31‏/12‏/2009

سؤال حول التهنئة بعيد الكريسماس

سؤال: ما حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس؟ وكيف نرد عليهم إذا هنؤونا به؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئاً مما ذكر بغير قصد؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياءً أو إحراجاً أو غير ذلك من الأسباب؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك؟

الجواب: تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق، كما نقل ذلك ابن القيم -رحمه الله- في كتابه: (أحكام أهل الذمة)، حيث قال: "وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه". انتهى كلامه رحمه الله.
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضا به لهم، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك، كما قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [سورة الزمر – الآية 7]، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [سورة المائدة – الآية 3].
وتهنئتهم بذلك حرامٌ سواءٌ كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا.
وإذا هنؤونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك، لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى، لأنها إما مبتدعة في دينهم، وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم إلى جميع الخلق، وقال فيه: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [سورة آل عمران – الآية 85].
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها.
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" رواه أبو داود وصححه الألباني، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه: (اقتضاء الصراط المستقيم، مخالفة أصحاب الجحيم): "مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء". انتهى كلامه رحمه الله.
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم: سواء فعله مجاملة، أو تودداً، أو حياءً أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم.
والله المسؤول أن يعز المسلمين بدينهم، ويرزقهم الثبات عليه، وينصرهم على أعدائهم، إنه قوي عزيز.


المصدر: مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد بن صالح العثيمين؛ المجلد الثالث - باب الولاء والبراء.
http://www.ibnothaimeen.com/

