16‏/11‏/2009

مِن أحكام الحَج والعُمرة

معنى الحَج والعُمرة

الحَج لُغةً: القصد. وشرعاً: التعبد لله بأداء المناسك على ما جاءت به السُنَّة. ومعنى العُمرة: الزيارة.

حُكمه:

الحَج واجب على كل مُكَلَّف. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [سورة آل عِمران –الآية 97]. وهو أحد أركان الإسلام لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "بُنِيَ الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" مُتفقٌ عليه.

حُكم العُمرة: الراجح من أقوال أهل العلم أن العُمرة واجبة مرة واحدة في العمر، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.

الترغيب في أداء الحَج والعُمرة

عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفقٌ عليه.

ومعنى الرفث: الجِماع، ويُطلق على التعريض به وعلى الفُحش في القول، وقوله: ولم يفسُق أي: لم يأت بسيئة ولا معصية.

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العُمرة إلى العُمرة كَفَّارة لما بينهما، والحَج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" مُتفقٌ عليه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحَج والعُمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحَج المبرور ثواب إلا الجنة" رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نُجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لكن أفضل الجهاد حَجٌ مبرور" رواه البُخاري، وفي لفظ: "جهادكن الحَج".

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثُم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثُم ماذا؟ قال: "حَجٌ مبرور" مُتفقٌ عليه.

التعجيل بالحَج

ينبغي للمؤمن أن يغتنم الفرصة لأداء مناسك الحَج، فإنه لا يدري ما يعرض له من موانع تشغله أو تعوقه، وقد وردت الأحاديث تَحُث على التعجيل بالحج، فَمِن ذلك:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعجلوا إلى الحَج فإن أحدكم لا يدري ما يَعرِضُ له" رواه أبو داود بسندٍ حسن.

وعن الفضل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد الحَج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة" رواه ابن ماجة بسندٍ حسن.

كتبه: عادل بن يوسُف العزازي

مِن: إرشاد الصُحبة لمناسِك الحَج والعُمرة

10‏/11‏/2009

أثر الفُرس في بعض عقائد الشيعة

إن بعض الباحثين في عقائد فِرَق الشيعة – لا سيما الباطنية – يُلاحظون تشابهاً بينهم وبين الفُرس، بل أُطلِق اسم المجوس على القدرية أيضاً.

قال الأستاذ أحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام" ص 276-278، نقلاً عن كتاب "الشيعة والتشيع – فرق وتاريخ" لإحسان إلهي ظهير: والحق أن التشيع كان مأوى لجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية. وتستر بعض الفُرس بالتشيع وحاربوا الدولة الأموية وما في نفوسهم إلا الكُره للعرب ودولتهم، والسعي لاستقلالهم. ويستند أيضاً إلى ما ذهب إليه المقريزي في تعليله لاختفاء بعض الفُرس وراء الإسلام بعامة والتشيع بخاصة بمحاربة الإسلام؛ لأنهم كانوا أهل مُلك وعلوا على جميع الأمم، يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما انتصر العرب المسلمون عليهم – وكانوا يعتبرون العرب أقل الأمم خطراً – تضاعفت لديهم المصيبة، فرأوا كيد الإسلام بالمحاربة عن طريق الحيلة لعجزهم عن المواجهة الصريحة المباشرة. قال الأستاذ أحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام" ص 276-278، نقلاً عن كتاب "الشيعة والتشيع – فرق وتاريخ" لإحسان إلهي ظهير: فرأوا كيده على الحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي رضي الله عنه، ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم بها عن طريق الهدى. ولكنهم لو فحصوا ما دار حول الخلافة منذ تولاها أبو بكر رضي الله عنه لعلموا أن علياً لم يُظلم كما يتوهمون، بل إنه بايع وأقر بخلافة الخلفاء قبله رضي الله عنهم جميعاً.

ويرى المُستشرق دوري أن الشيعة كانت في حقيقتها فرقة فارسية، مُستنداً إلى أن الفُرس لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحُكم، لهذا اعتقدوا أنه ما دام محمد صلى الله عليه وسلم لم يترك ولداً يرثه، فإن علياً رضي الله عنه هو الذي يجب أن يخلفه وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي رضي الله عنه، ويُضيف أيضاً أنهم اعتادوا أن يروا في ملوكهم أحفاداً مُنحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا، فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي رضي الله عنه وذريته. ويرى ذلك المُستشرق الألماني ولهوزن المُتعاطف مع الشيعة، فيذكر أنه لا سبيل للشك في أن آراء الشيعة كانت تُلائم الإيرانيين.

ولا نجد للشيعة سنداً يُعتد به في هذا الإنحراف العقدي، ولو درسوا التاريخ بأمانة لوجدوا الاعتراض التام عليه، إذ عَبَّر المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه عن دهشته واعتراضه على اتخاذ الفُرس بعضهم أرباب بعض، حيث كان الأكاسرة يَدَّعون أنه يجري في عروقهم دم إلهي، ولذلك علق المُغيرة على ما لاحظه من تلك المظاهر مُخاطباً رُستم قائدهم: "وإن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، فلا نفعله". مُعبراً بذلك عن عقيدة التوحيد التي تجعل المُسْلِم عبداً لله وحده.

