15‏/05‏/2012

عدنان مندريس... مِن ضحايا العَلمانيين الأتراك


عدنان مندريس،
رئيس وزراء تركيا طوال عقد الخمسينيات، خرج من تحت معطف أتاتورك ليتحدى تشريعاته العلمانية، وعلى الرغم من أنه أدخل تركيا في حلف شمال الأطلسي وجعلها رأس حربة الغرب في مواجهة الاتحاد السوفياتي، فإن ذلك لم يشفع له حينما تحرك الجيش ضده في أول انقلاب في تاريخ تركيا المعاصر ليحكم عليه بالموت مع عدد من رفاقه بعد عشر سنوات قضاها في الحكم.

لم يكن مندريس إسلاميا، بل كان عضوا في حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك ونائبا عن الحزب المذكور في البرلمان، لكنه اتخذ في عام 1945 إلى جانب ثلاثة نواب آخرين موقفا معارضا لزعيم حزبهم ورئيس الوزراء عصمت إينونو خليفة أتاتورك وحامي ميراثه العلماني، انفصل النواب الأربعة ليشكلوا حزبا جديدا هو الحزب الديمقراطي بزعامة مندريس متحدين إجراءات منع الأحزاب آنذاك.

في عام 1946 شارك الحزب الجديد في الانتخابات العامة، لكنه لم يحصل إلا على 62 مقعدا، ثم عاد ليشارك في انتخابات عام 1950 ليفوز بأغلبية ساحقة شكل مندريس إثرها حكومة جديدة وضعت حدا لهيمنة حزب الشعب الجمهوري الذي حكم تركيا منذ إعلان الجمهورية عام 1923.

كان مندريس قد خاض حملته الانتخابية على أساس وعود بإلغاء الإجراءات العلمانية الصارمة التي اتخذها سلفه إينونو وكان من بينها جعل الأذان بالتركية وكذلك قراءة القرآن وإغلاق المدارس الدينية، وحينما فاز، قام مندريس بإلغاء هذه الإجراءات حيث أعاد الآذان إلى العربية وأدخل الدروس الدينية إلى المدارس العامة وفتح أول معهد ديني عال إلى جانب مراكز تعليم القرآن الكريم، كما قام بحملة تنمية شاملة في تركيا شملت تطوير الزراعة وافتتاح المصانع وتشييد الطرقات والجسور والمدارس والجامعات.

أسهمت إصلاحات مندريس في تطوير الحياة الاقتصادية في تركيا حيث تقلصت البطالة وتحررت التجارة وعاش الناس فترة استقرار سياسي إلى جانب تراجع حدة التوتر الذي كان سائدا بين السكان والدولة بسبب الإجراءات المناهضة للإسلام ومظاهر التدين والعبادات.

ولم يعلن مندريس في أي من هذه الإجراءات أنه كان إسلاميا أو مؤيدا للإسلاميين، بل على العكس من ذلك وضع تركيا في قلب العالم الغربي حينما انضمت تركيا في عهده إلى حلف شمالي الأطلسي وأصبحت المتراس المتقدم للغرب خلال الحرب الباردة، وأقام علاقات قوية مع الولايات المتحدة وساند مخططاتها في المنطقة وخارجها بما في ذلك إرسال قوات تركية إلى كوريا ووضع تركيا في مواجهة حركة القومية العربية الصاعدة آنذاك بزعامة عبد الناصر.

في انتخابات عام 1954 فاز الحزب الديمقراطي بالأغلبية المطلقة واستمر مندريس في رئاسة الحكومة، لكنه لم ينجح في إنقاذ الاقتصاد التركي من التدهور فخسر جزءا من مقاعده في انتخابات عام 1957.

مع نهاية عقد الخمسينيات كانت إجراءات مندريس الداخلية قد استفزت القوى العلمانية التي تمكنت من حشد قوى اجتماعية لاسيما داخل الجامعات والجيش لمعارضة سياسات الحكومة، فوقعت أحداث شغب ومظاهرات كبيرة في شوارع إسطنبول وأنقرة، وقام طلاب مدرسة القوات البرية بمسيرة صامتة إلى مجلس الشعب في أنقرة احتجاجا على سياسات مندريس.

