27‏/09‏/2011

نظرات نقدية في أُسُس الأيديولوجية الليبرالية الغربية


نحاول في هذا المقال أنْ نلقي نظرات نقدية على الأُسس التي تقوم عليها الأيديولوجية اليلبرالية الغربية وهي أسس لا يكاد المقلدون للفكر الغربي في بلادنا ينظرون فيها أو يناقشونها. لكن نقدنا للأُسس لا يعني رفضنا لكل ما أضيف إليها أو زعم أنه منبثق عنها كما سيتبين.

فكرة العقد الاجتماعي:
كلمة الليبرالية تعني الحرية. ولذلك فإنَّ المبدأ الذي لا يكاد اللبراليون الغربيون يُجمِعون على مبدأ سواه: هو الدعوة إلى الحرية الفردية. لكن مِن حق كل عاقل يُدْعى إلى الإيمان بمبدأ جديد أو العمل به أنْ يسأل: ما الدليل على صحته؟ يعتمد مشاهير الليبراليين مِن أمثال جون لوك في القرن السابع عشر الميلادي إلى جان جاك روسو في القرن الثامن عشر إلى جون رولز في عصرنا على ما يسمى بنظرية العقد الاجتماعي ليؤسسوا عليها القول بأسبقية الفرد على الجماعة، ومِن ثَمََّ على أنَّ الأصل فيه أنْ يكون حُراً يفعل ما يشاء.
ونظرية العقد الاجتماعي - كما يقول أحد الكُتَّاب - قديمة قِدَم الفلسفة الغربية، وكان لها تأثير عظيم في مجال الفلسفة الخُلُقية والسياسية طوال التاريخ الحديث للغرب (Social Contract, Internet Encyclopedia Philosophy, http://www.iep.utm.edu/soc-cont).

أول مَن فصَّل في هذه النظرية في العصر الحديث ثم تبعه آخرون - وإنْ لم يوافقوه في كل ما ذهب إليه - هو الفيلسوف الإنجليزي ثومس هوبز Hobbes (1588 - 1679م). رأي هوبز هو -باختصار-: أنَّ الناس كانوا في حال يسميها بحال الطبيعة state of nature قبل أنْ يكون لهم مجتمع مدني. كان الناس في الحال الطبيعة تلك أنانيين، وكانوا متساوين، ولم تكن هنالك قوة قادرة على أنْ تجبرهم على أنْ يتعاونوا.
الحياة في تلك الحال كانت حياة لا تطاق؛ لأن كل فرد فيها لم يكن يأمن على نفسه، ولم يكن يستطيع أنْ يحقق رغباته. فالحياة في حال الطبيعة تلك أسوأ حياة يمكن أنْ يحياها إنسان. لكن بما أنَّ الناس عقلاء وأنهم حريصون على مصالحهم فإنَّ المخرَج مِن تلك الحال البائسة كان ممكناً؛ خرج الناس منها بأنْ عقدوا بينهم عقداً يتيح لهم حياة أفضل. يتكون هذا العقد مِن عقدين متميزين:
في العقـد الأول اتفق الناس في ما بينهـم على التنازل عن كل حق لأحدهم على الآخر.
وفي العقد الثاني خولوا أحدهم أو مجموعة منهم سلطة وقوة تمكنهم مِن تنفيذ العقد الأول؛ أي أنهم اتفقوا على أنْ يعيشوا سوياً تحت قوانين مشتركة، وأنْ يُنشِئوا آلية لتنفيذ بنود العقد الاجتماعي. وبالرغم مِن أنَّ الحياة تحت الحاكم الذي يُعطَى تلك السلطات قد تكون شاقة، فإنه يجب أن يُعطَى سلطة مطلقة؛ لأنَّ العيش تحت سلطانه خير مِن حال الطبيعة؛ ولذلك فإنه لا يكون لنا مسوغ في الخروج عليه لأنه الأمر الوحيد الذي يقينا مِن أكثر شيء نريد أنَّ نتحاشاه؛ ألا وهو حال الطبيعة.

أما جون لوك John Lock (1632 - 1749) الفيلسوف الإنجليزي الذي كان له تأثير كبير على واضعي الدستور الأمريكي فقد كان له تصور مختلف عن تصور هوبز لحال الطبيعة ومِن ثَمَّ لطبيعة العقد الاجتماعي. رأى لوك أنَّ حال الطبيعة - وهي الحال الطبيعية للبشر - هي الحال التي يكون فيها الإنسان حراً حرية كاملة ليتصرف في نفسه كيف يشاء ومِن غير تدخُُّل مِن الآخرين، لكنها ليست حال إباحية يفعل فيها الفرد ما يريد. وبالرغم مِن أنه لا توجد في حال الطبيعة سلطة مدنية أو حكومة تعاقِب المعتدين؛ إلا أنها ليست حالاً تنعدم فيها القيم الخُلُقية؛ لأنَّ الناس فيها ملتزمون بالقانون الطبيعي الذي هو أساس القيم الخلقية الذي منحه الله - تعالى - لنا، وهو قانون ينهانا عن أنْ نعتدي على غيرنا في حياتهم أو صحتهم أو حريتهم أو ممتلكاتهم. وعليه فإنَّ حال الطبيعة هي حال سلام. إنها ليست في أصلها حال حرب كما تصوَّرها هوبز؛ لكنها يمكن أنْ تكون كذلك حين يعتدي فرد على آخر ولا سيما بالنسبة لممتلكاته: كأنْ يسرق منه، أو يلجأ إلى القوة ليسلبه حقه. وبما أنَّ القانون الطبيعي يسمح للإنسان بأنْ يدافع عن نفسه؛ فإنه قد يقتل مَن يعتدي على ممتلكاته وبهذا تبدأ الحرب. وهذا مِن أقوى الأسباب التي تجعل الناس يتركون حال الطبيعة ويتعاقدون على إنشاء حكومة مدنية.
حال الطبيعة ليست حال أفراد كما تصوَّرها هوبز؛ وإنما هي حال أُسَر تتعاهد في ما بينها لتُكَوِّن المجتمع المدني. فإذا فعلوا ذلك أصبحوا خاضعين لإرادة الأغلبية.