26‏/12‏/2009

حول عقيدة التثليث عند النصارى

يكتنف هذه العقيدة كثير من الغموض الذي يصعب إزالته حتى باستخدام الأحكام العقلية المُجردة؛ ويقولون: إن الله واحد في ثلاثة أقانيم؛ هم الآب "الله" والابن "الله" والروح القُدُس "الله" وهؤلاء الثلاثة هم الله. كيف؟ هذا هو سر الثالوث الأقدس الذي لا يستوعبه عقل بشري؛ لأنه فوق مستوى إدراكه. من كتاب "كُنتُ نصرانياً" لواصف الراعي، ص110.
ومع هذا فإننا سنعرض لبعض الشروح التي دارت حولها بحيدة تامة، محاولين تقريب العقيدة إلى الأفهام ما أمكن:
1.                        يستمد هذا الشرح من التأمل في التركيب الجسماني للإنسان، إذ أن كيانه يتألف من الأجزاء المادية المتجانسة، التي تستطيع الأنظار المادية أن ترى هيأتها الاتحادية، فمثلاً العظم واللحم والدم، من اتحاد هذه الأشياء الثلاثة يقوم الجسم الإنساني في الوجود، ولو فقد واحداً منها لما تم الوجود الإنساني. من كتاب "ما هي النصرانية" لمحمد تقي العثماني، ص47/48.
ولكن إذا تأملنا هذا المثال نجده لا يتفق مع العقيدة المسيحية في التثليث، علي حين أن المسيحية لا تؤمن بثلاثة أقانيم كثلاثة أجزاء، وإنما تؤمن بها كثلاثة أشخاص مستقلين، ومن هنا فإنها لم تستخدم للأب والابن وروح القدس كلمة "الأجزاء" وإنما استعملت كلمة "الأقانيم Persons" أو الأشخاص، ولا شك أن أحداًَ لا يقول بأن اللحم وحده، أو العظم وحده، أو الدم وحده "إنسان"، وإنما يقول إنه جزء من الإنسان، وعلى العكس من ذلك فإن المسيحية تَعُد من الأب والابن والروح القددس إلهاً، ولا تَعُده جزءاً من الله. من كتاب "ما هي النصرانية" لمحمد تقي العثماني، ص49.
2.                        التجلي والحُلول:
عبَّر الأب سوجارت على ذلك بقوله: إن الرب يُعْلمنا بوجود إله واحد وليس إثنين أو خمسة... وإنه تجلى في ثلاثة أشخاص، ثلاث شخصيات مختلفة؛ نحن نؤمن بوجود الأب السماوي، والإله الابن، ونؤمن بالروح القدس الذي غشي مريم؛ إنه أيضاً وهُم كلٌ لا يتجزأ بمعنى أنهم متفقون تماماً، وفي توحد وانسجام لا يختلفون أبداًُ ولن يختلفوا أبداً. من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص199.
وعندما أُعطيت الكلمة للأستاذ أحمد ديدات، قام فأفصح عن تعجبه الشديد من قيام الأب سوجارت بتغيير الكلمة المُعبرة عن الرب، حيث كان في صباح يوم المناظرة نفسه يستخدم في خطابه لمجموعة من كنيسته كلمة "المولود لله"، وهي مستخدمة أيضاً في إنجيل الملك جيمس المُعتَمَدة بالنَص لأنه هكذا أحب العالم حتى إنه أعطى ابنه الوحيد، والتعبير الإنجليزي الوارد بالنَص يستخدم كلمة "بجتن" أي المولود لله؛ ولكن بعد ثماني ساعات فقط، وأثناء المُناظرة غَيَّر الأب سوجارت كلمة "بجتن" إلى كلمة "المتفرد". من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص135.
ويقول الأستاذ ديدات: وبالمناسبة فإن كلمة "بجتن" تعني أيضاً الإنتاج يا سيدي، فالله أنتج ولده. من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص180.
وعندما سُئِل الأب سوجارت عما يعنيه بكلمة "مُتَفَرِّد" أجاب بأنها في الأصل اليوناني تعني ببساطة لم يكن مثله أحد من قبل، وما كان أحد أبداً مثل ابن الله، فهو متفرد، لم يكن أحد من قبل مثل مريم التي أنجبت ابن الله، إنها تعني ببساطة أن أحداً لم يكن أبداً مثله من قبل، ولن يكون أحداً مثله من بعد، يكون متفرداً كابن الله، متجسداً في هيئة بشرية. من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص195.
ثم أوضح أن المسيحيين لا يعتقدون بوجود ثلاثة آلهة، وسَخِر من الذين يظنون أنهم يعتقدون أن الله متزوج ويسكن في شقة في السماوات، وأنه أنجب أطفالاً، ووصف ذلك بأنه سخافات؛ ثم عَبَّر عن الإيمان الصحيح عندهم حيث يؤمنون بأن الله بسبب حبه للناس تعطف ونزل على هذا الكوكب، وعاش بين الناس ومشى بينهم وتحدث إليهم، وفي هيئة بشر تجسد ليموت على الصليب كالفادي تكفيراً عن خطايا البشرية فالإنسان عاجز عن إنقاذ نفسه، ولقد فعل ذلك وقال للناس: إنكم ستقتلون هذا الجسد وفي خلال أيام ثلاثة سأرفعه إلَيَّ مرة أخرى؛ وهكذا فهو متفرد في ذلك. كذلك كان متفرداً في معجزاته، متفرداً في نبوءته، متفرداً في ميلاده، متفرداً في حياته، متفرداً في رسالته، متفرداً في موته، متفرداً في قيامته، متفرداً في صعوده، وعندما يعود فسوف يكون متفرداً في عودته. من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص196.
ولكن هذا الأسلوب الإنشائي الخطابي لا يحل مشكلة الغموض، وربما كان فراراً من المواجهة التي لابد منها؛ إنه يقول - أثناء حديثه أيضاً – شخص وشخص وشخص، إلا أنهم ليسوا ثلاثة أشخاص بل شخص واحد.
وعندئذٍ وَجَّه الأستاذ ديدات الخطاب إلى الأب سوجارت وضرب له المثل الآتي: أنت وأخواك لنفترض أنكم ثلاثة توائم متشابهة، وأننا لا نستطيع التمييز بينكم أنتم الثلاثة لأنكم متطابقون تماماً، فإذا اقترف أحدكم جريمة قتل هل يمكن أن نشنق الآخر؟ جوابك كلا. وأسألك: لماذا لا يُشنق؟ فتقول لي: إنه شخصٌ آخر، وأوافقك على هذا. من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص204.
ثم أوضح أن استخدام الكلمات يستدعي صُوَراً ذهنية حول "الأب السماوي المُحِب" و"الإله الابن" و"الروح القدس". إذن هناك ثلاث صور ذهنية مختلفة، ومهما حاولتم فلن تتطابق هذه الصور الثلاثة في صورة واحدة؛ سيكون في ذهنكم دائماً ثلاث صور، ولكن حين أسألكم: كم صورة ترون؟ تقولون: واحد، من كتاب "المناظرة الحديثة بين الشيخ ديدات والقس سوجارت" جمع وترتيب د. أحمد حجازي السقا وتقديم الشيخ الغزالي،  ص205. وهذا لا يُطابق الواقع.