في صباح 27 مايو/أيار عام 1960 تحرك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، حيث سيطر على الحكم 38 ضابطا برئاسة الجنرال جمال جورسيل، وأحال الانقلابيون 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل رئيس الوزراء عدنان مندريس ورئيس الجمهورية جلال بايار مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.

بعد محاكمة صورية تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة فيما حكم بالإعدام على مندريس ووزير خارجيته فطين رشدي زورلو ووزير ماليته حسن بلاتقان، وكانت التهمة هي اعتزامهم قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.

في اليوم التالي لصدور الحكم في أواسط سبتمبر/أيلول عام 1960 تم تنفيذ حكم الإعدام بمندريس ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي بتركيا. وبعد أيام نفذ حكم الإعدام بوزيريه، ودفنت جثامين الثلاثة في الجزيرة ذاتها حتى التسعينيات حينما جرى نقلها إلى إسطنبول حيث دفنت هناك وأعيد الاعتبار لأصحابها بجهود من الرئيس الأسبق تورغوت أوزال.


المصدر: الجزيرة.نت
 

09‏/05‏/2012

الدور المشبوه لمؤسسة طابة الصوفية في مرحلة الربيع العربي


تمهيد:

منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي والصحوة الإسلامية محط أنظار دوائر صنع القرار في العالمين الغربي والشرقي، وذلك من أجل فهم الصحوة الإسلامية والوصول لمفاتيح التعامل معها بما يحقق المصالح الغربية أقيمت آلاف الندوات والمؤتمرات لذلك، وأصبح هناك الكثير من الباحثين والمؤسسات المتخصصة بدراسة وبحث الصحوة الإسلامية.

وكانت الخلاصة المركزية التي تم الوصول لها هي: المد الإسلامي أو الإسلام السياسي– بتعبيرهم- قادم لا محالة وسيكون في كرسي الحكم ولا بد من التعامل معه كأمر واقع لا مرد له، ومن ناحية أخرى لا بد من دعم ورعاية اتجاهات إسلامية بديلة أكثر قابلية للتعاون أو التهاون مع المصالح الغربية، والمرشح الوحيد كان التيار الصوفي بتنوعاته وتلوّناته.

ودعم التيار الصوفي من قِبل الغرب كان أمراً واضحاً لكل المراقبين، فهذا د.عبد الوهاب المسيري يقول: "ومما له دلالته أن العالم الغربي الذي يحارب الإسلام، يشجع الحركات الصوفية، ومن أكثر الكتب انتشاراً الآن في الغرب مؤلفات محيي الدين بن عربي وأشعار جلال الدين الرومي" [مقال (الإسلام والغرب)، الجزيرة نت 26/12/2004].

ويقول فهمي هويدي: "وفي حين تُطرح العلمنة حلا لمشكلة الأمة الإسلامية‏,‏ فإن التقرير – تقرير راند - لايخفي دعوة صريحة إلى تشجيع التصوف‏,‏ وهو ما يعد نوعا من الدعوة إلى التعلق بما يمكن أن نسميه بـ الإسلام الانسحابي الذي يقلص التدين في دائرة روحية لا يتجاوز حدودها‏,‏ فهو يتحدث صراحة عن أهمية تعزيز الصوفية وتشجيع البلدان ذات التقاليد الصوفية القوية على التركيز على ذلك الجانب من تاريخها‏,‏ وعلى إدخاله ضمن مناهجها الدراسية‏,‏ بل ويلح على ذلك في عبارة أقرب إلى الأمر تقول‏:‏ لابد من توجيه قدر أكبر من الانتباه إلى الإسلام الصوفي" [مقال (عن القراءة الأمريكية للحالة الإسلامية)، جريدة الأهرام 10/8/2004. وقد بين الأستاذ محمد عبدالله المقدي في كتابه "التصوف بين التمكين والمواجهة" تفاصيل الحث والدعم الغربي للتصوف].

