21‏/04‏/2017

وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده،
وبعد،

فإنَّ مِن أكثر القضايا التي اهتم بها القرآن الكريم قضية الاتِّباع، وبيان أحوال الأتباع والمتبوعين.
فقد أمرنا الله سبحانه باتباع الوحي ونبذ كل ما يخالفه مِن الأهواء والمناهج، كما أمرنا الله بالتبرؤ مِن أصحاب تلك المناهج والأهواء. قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [سورة الأعراف – الآية 3]، أي ((لا تتخذوا مَن عَدَلَ عن دين الله ولياً. وكل مَن رضي مذهباً فأهل ذلك المذهب أولياؤه)) [الجامع لأحكام القرآن - القرطبي].
وقد حذرنا القرآن مِن مخالفة الوحي والإعراض عنه، وبَيَّن لنا نتيجة ذلك مِن سوء العاقبة.
ومِن أهم أسباب الإعراض عن الوحي التي ذكرها القرآن الكريم: اتباع الهوى، وتقليد الآباء بغير عِلم، واتباع الكبراء والرؤساء.

اتباع الهوى

مِن أكبر أسباب الإعراض عن الوحي اتباعُ الهوى، وهو ظلم كبير وطريق الضلال والخسران. قال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [سورة الروم – الآية 29]، أي ((لم يعقلوا الآيات، بل اتبعوا أهواءهم الزائغة وآراءهم الفاسدة الزائفة.. جاهلين بأنهم على ضلالة)) [فتح القدير - الشوكاني].
وسبيل الرشاد أنْ تكون أهواءنا مُتبِعة للوحي موافقة له. أما أهواء القوم الظالمين فقد فارقت الحق – الذي هو الوحي - وخالفته {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [سورة المؤمنون – الآية 71].

تقليد الآباء بغير عِلم

وقد ذمَّ القرآن الكريم في أكثر مِن موضع اتباع الموروثات وتقليد الآباء بغير هدى، وتفضيل ذلك على اتباع الوحي ولو كانت تلك الموروثات سبيل الشيطان وطريقه إلى جهنم والعياذ بالله. قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [سورة لقمان – الآية 21]، فأولئك الضالون حين أعرضوا عن الوحي ((لم يكن لهم حُجة إلا اتباع الآباء الأقدمين)) [تفسير القرآن العظيم – ابن كثير]، وهي حُجة ضعيفة واهية لن تنفعهم يوم القيامة. ((وما أقبح التقليد، وأكثر ضرره على صاحبه، وأوخم عاقبته، وأشأم عائدته على مَن وقع فيه. فإنَّ الداعي إلى ما أنزل الله على رسوله كمَن يريد أنْ يذود الفراش عن لهب النار لئلا تحترق فتأبى ذلك وتهافت في نار الحريق وعذاب السعير)) [فتح القدير - الشوكاني].

اتباع الكبراء والرؤساء

ومِن أشد الحجج فساداً، اتخاذ ما أمر به الكبراء والرؤساء ذريعة لمخالفة الوحي، والظن أنَّ تلك الحُجة كافيةً للنجاة يوم القيامة. بل إنَّ هؤلاء الكبراء سيتبرؤون يوم القيامة مِن أتباعهم حين يرون العذاب فيوقنوا أنه لا مفر مِن عاقبة ظلمهم، وسيتمنى الأتباع لو تتاح لهم الفرصة فيرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا مِن أولئك الكبراء الذين اتبعوهم، فيتخاصمون ويلعن بعضهم بعضاً.
قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [سورة البقرة – الآيات 166،167].
بل حتى لو استكبر الرؤساء وطغوا، فإنَّ ذلك ليس بذريعة لاتِّباعهم في مخالفة هدى الله ووحيه، فإنهم وأتباعهم يوم القيامة مجموعون في عذاب الله، ولن يستطيعوا دفع ذلك العذاب عن أنفسهم ولا عن أتباعهم الذين يقولون لهم: ((هل تدفعون عنا شيئاً مِن عذاب الله كما كنتم تعدوننا وتمنوننا)) [تفسير القرآن العظيم – ابن كثير]، قال تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [سورة إبراهيم – الآية 21].
وفي قصة نبي الله موسى عليه السلام وفرعون مِن العِبر والهدايات ما يكفي لتنبيه كل غافل. ولم يختص القرآن فرعون بوصفه بالضلال، بل شمل ذلك قومه الذين اتبعوه، فقال تعالى بعد حكاية غرق فرعون وجنده: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [سورة طه – الآية 79]

فعلى العبد أنْ يُقدِّم اتباع الوحي على ما سواه، ولو خالف ذلك السائد في مجتمعه أو خالف هواه. ويوم القيامة لن ينقذ الظالمين مِن عذاب النار آبائهم وكبرائهم الذين اتبعوهم، بل سيجمعهم الله في جهنم كما اجتمعوا في الدنيا على الإعراض عن الوحي {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [سورة الزخرف – الآية 39].
فسيُسأل كلٌ منا عن عمله، فليُعد كلٌ منا للسؤال جواباً.