3.                        مِثال الشمعة
وهذا المثال مشهور ومتداول، فالله عندهم – تعالى عُلُواً كبيراً – كالشمعة، فالشمعة واحدة ولكن لها مادة ونور وحرارة؛ فهي ثلاثة في واحد. من كتاب "كُنتُ نصرانياً" لواصف الراعي، ص25.
وهذا المثال متهافت أيضاً لا يُعَبِّر عن العقيدة النصرانية؛ لأن الأقانيم عندهم ثلاثة أصول، والشمعة أصل واحد، أما الضوء والحرارة فمظهران حادثان طرءا على الشمعة بعد إضائتها، فإذا انطفأت عادت إلى أصلها الواحد، وفاتهم أن هناك مصدراً ما أشعل الشمعة، فما دوره في الأقانيم الثلاثة وأين مكانه من هذا التشبيه؟ من كتاب "كُنتُ نصرانياً" لواصف الراعي، ص25.
إن هذا المثال إذن مخالف للثالوث النصراني الذي – بحكم صياغته – يقرر تعدد الشخصيات في الإله، وينسب – كما يرى البروفيسور عبد الأحد داود – خصائص شخصية منفصلة لكل شخص.
وقد ناقش البروفيسور هذه العقيدة من الوجهة الرياضية البحتة ليُبَين عدم تطابقها مع البديهيات العقلية، والعلم الرياضي هو أدق العلوم كما هو معروف.
قال: والرياضيات كعلم إيجابي تُعلمنا أن الوحدة ليست أكثر من واحد ولا أقل، وأن واحداً لا يمكن أن يساوي واحداً + وحداً + واحداً.
وبعبارة أخرى، فإنه لا يمكن أن يكون الواحد مساوياً لثلاثة؛ لأن الواحد هو ثُلُث الثلاثة، وقياساً على ذلك فإن الواحد لا يساوي الثُلُث؛ وبالعكس فإن الثلاثة لا تساوي واحداً، كما أنه لا يمكن للثُلُث أن يساوي الوحدة، والذين يقولون بوحدانية الله في ثالوث من الأشخاص إنما يقولون لنا إن كل شخص هو إله قدير موجود دائم أزلي وكامل؛ ولكنه لا توجد ثلاثة آلهة قادرين وموجودين ودائمين وأزليين وكاملين، ولكنه إله واحد قدير.
وإذا لم تكن هناك سفسطة في المنطق المذكور أعلاه فإننا سنطرح هذا اللغز الذي تقدمه الكنائس، ويكون طرحنا له بالمعادلة التالية:
إله واحد = إله واحد + إله واحد + إله واحد
أولاً: لا يمكن لإله واحد أن يساوي ثلاثة آلهة، بل يساوي واحداً منها فقط.
ثانياً: بما أنك تُسَلِّم بأن كل شخص إله كامل مثل قرينه؛ فإن استنتاجك بأن 1+1+1=3 ليس استنتاجاً رياضياً. من كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس" لعبد الواحد داوود ص45، ترجمة فهمي شما، مراجعة وتعليق أحمد محمد الصديق.
ثم ينتقل البروفيسور بعد ذلك إلى مناقشة التثليث من الناحيتين المنطقية والعقائدية بناءً على تصور أن لكل شخص في الثالوث صفات لا تنطبق على الاثنين الآخرين وتدل هذه الصفات طبقاً للمنطق الإنساني واللغة الإنسانية على وجود قَبلية وبَعدية فيما بينهما؛ فالأب يحظى بالمرتبة الأولى ويتقدم على الابن. أما الروح القُدُس فهو ليس متأخراً فحسب لكونه الثالث في الترتيب العددي، بل إنه أقل من أولئك الذين انبثق منهم. من كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس" لعبد الواحد داوود ص45، ترجمة فهمي شما، مراجعة وتعليق أحمد محمد الصديق.
ويلقي بعدئذٍ التساؤل الذي لا مفر منه للتمييز بين الإقرار بهذه العقيدة أو الزندقة: ألا يعتبر نوعاً من الإلحاد إذا ما أعيد ذكر هذا الثالوث بترتيب معكوس؟ ألا يعتبر إنشاء الصليب عند مشاهدة القربان المقدس أو تجاوز مبادئه نوعاً من الزندقة عند الكنائس إذا عكست العبارة وأصبحت على النحو التالي: باسم الروح القدس والابن والآب؟ لأنها إذا كانت متساوية ومتعاصرة فإنه لا داعي لمراعاة ترتيب الأسبقية بدقة؟ من كتاب "محمد صلى الله عليه وسلم في الكتاب المقدس" لعبد الواحد داوود ص45، ترجمة فهمي شما، مراجعة وتعليق أحمد محمد الصديق.
أما دفاع النصارى عن عقيدة التثليث بدعوى أنها حقائق هي وراء طور العقل والقياس فلا مناص من تصديقها من غير محاولة الاعتماد على العقل فيها، هذا الدفاع لم يقبله ابن تيمية في مجال مناقشة عقائدهم، فهو يرى ضرورة التمييز بين نوعين من الحقائق؛ أحدهما ما هو باطل ومستحيل  عقلياً، والثاني ما يقتصر عنه العقل وجاءت الأنبياء لتوضحه، ولكن النصارى لا يُمَيزون بين ما يُحيله العقل ويبطله ويعلم أنه ممتنع، وبين ما يعجز العقل عنه فلا يعرفه ولا يعلم فيه بنفي ولا إثبات، وأن الرسل أخبرت بالنوع الثاني ولا يجوز أن تخبر بالنوع الأول. فلم يفرقوا بين محالات العقول ومحارات العقول، وقد ضاهوا في ذلك مَن قبلهم من المشركين الذين جعلوا لله ولداً وشريكاً. من كتاب "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص89 ج2، نقلاً عن كتاب "الحافظ أحمد بن تيمية" للإمام أبو الحسن الندوي ص204.
وزعْم الولد أو الابن لله تعالى دالٌ على استخدام ألفاظ الأنبياء – لو صحت – في غير مواضعها، فإن الموقف المنهجي الصحيح المُفَسِر لكلام الأنبياء يقتضي الاستمساك بظاهر كلامهم، فإن الابن ظاهره لا يراد به شيء من صفات الله، بل يراد به وليه وحبيبه، وروح القدُس لا يراد به صفته، بل يراد به وحيه وملكه، ولكن النصارى عدلوا عن ظاهر اللفظ إلى معنى لا يدل عليه البتة. من كتاب "الحافظ أحمد بن تيمية" للإمام أبو الحسن الندوي ص202.
قال ابن تيمية: فإذا وُجد في كلام المسيح عليه السلام أنه قال "عمدوا الناس باسم الآب والابن والروح القدس، ثم فسروا الابن صفة الله القديمة الأزلية كان هذا كذباً على المسيح حيث لم يكن في لغته أن لفظ الابن يراد به بصفة الله القديمة الأزلية، كذلك إذا لم يكن في كلام الأنبياء أن حياة الله تسمى روح القدس وإنما يريدون بروح القدس ما ينزله الله تبارك وتعالى على الأنبياء والصالحين ويؤيدهم. من كتاب "الجواب الصحيح لمن بدَّل دين المسيح" لشيخ الإسلام ابن تيمية 181 ج3، نقلاً عن كتاب "الحافظ أحمد بن تيمية" للإمام أبو الحسن الندوي ص202.

