ليس كُل اختلاف افتراقاً، بل كُل افتراق اختلاف، فكثير من المسائل التي يَتنازع فيها المُسلمون هي من المسائل الخلافية، ولا يجوز الحُكم على المُخالِف فيها بالكُفر ولا المُفارقة ولا الخُروج مِن السُنَّة.

الفرق الثالث: أن الافتراق لا يكون إلا على أُصول كُبرى، أي أُصول الدين التي لا يسع الخِلاف فيها، والتي ثبتت بِنَص قاطع أو بإجماع، أو استقرت منهجاً عملياً لأهل السُنَّة والجماعة لا يختلِفون عليه، فما كان كذلك فَهُوَ أصل، من خالَفَ فيه فَهُوَ مُفتَرِق، أما ما دون ذلك فإنه يكون من باب الاختلاف.

فالاختلاف يكون فيما دون الأصول مما يقبل التعدد في الرأي، ويقبل الاجتهاد، ويحتمل ذلك كله، وتكون لهُ مُسَوِّغات عند قائله، أو يحتمل فيه الجهل والإكراه والتأوُّل، وذلك في أمور الاجتهادات والفرعيات، ويكون في بعض الأصول التي يُعذَر فيها بالعوارض عند المُعتبَرين من أئمة الدين. والفرعيات أحياناً قد تكون: في مسائل العقيدة التي يُتَّفق على أصولها ويُختلَف عل جزئياتها، كإجماع الأمة على وقوع الإسراء والمعراج واختلافهم وتنازعهم في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه فيه، هل كانت عينية أو قلبية؟

الفرق الرابع: أن الاختلاف يكون عن اجتهاد وعن حُسن نية ويُؤجر عليه المُخطيء ما دام مُتحرياً للحق، والمُصيب أكثر أجراً، وقد يُحمد المُخطيء على الاجتهاد أيضاً، أما إذا وصل إلى حد الافتراق فَهُوَ مذموم كله. بينما الافتراق لا يكون عن اجتهاد ولا عن حُسن نية، وصاحبه لا يُؤجر بل هو مذموم وآثم على كُل حال، ومن هنا فَهُوَ لا يكون إلا عن ابتداع أو عن اتباع هوى، أو تقليد مذموم، أو جهل مطبق.

الفرق الخامس: أن الافتراق يتعلق به الوعيد وكله شذوذ وهلكة. أما الاختلاف فليس كذلك مهما بلغ الخلاف بين المُسلمين في أمور يسع فيها الاجتهاد، أو يكون صاحب الرأي المُخالِف له مسوغ أو يحتمل أن يكون قال الرأي المُخالِف عن جهل بالدليل ولم تقُم عليه بالحُجَّة، أو عن إكراه يُعذر به قد لا يطلع عليه أحد، أو عن تأويل. ولا يتبين ذلك إلا بعد إقامة الحُجَّة.

كتبه: أ.د. ناصر بن عبد الكريم العقل، أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

من كتاب: قضايا عَقَدِيَّة مُعاصِرة

http://www.wasateah.net

27‏/07‏/2009

شُبهة دفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي

شُبهة دفن النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي

الجواب عن ذلك من وُجوه:

الوجه الأول: أن المسجد لم يُبْنَ على القبر بل بُنِيَ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.

الوجه الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُدفن في المسجد حتى يُقال إن هذا من دَفْن الصالحين في المسجد؛ بل دُفِنَ صلى الله عليه وسلم في بيته.

الوجه الثالث: أن إدخال بُيوت الرسول صلى الله عليه وسلم، ومنها بيت عائشة، مع المسجد ليس باتفاق الصحابة بل بعد أن انقرض أكثرهم، وذلك في عام 94 هـ تقريباً، فليس مما أجازه الصحابة؛ بل إن بعضهم خالف في ذلك وممن خالف أيضاً سعيد بن المُسيب.