اللهم اجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، واهدنا إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.

حاتم الحاجري،
عفا الله عنه.

29‏/03‏/2014

فِيمَا يُنَاطُ بِالأَئِمَّةِ وَالْوُلاةِ مِنْ أَحْكَامِ الإِسْلامِ


مُقَدِّمَاتُ الْبَابِ
 
لِيَعْلَمَ طَالِبُ الْحَقِّ وَبَاغِي الصِّدْقِ أَنَّ مَطْلُوبَ الشَّرَائِعِ مِنَ الْخَلائِقِ، عَلَى تَفَنُّنِ الْمِلَلِ وَالطَّرَائِقِ، وَالِاسْتِمْسَاكُ بِالدِّينِ وَالتَّقْوَى، وَالاعْتِصَامُ بِمَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى، وَالتَّشْمِيرُ لِابْتِغَاءِ مَا يُرْضِي اللَّهَ تَقَدَّسَ وَتَعَالَى، وَالِاكْتِفَاءُ بِبَلَاغٍ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا، وَالنَّدْبُ إِلَى الِانْكِفَافِ عَنْ دَوَاعِي الْهَوَى، وَالِانْحِجَازِ عَنْ مَسَالِكِ الْمُنَى، وَلَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَطَرَ الْجِبِلَّاتِ عَلَى التَّشَوُّفِ وَالشَّهَوَاتِ، وَنَاطَ بَقَاءَ الْمُكَلَّفِينَ بِبُلْغَةٍ وَسَدَادٍ، فَتَعَلَّقَتِ التَّكَالِيفُ مِنْ هَذِهِ الْجُمْلَةِ بِالْمُحَافَظَةِ عَلَى تَمْهِيدِ الْمَطَالِبِ وَالْمَكَاسِبِ، وَتَمْيِيزِ الْحَلَالِ مِنَ الْحَرَامِ، وَتَهْذِيبِ مَسَالِكِ الْأَحْكَامِ عَلَى فِرَقِ الْأَنَامِ، فَجَرَتِ الدُّنْيَا مِنَ الدِّينِ مَجْرَى الْقِوَامِ، وَالنِّظَامُ مِنَ الذَّرَائِعِ إِلَى تَحْصِيلِ مَقَاصِدِ الشَّرَائِعِ.
 
وَمِنَ الْعِبَارَاتِ الرَّائِقَةِ الْفَائِقَةِ الْمُرْضِيَةِ فِي الْإِعْرَابِ عَنِ الْمَقَاصِدِ الْكُلِّيَّةِ فِي الْقَضَايَا الشَّرْعِيَّةِ: أَنَّ مَضْمُونَهَا دُعَاءٌ إِلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا، وَحَتْمًا وَإِيجَابًا، وَالزَّجْرُ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَمَا يُخَالِفُ الْمَعَالِيَ، تَحْرِيمًا وَحَظْرًا، وَكَرَاهِيَةً تُبَيِّنُ عِيَافَةً وَحَجْرًا، وَإِبَاحَةٌ تُغْنِي عَنِ الْفَوَاحِشِ، كَإِبَاحَةِ النِّكَاحِ الْمُغْنِي عَنِ السِّفَاحِ، أَوْ تُعِينُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَتُعْضِدُ أَسْبَابَ الْقُوَّةِ وَالِاسْتِطَاعَةِ.
 
ثُمَّ لَمَّا جُبِلَتِ النُّفُوسُ عَلَى حُبِّ الْعَاجِلِ، وَالتَّطَلُّعِ إِلَى الضِّنَّةِ بِالْحَاصِلِ، وَالتَّعَلُّقِ فِي تَحْصِيلِ الدُّنْيَا بِالْوَصَائِلِ وَالْوَسَائِلِ، وَالِاسْتِهَانَةِ بِالْمَهَالِكِ وَالْغَوَائِلِ، وَالتَّهَالُكِ عَلَى جَمْعِ الْحُطَامِ مِنْ غَيْرِ تَمَاسُكٍ وَتَمَالُكٍ ; وَهَذَا يَجُرُّ التَّنَافُسَ وَالِازْدِحَامَ، وَالنِّزَاعَ وَالْخِصَامَ، وَاقْتِحَامَ الْخُطُوبِ الْعِظَامِ، فَاقْتَضَى الشَّرْعُ فَيْصَلًا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَإِنْصَافًا وَانْتِصَافًا بَيْنَ طَبَقَاتِ الْأَنَامِ، وَتَعْلِيقَ الْإِقْدَامِ عَلَى الْقُرْبِ وَالطَّاعَاتِ بِالْفَوْزِ بِالثَّوَابِ، فَيَرْبِطُ اقْتِحَامَ الْآثَامِ بِالْعِقَابِ.
 
