25‏/10‏/2012

يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده،

وبعد،

قال الله تعالى: ﴿فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ * فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [سورة الصافات - الآيات مِن 101 حتى 107].

قال الشوكاني: ((قال المفسرون: لما أضجعه للذبح نُودِيَ مِن الجبل ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا وجعله مُصَدِّقاً بمجرد العزم وإِنْ لم يذبحه لأنه قَدْ أتى بما أمكنه، والمطلوب استسلامهما لأمرِ الله، وقَدْ فَعَلا)) [فتح القدير].

وقد استسلم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لأمر الله تعالى وانقادا له ((إبراهيم جازماً بقتل ابنه وثمرة فؤاده امتثالاً لأمر ربه وخوفاً مِن عقابه، والابن قد وطَّن نفسه على الصبر وهانت عليه في طاعة ربه ورضا والده)) [تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنَّان – عبد الرحمن السعدي].

قال ابن كثير: ((قيل ﴿أَسْلَمَا﴾ يعني استسلما وانقادا)) [عمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير "مختصر تفسير القرآن العظيم" – أحمد شاكر]،

فـ ﴿أَسْلَمَا﴾ ((أي استسلما لأمر الله وأطاعاه وانقادا له وفوَّضا أمرهما إلى الله)) [زبدة التفسير – د. محمد سليمان الأشقر].

 

وهكذا ينبغي أنْ يكون حال المؤمن، الاستسلام التام لأوامر الله ونواهيه، والانقياد لحُكمه، اعتقاداً وقولاً وفعلاً.

قال السِّجستاني في منظومته:

((وقُل إنما الإيمانُ قَوْلٌ ونيةٌ        وفِعلٌ على قوْلِ النبيِّ مُصَرَّحُ)) [المنظومة الحائية في عقيدة أهل السنة والجماعة].

وقال ابن تيمية: ((ومِن أصول أهل السنة والجماعة أنَّ الدين والإيمان قولٌ وعمل)) [العقيدة الواسطية]،

 

ولن يأتي الفَرَجُ والتخفيف ورفع البلاء، إلا بعد إظهار الطاعة والانقياد لله عز وجل.

ولهذا فقد جاءت البشرى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ﴾ بعد أنْ امتثلا لأمر الله تعالى وشَرَعَا في تنفيذه.

 

فيا له مِن نداء خالد ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ﴾، يحتاج كل مسلم لإحيائه في نفسه وفي مجتمعه، عسى الله أنْ يرى مِن قلوبنا وأقوالنا وأفعالنا ما يُفَرِّج به عنا الشدائد، ويجعل لنا العاقبة والثناء.

 

وصلَّى الله وسلَّم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،

والحمد لله رب العالمين

 

أبو إسماعيل الحاجري، عفا الله عنه وعن والديه

ليلة العاشر مِن ذي الحجة 1433هـ