أما في عصرنا فإن جون رولز John Rawls (1921 - 2002م) الفيلسوف الأمريكي الذي يعدونه أكبر فلاسفة الأخلاق والسياسة الغربيين المعاصرين، والذي يُعتبر فيلسوف الليبرالية السياسية؛ فإنه يعتمد أيضاً على فكرة قريبة مِن فكرة العقد الاجتماعي في نظريته عن العدل، لكن رولز يصرح منذ البداية بأنَّ ما يقوله هو مجرد (تجربة ذهنية) thought experiment الغرض منها الوصول إلى تصور للعدل يقوم عليه النظام السياسي الليبرالي. تطلب منا هذه النظرية أنْ نتصور الناس يعيشون في حالة أولية، في هذه الحال يكون الإنسان جاهلاً بكل ما يمكن أنْ يجعلَه متحيزاً؛ فهو لا يعرف جنسه (أذكراً هو أم أنثى؟) ولا عنصره ولا مواهبه الشخصية ولا معوقاته ولا عمره ولا مكانته الاجتماعية، ولا تصوُّره الخاص للحياة الطيبة ولا حال المجتمع الذي يعيش فيه. هذه في رأي رولز هي الحال التي يستطيع فيها الإنسان أنْ يختار مبادئ المجتمع العادل التي هي في نفسها مختارة مِن ظروف أولية يكمن فيها عدم الانحياز. الإنسان في هذه الحال هو إنسان مجرد عن الجسد، عاقل، وعالمي.
إذا سأل سائل: متى حدث هذا العقد؟ قيل له: إنَّ القائلين بنظرية العقد الاجتماعي لا يلزمهم أنْ يفترضوا صحة هذا الاتفاق مِن الناحية التاريخية؛ لأنهم - في الغالب - معنيون بالكشف عن حدود الالتزام السياسي بالرجوع إلى ما يمكن أنْ يكون الفاعل العاقل مستعداً لأنْ يوافق عليه مع وجود تلك المنافع والمضار (Social contract, Oxford Dictionary of Politics, edited by Iain McLean and Alistair McMillan, Oxford University Press).

ما هذا المنطق؟ إذا سألنا عن الدليل على أنَّ الفرد هو الأساس قيل لنا: إنه  العقد الاجتماعي. وإذا سألنا عن نظرية العقد الاجتماعي قيل لنا: إنه ليس حدثاً تاريخياً؛ إنما هي نظرية أُتِي بها للتدليل على أنَّ الفرد هو الأساس.

 إنَّ نظرية العقد الاجتماعي تثير في ذهن الإنسان المتفكر عدة تساؤلات:
فأولاً: كيف تقوم مباديء نظام سياسي واقعي على دعوى هي مِن نسج خيال فلسفي؟
ثانياً: إنَّ الذي يقوم بالتجربة إنما يقوم بها ليعرف النتائج التي تؤدي إليها أو ليتأكد منها. لكن تجربة رولز إنما أجريت لتؤدي إلى نتيجة كان يريدها ويعرفها. لقد كان يعرف - كما يعرف غيره - أنَّ الإنسان يمكن أنْ ينحاز لجنسه أو عنصره أو سائر ما ذُكر ولذلك جعله جاهلاً بأسباب الانحياز هذه ليكون عادلاً. لكن الحقيقة أنَّ الجهل الذي ذكره، وإنْ عصم الإنسان مِن أنْ يكون متحيزاً، فلن يجعله عادلاً لأنَّ عدم التحيز قد لا يعني أكثر مِن معاملة الطرفين معاملة واحدة. وهذا يعني أنَّ غير المتحيز هذا إذا وضع قانوناً فإنه سيسوي فيه بين الذكر والأنثى، والصغير والكبير والغني والفقير. وهذا قد لا يكون عدلاً. وعليه فَلِكَي يكون الإنسان عادلاً فإنه لا يكفي أنْ يكون جاهلاً بأسباب التحيز، بل لا بد أنْ يكون عالماً بالحقائق المتعلقة بالطرفين التي قد تقتضي معاملة أحدهما معاملة مختلفة عن الآخر، معاملة قد تبدو للجاهل بتلك الفروق بينهما أنها ليست عادلة بل متحيزة.
ثالثاً: إنَّ أصحاب نظرية العقد الاجتماعي يحاولون أنْ يجعلوا الإنسان قادراً على أنْ يُشَرِّع تشريعاً مناسباً لكل الناس؛ ولذلك تراهم يتحدثون عن الإنسان ذي النظرة العالمية، لكن هذا شيء مستحيل؛ لأنَّ هذه النظرة تقتضي أنْ يكون للإنسان علم بكل الحقائق المتعلقة بالناس، وهو أمر لا يعرفه إلا خالقهم.
وصدق الله العظيم: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 216].



أ.د. جعفر شيـخ إدريـس
العدد : 289 27 رمضان 1432هـ

23‏/09‏/2011

أردوغان.. ودروس بليغة للعالمانيين


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

ففي خطابه في "دار الأوبرا المصرية" أمام حشد مِن الجمهور المصري -معظمهم من السياسيين-، ورد في خطاب "أردوغان" مواقف وعبارات ودلالات ظننتُ بعدها أن "المعسكر العالماني" في مصر سوف يطالب بترحيله فورًا من مصر هو والوفد التجاري الذي معه!

ومِن هذه المواقف:

1- افتتاحه خطابه بقوله: "بسم الله الرحمن الرحيم"، وإلقائه تحية الإسلام على الحاضرين، وهو أمر فعله "عصام شرف" ذات مرة؛ فدقت طبول الحرب في الآلة الإعلامية العالمانية، وتنادوا بالويل والثبور وعظائم الأمور!