ثُمَّ لَمْ يَنْحَجِزْ مُعْظَمُ النَّاسِ عَنِ الْهَوَى بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّهْذِيبِ، فَقَيَّضَ اللَّهُ السَّلَاطِينَ وَأُولِي الْأَمْرِ وَازِعِينَ، لِيُوَفِّرُوا الْحُقُوقَ عَلَى مُسْتَحِقِّيهَا، وَيُبْلِغُوا الْحُظُوظَ ذَوِيهَا، وَيَكُفُّوا الْمُعْتَدِينَ، وَيُعَضِّدُوا الْمُقْتَصِدِينَ، وَيُشَيِّدُوا مَبَانِيَ الرَّشَادِ، وَيُحْسِمُوا مَعَانِيَ الْغَيِّ وَالْفَسَادِ، فَتَنْتَظِمُ أُمُورُ الدُّنْيَا، وَيُسْتَمَدُّ مِنْهَا الدِّينُ الَّذِي إِلَيْهِ الْمُنْتَهَى.
 
وَمَا ابْتَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ حَتَّى أَيَّدَهُ وَعَضَّدَهُ بِسُلْطَانٍ ذِي عُدَّةٍ وَنَجْدَةٍ، وَمِنَ الرُّسُلِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مَنِ اجْتَمَعَتْ لَهُ النُّبُوَّةُ وَالْأَيْدُ وَالْقُوَّةُ كَدَاوُدَ وَمُوسَى وَسُلَيْمَانَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ.
وَلَمَّا اخْتَتَمَ اللَّهُ الرِّسَالَةَ فِي الْعَالَمِ بِسَيِّدِ وَلَدِ آدَمَ أَيَّدَهُ بِالْحُجَّةِ الْبَيْضَاءِ، وَالْمَحَجَّةِ الْغَرَّاءِ، وَشَدَّ بِالسَّيْفِ أَزْرَهُ، وَضَمِنَ إِظْهَارَهُ وَنَصْرَهُ، وَجَعَلَهُ إِمَامَ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَمَلَاذَ الْخَلْقِ فِي الْآخِرَةِ وَالْأُولَى، ثُمَّ أَكْمَلَ اللَّهُ الدِّينَ وَاخْتَتَمَ الْوَحْيَ، فَاسْتَأْثَرَ بِرَسُولِهِ سَيِّدِ النَّبِيِّينَ، فَخَلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ لِيَدْعُوَ إِلَى اللَّهِ دُعَاهُ، وَيُقَرِّرَ مِنْ مَصَالِحِ الدُّنْيَا وَمَرَاشِدِهَا، وَيَنْتَحِي فِي اسْتِصْلَاحِ الْعِبَادِ انْتِحَاهُ.
 
 
إمام الحرمين أبو المعالي الجويني، رحمه الله
غِيَاث الأُمم في التِياث الظُّلَم

18‏/03‏/2014

القضاء والقدر


ومِن صفات الله تعالى أنه الفعَّال لما يريد، لا يكون شيءٌ إلا بإرادته، ولا يخرج شيءٌ عن مشيئته، وليس في العالَم شيءٌ يخرج عن تقديره ولا يصدر إلا عن تدبيره،

ولا محيد عن القدر المقدور، ولا يُتجاوز ما خط في اللوح المسطور، أراد ما العالَم فاعلوه، ولو عصمهم ما خالفوه، ولو شاء أنْ يطيعوه جميعاً لأطاعوه،

خلق الخلق وأفعالهم، وقدَّر أرزاقهم وآجالهم، يهدي مَن يشاء بحكمته،

 
قال الله تعالى: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ [سورة الأنبياء – الآية 23]،

قال الله تعالى: ﴿إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ﴾ [سورة القمر – الآية 49]،

وقال تعالى: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾ [سورة الفرقان – الآية 2]،

وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا﴾ [سورة الحديد – الآية 22]،

وقال تعالى: ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا﴾ [سورة الأنعام – الآية 125]،

 
وروى ابن عمر أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما الإيمان؟ قال: "أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره". فقال جبريل: صدقت. رواه مسلم [صحيح مسلم – ح8].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "آمنتُ بالقدر خيره وشره وحلوه ومره"،

ومِن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه الحسن بن علي يدعو به في قنوط الوتر: "وقني شرَّ ما قضيتَ".

 
 

كتبه: موفق الدين ابن قُدامة المقدسي، رحمه الله

مِن كتاب "لُمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد".