ولما زحفت الزرادشتية على العالم الإسلامي في عصور متأخرة رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يُحذر من الوقوع في براثنها مُذَكِراً المُسلمين بالحديث الصحيح: "لتأخذن مأخذ الأمم قبلكم، شبراً بشبراً وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: فارس والروم؟ قال: "فمن غيرهما". ويرى شيخ الإسلام أن هذا الحديث ينطبق على كل من اتخذ عقيدة أو سلك سُلوكاً مُشابهاً لهاتين الأُمَّتين، ونحن نعلم أنهما في عقيدتهما يُعبِّران عن الشرك في جميع صُوره.

كتبه: أ.د. مصطفى حلمي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكُلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

من كتاب "الإسلام والأديان – دراسة مُقارنة".

06‏/11‏/2009

دلالات الأمر في القُرآن والسُنَّة

إذا تأملتَ في أفعال الأمر وصِيَغه الواردة في كلام الله وسُنن النبي صلى الله عليه وسلم المُنفصلة عن كل قرينة لفظية أو حالية، رأيتَ أن جُملة هذه الأفعال تدُل على الوجوب حيث لا قرينة ولا صارف.

والقرينة اللفظية هي ما يَقترن بالأمر مما يدُل على الوجوب، أما القرينة الحالية فكأن يُخاطِب الآمر المأمور بصيغة شديدة أو بعبارة حاسمة حازمة.

يعني إذا قال الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَه} [سورة الأنفال - الآية 1]، وقوله: {وَابْتَغِ فِيمَا ءاتَاكَ اللهُ الدَارَ الآخِرَة} [سورة القصص - الآية 77]، أو {أَقِيمُوا الصَّلاةَ وءاتُوا الزَّكَاة} [سورة البقرة - الآية 43] ونحو ذلك فإن هذا يُفيد الوجوب، قال تعالى في تأكيد هذا المعنى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْرَاً أَنْ يَكُونَ لهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [سورة الأحزاب - الآية 36].

والدليل على ذلك قوله سبحانه وتعالى: {فَلْيَحْذَرِ الِّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم} [سورة النور - الآية 63]، فإنه حذر سبحانه وتعالى وتَوَعَّد المُخالِف عن الأمر بالفتنة والعذاب الأليم، ولا يكون ذلك عقوبةً لترك المندوب أو المُباح، وإنما هو عقوبة لِمَن تَرَكَ الواجِب.

وقال تعالى مُخاطِباً إبليس: {مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك} [سورة الأعراف - الآية 12] فترتب على مُخالَفة إبليس للأمر اللعن والطرد والإبعاد من رحمة الله، فَدَلَّ ذلك على أن الأمر من الله سبحانه وتعالى كان مُقتضياً للوجوب، لأنه لا تترتب هذه العقوبات على مُجَرد المندوب أو المُستحب، كما أن الله تعالى سَمَّى هذه المُخالَفة عِصياناً والعِصيان يُوجِب العُقوبة، قال تعالى: {أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي} [سورة طه - الآية 93].

كما رَتَّبَ دخولهم النار على قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُون} [سورة المُرسلات - الآية 48]، ولفظ "اركع" هذا فعل أمر، فَدَلَّ هذا على أن مُخالَفة الأمر تُوجِب النار، ودُخول النار لا يكون إلا لترك واجب؛ وقد أجمع الصحابة على امتثال الأمر ولزوم الطاعة من غير سؤال النبي صلى الله عليه وسلم ماذا عَنِيَ من أوامره.

الخُلاصة: أن صيغة الأمر إذا أُطلقت وتجردت عن القرينة دَلَّت على الوجوب، إلا إذا دَلَّ الدليل على غير ذلك أو يُصرف هذا الأمر إلى غيره.

والقرينة إما أن تكون مُتصلة أو مُنفصلة.

فالقرينة المُتصلة كما في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب، لمن شاء" أخرجه البُخاري من حديث عبد الله المُزَني رضي الله عنه. وقوله سبحانه وتعالى: {ياأَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُم صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيم} [سورة المجادلة - الآية 12].

فالأمر الواجب لا يُعَلَّق على مشيئة العبد والواجب لا يُعَلَّق بالمشيئة، وإنما يُعَلَّق بالاستطاعة، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [سورة التغابن - الآية 16]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما نهيتكم عنه فانتهوا وما أمرتكم فأتوا منه ما استطعتم" أخرجه مُسلم. فتعليق الأمر أو الوجوب على المشيئة يدُل على أن المقصود من ذلك الندب أو الإباحة.

والقرينة المنفصلة كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُم} [سورة البقرة - الآية 282] طلب الله من المُسلمين أن يُشهِدوا عند البيع، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم باع واشترى ولم يشهد، فدل ذلك على أن الأمر بالإشهاد دون الإيجاب، وهو الندب والاستحباب.

كتبه: فضيلة الشيخ د. محمد يسري إبراهيم

من كتاب "أوضح العبارات في شرح المحلي مع الورقات".