2- عندما أراد "أردوغان" أن يثني على شباب الثورة المصرية أشاد بذكر "محمد الفاتح" العثماني أبرز شاب ساهم في بناء الدولة العثمانية، ونحن نعلم مدى انزعاج العالمانيين من ذكر الخلافة عمومًا والخلافة العثمانية خصوصًا، والتي يراها معظمهم أنها كانت احتلالاً لمصر لم يقاومه الشعب؛ لأنه -حسب زعمهم كالعادة- ساذج، مغرر به باسم الدين!

3- ذكر "أردوغان" أن "مصر" في خاطره هي: "قلب العالم الإسلامي"، وأنها في وجدانه: "البلد التي قرئ فيها القرآن"، وهذا عند القوم "خلط بيْن الدين والسياسية" -كما يحلو لهم أن يعبرون-!

4- ذكر الرجل "الموت" في كلامه عدة مرات، واستشهد بقوله -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) (آل عمران:185)، وكرر أن النداء الذي وجهه إلى رئيسنا السابق، والذي ما زال يوجهه إلى كل رؤساء العالم أن نهايتهم هو قبر طوله متران، وهي لغة يتشنج القوم عند سماعها، ويسميها بعضهم: بـ"خرافة الميتافيزيقيا"، ويتهم بعضهم الحركة الإسلامية أنها لا تملك إلا "خطاب التخويف"؛ لأجل الكلام على هذه الأمور التي تزعجهم، تمامًا كما أزعجت الرئيس السابق كما أشار "أردوغان" في حديثه أنه جاءه رد فعل "رسمي" يستنكر ذكر الموت عندما وجَّه نصيحة للنظام السابق بالاستجابة لمطالب شعبه، وكان رده عليهم: "لماذا تنزعجون؟ ألا تموتون؟!".

ونحن نقول: إن مما ساهم في كراهية ذكر رئيسنا المخلوع للموت "حظيرة وزير الثقافة السابق" التي ملأت الدنيا رعبًا مِن أن يذكر أحد الموت.

5- طالب "أردوغان" المصريين بالمضي قدمًا في أمر الانتخابات، وطالب بعدم الاستجابة للمحاولات "الخارجية" لتأجيلها، وهذه بالذات ظننت أن كتائب "الدستور أولاً"، أو تنظيم "الخائفين من صندوق الانتخابات" سوف يشن عليه حملة إعلامية شرسة لا تقل عن حملاتهم لتشويه التيار الإسلامي في مصر.

6- جعل "أردوغان" رفع الحصار عن غزة أحد أهم أولويات السياسة الخارجية التركية، في الوقت الذي تنعى فيه كثير مِن الأقلام العالمانية على الإسلاميين ما يسمونه: بـ"الاهتمام الزائد عن الحد بالقضية الفلسطينية"!

7- طالب "أردوغان"  مصر وتركيا بصفتهما من ملاك "البحر الأبيض المتوسط" أن تعملا على تحريره تحريرًا كاملاً، وأظن أن هذه الرسالة كانت أقوى رسالة وجهها في خطابه.

كل هذه المواقف التي يصفها العالمانيون في كثير من الأحيان أنها مواقف أصولية متشددة؛ والتي لا يقبلون من الإسلاميين في مصر ولو موقف واحد منها؛ قبلها "الإعلام العالماني"، بل وتجاوز عن الهتافات الحماسية المتجاوزة التي طالبت "أردوغان" أن يوحدنا وأن يقودنا.. الخ.

فما هو السبب في هذا الموقف العجيب؟!

هل هو "كرم استقبال" أم "نبل سياسي" مفاجئ؟!

أم أن الرجل أبهرهم فأسكتهم؛ حيث ضرب المثال للسياسي البارع الذي يأخذ زمام المبادرة، والذي يعرف خريطة المنطقة، ويعرف كيف يبالغ في بناء مجد بلاده دون أن يحط من الدول الأخرى شيئًا، يعرف كيف ينطق: "مصر وتركيا إيد واحدة" بالعربية، ويعرف كيف ينطق: "مصر أم الدنيا" بالعربية، ويعرف أثر هذه الألفاظ على عاطفة الجمهور المصري؟!

يعرف أن الاقتصاد اليوم هو قاطرة السياسة، ويعرف أن اقتصاد السوق الحر لا يعني ترك اقتصاد البلاد لـ"شطارة الشطار" -التي قد تعني هنا معناها اللغوي الأصلي-، وإنما يقود رجال أعماله ليكون هو الذي يفتح لهم الأسواق التي تخدم مصالح بلاده العليا.

ومع هذا.. فلا أظن أن هذا هو السبب.

إن السبب الواضح والمعلن هو: أن هؤلاء القوم قَبِلوا -على مضض- الدروس التي لقنها لهم "أردوغان" واحدًا تلو الآخر؛ لأنهم يريدون من الصحوة الإسلامية أن تقبل هي الأخرى بالدرس الذي أُريد لـ"أردوغان" أن يلقنه لنا معشر الإسلاميين، وهو أنه مِن الممكن أن يوجد حاكم مسلم لدولة عالمانية.

وقد أعلنت الحركة الإسلامية بكل فصائلها رفضها لهذا الدرس؛ لأننا لسنا كالعالمانيين بلا ضابط ولا رابط، بل لنا طريق نسير عليه كُتب على بابه: (إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ) (يوسف:40)، وكُتب أيضًا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (الأحزاب:36)، وكُتب أيضًا: "كل يؤخذ مِن قوله ويُترك إلا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

ونزيدهم مِن الشعر بيتـًا: أن الحركة الإسلامية في مصر حركة رائدة لا سيما في مجال المواجهات مع العالمانية، وهي في مقام التعليم لأخواتها في العالم الإسلامي لا في مقام التعلم.