07‏/12‏/2013

لا سلطان للشيطان على عباد الله الصالحين

لم يُعطِ الربُّ الشيطانَ القدرة على إجبار الناس وإكراههم على الضلال والكفر: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ [سورة الإسراء – الآية 65]، ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾ [سورة سبأ – الآية 21].
ومعنى ذلك أنَّ الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم، لا مِن جهة الحُجة ولا مِن جهة القدرة، والشيطان يدرك هذه الحقيقة: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [سورة الحِجر – الآية 39، 40].
وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره، ويتابعونه عن رضا وطواعية: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [سورة الحِجر – الآية 42]. وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ﴾ [سورة إبراهيم – الآية 22].
وفي آية أخرى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [سورة النحل – الآية 100]، والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال، وتمكنه منهم، بحيث يؤزهم على الكفر والشرك ويزعجهم إليه، ولا يدعهم يتركونه، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [سورة مريم – الآية 83]، ومعنى تؤزهم: تحركهم وتهيجهم.
وسلطان الشيطان على أوليائه ليس لهم فيه حُجة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم، لمَّا وافقت أهواءهم وأغراضهم، فهُم الذين أعانوا على أنفسهم، ومكنوا عدوهم مِن سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا بأيديهم واستأسروا له، سُلِّط عليهم عقوبةً لهم. فالله لا يجعل للشيطان على العبد سلطاناً، حتى يجعل له العبد سبيلاً بطاعته والشرك به، فجعل الله حينئذ له عليه تسلطاً وقهراً.
 
كتبه: أ.د. عمر سليمان الأشقر، رحمه الله
مِن كتاب "عالَم الجِن والشياطين" [ص44، 45].

03‏/12‏/2013

حُكم تارك الصلاة مع اعتقاد وجوبها

جمهور العلماء على أنَّ تارك الصلاة تكاسلاً غير منكِر لفرضيتها فإنه لا يكفر، بل يستتاب فإنْ تاب وإلا قُتل حداً لا كفراً، ويُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويُدفَن في مقابر المسلمين، وعلى هذا جماعة العلماء مِن السلف والخلف (أعني في عدم تكفيره).
 
وممن قال يُقتل حداً لا كفراً بعد استتابته: مكحول ومالك وحماد بن زيد ووكيع والشافعي.
 
وممن قال لا يكفر: الزهري وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني وآخرون، قال هؤلاء جميعهم: لا يُقتل، ولكن يُضرب ويُحبس حتى يصلي.
 
وقالت طائفة: هو كافر. قال ابن المنذر: هذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمداً.
 
قلت: وذكر ابن المنذر عن أحمد أنه يُستتاب ثلاثاً (يعني ثلاث صلوات). قال ابن المنذر: وبه قال سليمان بن داود وأبو حنيفة وأبو بكر بن أبي شيبة.
 
قلت: ورُوي القول بتكفير تارك الصلاة عمداً وإجراء أحكام المرتدين عليه عن علي بن أبي طالب، ومال ابن المنذر إلى القول بعدم تكفيره وقتله.
 
 
[موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي - د. محمد نعيم محمد هاني ساعي (ج1/ص127)].

03‏/10‏/2013

السلفية... منهج أم جماعة؟

تشهد الساحة الإعلامية هذه الأيام هجوماً عنيفاً ومتلاحقاً ضد السلفية في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، في ظاهرة ملفتة أثارت انتباه المتابعين عن بدء حلول موسم الهجوم على السلفية، وفي الحقيقة أنَّ الهجوم على السلفية متواصل أبداً لا يتوقف صريره، يشتعل في أوقات ويخفت لهبه في أُخَر، فليس ثَم موسم للطعن في السلفية لأنه غذاء يومي لكثير من الحانقين والخائفين من الخِيار الإسلامي.

هل السلفية منهج، أم جماعة وحزب معيَّن؟
أكثر المشاركين في الحرائق ضد السلفية لا يميزون بين الأمرين؛ لأنَّ لديهم خصومة عميقة مع المنهج الإسلامي عموماً، ومِن ثَم فلا أثر لهذا التمييز لديهم لأنَّ النقد متجه بشكل أساسي إلى المنهج الإسلامي.
السلفية هي منهجٌ في طريق السير على هدي الإسلام؛ فحين تتفاوت الأفهام في تفسير الإسلام ومعرفة أحكامه وتحديد المنهجية الصحيحة فيه تأتي السلفية معتمِدة على منهج السلف الصالح مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ فهُم خير هذه الأمة، وأزكاها ديناً، وأعلاها مقاماً، وأعمقها فهماً، وأعلمها بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمَن اجتهد في سلوك طريقهم فهو سلفي أياً ما كانت الجماعة التي ينتمي إليها.
يرتكز قوام السلفية على احترام هذا الجيل الإسلامي الفريد والاقتداء به، وتربية النفس والأجيال على تقديرهم وبيان فضلهم، ليس تنزيهاً لهم عن الخطأ بل استهداء بفهمهم وسيرٌ على خطاهم.
تسير السلفية على خطا هؤلاء الأسلاف في ما أجمعوا عليه، وعلى اتباع منهجيتهم في التلقي ومصادر الاستدلال وكيفيته، وفي مسالك التعبد والأخلاق؛ فهُم أولى الناس بالحق، فلن يخرج الحق عن قولهم إنْ أجمعوا، ولا عن أقوالهم إنْ اختلفوا.
تُعظِّم السلفية مِن شأن النَّص الشرعي – كتاباً وسُنَّةً صحيحة – وتجعله هو الأصل الذي تعتمده وتستهدي به، لا ترُد أي نَص صحيح لذوقٍ أو هوى أو معقول أو مصلحة، ولا تضع أمامه عراقيل القيود والشروط، بل تنقاد إليه وتُسَلِّم له حين يتبين أنه مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالنَّص هادٍ ودليل تتبعه النفوس، وليس تابعاً ومنقاداً يسير خلف ما تريد النفوس والقراءات المختلفة فيها.
تؤمِن السلفية بشمولية الإسلام، في العبادات والأخلاق والمعاملات وشؤون الحياة كلها، شمولاً يضم الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم والحُكم، الدنيا والآخرة، المصالح العاجلة والآجلة، رؤية متكاملة لما يسعد المسلم في دينه ودنياه.
تشهر السلفية بوضوح تام ضرورة إخلاص العبادة لله تعالى، وأولوية تطهير النفوس مِن الخرافات والمعتقدات الفاسدة والبِدع المحدثة التي تخالِف ما كان عليه الصحابة وتابعوهم.
هذه هي الأصول العامة للسلفية، فهي منهج ورؤية مَن التزم بها ودعا إليها واجتهد في تحقيقها فهو سلفي أياً ما كان، وعلى أي جماعة سياسية سَلَك، ومَن خالف أصولها خرج عن السلفية.

