21‏/04‏/2017

وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى


الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده،
وبعد،

فإنَّ مِن أكثر القضايا التي اهتم بها القرآن الكريم قضية الاتِّباع، وبيان أحوال الأتباع والمتبوعين.
فقد أمرنا الله سبحانه باتباع الوحي ونبذ كل ما يخالفه مِن الأهواء والمناهج، كما أمرنا الله بالتبرؤ مِن أصحاب تلك المناهج والأهواء. قال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} [سورة الأعراف – الآية 3]، أي ((لا تتخذوا مَن عَدَلَ عن دين الله ولياً. وكل مَن رضي مذهباً فأهل ذلك المذهب أولياؤه)) [الجامع لأحكام القرآن - القرطبي].
وقد حذرنا القرآن مِن مخالفة الوحي والإعراض عنه، وبَيَّن لنا نتيجة ذلك مِن سوء العاقبة.
ومِن أهم أسباب الإعراض عن الوحي التي ذكرها القرآن الكريم: اتباع الهوى، وتقليد الآباء بغير عِلم، واتباع الكبراء والرؤساء.

اتباع الهوى

مِن أكبر أسباب الإعراض عن الوحي اتباعُ الهوى، وهو ظلم كبير وطريق الضلال والخسران. قال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ فَمَنْ يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ} [سورة الروم – الآية 29]، أي ((لم يعقلوا الآيات، بل اتبعوا أهواءهم الزائغة وآراءهم الفاسدة الزائفة.. جاهلين بأنهم على ضلالة)) [فتح القدير - الشوكاني].
وسبيل الرشاد أنْ تكون أهواءنا مُتبِعة للوحي موافقة له. أما أهواء القوم الظالمين فقد فارقت الحق – الذي هو الوحي - وخالفته {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [سورة المؤمنون – الآية 71].

تقليد الآباء بغير عِلم

وقد ذمَّ القرآن الكريم في أكثر مِن موضع اتباع الموروثات وتقليد الآباء بغير هدى، وتفضيل ذلك على اتباع الوحي ولو كانت تلك الموروثات سبيل الشيطان وطريقه إلى جهنم والعياذ بالله. قال الله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ} [سورة لقمان – الآية 21]، فأولئك الضالون حين أعرضوا عن الوحي ((لم يكن لهم حُجة إلا اتباع الآباء الأقدمين)) [تفسير القرآن العظيم – ابن كثير]، وهي حُجة ضعيفة واهية لن تنفعهم يوم القيامة. ((وما أقبح التقليد، وأكثر ضرره على صاحبه، وأوخم عاقبته، وأشأم عائدته على مَن وقع فيه. فإنَّ الداعي إلى ما أنزل الله على رسوله كمَن يريد أنْ يذود الفراش عن لهب النار لئلا تحترق فتأبى ذلك وتهافت في نار الحريق وعذاب السعير)) [فتح القدير - الشوكاني].

اتباع الكبراء والرؤساء

ومِن أشد الحجج فساداً، اتخاذ ما أمر به الكبراء والرؤساء ذريعة لمخالفة الوحي، والظن أنَّ تلك الحُجة كافيةً للنجاة يوم القيامة. بل إنَّ هؤلاء الكبراء سيتبرؤون يوم القيامة مِن أتباعهم حين يرون العذاب فيوقنوا أنه لا مفر مِن عاقبة ظلمهم، وسيتمنى الأتباع لو تتاح لهم الفرصة فيرجعوا إلى الدنيا ليتبرؤوا مِن أولئك الكبراء الذين اتبعوهم، فيتخاصمون ويلعن بعضهم بعضاً.
قال الله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ} [سورة البقرة – الآيات 166،167].
بل حتى لو استكبر الرؤساء وطغوا، فإنَّ ذلك ليس بذريعة لاتِّباعهم في مخالفة هدى الله ووحيه، فإنهم وأتباعهم يوم القيامة مجموعون في عذاب الله، ولن يستطيعوا دفع ذلك العذاب عن أنفسهم ولا عن أتباعهم الذين يقولون لهم: ((هل تدفعون عنا شيئاً مِن عذاب الله كما كنتم تعدوننا وتمنوننا)) [تفسير القرآن العظيم – ابن كثير]، قال تعالى: {وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ} [سورة إبراهيم – الآية 21].
وفي قصة نبي الله موسى عليه السلام وفرعون مِن العِبر والهدايات ما يكفي لتنبيه كل غافل. ولم يختص القرآن فرعون بوصفه بالضلال، بل شمل ذلك قومه الذين اتبعوه، فقال تعالى بعد حكاية غرق فرعون وجنده: {وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى} [سورة طه – الآية 79]

فعلى العبد أنْ يُقدِّم اتباع الوحي على ما سواه، ولو خالف ذلك السائد في مجتمعه أو خالف هواه. ويوم القيامة لن ينقذ الظالمين مِن عذاب النار آبائهم وكبرائهم الذين اتبعوهم، بل سيجمعهم الله في جهنم كما اجتمعوا في الدنيا على الإعراض عن الوحي {وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [سورة الزخرف – الآية 39].
فسيُسأل كلٌ منا عن عمله، فليُعد كلٌ منا للسؤال جواباً.

اللهم اجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه، واهدنا إلى سواء السبيل.
وصلى الله وسلم على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.

حاتم الحاجري،
عفا الله عنه.