ثم إن "أردوغان" فيما يتعلق بتركيا لم يزد على وصف الواقع، وهو أنه رئيس وزراء مسلم -وإن شئت قلت إسلامي- لبلد عالماني، هذه العالمانية هي التي قضت محاكمها بسجنه وحرمانه من ممارسة الحياة السياسية يوم أن اقتبس أبياتًا يقول فيها: "مساجدنا ثكناتنا - قبابنا خوذاتنا - مآذننا حرابنا - المصلون جيشنا - يحمون ديننا".

وتولي الوزارة أو عضوية البرلمان في ظل دستور عالماني مسألة خلافية بين الصحوة الإسلامية، يرى البعض حرمتها، بينما يرى البعض الآخر جوازها كالإسلاميين في تركيا.

ثم إن هؤلاء الذين يرون جوازها يختلفون في المدى الذي يمكن قبوله من الذوبان في العالمانية، و"أردوغان" يمثل الرأي الأكثر ذوبانًا في العالمانية، مخالفًا بذلك أستاذه "أربكان"، وذلك بعد تدخل "العسكر" عدة مرات لإسقاط حكومة "أربكان" المنتخبة، وبعد أن أضير "أردوغان"  نفسه؛ بسبب أبيات من الشعر تقدم ذكرها.

وقاد أردوغان حملة ترويض للعالمانية التركية من خانة العالمانية التي يسمونها: "ضد الدين"، والتي ترى في الدين منافسًا حقيقيًا لها لا ينبغي له أن يتواجد؛ ولو في المساجد أو في كتاتيب تحفيظ القرآن، والتي لا ترى من الحرية إلا حرية العري؛ بينما تمنع ارتداء الحجاب -بعض عالماني بلادنا أقرب إلى ذلك لا سيما في قضية الحجاب-.

حاول "أردوغان" أن يجعل الحجاب خيار عالماني مقبول، مثله مثل ملابس البحر التي لا تكاد تستر شيئًا، وقد نجح في هذا.

حاول "أردوغان" أن يوقف حالة التربص من الدولة بالمساجد، ودور تحفيظ القرآن.

لقد نقل "أردوغان" تركيا من خانة العالمانية "المضادة للدين" إلى خانة ما يسمونه هم: "العالمانية اللادينية"، والتي تسمح للدين بالوجود، ولكن مع حبسه داخل دور العبادة.

ولا ينبغي في هذا المقام أن نغتر بوصف هذه بالمعتدلة وتلك بالمتطرفة، أو بوصف هذه باللادينية والأخرى بأنها ضد الدين، بل ينبغي إدراك أنه بالنسبة للإسلام فكلاهما "ضد الدين"؛ لأن الدين يقول: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام:162).

وما أشبه حال هاتين المدرستين مع الدين بحال إخوة "يوسف" معه إذ همَّ فريق بقتله بينما رأى الآخرون إلقائه في غياهب الجب؛ فهل بذلك صار هؤلاء هم المعتدلون المنصفون الذين يُجعلون مثالاً يحتذى؟!

ولو أننا تجارينا مع هذا المثال فلو أن عصبة مِن الأشرار أراد فريق منهم أن يقتل غلامًا حليمًا، ووافقهم الآخرون على التخلص منه، ولكن طالبوا بأن تكون الطريقة أكثر شفقة، وكان بينهم رجل صالح أراد أن ينهاهم عن المنكر، ولكن وجد أنهم أغلقوا آذانهم وقلوبهم دونه، فما الواجب عليه؟ الواجب عليه أن يفعل كما فعل "مؤمن آل ياسين"، ويبرأ إلى الله مِن الظلم، ولا يضره بعد ذلك قبلوا نصحه أم لا؟

ثم إن رأى أن ينضم إلى الفريق الأقل فسادًا المنادين بأن يكون التخلص من الغلام بطريق غير القتل؛ فعاونهم على ذلك، فهل يليق به أن يأمر كل مَن وجد غلامًا حليمًا أن يُلقي به في غياهب الجب اقتداء بفعله؟!

إننا إن قبلنا منه أن يشارك في إلقاء الغلام كنوع مِن الاجتهاد -وهو ما لا نوافق عليه أصلاً-؛ فلا يمكن لعاقل أن يقبل تعميم هذه الدعوة، ومِن ثمَّ كان الخطأ الفاحش من "أردوغان" أن يدعو بلدًا كمصر إلى أن يدشنوا دستورًا عالمانيًا انطلاقًا من تجربته هو التي خضع فيها لدستور عالماني قائم، بينما نحن ما زلنا في مرحلة كتابة الدستور بعد، ودستورنا السابق كان في آخر صوره أقرب إلى الإسلام منه إلى العالمانية، وإن كانت معظم القوانين أُقرت في مرحلة كان الدستور فيها يبيح سن ما يخالف الشريعة.

ثم إن درجة فَهم الناس للدين في مصر، ووجود "الأزهر"، والتيارات الإسلامية تختلف تمامًا عن حال تركيا.

إن "أردوغان" قد ذاب تمامًا في نظامه السياسي بصفته رأسًا له؛ فلا يملك -وفق المعايير الديمقراطية- إلا أن يثني على نظامه، وأن ينصح به الدول الأخرى، وهي نصيحة مجروحة؛ لأنك لو سألتَ رأس النظام السياسي في أي بلد لنصحك بنظام بلده.

وهو على العموم درس للدكتور "علي السلمي"، و"يحيى الجمل"، و"منير فخري عبد النور"، ونحوهم.. قبل أن يكون درسًا لنا؛ فما بالنا نراهم يتولون وظائف تنفيذية وفق دستور لا ينص على "مدنية الدولة" رغم أنهم يرون أن هذا نوع من الرجعية والتخلف؟!

إن "أردوغان" أشبه بمن بُترت قدمه؛ فركب قدمًا صناعية، ومِن فرط فرحه بها طالب الأصحاء ببتر أقدامهم دون أن يضمن لهم حتى تلك الأقدام الصناعية!