إذن: ما معنى أنْ تكون السلفية منهجاً لا جماعة؟
1.  أنه ليس ثَم ناطق أو ممثل للسلفية يُعبِّر عن رأيها ومنهجها؛ بحيث يكون مَن خالفه فهو مخالِف للسلفية ومَن وافقه فهو موافق للسلفية، لا يوجد شخص ولا جماعة ولا حزب كذلك؛ فهي منهجية استدلال تحاكِم الأفراد والجماعات ولا تحاكَم هي إلى أحد؛ فليس ثَم جماعة تمثل السلفية وإنما يوجد أفراد وجماعات ينتسبون إلى السلفية ويسعون لتحقيق منهج السلف. فلا يمكن اختزال السلفية في جماعة محددة ولا في قضايا معينة، وهذا ما يفسِّر لك التباين الشديد بين الجماعات المنتسبة إلى السلفية في كثير مِن الوقائع؛ حتى إنك لتجد التعامل مع الأنظمة السياسية المعاصِرة يختلف مِن أقصى اليمين إلى أقصى الشمال في رؤية بعض الجماعات التي تنتمي إلى السلفية، فهذا التنافر التام والاختلاف الجذري يُثبِت أنَّ السلفية ليست جماعة محدد، وإنما منهج ورؤية قد يُحسِن المسلم تطبيقها وقد يسيء فهمها فيقع في الخطأ والانحراف.
2.  أنَّ مجرد الانتساب إلى السلفية لا يكفي لأنْ يكون الشخص سلفياً، وكوْن الشخص لا يتسمى بالسلفية لا يخرجه ذلك عن السلفية؛ لأنها ليست جماعة تقتصر على أفرادها المنتسبين إليها، ويكتفي الشخص بمجرد الانتساب إليها، بل هي منهج ورؤية تقوم على اقتناع بضرورة معرفة وتطبيق منهج الصحابة ومَن جاء بعدهم مِن التابعين لهم بإحسان.
3.  أنَّ وقوع بعض المنتسبين إلى السلفية في بعض الأخطاء لا يجوز أنْ يُنسب إلى السلفية، وإنما تُنسَب الأقوال والأفعال إلى قائلها أو إلى الجماعة التي تقررها، وحينئذٍ فالنقد الإعلامي الذي يوجَّه إلى السلفية بشكلٍ عام هو نقد مأزوم غير موضوعي؛ لأنَّ الناقد يقصد شخصاً معيَّناً أو فئةً نحددة ويتكلم بخِطابٍ عام، ثُم يكرر في كل مرة اعتذاره بأنه لا يقصد الجميع وإنما يقصد البعض، وسبب الخلط نشأ لديه مِن عدم تمييزه مِن كوْن السلفية منهجاً لا جماعة.
4.  أنَّ السلفية لا تعني الاتفاق على المسائل الفقهية الخلافية أو المواقف السياسية المبنية على تقدير المصالح والمفاسد، فاتفاقهم على الأصل الكلي والمنهج العام لا يؤدي بالضرورة إلى اتفاقهم في الفروع والتفاصيل، وقد كان السلف الصالح يختلفون كثيراً في المسائل الفقهية وفي تقديرهم للمصالح والمفاسد، ولم يكن هذا سبباً للطعن في أحد منهم ما دام أنه متمسك بالأصول والمنهج الكلي، بل هذا دليل على ثراء المنهج السلفي وتنوعه.
5.  أنَّ الأخطاء التي يقع فيها الشخص لا تخرجه عن السلفية ما دام أنه ملتزِم بها ومستمسك بأصولها ومجتهد في تطبيقها ومراعاتها في الواقع، اللهم إلا أنْ يخالِف أصلاً كلياً مِن أصول السُّنَّة أو تكثر مخالفته وتطَّرِد في عدد مِن القضايا الجزئية بما يصل حد الانحراف في الأصل الكلي (انظر "الاعتصام" للشاطبي ج3/ص140)، مع أهمية التأكيد على أنَّ هذا حُكم على الوصف لا العين، إذ في الحُكم على أعيان الأشخاص مِن الضوابط ما يقتضي شديد التورع والاحتياط فيه.
6.  وكوْن السلفية منهجاً لا جماعة يعني بداهةً أنَّ المنتسبين للسلفية هُم قِطاع واسع جداً مِن العالم العربي والإسلامي، بل هُم الأصل في عموم المسلمين؛ فالأصل في المسلم أنْ يتَّبع الدليل ويسير خلفه بمنهجية فَهْم الصحابة، ومَن شذَّ عنه فهو المخالِف؛ فالسلفية هي القاعدة والأصل وليس الاستثناء، فمحاولة تقزيمها في جماعة محددة أو اختزالها في قضايا معينة هو جهل مِن بعض الناس أو أسلوب ماكر مِن بعض المنحرفين لمآرب لا تخفى.
7.  وكوْن السلفية منهجاً لا جماعة لا يعني أنَّ كل الاجتهادات والتفسيرات مقبولة ومعتبَرة في المنهج السلفي، فالسلفية منهج له أصوله وثَم مساحة واسعة للاجتهاد في محيطه، فسعة منهجه وثراء مقولاته لا تؤدي إلى النسبية المطلقة وغياب الحدود الفاصلة التي تكشف الاجتهادات المقبولة داخل المنهج السلفي والاجتهادات المخالِفة له.
8.  أنَّ النقد الموجَّه للسلفية يجب أنْ يُفرَّق فيه بين النقد الموجَّه للمنهج السلفي والنقد الموجَّه للجماعات والأفراد المنتسِبين للسلفية، فالثاني نقد مقبول ومعتبَر شريطة أنْ يكون عادلاً وأنْ يكون النقد لأفعال السلفيين لا إلى ذات السلفية، والسلفيون هُم أولى الناس بضرورة الوعي بأهمية الاستفادة مِن نُصح الناس ونقدهم وتقويمهم حتى ولو بَدَر ممن يحمل مواقف عدائية أو بطريقة خاطئة، فيُستفاد مِن نقده ولن يضرهم قصده.