ويقول دانيال بايبس – وهو من أشد مناوئي الإسلام اليوم -: " الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي، ودعمه لكي يستطيع ملء الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائياً عن قضايا السياسة والاقتصاد" [انظر كتاب (ولتستبين سيبل المجرمين) د. محمد يسري، ص 116، وهو مهم في كشف هذا التوجه بدعم التصوف].

ومما يحسن التنبيه عليه هنا ملاحظة د. إسماعيل الفاروقي وزوجته لويس لمياء في كتابهما "أطلس الحضارة الإسلامية"[ص 264، وهذه الملاحظة كتبت قبل عام 1986، حيث تم اغتياله وزوجته في أمريكا!! وقد طبعت ترجمة الأطلس في مكتبة العبيكان سنة 1998م] عن قوة انتشار الصوفية بين المسلمين الجدد البيض في الغرب، حيث أن الخواء الروحي بسبب المادية الطاغية جعلت الكثير منهم يقبل على التصوف، وقد أصبح كثير من هؤلاء المسلمين في موقع التوجيه سواء للغرب أو العالم الإسلامي بسبب خلفيتهم الثقافية العالية مثل روجيه غارودي[انظر كتاب (فكر جارودي بين المادية والإسلام)، الأستاذ عادل التل] ومراد هوفمان [انظر كتاب (استدراكات مراد هوفمان على الإسلام، عرض ونقد) د. عبد العظيم المطعني]، مما يفتح المجال للبحث عن تأثير هؤلاء المسلمين الجدد المتصوفة في سياسة الغرب على غرار دور الشيعة المتغربين في سياسة الغرب تجاه إيران وقضايا التشيع كأمثال: والي نصر، تقي راي، تريتا بارسي، فؤاد عجمي، كنعان مكية.



مؤسسة طابة:

طابة هي مؤسسة صوفية مقرها في أبو ظبي بدولة الإمارات، أسسها ويديرها الداعية الصوفي اليمني علي الجفري، والمؤسسة جاءت لتصبغ النشاط السابق لسنوات، للجفري ومن معه، بصبغة رسمية.

تعرف المؤسسة على نفسها في موقعها الإلكتروني[www.tabahfoundation.org]، بما يلي: "مؤسسة طابة هي مؤسسة غير ربحية تسعى إلى تقديم مقترحات وتوصيات لقادة الرأي لاتخاذ نهج حكيم نافع للمجتمع بالإضافة إلى إعداد مشاريع تطبيقية تخدم المثل العليا الخالدة لدين الإسلام وتبرز صورته الحضارية المشرقة؛ ومن خلال ذلك نضع مقاييس جديدة ومعايير قِيَميّة لأنظمة العمل المؤسساتي".

ورؤية المؤسسة والتي تنص على: "إعداد الدراسات والكوادر والمؤسسات لتطوير خطاب إسلامي واضح وإيصاله للعالم بأسره بطريقة تؤدي للإدراك".

فهي إذاً مؤسسة تتعامل مع قادة الرأي وصناع القرار، ومعلوم أن مثل هذه الخطوة تعتبر من أعلى درجات التركيز للتغيير الشامل والرسمي والسريع!!

أما المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة فهو يجمع أقطاب الصوفية في المنطقة، وهم:

1- د. محمد البوطي، رئيس قسم العقائد والأديان في كلية الشريعة بجامعة دمشق.

2- د. عبد الله بن بيّه، رئيس مركز التجديد والترشيد (لندن)، وهو من موريتانيا لكنه مقيم بالسعودية.

3- د. علي جمعة، مفتي الديار المصرية.

4- الحبيب عمر بن حفيظ، مؤسس وعميد دار المصطفى باليمن.

وكان معهم د. نوح القضاة رحمه الله، مفتي عام الأردن الذي توفي عام 2010.

