29‏/09‏/2012

دعوة الرسل وموقف أعدائها منهم


مع أنَّ الكافرين المكذِّبين لرسلهم لم يجمعهم زمان واحد أو مكان واحد ولم يكن هناك اتصال بينهم حتى يوصي بعضُهم بعضاً، ومع ذلك تَوَحَّد موقفُهم، والذي وَحَّد موقفَهم مِن المرسلين إنما هو الكفر والطغيان الذي جعلهم يقفون مِن رسل الله صلى الله عليهم وسلم موقفاً واحداً.
قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ * أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ﴾ [سورة الذاريات – الآيات 52، و53].

فالرسل جاءوا بخلاف ما أَلِفَ الناس واعتادوا، ففريقٌ مِن الناس عَبَّدوا الناسَ لأنفسهم وأذلوهم وظلموهم، فجاء الرسل عليهم السلام ليُعَبِّدوا البشر لله وحده وليُخرِجوا الناس مِن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وقال كل رسولٍ لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ﴾ [سورة الأعراف – الآية 59].
قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [سورة النحل – الآية 36].
جاء الرسل عليهم السلام ليقرروا مبدأ المساواة بين البشر جميعاً، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، فالكل عبيدٌ لله تعالى والله فوق الجميع، فكان مِن الطبيعي أنْ يثور أولئك السادة الذين استعبدوا الناس وأذلوهم، لأنَّ الرسل أرادوا أنْ يسلبوهم هذا الحق الذي يرونه لأنفسهم.
فوقفوا يدافعون عن مكانتهم وعادوا المرسلين حتى وصل بهم العداء إلى أنْ قتلوا الرسل، وسارع المستضعفون إلى دين الله تعالى لأنهم رأوا الحق واضحاً جلياً، ووجدوا فيما جاء به الرسل حلاً لمشاكلهم، ولم يكن هناك مانع يمنعهم مِن الدخول في دين الله تعالى كما كان حال السادة.

جاء الرسل بالتكاليف الشرعية لتنظيم حياة الناس، والإنسان بطبيعته يريد أنْ يتحرر مِن القيود والتكاليف ظناً منه أنَّ اتباعه لما تهوى نفسه يحقق له اللذة والسعادة في الدنيا، وأنَّ هذه القيود أو التكاليف الشرعية تحول بينه وبين السعادة الدنيوية وتُفَوِّت عليه منافع مادية كثيرة.
لذلك وقف أصحاب الأهواء –الذين لا يستطيعون السيطرة على شهواتهم وأهوائهم- موقف العداء مِن الرسل، لأنَّ الرسل يريدون أنْ يُفَوِّتوا عليهم بعض ما يشتهون، يريدون أنْ يقيدوا حركة حياتهم لمصلحتهم ومصلحة المجتمع مِن حولهم، لا فائدة تعود على الله تعالى فطاعة العباد لله تعالى لا تحقق لله تعالى كمالاً ولا تدفع عن الله تعالى نقصاً فهو سبحانه موصوف بصفات الكمال جميعها ومُنَزَّه عن صفات النقص جميعها.

قال تعالى –حاكياً موقف الناس مِن الرسل جميعاً وأنهم توعدوهم بالقتل والإخراج والتعذيب والرجم إلى غير ذلك-: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ﴾ [سورة إبراهيم – الآية 13].
وقال تعالى –مواسياً رسوله صلى الله عليه وسلم مبيناً له موقف الكافرين مِن المرسلين على مر العصور، وأنه ليس بدعاً مِن الرسل، فكما صبر أولئك الرسل على تكذيب أقوامهم وإيذائهم فعليك يا محمد –وأنت أفضل المرسلين- أنْ تصبر أيضاً على ما تتعرض له مِن تكذيب وإيذاء- قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾[سورة الأنعام – الآية 34].
وقال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [سورة الأحقاف – الآية 35].
إلى غير ذلك مِن الآيات التي بَيَّن الله تعالى فيها موقف الكافرين مِن رسلهم، وأنهم لم يكتفوا بالإعراض بل وقفوا منهم موقف العداء والإيذاء والتهديد بالضرب والرجم والإخراج، بل وقَتْل بعضهم.

كتبه: أ.د. الخشوعي الخشوعي محمد الخشوعي،
أستاذ الحديث وعلومه بكلية أصول الدين، جامعة الأزهر