وهل سيتوقف الهجوم على السلفية حين تتميز "منهجاً" لا "جماعة"؟
بالتأكيد لا.
فإنَّ اعتماد المنهج السلفي على "النَّص الشرعي" محوراً مركزياً للانطلاق، وارتباطه بالسلف الصالح في فهم هذا النَّص وتفسيره، يجعله المنهج الصحيح لفهم الإسلام وتطبيقه، وهو ما يجعل النفوس تهفو وتنجذب إليه. فالنفوس المسلمة متعطِشة إلى الرجوع إلى هويتها ودينها وقيمها بفهمه الصحيح، فأكثرية الناس تبحث عما يريده الله وتسأل عن المنهج والمسلك الذي ينجيها في الآخرة، وليسوا مهمومين بمنهجية "التكيف مع الواقع" و"تبرئة الإسلام مِن الشبهات" ومحاولة إقناع المسلمين بـ "صلاحية دينهم لكل زمان ومكان"، فأكثرية المسلمين ليسوا بحاجة إليها كثيراً، وما هي إلا زيادة بصيرة ونور، وهذا الوضوح والعمق هو ما يجعل المنهج السلفي مخيفاً ومرعباً لكثير مِن المنحرفين والزائغين الذين لن تتوقف مراجل الحَنَق في قلوبهم عن الغليان.
المنهج السلفي يُربي في أتباعه خصائص الشموخ والعِزة بالإسلام رسالةً وحضارة، فشتان بين مَن يقرأ النَّص ليعرف مراده ليسير على هديه كما هي خاصية المنهج السلفي، وبين مَن يبحث عن تحقيق مراده مِن خلال النَّص كما هي خاصية كثير مِن المناهج العَلمانية والتلفيقية.
وشتان بين مَن يبحث في النَّص وهو يعتقد أنَّ ثَم معنى شرعياً محدَّدَاً يريده الله، وبين مَن يرى أنَّ الحقائق نسبية وأنه لا وجود لمَن يمتلك الحقيقة المطلقة كما هي حالة التيه التي تعبث بكثير مِن أهل هذا العصر.
وشتان بين مَن يضع منهجاً محدَّداً وأصولاً واضحة في التعامل مع النَّص، وبين مَن يتقلب بين المناهج والأفكار بحسب كل واقعة.
وشتان بين مَن يتخذ الصحابة والتابعين دليلاً بين يديه، وبين مَن يسير خلف فلاسفة وضُلال الشرق والغرب.
إنه منهج يتسم بالوضوح والاطراد، والتناسق والتماسك، وهو ما يجعل أثره عميقاً في نفوس المستمسكين به، ودوره فاعلاً في التأثير على المخالِفين، وهو أيضاً أقدر المناهج على الدفاع عن أحكام الإسلام لأنه لا يُسَلِّم للمخالِف بباطل يتوصلون مِن خلاله للطعن في الإسلام.
إنَّ بعض المنحرفين يوجِّه سهامه إلى السلفية فينتقدها على أُمور هي مِن صميم الإسلام، فهو ينتقد في الظاهر الجماعات السلفية لكنه في الحقيقة يطعن في ذات الإسلام، كمَن ينتقدهم في أصل "الحجاب" أو "التوحيد" أو "الحُكم الإسلامي" فهو في الحقيقة يطعن في الإسلام نفسه وإنْ زعم أنه يقصد الجماعات السلفية، فمِن الخلل ونقص الحكمة أنْ يتعامل بعض الناس مع ظاهرة النقد هذه وكأنها موَجَّهة إلى جماعة محدَّدة، فمِن المهم أنْ يستوعب الشخص الأسباب التي تدعو للنقد وحقيقة النقد حتى يدرِك مِن خلالها هل هو نقد لـ "جماعة" أم طعن في "منهج ورسالة"؟


