15‏/03‏/2012

القرامطة

التعريف:

القرامطة حركة باطنية هدامة تنتسب إلى شخص اسمه حمدان بن الأشعث ويلقب بقرمط لقصر قامته وساقيه وهو من خوزستان في الأهواز ثم رحل إلى الكوفة. وقد اعتمدت هذه الحركة التنظيم السري العسكري، وكان ظاهرها التشيع لآل البيت والانتساب إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق وحقيقتها الإلحاد والإباحية وهدم الأخلاق والقضاء على الدولة الإسلامية.

التأسيس وأبرز الشخصيات:

 يتضح لنا تطور الحركة من خلال دراسة شخصياتها الذين كانوا يظهرون الإسلام ويبطنون المجوسية وتركوا أثراً بارزاً على سيرهم وتشكلها عبر مسيرة طويلة من الزمن:

ـ بدأ عبد الله بن ميمون القداح رأس الأفعى القرمطية بنشر المبادئ الإسماعيلية في جنوب فارس سنة 260هـ.

ـ ومن ثم كان له داعية في العراق اسمه الفرج بن عثمان القاشاني المعروف بذكرويه الذي أخذ يبث الدعوة سراً.

ـ وفي سنة 278 هـ نهض حمدان قرمط بن الأشعث يبث الدعوة جهراً قرب الكوفة ثم بنى داراً سماها دار الهجرة وقد جعل الصلاة خمسين صلاة في اليوم.

ـ هرب ذكرويه واختفي عشرين عاماً، وبعث أولاده متفرقين في البلاد يدعون للحركة.

ـ استخلف ذكرويه أحمد بن القاسم الذي بطش بقوافل التجار والحجاج وهزم في حمص وسيق ذكرويه إلى بغداد وتوفي سنة 294هـ.

ـ التف القرامطة في البحرين حول الحسن بن بهرام ويعرف بأبي سعيد الجنابي الذي سار سنة 283هـ البصرة فهزم.

 قام بالأمر بعده ابنه سليمان بن الحسن بن بهرام ويعرف بأبي طاهر الذي استولى على كثير من بلاد الجزيرة العربية ودام ملكه فيها 30 سنة، ويعتبر مؤسس دولة القرامطة الحقيقي ومنظم دستورها السياسي الاجتماعي، بلغ من سطوته أن دفعت له حكومة بغداد الإتاوة ومن أعماله الرهيبة أنه:

ـ فتك هو ورجاله بالحُجاج حين رجوعهم من مكة ونهبوهم وتركوهم في الفقر حتى هلكوا.

ـ ملك الكوفة أيام المقتدر 295ـ 320هـ لمدة ستة أيام استحلها فيها.

ـ هاجم مكة عام 319هـ، وفتك بالحجاج، وهدم زمزم، وملأ المسجد بالقتلى، ونزع الكسوة، وقلع البيت العتيق، واقتلع الحجر الأسود، وسرقه إلى الأحساء، وبقي الحجر هناك عشرين سنة إلى عام 339هـ.

 توفي سليمان فآلت الأمور لأخيه الحسن الأعصم الذي قوي أمره واستولى على دمشق سنة 360هـ، ثم توجه إلى مصر ودارت معارك له مع الخلافة الفاطمية، لكن الأعصم ارتد وانهزم القرامطة وتراجعوا إلى الأحساء.

 خلع القرامطة الحسن لدعوته لبني العباس، أسند الأمر إلى رجلين هما جعفر وإسحاق اللذان توسعا ثم دار الخلاف بينهما وقاتلهم الأصفر التغلبي الذي ملك البحرين والأحساء وأنهى شوكتهم ودولتهم.

 وللمجتمع القرمطي ملامحه المتميزة إذ تشكلت في داخله أربع طبقات اجتماعية متميزة:

ـ الطبقة الأولى: وتسميهم رسائل إخوان الصفا " الإخوان الأبرار الرحماء " وتشمل الشبان الذين تتراوح أعمارهم بين خمس عشرة وثلاثين سنة. وهم ممن على استعداد لقبول الأفكار القرمطية عقيدة وتمثلاً في نفوسهم.

ـ الطبقة الثانية: ويعرفون بـ "الإخوان الأخيار الفضلاء " وتشمل من كانت أعمارهم بين الثلاثين والأربعين سنة وهي مرتبة الرؤساء ذوي السياسات، ويكلفون بمراعاة " الإخوان " وتعهدهم وإظهار العطف عليهم ومساعدتهم.

ـ الطبقة الثالثة: وتشمل أولئك الذين هم بين الأربعين والخمسين من العمر، ممن يعرفون الناموس الإلهي وفق المفهوم القرمطي ويتمتعون بحق الأمر والنهي ودعم الدعوة القرمطية ودفع خصومها، وهؤلاء هم الذين ألفوا الرسائل العقائدية القرمطية وعمموها في الآفاق.