كتبه: أ.د. مصطفى حلمي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكُلية دار العلوم، جامعة القاهرة.
من كتاب "الإسلام والأديان – دراسة مُقارنة".

22‏/12‏/2009

لماذا نُهينا عن التشبه بالكافرين؟

ابتداءً ينبغي أن نفهم، كما هي القاعدة في الإسلام، أن الدين مبناه على التسليم؛ التسليم لله تعالى، والتسليم للرسول صلى الله عليه وسلم.
والتسليم معناه: تصديق خبر الله تعالى وامتثال أمره واجتناب نهيه وبتصديق خبر الرسول صلى الله عليه وسلم وامتثال أمره واجتناب نهيه واتباع هديه.
فإذا عرفنا هذه القاعدة فإنه ينبغي للمُسلم:
أولاً: أن يُسَلِّم بِكُل ما جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أن يَمْتَثله، ومما جاء به: النهي عن مُشابهة الكافرين
ثالثاً: وبعد أن يُسَلِّم ويطمئن ويثق بخبر الله وشرعه ويمتثله، فإنه بعد ذلك لا مانع من أن يلتمس التعليلات والأسباب..

فلذلك نستطيع أن نقول: بأن أسباب النهي عن التشبه بالكافرين كثيرة، وأغلبها مما يدركه أصحاب العُقول السليمة والفِطَر المُستقيمة، من ذلك:
أولاً: أن أعمال الكُفار مبناها على الضلال والفساد، فإن أعمال الكُفار مبناها على الضلال والانحراف والفساد في عقائدهم وفي عاداتهم وفي عباداتهم وفي أعيادهم وفي سُلوكهم. والصلاح استثناء، ثُم إذا وُجد بينهم من الأمور الصالحة شيئاً فإنما يكون مما لا يُؤجر عليه أحدٌ منهم. كما قال تعالى: {وَقَدِمْنَا إلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورَاً} [سورة الفُرقان الآية 23].
ثانياً: التشبه بالكافرين يُوقِع المُسلم بالتبعية لهُم، وفي هذا مُشاقة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم واتباع لسبيل غير المُؤمنين. وفي هذا وعيدٌ شديد، قال تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المُؤمِنِينَ نُوَلِهِ مَا تَوَلَّى ونُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [سورة النساء الآية 115].
ثالثاً: التشابه بين المُتشَبَّه به، يُوقع شيئاً من المُشاكلة بين المُقلَّد والمُقلِّد. بمعنى التناسب الشكلي والميول في القلب والانصهار والموافقة في الأقوال والأعمال، وهذا أمرٌ مُخِلٌ بالإيمان لا ينبغي لمُسلم أن يقع فيه.
رابعاً: أن التشبه يُورث، في الغالب، الإعجاب بالكافرين، ومِن ثَم الإعجاب بدينهم وعاداتهم وسُلوكهم وأعمالهم وما هُم عليه من الباطل والفساد. وهذا الإعجاب لابُد أن يُورِث ازدراء السُنن وازدراء الحق والهُدى الذي جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم والذي عليه السلف الصالح؛ لأن من تشبه بِقومٍ وافقهم ورضيَ بفعلهم وأعجبه ذلك، وبالعكس فإنه لا يُعجبه الفعل والقول المُخالف.
خامساً: أن المُشابهة تُورث المودة والمحبة والموالاة بين المتشابهين، فإن المُسلم إذا قَلَّد الكافر لابد أن يجد في نفسه إلفةً له، وهذه الإلفة لابد أن تورِث المحبة وتورث الرضا والموالاة لغير المؤمنين، والنفرة من الصالحين المُتقين العاملين بالسُنة المُستقيمين على الدين، وهذا أمر فِطري يُدركه كل عاقل، خاصةً إذا شعر المقلِّد بالغُربة أو شعر المقلِّد بما يُسمى بالانهزامية النفسية، فإنه بذلك إذا قلد غيره فإنه يشعر بعظمة المُقلَّد وبالمودة له والأُلفة والتناسب بينهما، ولو لم يكن من ذلك إلا التناسب الظاهر لكفى، مع أن التناسب الظاهر في الشكل وفي العادة وفي السُلوك لابد أن يُورِث التناسب الباطن، وهذا أمر يُدركه كل من يتأمل مثل هذه الأمور في سُلوك البشر.
ولأضرب لكم مثلاً في وجود التناسب والمحبة والإلفة بين المُتماثلين:
لو أن إنساناً ذهب إلى بلدٍ آخر يكون هو فيه غريباً، فإنه لو رأى إنساناً مثله يمشي في السوق يلبس كلباسه ويتكلم بلغته، فإنه لابد أن يشعُر نحوه بشيء من المودة والإلفة أكثر مما لو كان في بلده. إذن فالإنسان إذا شعر أنه مُقلِّد لآخر، فإن هذا التقليد لابد أن يقع في القلب له أثر، هذا في الحالات العادية، فكيف لو قلد المُسلم الكافر عن إعجاب! وهذا هو الحاصل، فإنه لا يُمكن أن يقع التقليد من المُسلم للكافر إلا وأن يكون ذلك صادراً عن إعجاب وعن تقليد وعن مُحاكاة وعن محبة تُورث المودة والموالاة، كما نرى من المُتفرنجين من المُسلمين.
وسادساً: نُهينا عن التشبه؛ لأن مُشابهة المُسلم للكافرين في الغالب لابد أن تجعله في مقام الذليل والضعيف الذي يشعر بالصَغار والانهزامية، وهذا الذي عليه الكثير من الذين يُقلدون الكفار الآن.