فهد العجلان،

مِن كتاب: معركة النَّص

04‏/07‏/2013

تعليق الشيخ الدكتور بندر الشويقي على الانقلاب العسكري بمصر

أسأل الله أن يلطف بأهل مصر، وأن يكفيهم كيد الكائدين ومكرهم.

كنت كتبت قبل أيام منتقداً سياسات بعض قيادات (حزب النور) التي قلت إنها تمالئ الصَّف العلماني. ولديَّ هنا بقيةٌ كنتُ سكتُّ عنها خشية أن أظلمهم، لكن الأمور الآن باتت واضحة للأعمى.

بدايةً لست بحاجة لأن أقول: إنهم –منهجياً وفكرياً- هم أقرب إليَّ من الإخوان بكثير. لكن الحق أحق أن يتبع.
السلفية منهج، وليست شعاراً. وهذا المنهج يقتضي أن يكون رفض فلول العلمنة، أشد وأبلغ من رفض الإخوان.
السلفية الصادقة منهج يقتضي أن يكون رفض العلاقات مع إيران، مثل رفض العلاقات مع أعداء الشريعة في الداخل وأبلغ.

بعض الأحبة ذكر أني ظلمتهم حين قلت إنهم يمالئون العلمانيين.
وآخرون علقوا: بأن لبعض قياداتهم كلماتٍ يعارضون فيها عزل الرئيس ويتمسكون بشرعيته.
انظروا الآن لتصريحاتهم وستعرفون ما عنيته. سترون أن معارضتهم للعزل لم تكن سوى خط رجعة، في حالة فشل التمرد فقط لا غير.
الآن سيقولون للعسكر: ألم نكن معكم، ونمنعكم من الإخوان المسلمين.
وحتى يكون كلامي هذا باطلاً، ننتظر منهم إدانة الانقلاب بوضوح، ورفع صوتهم بمعارضته إن كانوا صادقين.

سلوكهم –من البداية- كان مبنياً على الوقوف في المنتصف ظاهرياً، مع الانحياز في الباطن للطرف العلماني.
هم لا يفعلون هذا لأنهم علمانيون. بل لأنهم يبحثون عن الطرف الذي يقطع لهم من كعكة السلطة أكثر.
غرَّهم حصولهم على المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة، فطرحوا أنفسهم بغباءٍ ليكونوا بديلاً للإخوان.
الآن إن ذهب الأخوان، فسيذهبون معهم بعد أن ينتهي دورهم.

لن أتحدث عن (هل أصاب الإخوان في تهميشهم أو لا). فهذا لا يغير من الموقف شثيئاً، فمهما كانت المبررات، كان المفترض منهم تقديم المصلحة العليا. تهميش الإخوان لهم، لا يبرر انحيازهم للطرف الأظلم والأطغى.
ولن أعلن جديداً إذا قلت: إن العسكر سيكون أشد تهميشاً لهم لو كانوا يعقلون ... إن لم يفعلوا اليوم، فغداً.

هذا ما لدي بخصوص (حزب النور) كتبته جواباً عن بعض التساؤلات التي وردتني بعض تغريدتي السابقة عنه.
وأكرر ما ذكرته من قبل، ففي قيادات الحزب من لا يرضى سياساته وكذا كثير من أتباعه خالفوا موقف الحزب في هذه الأزمة، كما خالفوه في الانتخابات

خلاصة ما لدي عن الموقف الرسمي للحزب: أن قيادته سلكت مسلكاً حزبياً رخيصاً، ورضت بممارسة (النفاق السياسي) في أجلى صوره.

بقي لدي تعليقٌ على مجمل الوضع المصري الآن.

قرأت لكثيرين يتحدثون عن أن استئثار الإخوان بالسلطة هو السبب فيما آلت إليه الأمور. من وجهة نظري أن هذه سطحية بالغة في تفسير الحدث.
دع عنك الضجيج الإعلامي، ولن تجد في سياسات مرسي ما يفسر حجم هذا الغليان والغضب منه ومن الإخوان.
الطبخة كان محبوكة ومدروسة ومرسومة بقطع النظر عن سياسات الإخوان...محاصرة اقتصادية من الخارج، ومعركة إعلامية ضارية من الداخل.