إن المريض الذي تبلغ حرارته 40 درجة مئوية قابلة للزيادة يدقون له نواقيس الخطر، وينقلونه إلى غرف "العناية المركزة"؛ فإذا بدأ في العلاج فصارت حرارته آخذة في النقص ابتهج له الأحباب والأطباء، لكن لا يعني هذا أبدًا أن نعتبر أن تلك الحالة التي ما زالت مَرَضية وخطيرة، هي الحالة المثلى التي يجب أن يسعى إليها الأصحاء!

وأما ما حققه "أردوغان" على صعيد الإصلاح الاقتصادي والمكانة الدولية؛ فهو دليل على أن التربية الإيمانية للقادة قبل الشعوب تصنع قائدًا يدرك أن كل نفس ذائقة الموت، فتحرص على محاربة الظلم "لا سيما نهب المال العام"، وتؤمن "أن كل راع مسئول عن رعيته"؛ فتجتهد في أداء رسالتها.

فهذا حال حاكم مسلم "يضع إسلامه نصب عينيه" لدولة عالمانية، فكيف الحال لو صار عندنا رئيس "يضع إسلامه نصب عينيه" لدولة غالب أهلها مسلمون -وهذا حاصل بحمد الله- ونظامها إسلامي "وهو ما نسعى إليه بحول الله وتوفيقه"؟!

انتهت رسالة "أردوغان".. وانتهت دروسها، وهذه إجابتنا على ما يخصنا فيها.

ولكن ما زال لنا لدى العالمانيين أسئلة:

1- ماذا لو نصح "أردوغان" نفسه بالشريعة الإسلامية، وبالله عليكم أجيبونا بصدق: هل كنتم ستردون فقط أنكم لن تقبلوا النصيحة؟! أم كنتم ستتكلمون عن عودة الاحتلال التركي، وعن اللباقة الدبلوماسية، وعن التدخل في الشئون الداخلية، والكرامة الوطنية، وكانت ساعتها ستكون الأعلام التركية على قلوبهم أثقل مما ظنوه أعلامًا سعودية في ميدان التحرير؟!

2- بينما طالب "أردوغان" بدولة عالمانية إذا به يزور "رأس الكنيسة"، ليثني الأخير على دعوته إلى الدستور العالماني الذي يفصل الدين عن السياسة، ولنا أن نتساءل: هل هذه سياسة أم دين؟! أم ستكون الإجابة كالعادة: "خصوصية التجربة المصرية"؟!

وقبلها زار "أردوغان" الأزهر، وأثنى على وثيقته، بينما هي -وإن اختلفنا مع كثير من بنودها- تحمل عنوان: "وثيقة مبادئ المرجعية الدينية للدولة المصرية الحديثة".

3- السؤال الأخير لهم: هل تعلموا مِن "أردوغان" شيئًا؟! أشك.

والله المستعان، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

كتبه: عبد المنعم الشحات
18-شوال-1432هـ   16-سبتمبر-2011     


19‏/09‏/2011

بيان الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح حول مـجـازر النـظـام الـسـوري ضـد الأبرياء من المدنيين العـُـزَّل

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فقد تابعت الهيئة الشرعية مايجري لإخواننا المسلمين بأرض الشام مِن بلاء وفتنة فى الدين وقتل وترويع للآمنيين، وانتهاك للحرمات واستهانة بالمقدسات، وذلك طوال شهر رمضان والأعياد، وإزاء هذه المآسـي البشعة فقد أصدرت الهيئة البيان التالي:

إنَّ نظاماً يقوم سياسياً على مبادئ حزب البعث اللاديني مِن جهة، ويقوم دينياً على النحلة النـُصَيْرية الباطنية الباطلة مِن جهة أخرى، لا يمكن بحال أنْ يكون نظاماً شرعياً أو مكتسِباً لأدنى قدر ٍ مِن مشروعية.

فإذا انضاف إلى ذلك تخوُّض هذا النظام الباطل في دماء الشعب السوري بكل فئاته، واعتدائه على حرمات المساجد وإهانة المصاحف، وإزهاق الأرواح المعصومة، وإتلاف الأموال المصونة، فقد تأكد بذلك سقوط شرعيته، وتمهدت السبل المشروعة لمقاومته وإسقاطه، وبذل كل الأسباب المشروعة والمتاحة في مواجهته. والمقتول مِن أهل الإيمان فى مواجهة هذا الظلم والطغيان والعدوان نحسبه عند الله تعالى مِن الشهداء، والمقتول دون نفسه أو عرضه أو ماله شهيد.

وليعلم الجميع أنَّ كل مَن أمر بالقتل أو باشره أو أعان عليه – بغير حق – فقد أتى مايهدر به دمه، وتحل معه عقوبته في الدنيا والآخرة، يستوي في ذلك الحاكم والمحكوم، والرئيس والمرؤوس، والقائد والجنود.

وعلى علماء السوء الذين باعوا دينهم بدنيا غيرهم، وظاهروا الفجرة الباطنيين على بني ملتهم وعقيدتهم أنْ يتقوا الله ربهم، وأنْ يتبرؤا مِن ممالأة الطغاة ومؤازرة الإجرام.

وإنَّ التاريخ سوف يكتب مواقفهم المخزية، وسيجدون شؤم أفعالهم عند موتهم وفي قبورهم وحال حشرهم ونشرهم إلا أنْ يتوبوا إلى الله ربهم ويستدركوا ما فرط مِن سوء قولهم وصنعهم.

ولتعلم قوات الجيش والشرطة السورية أنه يحرم قتل المتظاهرين المسالمين، ولا تُقبل- بحال- دعوى الإكراه على القتل للأبرياء والعُـزَّل والآمنين.

وبإزاء هذه الجرائم فإنه يجب على حكومات الدول العربية والإسلامية أنْ يناصروا الشعب السوري فى قضيته، وأنْ يناصحوا القيادة الطائفية بالتنحي قبل فوات الأوان، وأنْ يحمِلوهم على التخلي بكل وسيلة ممكنة، فإنه لن تستقرَّ لهم قدم بعد اليوم بأرض الشام بإذن الله تعالى.