كتبه: أ.د. ناصر بن عبد الكريم العقل، أستاذ العقيدة بكلية أصول الدين بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
من كتاب: قضايا عَقَدِيَّة مُعاصِرة

18‏/12‏/2009

دروس وثمرات من الهِجرة

·     البذل والتضحية بكل شيء في  سبيل الدين سِمة الصادقين وعلامة بارزة لعباد الله المُفلحين، وعلى قدر الحُب يكون البذل.
·     أسلم طريقة للنجاة من الفِتن والتخلص من آثارها البُعد عنها، ومَن حام حول الحِمى يوشِكُ أن يرتع فيه؛ فاهجر ما فيه شُبهة وابتعد عن مواطن الفِتن تسلم.
·     أبو بكر الصِدِّيق رضي الله عنه أعلى الناس مكانةً بعد الأنبياء والمُرسلين:
o   فهو صاحب الرسول صلى الله عليه وسلم في الهِجرة وجليسه في الغار.
o   وهو الفائز بمعية الله له وللنبي صلى الله عليه وسلم؛ إذ قال تعالى: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [سورة التوبة - الآية 40]، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "اثنينِ اللهُ ثالِثَهُمَا" أخرجه البخاري ومسلم.
o   وهو الذي استخلفه النبي صلى الله عليه وسلم حين مَرِض للصلاة بالناس فقال: "مُرُوا أبا بكرٍ فَلْيُصَلِّ بالناس" أخرجه البخاري ومسلم، وصدق الفاروق عُمَر رضي الله عنه إذ قال عن الصِدِّيق أبي بكر رضي الله عنه: "رَضِيَكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا، أفلا نرضاك لدنيانا".
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أبو بكر وعمر سَيِّدا كهول الجنة مِن الأولين والآخرين إلا النبيين والمُرسلين" أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سُنن الترمذي.
·     الأخذ بالأسباب مع حُسن التخطيط والإعداد من أهم عوامل النجاح، والأخذ بالأسباب يكون أولاً، ثم يكون صدق التوكل والاعتماد على الله عز وجل، والطعن في الأسباب طعن في الشرع، وتعلق القلب بالأسباب شِرك؛ فَخُذ بالأسباب ولا يتعلق قلبك بها؛ وإنما يتعلق قلبك بالمَلِك الوَهَّاب. وهكذا خطط رسول الله صلى الله عليه وسلم للهجرة، ثم حين وقف المشركون على باب الغار فَوَّضَ الأمر إلى الله عز وجل وقال: "إن الله معنا"، فحفظه الله ودافع عنه.
·     حِفظ الله لأوليائه لا يُفارقهم؛ فالله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين، وعلى قدر بَذْلِك وتضحيتك يكون حِفظ الله لك، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك" أخرجه أحمد في مُسنده وصححه الألباني في صحيح الجامع؛ فانفض عنك غبار السلبية، واطرد عن جفونك نوم الغفلة المَقيت، وأشعل في القلب حماسة البذل للدين ومن لم يَمُت بالسيف مات بغيره، ومن العجز أن تموت جباناً؛ فابذل لله ولا تتأخر، فإن قوماً ظَلُّوا يتأخرون حتى أخرهم الله عز وجل، ابذل لله، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلا قَلِيلٌ} [سورة التوبة - الآية 38].
·     انقطعت الهجرة من مكة، لأنها صارت دار إسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا هِجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونِيَّة، وإذا اسْتُنْفِرْتُم فانْفِروا" أخرجه البُخاري ومسلم؛ لكن الهجرة من المعصية إلى الطاعة باقية، ومن البدعة إلى السُنَّة باقية، ومن الشِرك إلى التوحيد باقية؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والمُهاجِر من هَجَرَ ما نَهَى اللهُ عنه" أخرجه البخاري.
وكذلك هي باقية إذا أسلم إنسان بين أُناس مُشركين كلهم، فمِثل هذا يجِب في حقه أن يُهاجِر غلى بلاد المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا بريء من كل مسلم أقام بين أظهر المشركين"، قالوا: يا رسول الله، لِمَ؟ قال: "لا تَرَاءَى نارهما" أخرجه الترمذي وصححه الألباني في صحيح سُنن الترمذي، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَن جامَع المُشرِك وسكن معه فإنه مثلُه" أخرجه أبو داود وصححه الألباني في صحيح سُنن أبي داود.
·     ليست العِبادة مُجرد صلاة وصِيام فحسب، بل العِبادات أشمل مِن ذلك؛ فهي كل ما يُحبه الله ويرضاه من الأعمال والأقوال والأحوال؛ فهناك عبادات قلبية كالحُب والخوف والرجاء، وهناك عبادات مالية كالصدقة والزكاة والكفارات، وهناك عبادات بدنية كالصلاة والهجرة، وهناك عبادات قولية كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله، فالهجرة عبادة مِن أَجَلِّ العبادات، وهي باقية بالمفهوم الذي ذكرناه من قبل.