ويلاحظ أن هؤلاء هم أعمدة الصوفية في سوريا ومصر والأردن واليمن والسعودية وموريتانيا، ويشير موقع المؤسسة (طابة) إلى أن أعضاء المجلس الاستشاري حصلوا على مراتب متقدمة ضمن الشخصيات الإسلامية الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2011، بحسب تقرير المركز الملكي للبحوث والدراسات الإسلامية بعمان بالتعاون مع مركز الأمير الوليد بن طلال للتفاهم الإسلامي المسيحي بجامعة جورج تاون.

وقد جاء ترتيب د. علي جمعة رقم 12، ود. البوطي رقم 20، ود. عبد الله بن بيه رقم 31، ثم الحبيب عمر بن حفيظ رقم 37، أما علي الجفري فكان رقم 42 ضمن التقرير.

ومن الشخصيات غير العربية في مؤسسة طابة: الأمريكي الشيخ جهاد هاشم براون أحد أعضاء مجلس إدارة مؤسسة طابة وكبير أعضاء مجلس الأبحاث في المؤسسة، بعد أن شغل منصب مدير الأبحاث لعدة سنوات في مرحلة التأسيس.

وهو دارس لعلم النفس ودراسات الشرق الأدنى من جامعة روتجرز بولاية نيو جيرسي عام 1994، ثم توجه للدراسات الشرعية على يد عدد من العلماء مثل: أديب محمد كلاس، د. البوطي، وله نشاط واسع بالتدريس وإلقاء المحاضرات والبرامج التلفزيونية الفضائية في الغرب.



الدور المشبوه لمؤسسة طابة:

مما سبق يتبين لنا وجود توجه سياسي غربي معلن بدعم التصوف كبديل عن الصحوة الإسلامية، وكحليف مضمون الولاء للمصالح الغربية، ويتبين لنا أن صوفياً نشيطاً وهو علي الجفري قد أقام مؤسسة صوفية تجمع أقطاب التصوف وتسعى للوصول لقادة الرأي وصناع القرار والتأثير فيهم من جهة، وتعمل على بناء كوادر متخصصة لذلك من جهة أخرى.

وبمتابعة بعض نشاطات المؤسسة والبارزين فيها تبين:

* وجود علاقات لهذه المؤسسة مباشرة وغير مباشرة مع الغرب والدوائر السياسية فيه تحديداً.

* السعي الحثيث لترسيخ وجهات نظر ومفاهيم تصب في صالح المصالح الغربية.

* وجود ممارسات شاذة عن الخط الإسلامي يفرح بها الغرب.

* دعم الأنظمة القمعية ضد شعوبها والتيارات الإسلامية.

* شرعنة التطبيع السياسي والديني مع إسرائيل.

ويبدو أن الربيع العربي والذي فاجأ الغرب والأنظمة العربية قد عدل قليلاً من دور الصوفية في هذه المرحلة، فبعد أن كان الرهان على التصوف كبديل للحركات الإسلامية عند الغرب، وجد الغرب نفسه أمام أمر واقع بوصول الإسلاميين لسدة الحكم، فقرر بواقعية وعقلانية التعامل معهم وعدم تضييع الوقت بخلاف الأنظمة العربية، فتم عقد مؤتمر لمؤسسة كارنيغي في واشنطن بتاريخ (5/4/2012) والذي جمع ممثلي الإخوان المسلمين من مصر وتونس وليبيا والأردن مع الساسة الأمريكان، وهذا لا يعني عدم مواصلة دعم ورعاية التصوف ليكون له موضع مستقبلا في الساحة السياسية [انظر تفاصيل المؤتمر، جريدة الغد الأردنية 8/4/2012].

أما الأنظمة العربية فيبدو أنها أخذت بخيار تفعيل وتسريع الرهان على التصوف في وجه الحركات الإسلامية، وقد تنوعت طرائقهم في ذلك، ففي سوريا الدور المطلوب هو إخماد الثورة، وفي مصر حجز مكان في الساحة السياسية، وفي الأردن محاولة إيجاد منافس لجماعة الإخوان.