ولتعلم حكومات روسيا والصين وإيران وغيرهم، أنهم إنما يدعمون نظاماً قد كتبت شهادة وفاته بإذن الله. وأنَّ خسارة الشعوب هي الخسارة الحقيقية، وأما الأنظمة الباطلة فإلى زوال، طال الزمان أم قصر.

وعلى جموع شعبنا السوري المرابط فى بلاد الشام أنْ يعلم أنَّ النصر مع الصبر، وأنَّ الفرج مع الكرب، وأنَّ مع العسر يسراً.

نسأل الله أنْ يمُن على سوريا وسائر بلاد المسلمين بالأمن والإيمان والسلامة والعافية، وحسن العاقبة، والحمد لله رب العالمين.


الثلاثاء 15 شوال 1432 هـ / 13 سبتمبر 2011


رئيس الهيئة الشرعية
أ.د. علي السالوس

النائب الأول
أ.د. طلعت عفيفي

النائب الثاني
أ.د. محمد عبد المقصود

النائب الثالث
فضيلة الشيخ محمد حسان

الأمين العام للهيئة الشرعية
د. محمد يسري إبراهيم


16‏/09‏/2011

فضائل صوم ست من شوال


الحمد لله المتفضِّل بالنِّعم، وكاشف الضرَّاء والنِّقم، والصلاة والسلام على النبي الأمين، وآله وأصحابه أنصار الدين. وبعد:

أخي المسلم: لا شك أن المسلم مطالب بالمداومة على الطاعات، والاستمرار في الحرص على تزكية النفس.
ومن أجل هذه التزكية شُرعت العبادات والطاعات، وبقدر نصيب العبد من الطاعات تكون تزكيته لنفسه، وبقدر تفريطه يكون بُعده عن التزكية.
لذا كان أهل الطاعات أرق قلوباً، وأكثر صلاحاً، وأهل المعاصي أغلظ قلوباً، وأشد فساداً.

والصوم من تلك العبادات التي تطهِّر القلوب من أدرانها، وتشفيها من أمراضها.. لذلك فإن شهر رمضان موسماً للمراجعة، وأيامه طهارة للقلوب.
وتلك فائدة عظيمة يجنيها الصائم من صومه، ليخرج من صومه بقلب جديد، وحالة أخرى.

وصيام الستة من شوال بعد رمضان، فرصة من تلك الفرص الغالية، بحيث يقف الصائم على أعتاب طاعة أخرى، بعد أن فرغ من صيام رمضان.

وقد أرشد أمته إلى فضل الست من شوال، وحثهم بأسلوب يرغِّب في صيام هذه الأيام..

قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر) [رواه مسلم وغيره].
قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: (وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين.. ).
ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك: (قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان في الفضل، فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً).

أخي المسلم: صيام هذه الست بعض رمضان دليل على شكر الصائم لربه - تعالى -على توفيقه لصيام رمضان، وزيادة في الخير، كما أن صيامها دليل على حب الطاعات، ورغبة في المواصلة في طريق الصالحات.
قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: (فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصي بعده، فهو من فعل من بدل نعمة الله كفراً).

أخي المسلم: ليس للطاعات موسماً معيناً، ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصي!
بل إن موسم الطاعات يستمر مع العبد في حياته كلها، ولا ينقضي حتى يدخل العبد قبره..
قيل لبشر الحافي - رحمه الله -: إن قوماً يتعبدون ويجتهدون في رمضان. فقال: (بئس القوم قوم لا يعرفون لله حقاً إلا في شهر رمضان، إن الصالح الذي يتعبد ويجتهد السنة كلها).

أخي المسلم: في مواصلة الصيام بعد رمضان فوائد عديدة، يجد بركتها أولئك الصائمين لهذه الست من شوال.

وإليك هذه الفوائد أسوقها إليك من كلام الحافظ ابن رجب - رحمه الله -:
·      إن صيام ستة أيام من شوال بعد رمضان يستكمل بها أجر صيام الدهر كله.
·      إن صيام شوال وشعبان كصلاة السنن الرواتب قبل الصلاة المفروضة وبعدها، فيكمل بذلك ما حصل في الفرض من خلل ونقص، فإن الفرائض تكمل بالنوافل يوم القيامة.. وأكثر الناس في صيامه للفرض نقص وخلل، فيحتاج إلى ما يجبره من الأعمال.
·      إن معاودة الصيام بعد صيام رمضان علامة على قبول صوم رمضان، فإن الله - تعالى -إذا تقبل عمل عبد، وفقه لعمل صالح بعده، كما قال بعضهم: ثواب الحسنة الحسنة بعدها، فمن عمل حسنة ثم أتبعها بحسنة بعدها، كان ذلك علامة على قبول الحسنة الأولى، كما أن من عمل حسنة ثم أتبعها بسيئة كان ذلك علامة رد الحسنة وعدم قبولها.
·      إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، كما سبق ذكره، وأن الصائمين لرمضان يوفون أجورهم في يوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، كان النبي يقوم حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟! فبقول: أفلا أكون عبداً شكورا.

وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - عباده بشكر نعمة صيام رمضان بإظهار ذكره، وغير ذلك من أنواع شكره، فقال: {وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة: 185] فمن جملة شكر العبد لربه على توفيقه لصيام رمضان، وإعانته عليه، ومغفرة ذنوبه أن يصوم له شكراً عقيب ذلك.
كان بعض السلف إذا وفق لقيام ليلة من الليالي أصبح في نهارها صائماً، ويجعل صيامه شكراً للتوفيق للقيام.
وكان وهيب بن الورد يسأل عن ثواب شيء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذي على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيق والإعانة عليه.