ـ الطبقة الرابعة: ويطلق على أصحاب هذه الطبقة اسم " المريدون " ثم " المعلمون " ثم " المقربون " إلى الله وتشمل من تجاوزت أعمارهم الخمسين سنة؛ وهي أعلى المراتب القرمطية، من يبلغها يكون في نظر هذه الفرقة من الناموس والطبيعة ويصبح من أهل الكشف اللدني إذ يستطيع رؤية أحوال القيامة من البعث والنشور والحساب والميزان

الأفكار والمعتقدات:

 حينما قام القرامطة بحركتهم أظهروا بعض الأفكار والآراء التي يزعمون أنهم يقاتلون من أجلها، فقد نادوا بأنهم يقاتلون من أجل آل البيت، وإن لم يكن آل البيت قد سلموا من سيوفهم.

 ثم أسسوا دولة شيوعية تقوم على شيوع الثروات وعدم احترام الملكية الشخصية.

 يجعلون الناس شركاء في النساء بحجة استئصال أسباب المباغضة فلا يجوز لأحد أن يحجب امرأته عن إخوانه وأشاعوا أن ذلك يعمل زيادة الألفة والمحبة (وهذا ما كان عليه المزدكيون الفارسيون من قبل).

 إلغاء أحكام الإسلام الأساسية كالصوم والصلاة وسائر الفرائض الأخرى.

 استخدام العنف ذريعة لتحقيق الأهداف.

 يعتقدون بإبطال القول بالمعاد والعقاب وأن الجنة هي النعيم في الدنيا والعذاب هو اشتغال أصحاب الشرائع بالصلاة والصيام والحج والجهاد.

 ينشرون معتقداتهم وأفكارهم بين العمال والفلاحين والبدو الجفاة وضعفاء النفوس وبين الذين يميلون إلى عاجل اللذات، وأصبح القرامطة بذلك مجتمع ملاحدة وسفاكين يستحلون النفوس والأموال والأعراض.

 يقولون بالعصمة وإنه لا بد في كل زمان من إمام معصوم يؤول الظاهر ويساوي النبي في العصمة، ومن تأويلاتهم:
ـ الصيام: الإمساك عن كشف السر.
ـ البعث: الاهتداء إلى مذهبهم.
ـ النبي: عبارة عن شخص فاضت عليه من الإله الأول قوة قدسية صافية.
ـ القرآن: هو تعبير محمد عن المعارف التي فاضت عليه ومركب من جهته وسمي كلام الله مجازاً.

 يفرضون الضرائب على أتباعهم إلى حد يكاد يستغرق الدخل الفرديَّ لكل منهم.

 يقولون بوجود إلهين قديمين أحدهما علة لوجود الثاني، وأن السابق خلق العالم بواسطة التالي لا بنفسه، الأول تام والثاني ناقص، والأول لا يوصف بوجود ولا عدم فلا هو موصوف ولا غير موصوف.

 يدخلون على الناس من جهة ظلم الأمة لعلي بن أبي طالب وقتلهم الحسين.

 يقولون بالرجعة وأن علياً يعلم الغيب فإذا تمكنوا من الشخص أطلعوه على حقيقتهم في إسقاط التكاليف الشرعية وهدم الدين.

 يعتقدون بأن الأئمة والأديان والأخلاق ليست إلا ضلالاً.

 يدعون إلى مذهبهم اليهود والصابئة والنصارى والمجوسية والفلاسفة وأصحاب المجون والملاحدة والدهريين، ويدخلون على كل شخص من الباب الذي يناسبه.

الجذور الفكرية والعقائدية:

 فلسفتهم مادية تسربت إليها تعاليم الملاحدة والمتآمرين من أئمة الفرس.

 تأثروا بمبادئ الخوارج الكلامية والسياسية ومذاهب الدهرية.

 يتعلقون بمذاهب الملحدين من مثل مزدك وزرادشت.

 أساس معتقدهم ترك العبادات والمحظورات وإقامة مجتمع يقوم على الإباحية والشيوع في النساء والمال.

 فكرتهم الجوهرية هي حشد جمهور كبير من الأنصار ودفعهم إلى العمل لغاية يجهلونها.

الانتشار ومواقع النفوذ:
دامت هذه الحركة قرابة قرن من الزمان، وقد بدأت من جنوبي فارس وانتقلت إلى سواد الكوفة والبصرة وامتدت إلى الأحساء والبحرين واليمن وسيطرت على رقعة واسعة من جنوبي الجزيرة العربية والصحراء الوسطى وعمان وخراسان. وقد دخلوا مكة واستباحوها واحتلوا دمشق ووصلوا إلى حمص والسلمية. وقد مضت جيوشهم إلى مصر وعسكرت في عين شمس قرب القاهرة ثم انحسر سلطانهم وزالت دولتهم وسقط آخر معاقلهم في الأحساء والبحرين. هذا ومما يلاحظ الآن أن هناك كتابات مشبوهة تحاول أن تقدم حركة القرامطة وغيرها من حركات الردة على أنها حركات إصلاحية وأن قادتها رجال أحرار ينشدون العدالة والحرية.