ألا تعجب من أناسٍ كان مبارك يجثم على صدورهم، ثم يصيحون الآن بأن مرسي (ديكتاتور!!)، ثم ينطلقون إلى أحضان العسكر، ورموز الديكتاتورية.
من الواضح أن الحشد الإعلامي الهائل أعطى أكله، فتحول مرسي والإخوان إلى وحش كاسرٍ يلتهم كل شيءٍ، ويتصاغر إلى جانبه كل شر.
مهما قيل عن أخطاء حصلت، فلا يمكن أبداً أن تكون مبرراً لرسم صورة في ذهن رجل الشارع بأن مرسي (ديكتاتور)!

القصة باختصار: أن الذي جرى ويجري بمصر كان معركة محتومة لا خيار للإخوان في تحاشيها. مهما فعلوا فسيلامون ويقرعون ويجرمون.
ما كان يجري هناك كان معركة نعرف حقيقتها، لكن الضجيج أنسى كثيراً منا قاعدتها وأرضيتها.

هناك من كان يتوهم ويحلم بديمقراطية مصرية تؤسس لمجتمع مستقر وتداول سلمي للسلطة بعيدا عن التطاحن. يحكم اليوم العلمانيون، وغداً الإسلاميون
دعوني أقول لكم أحبتي: دعوا الأحلام، وتذكروا أن المتناقضات لا تجتمع أبداً.
الديمقراطية تتطلب أرضية مشتركة يتم من خلالها تداول السلطة بين أحزاب تختلف مع بعضها، لكنها تقف جميعاً على تلك الأرضية.
تداول السلطة بين (إسلامي)، و(علماني) عملية متنافرة وغير قابلة للنجاح إطلاقاً.
متى وقع التنافس في صورة كهذه، فسيبقى الوضع قلقاً والصراع دامياً إلى أن يتغلب أحد الحزبين ويستأثر بالسلطة دون الآخر.
إما أن يتغلب أحدهما بالصناديق، فيصوغ دستوراً وتشريعاً يقصي الآخر: (وهو ما حاوله الإخوان).
وإما أن يتغلب أحدهما بالقوة، فيقصي الآخر (وهو ما فعله العسكر).

تلك هي الحقيقة بعيداً عن كل لغو وثرثرةٍ حول أخطاء في سياسات مرسي والإخوان.

أسوق هذا الكلام لبعض الحالمين الذين يتصورون أن الديمقراطية من الممكن أن تعالج مشكلة الصراع بين دعاة الشريعة، وبين العلمانيين.
حين يبلغ التباين هذا الحد، فلن يكون هناك تداول سلطة. لن يكون هناك إلا صراعٌ دامٍ.
لدى الأمريكيين لن تجد فرقاً منهجياً ضخماً بين (الجمهوريين)، و(الديمقراطيين)، كما لن تجده بين (حزب العمال)، و(المحافظين) البريطانيين.
الجميع ينتمي إلى أرضية علمانية مشتركة. لهذا يتداولون السلطة، ويبقى النظام العام ثابتاً.
فهل يمكن أن يحصل هذا بين صاحب مشروع إسلامي، وآخر علماني؟!
لا تنتظر إطلاقاً من أحزاب علمانية تخضع لسلطة إسلامية، حتى لو جاءت عبر صناديق الانتخاب ... ولا تنتظر العكس أيضاً.
قد يقبل أحدهما مضطراً في حالة الضعف. لكن عند القدرة: فالأفكار المتناقضة لابُد أن تتقاتل بشراسة. قتال ينتهي بخضوع أحد الطرفين للآخر.
حين يبلغ التناقض مثل هذا الحد، فتداول السلطة ديمقراطياً مشروط بأن يقبل أحد الطرفين بالخضوع لرؤية الآخر... فدعوا الأحلام والأوهام.

بقي لديَّ نقطة أكتبها للتاريخ إن كان هناك تاريخ فيما يكتب هنا:
أكره الرفض كراهيتي للكفر. لكني أعجب ممن كان ينظر بعين عوراء، فيقرِّع مرسي على التوسع في علاقاته مع إيران، ثم يتوقف عند هذا الحد ويصمت.
من كان صادقاً ومنصفاً، فليوجه ملامته لمن كان يملك القدرة على صرفه عن هذا ولم يفعل.
أدرك أن الإخوان لا يتصفون بالصلابة والحزم السلفي في التعامل مع الملف الشيعي.
لكنهم في النهاية ليسوا روافض، ودول أهل السنة كانت أولى بدعم اقتصاد بلدهم المنهار. لكنها اختارت الدفع بهم إلى إيران، ربما كي تتم ملامتهم.

اللهم احفظ مصر وأهلها ،،، اللهم انصر أهل الشام واجعل لهم فرجاً قريباً ،،، آمين.


بندر الشويقي

25 شعبان 1434هـ / 4 يوليو 2013