نشاطات مشبوهة للمؤسسة والقائمين عليها:

1- مشاركة الجفري في المؤتمر العالمي للطرق الصوفية، مؤتمر (سيدي شقير) بالمغرب عام 2004 بحضور مندوب أمريكي  [مقال (مؤتمر صوفي عالمي لم يُعلن عنه في موقع الجفري؟!) موقع الصوفية]:

حيث كان الجفري رئيسا للوفد الحضرمي في هذا المؤتمر الذي يتزعمه اللبناني النقشبندي هشام قباني والذي يعد حلقة الوصل الأساسية بين الإدارة الأمريكية والأوساط الفكرية الغربية وبين الطريقة النقشبندية الصوفية التي يتزعمها الشيخ (ناظم الحقاني) المقيم في قبرص  [مقال (محمد هشام قباني النقشبندي) لمحمد المقدي، موقع مجلة الصوفية عدد 7].

وقد شارك في المؤتمر مع الجفري وشيوخ الطرق الصوفية: الأمريكي "داود كيزويت" رئيس اللجنة المغربية الأمريكية للتعاون الثقافي والتربوي، وبعض النساء غير المحجبات!! 

2- خرق الجفري لقرار العلماء بمقاطعة الدنمارك بسبب الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم:

فرغم اتفاق العلماء على مقاطعة الدنمارك للضغط عليها لتقديم اعتذار عن الإساءة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسوم الكاريكاتيرية، إلا أن الجفري شارك مع عمرو خالد وطارق السويدان بخرق ذلك وزيارة الدنمارك وعقد مؤتمر حوار معهم!! وذلك في عام 2006م.

وقد علق د. القرضاوي على هذه الخطوة المستفزة بقوله: "إن هذا يشبه قول أحدهم لك (اللعنة على أبيك)، وردك عليه بالقول: (من فضلك لنتحاور)"، وأضاف أنه "قبل أن يدعونا إلى الحوار ندعوهم إلى الاعتذار".

3- عيادة الجفري للبابا شنودة بسبب مرضه، مع أنه لم يزر كثيراً من العلماء المسلمين!!

نشر موقع الجفري خبر زيارته للبابا شنودة في 6/10/2009، وأنه صرح لقناتي أغابي وCTV المسيحيتين أن زيارته للمقر البابوي "جاءت للاطمئنان على صحة قداسة البابا بعد عودته من رحلته العلاجية بالخارج من ناحية، ولأننا من ناحية أخرى أبناء منطقة واحدة نجتمع على قواسم كثيرة مشتركة...".

وأشاد الجفري بشنودة وما يوصف به من أنه "بابا العرب"؛ بأن "كثيراً من الألقاب تأتي ثمرة لمواقف، وأن للبابا شنودة موقفاً منذ أكثر من ثلاثين عاماً في منع أقباط الكنيسة الأرثوذكسية من الذهاب إلى القدس في ظل الاحتلال الغاشم، وهو نوع من المواقف التي تدل بحق على شخصية الرجل وانتمائه"  [http://www.alhabibali.com/news_details/ln/ar/newsid/177]، والعجيب أن الجفري اليوم يسير على عكس سياسة البابا شنودة عقب وفاته!! وهو ما سنفصل فيه لاحقاً.

وبعد وفاة شنودة عام 2012 سيشارك الجفري بنفسه في مجلس عزاء البابا شنودة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ويغرد على تويتر: أعزي إخواننا المسيحيين الأقباط بوفاة البابا شنودة الثالث [موقعه http://www.alhabibali.com/news_details/ln/ar/newsid/382].

والعجيب أن الكثير من علماء المسلمين الذين يخالفون الجفري مرضوا وماتوا ولم يزرْهم الجفري ولم يعزِّ فيهم ولم يغرد لمحبيهم!!