الوجه الرابع: أن القبر ليس في المسجد حتى بعد إدخاله لأنه في حجرة مستقلة عن المسجد فليس المسجد مبنياً عليه، ولهذا جُعِلَ هذا المكان محفوظاً ومحوطاً بثلاثة جدران، وجُعِلَ الجدار في زاوية مُنحرِفة عن القِبلة أي أنه مُثلث، والركن في الزاوية الشمالية حيث لا يستقبله الإنسان إذا صلى لأنه مُنحرِف.

وبهذا يبطُل احتجاج أهل القٌبور بهذه الشُبهة.

فضيلة الشيخ العلَّامة محمد بن صالح العثيمين، رحمه الله

من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين ج2 ص232، 233".

http://www.ibnothaimeen.com

25‏/07‏/2009

ترتيبهم في الفضل دين

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

وبعد فإن وضوح العقيدة من أهم سمات هذا الدين العظيم، فإن كانت كل الملل تتذبذب في كل تفاصيل عقيدتها حتى في صفات الخالق سبحانه وتعالى، فإن أهل الإسلام لا يعرفون التذبذب ولا الحيرة، ومن ذلك هدايتهم لمعرفة فضل أصحاب نبيهم، صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم..

ترتيبهم عقيدة

ومن ثوابت هذا الدين، ومن دعائم حزمه ووضوحه أن ترتيب فضل رجاله الأوائل في غاية الوضوح، وما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد أن ترك هذا الترتيب راسخاً بين أصحابه؛ ليعيش أصحابه على إثر هذا الترتيب من بعده، ثم لينتقل ذلك الترتيب باتفاق الأمة إلى التابعين وتابعيهم بإحسان إلى اليوم، حتى يسطر علماء الإسلام ذلك الترتيب في دواوين العقيدة ومسائل الإيمان، ليصبح ذلك الترتيب ليس مجرد توقير ومعرفة بالفضل فحسب، بل ليبنى على ذلك الاعتقاد الصحيح والإيمان السليم.

منهم آل بيته الأطهار

فمن الصحابة: آل بيت النبي رضي الله عنهم الذين ازدادوا شرفاً بقرابتهم له صلى الله عليه وسلم، قال الله جل جلاله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب: 33] ، و قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ،وأنا تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به" فحث على كتاب الله ورغب فيه. ثم قال: "وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي" [مسلم]

ومن الصحابة من تزوج بناته أو زوجه بناته رضي الله عنهم أجمعين..

وكلهم (سواء من كان من آله أو صاهره أو لم يصاهره) صنعة النبي صلى الله عليه وسلم تربوياً الذين نهاه الله تعالى أن يصرف عنايته عنهم، قال سبحانه: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ} [الكهف: 28]

كلهم عدول

اتفق أهل الحديث والأثر على هذه الكلمة الشريفة (( كلهم عدول ))، ولا تقال على غير الصحابة..

فعدالتهم في القرآن رضي الله عنهم وأرضاهم: قال الله جل جلاله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

وهم أصحاب الفهم المرتضى عنه والإيمان المؤتسى به: {فَإِنْ آَمَنُوا بِمِثْلِ مَا آَمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} [البقرة: 137]

وهم خير الناس وأسبقهم إلى الله تعالى. قال صلى الله عليه وسلم: "خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته" [متفق عليه] . وقال صلى الله عليه وسلم: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" [متفق عليه]

ترتيبهم في الفضل هو ترتيبهم في الخلافة

فأفضل الناس بعد الأنبياء الصديق أبو بكر، ثم الفاروق عمر، ثم ذو النورين عثمان، ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين.

ففي حديث العشرة المبشرين بالجنة ذكرهم صلى الله عليه وسلم بهذا الترتيب:

قال صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة.." [الترمذي وصححه الألباني]

وعن ابن عمر – رضي الله عنهما-، قال: "كنا نخير بين الناس في زمان رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، فنُخـّير أبا بكر، ثم عمر، ثم عثمان رضي الله عنهم" [البخاري]

وكلام ابن عمر هذا، في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حكاية لما كانوا يقولون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم دون إنكار من النبي صلى الله عليه وسلم عليهم.