كل نعمة على العبد من الله في دين أو دنيا يحتاج إلى شكر عليها، ثم التوفيق للشكر عليها نعمة أخرى تحتاج إلى شكر ثان، ثم التوفيق للشكر الثاني نعمة أخرى يحتاج إلى شكر آخر، وهكذا أبداً فلا يقدر العباد على القيام بشكر النعم. وحقيقة الشكر الاعتراف بالعجز عن الشكر.

إن الأعمال التي كان العبد يتقرب يها إلى ربه في شهر رمضان لا تنقطع بإنقضاء رمضان بل هي باقية بعد انقضائه ما دام العبد حياً..

كان النبي عمله ديمة.. وسئلت عائشة - رضي الله عنها -: هل كان النبي يخص يوماً من الأيام؟ فقالت: لا كان عمله ديمة. وقالت: كان النبي لا يزيد في رمضان و لا غيره على إحدى عشرة ركعة، وقد كان النبي يقضي ما فاته من أوراده في رمضان في شوال، فترك في عام اعتكاف العشر الأواخر من رمضان، ثم قضاه في شوال، فاعتكف العشر الأول منه.


فتاوى تتعلق بالست من شوال:
·      سُئِل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: هل يجوز صيام ستة من شوال قبل صيام ما علينا من قضاء رمضان؟
الجواب: (قد اختلف العلماء في ذلك، والصواب أن المشروع تقديم القضاء على صوم الست، وغيرها من صيام النفل، لقول النبي: من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر. [خرجه مسلم في صحيحه]. ومن قدم الست على القضاء لم يتبعها رمضان، وإنما أتبعها بعض رمضان، ولأن القضاء فرض، وصيام الست تطوع، والفرض أولى بالاهتمام). [مجموع فتاوى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز: 5/273].
·      وسُئِلت اللجنة الدائمة للإفتاء: هل صيام الأيام الستة تلزم بعد شهر رمضان عقب يوم العيد مباشرة، أو يجوز بعد العيد بعدة أيام متتالية في شهر شوال أو لا؟
الجواب: (لا يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة، بل يجوز أن يبدأ صومها بعد العيد بيوم أو أيام، وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما تيسر له، والأمر في ذلك واسع، وليست فريضة بل هي سنة). [فتاوى اللجنة الدائمة: 10/391 فتوى رقم: 3475].
·      وسُئِل سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله -: بدأت في صيام الست من شوال، ولكنني لم أستطع إكمالها بسبب بعض الظروف والأعمال، حيث بقي عليّ منها يومان، فماذا أعمل يا سماحة الشيخ، هل أقضيها وهل عليّ إثم في ذلك؟
الجواب: (صيام الأيام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة، فلك أجر ما صمت منها، ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذراً شرعياً، لقول النبي: إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل صحيحاً مقيماً. [رواه البخاري في صحيحه]، وليس عليك قضاء لما تركت منها. والله الموفق) [مجموع فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز: 5/270].

أخي المسلم: تلك بعض الفتاوى التي تتعلق بصيام الست من شوال، فعلى المسلم أن يستزيد من الأعمال الصالحة، التي تقربه من الله - تعالى -، والتي ينال بها العبد رضا الله - تعالى -..

وكما مرّ معك من كلام الحافظ ابن رجب بعض الفوائد التي يجنيها المسلم من صيام الست من شوال، والمسلم حريص على ما ينفعه في أمر دينه ودنياه..

وهذه المواسم تمرّ سريعاً، فعلى المسلم أن يغتنمها فيما يعود عليه بالثواب الجزيل، وليسأل الله - تعالى -أن يوفقه لطاعته..

والله ولي من استعان به، واعتصم بدينه..

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلِّم..

13‏/09‏/2011

بيان حزب النور بشأن أحداث الجمعة 9/9/2011

يراقب حزب النور بمزيد من القلق تطور الأحداث على الساحة الداخلية، والتي وصلت إلى حد خطير وبلغت ذروتها الليلة الماضية، فكان أن توفي عدد من الضحايا وجرح المئات، ونحن إذ نعلن تعازينا لأسر الضحايا ومواساتنا لهم وكذلك للجرحى، نعلن ما يلي:

أولا: تتحمل الحكومة جزءًا كبيرًا من مسئولية الأحداث الدامية الحالية، ففي الوقت الذي لا تستمع فيه لصوت الشعب العالي ولا تستجيب لإرادته الواضحة، في قضية انتهاك إسرائيل لحدودنا وقتل أبنائنا على أرض سيناء الحبيبة، أيضًا تتحدى فيه إرادة الشعب بإملاء مواد فوق دستورية عليه، وإن تقاعس الحكومة عن الاستجابة للمطالب الشعبية برد حاسم  يحفظ كرامة مصر، ويأخذ حق الشهداء قد أدى لحدوث هذه المأساة بشكل مباشر.

ثانيًا: نهيب بجميع القوى السياسية والتيارات الوطنية بعدم الانسياق وراء الانفعال العاطفي والتصرفات غير المحسوبة، والتي تضعف مواقفنا، فلاشك أننا أصحاب حق لابد أن نسعى للحصول عليه في قضية قتل جنودنا واقتحام حدودنا في سيناء، ولكن ما حدث الليلة من محاولة اقتحام السفارة الإسرائيلية لا يخدم قضيتنا وإنما يشوه صورتنا على الصعيد الدولي.

ثالثًا: إننا جميعًا قد تخوفنا من وقوع حوادث غير مسئولة، ومحاولات متعمدة مريبة داخلية وخارجية لإدخال البلاد في نفق الفوضى ومع أن الجهات التي تخطط وترتب لهذه الفوضى ربما تكون معلومة سلفًا للحكومة ، إلا أنها لم  تتخذ  الاجراءات الكافية لتجنيب البلاد هذه المخاطر.