4- إقامة مركز د.عبدالله بن بيه والمركز العالمي للتجديد والترشيد مؤتمر "ماردين دار السلام" بتاريخ 27-28/3/2010، في مدينة ماردين بتركيا، وكان هدف المؤتمر هو: إيجاد وصف جديد للعلاقة بين الدول الإسلامية وغيرها، بدل الوصف القديم الوارد في كتب الفقه (دار سلام، ودار حرب)، سماه بـ "فضاء سلام"، أو "فضاء للتسامح والتعايش"  [مقال (مؤتمر ماردين 2010 دراسة ومناقشة) د. لطف الله بن ملا عبد العظيم خوجه، منشور على صفحته بموقع صيد الفوائد].

وطبعاً المؤتمر الصوفي سيعدل فتوى ابن تيمية السلفي، ولكنه من أجل ذلك يمارس التزوير والتحريف كما بين ذلك د.ناصر الحنيني في توضيحه أنه لم يوقع على البيان لوجود ملاحظات عليه.

وكانت الخلاصة التي خرج بها المؤتمر حصر الجهاد في حالة رد العدوان مع أنهم لم يستقدموا أحدا من علماء البلاد الإسلامية المحتلة!! وذلك كله تحت غطاء الرد على جماعات العنف والتطرف!!

ويبدو أن هذا المؤتمر سيشكل الخطوة التمهيدية لزيارة الجفري وعلي جمعة للقدس بعد عامين وتحديدا في 2012!!

5-  دعم علي جمعة وعلي الجفري لمبارك ضد ثورة الشعب المصري

إن تأييد علي جمعة لحسني مبارك استمر حتى اللحظة الأخيرة واعتبر أن ثورة المصريين خروج على الشرعية وأن فعلهم فتنة وحرام حرام  [http://www.youtube.com/watch?v=N-7sfAoPnQo]، أما الجفري فوصف المتظاهرين في ميدان التحرير بأنهم "فئة غوغائية"  [http://www.youtube.com/watch?v=SFGOU3B50mM].

6- دعم البوطي للمجرم بشار الأسد

وهذا الدعم والتأييد ليس له نظير ولا مثيل، ولا يزال البوطي يجرّم الثورة السورية ويصطف مع نظام بشار، ولا يكترث بآلاف القتلى والشهداء وسواهم من الجرحى والمهجرين، ولم يصدر عن مؤسسة طابة طوال أكثر من سنة من عمر الثورة إلا بيان بخصوص مقتل الشيخ أسامة الرفاعي ولم يسموا فيه القاتل!!

وطبعاً هم مشاركون للبوطي وبشار في هذه الجرائم لأنهم لم يتبرؤوا من النظام السوري ولا من البوطي، بل لا يزال البوطى يُستضاف ويؤخذ برأيه كما سنثبت لاحقاً.

 7- المشاركة في مؤتمر "التصوف منهج أصيل للإصلاح" بالقاهرة (24 - 26 /9/2011) برئاسة الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر والذي نظمته "أكاديمية الإمام الرائد لدراسات التصوف وعلوم التراث بالعشيرة المحمدية". وشارك فيه رموز مؤسسة طابة ومنهم البوطي برغم موقفه الشائن من الثورة السورية، مما يؤكد أن القضية موقف صوفي عام وليس خطأ فرديا!!

8- الإشراف على وقفية كرسي الإمامين الغزالي والرازي في القدس وعمان

تجسيداً لغاية المؤسسة من مخاطبة قادة الرأي تم اعتماد عدد من الهيئة الاستشارية للمؤسسة مشرفين علميين على الوقفية وهم: البوطي وعلي جمعة والجفري وعمر باحفيظ، وقد جعلوا من شروط أستاذ الكرسي أن يكون من أهل السنة والجماعة (الأشاعرة/ الماتردية)!!

حيث أوقف الملك عبد الله الثاني في 25/1/2012 مبلغ  مليوني دينار أردني لكل كرسي على حدة.

وتهدف الوقفية الأولى والتي سميت بـ"الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام الغزالي"، لتدريس فكر الإمام الغزالي ومنهجه في جامعة القدس والمسجد الأقصى المبارك  [http://www.aalalbayt.org/docs/120129-Ghazali-Chair-ARB.pdf].