سأل محمد بن الحنفية (والحنفية هي أمه)، وهو ابن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قال: "قلت لأبي: أي الناس خير بعد رسول الله – صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "أبو بكر"، قلت: ثم من؟ قال: "ثم عمر". وخشيت أن يقول عثمان، قلت: ثم أنت؟ قال: "ما أنا إلا رجل من المسلمين". [البخاري]

فأولهم في الفضل

الصديق

أمير المؤمنين والخليفة الراشد

أبو بكر بن أبي قحافة

رضي الله عنه وأرضاه

ويدل على فضله على سائر الناس بعد النبيين:

قول الله جل جلاله: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة: 40]

يقول رضي الله عنه: "نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار، فقلت يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى قدميه أبصرنا تحت قدميه. فقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما" [مسلم]

وقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن أخوة الإسلام. لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر" [مسلم]

وعند مسلم أيضا من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أحب إليك؟ قال: "عائشة" قلت: فمن الرجال؟ قال: "أبوها" قلت: ثم من؟ قال: "عمر" فعد رجالا..

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه: "ادعي لي أبا بكر أباك وأخاك حتى أكتب كتابا، فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل: أنا أولى. ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر" [مسلم]

ثم الفاروق

أمير المؤمنين والخليفة الراشد

عمر بن الخطاب

رضي الله عنه وأرضاه

وأنعم به من فاروق. كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قبل إسلامه: "اللهم أعز الإسلام بأحب هذين الرجلين إليك؛ بأبي جهل أو بعمر بن الخطاب" قال ابن عمر وكان أحبهما إليه عمر" [الترمذي وصححه الألباني]

فلما أسلم وحسن إسلامه بلغ أن قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وضع الحق على لسان عمر يقول به" [ابن ماجة وصححه الألباني]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وضع عمر بن الخطاب على سريره، فتكنفه الناس يدعون،ويثنون،ويصلون عليه قبل أن يرفع وأنا فيهم ،قال: فلم يرعني إلا برجل قد أخذ بمنكبي من ورائي فالتفت إليه فإذا هو علي، فترحم على عمر وقال: "ما خلفت أحدا أحب إلي أن ألقى الله بمثل عمله منك، وايم الله إن كنت لأظن أن يجعلك الله مع صاحبيك، وذاك أني كنت أكثر أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول" جئت أنا وأبو بكر وعمر.." و"دخلت أنا وأبو بكر وعمر.." و"خرجت أنا وأبو بكر وعمر.." فإن كنت لأرجو أن يجعلك الله معهما [مسلم]

قال صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا نائم رأيت الناس يعرضون وعليهم قمص منها ما يبلغ الثدي، ومنها ما يبلغ دون ذلك، ومر عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره" قالوا: ماذا أولت ذلك يا رسول الله؟ قال: "الدين" [مسلم]

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " بينا أنا نائم إذ رأيتني في الجنة فإذا امرأة توضـّـأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا؟ فقالوا لعمر بن الخطاب فذكرت غيرة عمر فوليت مدبرا" قال أبو هريرة فبكى عمر ونحن جميعا في ذلك المجلس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال عمر: بأبي أنت يا رسول الله أعليك أغار [مسلم]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: "والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك" [مسلم]

وكان صلى الله عليه وآله وسلم يقول: "قد كان يكون في الأمم قبلكم محدثون،فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم" [مسلم]

وقد وردت أحاديث تجمع فضلهما رضي الله عنهما، فمن ذلك:

قوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: " أبو بكر وعمر سيدا كهول أهل الجنة من الأولين والآخرين إلا النبيين والمرسلين. لا تخبرهما يا علي ما داما حيين" [ابن ماجة وصححه الألباني]

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أهل الدرجات العلى يراهم من أسفل منهم كما يرى الكوكب الطالع في الأفق من آفاق السماء ،وإن أبا بكر وعمر منهم وأنعما" [ابن ماجة وصححه الألباني]

وقوله صلى الله عليه وسلم: " إني لا أدري ما قدر بقائي فيكم، فاقتدوا باللذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر" [ابن ماجة وصححه الألباني]

ثم ذو النورين

أمير المؤمنين والخليفة الراشد

عثمان بن عفان

رضي الله عنه وأرضاه

فمن أعظم فضائله رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجه ابنتيه ورضيه لهما: فزوَّجه رقية رضي الله عنها ،ثم توفيت يوم بدر، ثم زوَّجه أم كلثوم رضي الله عنها.