كتبه: فضيلة الشيخ محمد حسين يعقوب
مِن كِتاب: مدرسة السيرة النبوية – الجزء الأول "مِن الميلاد إلى الهجرة".

14‏/12‏/2009

فضل الإسناد

قال محمد بن حاتم بن المُظَفَّر: "إن الله أكرم هذه الأُمَّة وشَرَّفَها وفَضَّلها بالإسناد، وليس لأحدٍ من الأُمَم كلها، قديمهم وحديثهم إسناد، وإنَّما هي صُحُف في أيديهم، وقد خلطوا بكتبِهم أخبارَهم، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثِقات.
وهذه الأُمَّة إنَّما تَنُصُّ الحديث من الثِقة المعروف في زمانه، المشهور بالصدق والأمانة عن مِثلِه، حتى تتناهى أخبارُهُم، ثُمَّ يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ، والأضبط فالأضبط، والأطول مُجالسةً لِمَن فوقه ممن كان أقل مجالسة، ثُمَّ يكتبون الحديث من عشرين وجهاً وأكثر، حتى يُهَذِّبوه مِن الغلط والزلل، ويضبِطوا حروفه ويعدُّوه عداً.
فهذا من أعظم نِعَم الله تعالى على هذه الأمة، نستوزع الله – شُكر هذه النعم، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه، ويُمسكنا بطاعته، إنه ولي حميد.
فليس أحد من أهل الحديث يُحابي في الحديث أباه ولا أخاه ولا ولده؛ وهذا علي بن عبد الله المديني – وهو إمام الحديث في عصره – لا يُرْوَى عنه حرفٌ في تقوية أبيه، بل يُرْوَى عنه ضِد ذلك. فالحمد لله على ما وفقنا".

رواه: الحافظ المؤرخ، أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت، الشهير بـ"الخطيب البغدادي".
من كتاب: شَرَفُ أَصْحابِ الحديثِ؛
باب ذِكْر بيان فضل الإسناد، وأنه مما خَصَّ الله به هذه الأُمَّة