أما غرض الوقفية الثانية والتي سميت بـ "الكرسي المكتمل لدراسة فكر الإمام الرازي" فهو تدريس فكر الإمام الرازي ومنهجه في الجامعة الأردنية وجامعة العلوم الإسلامية العالمية ومسجد الحسين بن طلال، وإنشاء جائزة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين للدراسات التي تتناول الإمام الرازي وفكره ومنهجه  [http://www.aalalbayt.org/docs/120116-Razi-Chair-ARB.pdf].

والعجيب أنهم في ديباجة وقفية كرسي الغزالى أشاروا إلى إقامة الغزالي بالقدس بنوع تقدير، رغم أن من أكبر المؤاخذات على الغزالي سكوته عن احتلال الصليبيين للقدس ومجزرتهم التي قتل فيها 70 ألف مسلم!! وأيضاً خلو كتابه "إحياء علوم الدين" من باب الجهاد وعدم إشارته بتاتاً لاحتلال القدس في كتبه رغم أنه عاش 12 عاماً بعد احتلاله!!

وكأن المقصود من بث فكر الغزالي اليوم وفي القدس هو السكوت عن احتلال القدس من قبل اليهود ونزع الجهاد من قلوب وعقول المسلمين، وذلك تمشياً مع مفاهيم الصوفية المنحرفة بالرضى بالاحتلال بوصفه قضاء الله الذي يجب قبوله، لأن الفاعل واحد بحسب عقيدة وحدة الوجود، وبسبب العقائد الجبرية التي تلبس بها الفكر الصوفي !!

قال د. زكي مبارك: "بينما كان بطرس الناسك يقضي ليله ونهاره في إعداد الخطب وتحبير الرسائل لحث أهل أوروبا على امتلاك أقطار المسلمين، كان الغزالي (حجة الإسلام) غارقاً في خلوته، منكباً على أوراده، لا يعرف ما يجب عليه من الدعوة والجهاد" [كتاب (الأخلاق عند الغزالي) ص25، بواسطة كتاب (أبو حامد الغزالي والتصوف) عبدالرحمن دمشقية، ص410].

وهنا نجد الملاحظات التالية:

أن المؤسسة نافذة بحيث تنفذ وتشرف على وقفيات الملك عبدالله الثاني.

أن المؤسسة ومن خلال هذه الوقفيات ستكون في موقع التوجيه والتأثير في الجامعات والباحثين وعموم الناس، وينفذون أجندة خاصة بهم قد لا تعرف بها السلطات الأردنية.

أن المؤسسة تعمل على إيصال رسائل خفية للغرب بالانفتاح والتعاون والسلام ونبذ الجهاد.

أن وقفية الغزالي بالقدس ستكون بوابة للتطبيع السياسي والديني مع إسرائيل، كما حدث في زيارة الجفري وعلي جمعة للقدس، بحجة تفقد الوقفية!!

  9 – زيارة القدس برضى الجيش الإسرائيلي

فاجأ الجفري المسلمين بزيارة مدينة القدس في 4/4/2012 دون سابق تمهيد، مما أثار ردود أفعال قوية ضده وضد زيارته، ولذلك كتب الجفري في موقعه يوضح دواعي الزيارة فقال: "عملاً بقول النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِي هَذَا، وَالمَسْجِدِ الْأَقْصَى"؛ وشوقاً إلى القبلة الأولى ومسرى الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم؛ واستجابة لدعوة الشيخ محمّد حسين، مفتي القدس والديار الفلسطينية، المسلمين لزيارة المسجد الأقصى نصرة له ودفاعاً عن قضيته وتأييداً لأهله المرابطين في وجه غطرسة الصهاينة وانتهاكاتهم ومخططاتهم لتهويد القدس وطمس هويّتها العربية الإسلامية، فقد شاورت بعض كبار علماء الأمة واستخرت الله تعالى في شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى فانشرح الصدر لذلك وتيسّرت أسبابه"  [http://www.alhabibali.com/news_details/ln/ar/newsid/391#tafaseel].