رابعاً: إن مؤسسات الدولة هي ملك الشعب سواء كانت بوزارة الداخلية أو غيرها، ونهيب بالشعب أن يصونها ويحافظ عليها، وندين بكل شدة الاعتداء عليها

خامساً: إن أفضل الوسائل للخروج بالبلاد من هذه الأزمة إلى بر الأمان هو الإسراع بالعملية الانتخابية، وتسليم السلطة إلى مجلس تشريعي منتخب وإلى حكومة وطنية منتخبة، تمثل الشعب وتعبر عن آرائه وتحقق آماله، وتقوم باستكمال تحقيق أهداف الثورة، ونحذر بهذه المناسبة من محاولات استغلال الأحداث الجارية لتأخير مسار العملية الانتخابية.

سادساً: إن انفراد الحكومة باستصدار قوانين تمس الشعب في الصميم بغير استشارة ممثليه، مثل قانون الانتخابات، وقانون تقسيم الدوائر الانتخابية أصاب قطاعات واسعة بخيبة أمل ورفض وتذمر، وكان من الواجب إشراك ممثلي الشعب عند استصدار مثل هذه القوانين.

سابعاً:  ندعو جميع قوى الشعب لوضع مصلحة الوطن فوق مصلحة الجماعات والتيارات، ومصر فوق الأشخاص. ندعو الله أن يحفظ مصر وشعبها الكريم من كل سوء ومكروه.




02‏/09‏/2011

سياستهم وسياستنا


نتقدم نحن، الإسلاميون، كما شاع عنا، أو مسلمو مصر، كما نحن فعلاً، بخالص الشكر إلى جيراننا من العالمانيين والليبراليين، لما يبدوه من شفقة وقلق على ديننا الحنيف من أن يلوثه خَبَث السياسة، وهنا هم، بالطبع، يعنون سياستهم، أو السياسة التي يتعاطونها، ونقول لهم: جزاكم الله حسب نيتكم، ولن نبادر بإساءة الظن بهم.
ولكن لنا توضيح: فالسياسة التي يتحدثون عنها، وهي النهج السائد والمهيمن على دول العالم اليوم، والذي تُعتبر الولايات المتحدة نموذجه الأوضح والأكثر امتلاء بالخبث، تقوم على المصلحة العليا، إما للدولة كما في بلدان العالم الأول، كأوروبا وأمريكا، أو المصلحة العليا لسيادة الحاكم الفرعون، كما في دول العالم الثالث، اتباعا لأسيادهم.
ولكن المصلحة العليا في هاتين الحالتين تشبه القطار، يسير على خط لا يحيد عنه، ولا يوقفه ما يكون أمامه من أعراف أو قوانين أو خصائص مجتمع ما أو حتى أرواح بشرية، يدهسها جميعا إذا عرضت في طريقه، لتأتي منظمات حقوق الإنسان التابعة له، لتلملم هذه الأشلاء فيما بعد، وتنظف ما سببه من قذر وخبث ودماء وفساد، ولهذا القطار محطات بعينها، لا يتوقف في غيرها، فقد يتوقف في محطة أقباط مصر، أو نصارى جنوب السودان، أو محطة المستوطنات اليهودية، ومثل ذلك، لكنه لا يتوقف أبدا ـ إلا إذا أمرته المصلحة العليا بالطبع ـ في محطة الأحواز العربي المسلم والمحتل، أو محطة اللاجئين الفلسطينيين، أو جوعى الصومال، وشبه ذلك من محطات الفقر والتوتر الذي لا يليق برفاهيته واستعلائه.
ومثل هذه المصلحة العليا تفرض، مثلا، على عبيدها أن يلقوا بمئات الآلاف من الأطنان من القمح في البحر، لمجرد الحفاظ على سعره العالمي، ولا تستطيع أن تلقيه في أفواه الجوعى في أفريقيا.
هذه هي سياستهم، الذاخرة بالخبث، والمتلونة بألوان الدهاء والظلم والعدوان المقدس، والفوضى الخلاقة، والقذارة البراقة، وبالتالي صدق هؤلاء، فتلك لا تناسب بالفعل دين الإسلام.

أما السياسة التي نقصدها، سياستنا، فأشبه بفارس يجول على فرسه، حر الحركة، لا تحده إلا حدود الحلال والحرام، مصلحته العليا هي رضا ربه، وعمل الصالحات، والإحسان إلى رعيته، فيتوقف عند الفقير ليمنحه ما يحتاج إليه، ويسقي الظمآن، ويعين الضعيف، ويأبى إلا الصدق وأكل الحلال الطيب، ونبذ الحرام، ولو أدى ذلك إلى جوعه وتعبه والحرمان من معونة الآخرين، التي لا ينتظرها أصلا.
فمثله الأعلى هو رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه، رضي الله تعالى عنهم، في شِعب مكة، محاصرون، جوعى، ضعفاء، قلة، ولكن: صابرون، مؤمنون، راضون بقدر الله تعالى، فرزقهم الله عز وجل الفتح، ورفع قدرهم وجعل كلمتهم هي العليا، ووهبهم من بعد ضعف قوة.
هذه هي السياسة التي نقصدها، سياسة أصلها شرع الله، وفروعها الرحمة والعدل والإحسان، وثمارها العزة والقوة والنصر من الله تعالى.

قال تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾ [سورة النساء - الآيات 58، 59].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه " السياسة الشرعية ": قال العلماء: نزلت الآية الأولى في ولاة الأمور، عليهم أن يؤدوا الأمانات إلى أهلها، وإذا حكموا بين الناس أن يحكموا بالعدل، ونزلت الثانية في الرعية من الجيوش وغيرهم، عليهم أن يطيعوا أولي الأمر الفاعلين لذلك في قَسَمِهم وحُكمهم ومغازيهم وغير ذلك، إلا أن يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بمعصية فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فإن تنازعوا في شيء ردوه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإذا كانت الآية قد أوجبت أداء الأمانات إلى أهلها، والحكم بالعدل، فهذان جماع السياسة العادلة، والولاية.

فهذه سياستنا، فهل لا يزالون يرونها لا تصلح لديننا !!!

كتبه: ناصر الحلواني