ومن أشرف فضائله وكالة رسول الله عنه في بيعة الرضوان تحت الشجرة:

أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان إلى مكة، فذهب مطيعاً.. قال ابن عمر رضي الله عنهما: "وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى: "هذه يد عثمان" فضرب بها على يده وقال: "هذه لعثمان". [البخاري]

ومن فضائله ما رواه عبد الرحمن بن سمرة. قال:جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار في كمه حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقلبها في حجره ويقول "ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم" مرتين. [أحمد وحسنه الألباني]

ومن فضائله ما رواه الأحنف قال: أتيت المدينة وأنا حاج فبينا نحن في منازلنا نضع رحالنا إذ أتى آت فقال: قد اجتمع الناس في المسجد، فاطلعت فإذا الناس مجتمعون، وإذا بين أظهرهم نفر قعود، فإذا هو علي بن أبي طالب والزبير وطلحة وسعد بن أبي وقاص رحمة الله عليهم، فلما قمت عليهم قيل: هذا عثمان بن عفان قد جاء ،قال: فجاء وعليه ملية صفراء، فقلت لصاحبي: كما أنت حتى أنظر ما جاء به.

فقال عثمان: "أهاهنا علي؟ أهاهنا الزبير؟ أهاهنا طلحة؟ أهاهنا سعد؟" قالوا: نعم.

قال: " فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يبتاع مربد بني فلان غفر الله له" فابتعته، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني ابتعت مربد بني فلان قال: "فاجعله في مسجدنا وأجره لك"؟ قالوا: نعم.

قال: "فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو ،هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يبتاع بئر رومة غفر الله له" فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: قد ابتعت بئر رومة، قال: "فاجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك"؟ قالوا: نعم.

قال: فأنشدكم بالله الذي لا إله إلا هو، هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يجهز جيش العسرة غفر الله له" فجهزتهم حتى ما يفقدون عقالا ولا خطاما؟ قالوا: نعم.

قال: "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد" [النسائي وصححه الألباني]

وفي حديث الترمذي من رواية ثمامة بن حزن القشيري [حسنه الألباني]:

قال: هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على ثبير مكة، ومعه أبو بكر وعمر وأنا، فتحرك الجبل حتى تساقطت حجارته بالحضيض، قال: فركضه برجله وقال: "أسكن ثبير، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان" قالوا: اللهم نعم.

قال: "الله أكبر ! شهدوا لي ورب الكعبة أني شهيد" ثلاثا

ومن عجائب فضائله

إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بفضله على ما سيجد في آخر عمره:

فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في حائط من حائط المدينة وهو متكئ يركز بعود معه بين الماء والطين إذا استفتح رجل فقال: "افتح وبشره بالجنة" قال: فإذا أبو بكر، ففتحت له وبشرته بالجنة، قال: ثم استفتح رجل آخر، فقال: "افتح وبشره بالجنة"، قال: فذهبت فإذا هو عمر، ففتحت له وبشرته بالجنة، ثم استفتح رجل آخر قال: فجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "افتح وبشره بالجنة على بلوى تكون" قال: فذهبت فإذا هو عثمان بن عفان. قال ففتحت وبشرته بالجنة قال: وقلت الذي قال، فقال: اللهم صبرا أو الله المستعان. [مسلم]

وعن كعب بن عجرة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقربها، فمر رجل مقنع رأسه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا يومئذ على الهدى" فوثبت، فأخذت بضبعي عثمان، ثم استقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: هذا؟ قال: "هذا" . [ابن ماجة وصححه الألباني]

وقول النبي صلى الله عليه وسلم له: " يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا تخلعه" يقول ذلك ثلاث مرات [ابن ماجة وصححه الألباني]

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إنا اجتمعنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلم نأل عن خيرنا ذي فوق، فبايعنا أمير المؤمنين عثمان". ومعنى "ذي فوق": أي إنه خيرنا سهماً تاماً في الإسلام والسابقة والفضل. فيثبت بذلك إجماع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن عثمان أفضل الصحابة بعد عمر رضي الله عن الجميع.