ولم تكد تفيق الأمة من الصدمة حتى رأت علي جمعة، مفتي مصر، يوم 18/4/2012 في القدس أيضاً!!

وزيارة علي جمعة أكدت ووضحت قول الجفري "شاورت بعض كبار علماء الأمة"، إذ لحق به جمعة ولم يفتِه فقط، ولذلك ننتظر الآن زيارة البوطي وبن بيه وعمر باحفيظ، فالمسألة مسألة وقت ليس إلا.

والعجيب أنه في الوقت الذي عارض فيه غالب العلماء من فلسطين وغيرها بل حتى الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية هذه الزيارات، وقف يؤيدها فقط مفتي أبو مازن والبوطي، والعجيب أن البوطى خطب الجمعة لتأييد زيارة القدس [صفحته على الفيس بوك http://ar-ar.facebook.com/Dr.albouti] برغم أن الحكومة السورية تعاقب أي فلسطيني يزور فلسطين وتمنعه من زيارة سوريا بحجة دعم فلسطين!! فاحترنا من نصدق! وعرفنا مدى تلون البوطي وكونه مفتيا تحت الطلب.

ورغم أن الجفري كان يثني على البابا شنودة بسبب منعه من زيارة القدس، نراه اليوم ينسجم مع قوافل الأقباط التي زارت القدس عقب وفاة البابا، فهل كان  الجفري يخشى غضب البابا؟؟

ولماذا يقبل الجيش الإسرائيلي بزيارة الجفري وعلي جمعة للقدس، في الوقت الذي يمنع فيه الشيخ رائد صلاح من دخولها؟ ويمنع فيه غالب الفلسطينيين الذين تقل أعمارهم عن الخمسين؟ وتمنع قوافل المؤيدين لفلسطين والقدس من نشطاء العالم من تجاوز صالة المطار بتل أبيب؟؟ وكيف يصح القول بعد ذلك أن هذه الزيارة دعم لفلسطين والقدس وأهلها؟؟ 

ومن الملفت للنظر أن الشيعة وحزب الله وقنوات المنار والعالم لم تنتقد الجفري ولا علي جمعة على هذه الزيارة ولا مؤتمر نصرة القدس في دمشق!!!

10- مؤتمر "نصرة القدس" بدمشق 10/4/2012

وهو اليوم الذي كان يفترض فيه بدء وقف إطلاق النار بحسب مبادرة كوفي عنان، عقد هذا المؤتمر من قبل رابطة علماء الشام برئاسة وزير الأوقاف السوري ومشاركة البوطي، وكانت أبرز توصياته:

* تأييد بشار الأسد ضد الثورة السورية.

* إنشاء اتحاد لعلماء الشام برئاسة البوطى!!

* عدم إنكار زيارة الجفري القدس، وذلك لأن للجفرى نفوذاً كبيراً في رابطة علماء الشام، والتي تعد مقربة من حزب الله.



الخاتمة:

نعتقد أن الحقائق السابقة تؤكد وجود مشروع صوفي عابر للدول العربية يعمل على تحقيق هدفين:

1- نشر ثقافة صوفية تصالحية مع أعداء الأمة، وممارسة هذه الثقافة من خلال التطبيع الثقافي والسياسي والديني.

2- خدمة الأنظمة القائمة ولو كانت مجرمة كنظام بشار، وذلك لترسيخ وجودها المهدد إذا وصلت فصائل الصحوة الإسلامية للسلطة.

ونلاحظ أن جميع رموز مؤسسة طابة مشتركون في كل أعمال الخيانة والعمالة التي يقوم بها بعضهم، لكونهم لا يزالون للحظة لم يتبرأ أي منهم من أي تصرف خياني أو شخص أجرم بحق أمته، بل لا يزالون يتعاونون معاً.



أسامه شحادة
16 جمادى الآخر 1433 هـ
موقع مجلة البيان الالكتروني