10‏/12‏/2009

تحريف الأناجيل

ليس ثمة شك في أن الله تبارك وتعالى إنما أنزل على المسيح عليه السلام إنجيلا واحداً مُكَمِّلاً للتوراة المُنزلة على موسى عليه السلام، وما من شك أيضا في أن المسيح حين هتف ببني إسرائيل : " قد كَمُل الزمان واقترب ملكوت الله فتربوا وآمنوا بالإنجيل" - مرقص : 1 : 16 - وإنما كان يعنى ذلك الإنجيل المُنزل، لا شيئاً آخر سواه.
والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي تكفل الله بحفظه بنفسه  { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }[ سورة الحِجر - الآية 9].  أما الكتب السابقة فقد وُكِّل حِفظها إلى علماء دينها.
{ إِنَّا أَنْـزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ } [سورة المائدة - الآية 44].  إذن فقد كان في عهدة الكنيسة أن تحفظ هذا الإنجيل بنصِه السماوي وصِبغته الإلهية، فلا يمسه عبث عابث ولا يجترئ عليه يد محرف، لكن الكنيسة كعادتها فرطت في واجبها، بل إنها هي التي فتحت للمعرضين باب التحريف والقول على الله بغير علم.
إن محرري دائرة المعارف البريطانية، وهم من ذوى الكفاءات العالية في معظم التخصصات – ومنها اللاهوت – لم يتطرفوا أو يبالغوا في القول بأنه "لم يبق من أعمال السيد المسيح شئ ولا كلمة واحدة مكتوبة" - الجفوة المفتعلة بين العلم والدين : ص 13 - بما إنما عبروا بذلك عما ينبغي أن يقرره الباحث العلمي المدقق.
ونحن المسلمين نؤمن بأن في خبايا الأناجيل شيئاً من أقوال المسيح وتعاليمه التي يحتمل أنها وحى من الله، لكن ذلك لم يثبت لدينا بسند تاريخى موثوق إلى المسيح، وإنما آمنا به لأننا لو عرضناه على الوحى الإلهي المحفوظ "القرآن" والسُنَّة، لوجدنا الصلة بينهما واضحة أما من لا يؤمن بالقرآن ولا يعترف إلا بحقائق البحث المجرد فليس غريباً أن ينكر الأناجيل برمتها مثل قولة دائرة المعارف البريطانية هذه.
ولندع رأي المعاصرين ولنعد إلى القرن الأول الميلادي حيث احتمال وجود الإنجيل أقوى وأرجح، فماذا نجد؟ يقول آدم كلارك أحد شارحي الأناجيل:
"محقق أن الأناجيل الكثيرة الكاذبة رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة هذه الأحوال الغير صحيحة هيجت لوقا على تحرير الإنجيل، ويوجد ذِكر أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل باقية، وكان "فابرى سيوس" جَمَع الأناجيل وطبعها في ثلاث مجلدات" - إظهار الحق: ص 292، وانظر محمد رسولاً نبياً / عبد الرازق نوفل : ص 188.
هكذا قفز العدد من واحد إلى سبعين، و المسيحية لا تزال في مهدها، مما دفع لوقا إلى كتابة إنجيله، فأي هذه الأناجيل يا ترى الإنجيل الحقيقي الموحى إلى المسيح ما دمنا مُسَلِّمين بأن الله لم يُنْزِل إليه إلا إنجيلاً واحداً؟
إن لوقا نفسه ليفسح لنا الطريق إلى الحقيقة النيرة التي تهدم الأناجيل كلها ومنها إنجيله – وها هي ذي مقدمة إنجيله تنطق بها:
يقول لوقا في المقدمة: " إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتبقية عندنا كلما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً، إذ قد تتبعت كل شئ من الأول بتدقيق، أن أكتب إليك على التوالي أيها العزيز تاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به " صح : 1 .
وعلى هذا فلا السبعون الكاذبة ولا إنجيله الصادق وحي من الله ولا أحدها هو منسوب إلى المسيح، بل الكل سِيَر وقصص يكتبها أتباع المسيح عن حياته ودعوته كما سمعوها من أسلافهم الذي رأوا المسيح وخدموه، ولو استعرنا عبارة الفيلسوف الفرنسى غوستاف لوبون لقلنا عن الأناجيل:
"هي مجموعة من الأوهام والذكريات غير المحققة التي بسطها خيال مؤلفيها" حياة الحقائق: ص 62.
إن أشبه الكتب الإسلامية بالأناجيل، من جهة موضوعها لا من جهة ثبوتها، هي كتب السيرة … فهل يمكن بأى حال من الأحوال القول بأن سيرة ابن هشام مثلاً وحي منزل من الله؟ إن هذا لمحال شرعاً وعقلاً، فكيف وسيرة ابن هشام مقطوع بنسبتها إلى مؤلفها ومتصلة السند بصاحب السيرة صلى الله عليه وسلم ومحفوظة بأصلها العربي، لم تتناولها الترجمات، كما هو الحال في الأناجيل، كما أنها لم تُفرض بسلطة قانونية أو كهنوتية وإنما أقرها البحث والتدقيق، وكم من علماء مسلمين بلغوا ذروة العبادة والورع لا يعتد الباحثون المسلمون من رواياتهم بشيء لأن شروط التحقيق العلمي لم تتوفر فيهم، أما الكنيسة فلا يكاد راهب ينقطع في صومعة أو عابد يتظاهر بحب المسيح حتى نقول "أنه مملوء بالروح القدس" وتمنحه لقب "رسول" أو "قديس" وتعد كلامه وحياً ملهماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولذلك فليس غريباً أن يكون لدى الكنيسة مائة وعشرون رسولاً - انظر أعمال الرسل من العهد الجديد صح :1 - يؤخذ كلامهم على علاته قضايا مُسَلَّمة، وتقديس رسائلهم كما تُقَدَّس الأناجيل.
تلك حصيلة المسيحية في قرونها الثلاثة الأولى: سبعون إنجيلاً يُكَذِّب بعضهم بعضاً، ومائة وعشرون رسولاً، منهم من أَلَّف أناجيل، ومنهم من كتب رسائل، ومنهم من كان يكرز ( يعظ ) من حفظ ومعلوماته … وطوائف وفرق تجل عن الحصر تختلف في قضايا أساسية بالغة الأهمية.
كتبه: د. سفر الحوالي
من كِتاب: العلمانية، نشأتها وتطورها، وأثرها في الحياة الإسلامية المعاصرة - رسالة ماجيستير

16‏/11‏/2009

مِن أحكام الحَج والعُمرة

معنى الحَج والعُمرة

الحَج لُغةً: القصد. وشرعاً: التعبد لله بأداء المناسك على ما جاءت به السُنَّة. ومعنى العُمرة: الزيارة.

حُكمه:

الحَج واجب على كل مُكَلَّف. قال الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا} [سورة آل عِمران –الآية 97]. وهو أحد أركان الإسلام لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "بُنِيَ الإسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت" مُتفقٌ عليه.

حُكم العُمرة: الراجح من أقوال أهل العلم أن العُمرة واجبة مرة واحدة في العمر، وهو قول علي بن أبي طالب، وابن عباس، وابن عمر، وعائشة رضي الله عنهم.

الترغيب في أداء الحَج والعُمرة

عن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه" متفقٌ عليه.

ومعنى الرفث: الجِماع، ويُطلق على التعريض به وعلى الفُحش في القول، وقوله: ولم يفسُق أي: لم يأت بسيئة ولا معصية.

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العُمرة إلى العُمرة كَفَّارة لما بينهما، والحَج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" مُتفقٌ عليه.

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تابعوا بين الحَج والعُمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس للحَج المبرور ثواب إلا الجنة" رواه الترمذي وقال حسن صحيح.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نُجاهد؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "لكن أفضل الجهاد حَجٌ مبرور" رواه البُخاري، وفي لفظ: "جهادكن الحَج".