ثم أبو السبطين

أمير المؤمنين والخليفة الراشد

علي بن أبي طالب

رضي الله عنه وأرضاه

ومن أشرف فضائله إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الله يحبه:

كان أبو ليلى يسمر مع علي، فكان يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف، فقلنا لو سألته، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلي وأنا أرمد العين يوم خيبر، قلت: يا رسول الله إني أرمد العين فتفل في عيني، ثم قال: "اللهم أذهب عنه الحر والبرد" قال: فما وجدت حرا ولا بردا بعد يومئذ، وقال: "لأبعثن رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار" فتشرف له الناس، فبعث إلى علي فأعطاها إياه . [ابن ماجة وحسنه الألباني]

ومن فضائله أن رسول الله زوجه فاطمة رضي الله عنها، وأنه أبو السبطين رضي الله عنهما، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما" [ابن ماجة وصححه الألباني]

قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي" [متفق عليه]

قال رضي الله عنه: "عهد إلي النبي الأمي صلى الله عليه وسلم أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق" [ابن ماجة وصححه الألباني]

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته التي حج فنزل في بعض الطريق، فأمر (الصلاة جامعة)، فأخذ بيد علي، فقال: "ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟" قالوا: بلى. قال: "ألست أولى بكل مؤمن من نفسه؟" قالوا: بلى. قال: "فهذا ولي من أنا مولاه. اللهم وال من والاه .اللهم عاد من عاداه" [ابن ماجة وصححه الألباني]

رسول الله يمسح عنك التراب.. رضي الله عنك يا أبا تراب

قال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها، فقيل له: أخبرنا عن قصته لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد عليا في البيت، فقال: "أين ابن عمك؟" فقالت: كان بيني وبينه شيء، فغاضبني فخرج فلم يقِل عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: "انظر أين هو؟" فجاء فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه ويقول: "قم أبا التراب قم أبا التراب" [مسلم]

ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة

رضي الله عنهم وأرضاهم

إن الذين بشرهم رسول الله r بالجنة كثيرون، لكن عشرة منهم جمعهم حديث واحد معروف بحديث" العشرة المبشرين بالجنة" .

لذا فيلي الخلفاء الأربعة الراشدين في الفضل: الستة المكملون العشرة المشهود لهم بالجنة.

قال صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وعبد الرحمن بن عوف في الجنة، وسعد بن أبي وقاص في الجنة، وسعيد بن زيد في الجنة، وأبو عبيدة بن الجراح في الجنة" [الترمذي وصححه الألباني]

ثم بقية السابقين الأولين من المهاجرين

قال الله جل جلاله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

وفي "معرفة الصحابة" للأصبهاني عن سعيد بن المسيب ، قال : "السابقون الأولون من المهاجرين ، والأنصار الذين صلوا القبلتين جميعا"

وخص المهاجرين جل جلاله بقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء، ماؤه أشد بياضا من اللبن، وأحلى من العسل، أكاويبه عدد النجوم ،من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدا، أول الناس ورودا عليه فقراء المهاجرين" [أحمد وصححه الألباني]

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن فقراء المهاجرين يسبقون الأغنياء يوم القيامة إلى الجنة بأربعين خريفا"[مسلم]

ثم من الأنصار

قال الله جل جلاله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

وخص الله تعالى الأنصار بقوله: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9]

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا لسلكت في وادي الأنصار ،ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار" [البخاري]

وقال صلى الله عليه وسلم: "اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار وأبناء أبناء الأنصار، [ ولذراري الأنصار، ولموالي الأنصار] " [مسلم]

وقال صلى الله عليه وسلم: " الأنصار لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق ،فمن أحبهم أحبه الله، ومن أبغضهم أبغضه الله". وقال: " آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار" [البخاري]

وقال صلى الله عليه وسلم: "خير دور الأنصار: بنو النجار، ثم بنو عبد الأشهل، ثم بنو الحارث بن الخزرج، ثم بنو ساعدة، وفي كل دور الأنصار خير" [مسلم]

عن جابر بن عبد الله قال: فينا نزلت { إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}: بنو سلمة، وبنو حارثة، وما نحب أنها لم تنزل؛ لقول الله عز وجل: {والله وليهما} [مسلم، والآية: 122 آل عمران]

ثم أهل بدر

من فضلهم أن الله نصرهم، وأيدهم بالملائكة، وبشرهم وطمأن قلوبهم: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ= إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ = بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ = وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ = لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران: 123-127]

قال ابن عباس رضي الله عنه: { لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } عن بدر والخارجين إلى بدر.

ومن فضلهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في ابتهاله إلى الله تعالى يوم بدر: "اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض" [الترمذي وحسنه الألباني]

وبلغ فضلهم أن من أصيب منهم خطأً لا بسهم عدو أنه في الفردوس الأعلى!

فعن أنس رضي الله عنه قال: أصيب حارثة يوم بدر وهو غلام، فجاءت أمه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: "يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني، فإن يكن في الجنة أصبر وأحتسب، وإن تك الأخرى ترى ما أصنع"، فقال: "ويحك أوهبلت، أوجنة واحدة هي، إنها جنان كثيرة ،وإنه في جنة الفردوس" [رواه البخاري وجعله في فضل من شهد بدراً]

قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم ،فقد غفرت لكم" [متفق عليه]

ثم أهل أحد

فقد ذكر الله سبحانه صراحة أنه عفا عنهم، فقال جل ذكره: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152]

فإن كان هذا ثواب من لم ينل الشهادة منهم، فكيف بمن نالها؟!

قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: "في الجنة"، فألقى تمرات في يده، ثم قاتل حتى قتل. [البخاري]

وتأمل البشرى بالجنة في قوله سبحانه: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ = إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ = وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ = أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}[آل عمران: 139-142]

وتأمل فضلهم والله يقول لهم: { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ } ، قال ابن عباس: "الحس: هو القتل"

ثم أهل الثبات في غزوة الأحزاب التي نجم فيها النفاق

قال جل جلاله ذاكراً فضله عليهم، وشاهداً سبحانه بثباتهم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا = إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا = هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا} [الأحزاب: 9-11].

وهم الذين أعزهم الله، لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول شاكرا لله تعالى: "لا إله إلا الله وحده، أعز جنده،

ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده ،فلا شيء بعده" [البخاري]

ثم أهل بيعة الرضوان

عن جابر بن عبد الله قال: أخبرتني أم مبشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها"، قالت: بلى يا رسول الله . فانتهرها فقالت حفصة: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "قد قال الله عز وجل: {ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا}" [مسلم، والآيتان 71، 72 من سورة مريم]

ثم من هاجر من قبل الفتح وقاتل

قال جل جلاله: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [الحديد: 10]

نعم..

تنبه جيدا لمسك الختام

قال سبحانه: {وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى}

فما أحوجنا أن نتعلم هذه العقيدة، وأن نتأدب بهذا الأدب.

إن هذا الترتيب الواضح لابد أن يسأل الرجل أهل بيته عنه، وأن يتعلمه الأولاد في الكتاتيب، لتنشأ الأمة على ما ترك النبي (صلى الله عليه وسلم) أصحابه عليه، وعلى ما ربى الصحابة التابعين عليه.

ثم من ؟

من هم الأفاضل بعدهم ؟

إنهم السائرون على هديهم الذين لا يحيدون في فهم نصوص الوحي عن فهمهم، فيقتفون بالإحسان آثارهم:

قال سبحانه: {.. وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]

إنهم الذين يعرفون فضل أعظمهم وأقلهم فضلا، فيترضون عنهم جميعاً، ويتأدبون معهم جميعاً، قال جل جلاله: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]

اللهم اجعلنا منهم

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين

كتبه: فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب

http://www.yaqob.com