وعن أبي هُريرة رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثُم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثُم ماذا؟ قال: "حَجٌ مبرور" مُتفقٌ عليه.

التعجيل بالحَج

ينبغي للمؤمن أن يغتنم الفرصة لأداء مناسك الحَج، فإنه لا يدري ما يعرض له من موانع تشغله أو تعوقه، وقد وردت الأحاديث تَحُث على التعجيل بالحج، فَمِن ذلك:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعجلوا إلى الحَج فإن أحدكم لا يدري ما يَعرِضُ له" رواه أبو داود بسندٍ حسن.

وعن الفضل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد الحَج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة" رواه ابن ماجة بسندٍ حسن.

كتبه: عادل بن يوسُف العزازي

مِن: إرشاد الصُحبة لمناسِك الحَج والعُمرة

10‏/11‏/2009

أثر الفُرس في بعض عقائد الشيعة

إن بعض الباحثين في عقائد فِرَق الشيعة – لا سيما الباطنية – يُلاحظون تشابهاً بينهم وبين الفُرس، بل أُطلِق اسم المجوس على القدرية أيضاً.

قال الأستاذ أحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام" ص 276-278، نقلاً عن كتاب "الشيعة والتشيع – فرق وتاريخ" لإحسان إلهي ظهير: والحق أن التشيع كان مأوى لجأ إليه كل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية. وتستر بعض الفُرس بالتشيع وحاربوا الدولة الأموية وما في نفوسهم إلا الكُره للعرب ودولتهم، والسعي لاستقلالهم. ويستند أيضاً إلى ما ذهب إليه المقريزي في تعليله لاختفاء بعض الفُرس وراء الإسلام بعامة والتشيع بخاصة بمحاربة الإسلام؛ لأنهم كانوا أهل مُلك وعلوا على جميع الأمم، يعدون سائر الناس عبيداً لهم، فلما انتصر العرب المسلمون عليهم – وكانوا يعتبرون العرب أقل الأمم خطراً – تضاعفت لديهم المصيبة، فرأوا كيد الإسلام بالمحاربة عن طريق الحيلة لعجزهم عن المواجهة الصريحة المباشرة. قال الأستاذ أحمد أمين في كتابه "فجر الإسلام" ص 276-278، نقلاً عن كتاب "الشيعة والتشيع – فرق وتاريخ" لإحسان إلهي ظهير: فرأوا كيده على الحيلة أنجح، فأظهر قوم منهم الإسلام واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل البيت واستبشاع ظلم علي رضي الله عنه، ثم سلكوا بهم مسالك شتى أخرجوهم بها عن طريق الهدى. ولكنهم لو فحصوا ما دار حول الخلافة منذ تولاها أبو بكر رضي الله عنه لعلموا أن علياً لم يُظلم كما يتوهمون، بل إنه بايع وأقر بخلافة الخلفاء قبله رضي الله عنهم جميعاً.

ويرى المُستشرق دوري أن الشيعة كانت في حقيقتها فرقة فارسية، مُستنداً إلى أن الفُرس لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحُكم، لهذا اعتقدوا أنه ما دام محمد صلى الله عليه وسلم لم يترك ولداً يرثه، فإن علياً رضي الله عنه هو الذي يجب أن يخلفه وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي رضي الله عنه، ويُضيف أيضاً أنهم اعتادوا أن يروا في ملوكهم أحفاداً مُنحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا، فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي رضي الله عنه وذريته. ويرى ذلك المُستشرق الألماني ولهوزن المُتعاطف مع الشيعة، فيذكر أنه لا سبيل للشك في أن آراء الشيعة كانت تُلائم الإيرانيين.

ولا نجد للشيعة سنداً يُعتد به في هذا الإنحراف العقدي، ولو درسوا التاريخ بأمانة لوجدوا الاعتراض التام عليه، إذ عَبَّر المغيرة بن شُعبة رضي الله عنه عن دهشته واعتراضه على اتخاذ الفُرس بعضهم أرباب بعض، حيث كان الأكاسرة يَدَّعون أنه يجري في عروقهم دم إلهي، ولذلك علق المُغيرة على ما لاحظه من تلك المظاهر مُخاطباً رُستم قائدهم: "وإن هذا الأمر لا يستقيم فيكم، فلا نفعله". مُعبراً بذلك عن عقيدة التوحيد التي تجعل المُسْلِم عبداً لله وحده.

ولما زحفت الزرادشتية على العالم الإسلامي في عصور متأخرة رأينا شيخ الإسلام ابن تيمية يُحذر من الوقوع في براثنها مُذَكِراً المُسلمين بالحديث الصحيح: "لتأخذن مأخذ الأمم قبلكم، شبراً بشبراً وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" قالوا: فارس والروم؟ قال: "فمن غيرهما". ويرى شيخ الإسلام أن هذا الحديث ينطبق على كل من اتخذ عقيدة أو سلك سُلوكاً مُشابهاً لهاتين الأُمَّتين، ونحن نعلم أنهما في عقيدتهما يُعبِّران عن الشرك في جميع صُوره.

كتبه: أ.د. مصطفى حلمي، رئيس قسم الدراسات الإسلامية بكُلية دار العلوم، جامعة القاهرة.

من كتاب "الإسلام والأديان – دراسة مُقارنة".