ويتضح مما سبق:
أن هذه الحركة كان هدفها محاربة الإسلام بكل الوسائل وذلك بارتكاب الكبائر وهتك الأعراض وسفك الدماء والسطو على الأموال وتحليل المحرمات بين أتباعهم حتى يجمعوا عليهم أصحاب الشهوات والمراهقين وأسافل الناس، وتعتبر عقائدها نفسها عقائد الإسماعيلية في خلاف في بعض النواحي التطبيقية التي لم يستطيع الإسماعيلية تطبيقها خوفاً من ثورة الناس عليهم ويخرجهم من الإسلام عقائدهم التالية:

أولاً: اعتقادهم باحتجاب الله في صورة البشر.
ثانياً: قولهم بوجود إلهين.
ثالثاً: تطبيقهم مبدأ إشاعة الأموال والنساء.
رابعاً: عدم التزامهم بتعاليم الإسلام في قليل أو كثير.
خامساً: فساد عقيدتهم في الوحي والنبوة والرسالة.
سادساً: انتهاكهم حرمات الإسلام بالاعتداء على الحجيج واقتحام الكعبة ونزع الحجر الأسود ونقله إلى مكان آخر.
سابعاً: إنكارهم للقيامة والجنة والنار. 

-------------------------------------
مراجع للتوسع:
ـ كشف أسرار الباطنية وأخبار القرامطة، محمد بن مالك الحمادي اليماني.
ـ تاريخ الجمعيات السرية والحركات الهدامة، محمد عبد الله عنان.
ـ تاريخ المذاهب الإسلامية، محمد أبو زهرة.
ـ المؤامرة على الإسلام، أنور الجندي.
ـ القرامطة، عبد الرحمن بن الجوزي.
ـ إسلام بلا مذاهب، الدكتور مصطفى الشكعة.
ـ الملل والنحل، لأبي الفتح الشهرستاني.
ـ فضائح الباطنية، لأبي حامد الغزالي.
ـ الفرق بين الفرق، عبد القاهر البغدادي.
ـ دراسات في الفرق والمذاهب القديمة والمعاصرة، عبد الله الأمين.

إعداد الندوة العالمية للشباب الإسلامي

موقع صيد الفوائد

09‏/03‏/2012

فتوى الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح في النظام السوري


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على إمام النبيين وقائد الغر المحجلين؛ نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد


·
فبما أخذ الله تعالى من الميثاق على العلماء، فإن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح تفتي بكفر النظام السوري الطائفي وإباحة دم رأس هذا النظام المجرم الذي ولغ في دماء السوريين، وأهان المصحف الشريف، واعتدى على حرمات المساجد، وأزهق الأرواح المعصومة، وأتلف الأموال المصونة، وتجبَّر واستكبر في الأرض بغير الحق.

وتدعو الهيئة كل قادر من أفراد الجيش والشرطة أن يتولى هذا الشرف بنفسه دفاعًا عن دينه وعرضه وأمته، والمقتول في هذا الجهاد بإذن الله تعالى نحتسبه من الشهداء {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169].


·
كما تفتي الهيئة الشرعية وحدات الجيش السوري المسلم بالانفصال عن جيش النظام الفاجر والانضمام إلى الجيش السوري الحر، وتدعو الهيئة الشرعية الأمة الإسلامية بحكوماتها وهيئاتها المختلفة إلى إمداد الجيش الحر بالسلاح والمال والدعاء في الأسحار! قال تعالى: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ} [الأنفال: 72].


·
وتجدد الهيئة ما سبقت الفتيا به لأفراد الجيش النظامي وقياداته بأن كل من قَتل أو أَمر بالقتل أو أعان عليه -بغير حق- فقد أتى ما يهدر به دمه، وتحل به عقوبته في الدنيا والآخرة، لا فرق بين حاكم ومحكوم أو قائد وجنود، وقد قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: 38].


·
ومع تأكيد الهيئة على سلمية المظاهرات والمطالبات إلا أن لكل فرد من الأفراد المدنيين أن يدفع العدوان عن نفسه وأهله وعرضه وماله، والمقتول دون ذلك نحتسبه عند الله من الشهداء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مَن قُتل دون ماله فهو شهيد, ومَن قُتل دون أهله فهو شهيد, ومَن قُتل دون دينه فهو شهيد, ومَن قُتل دون دمه فهو شهيد" [رواه أحمد والنسائي].


·
وأخيرًا فإن على علماء السلطان وعمائم الطغيان ورءوس الفتنة والبدعة أن يستقيلوا من وظائفهم، ويتبرَّءوا من ممالأة الكفر والإجرام، وألا يبيعوا دينهم وآخرتهم بدنيا قد أدبرت عن غيرهم.

وليذكروا أن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ومقته يهوي بها في النار سبعين خريفًا، ويلقى الله تعالى وهو عليه ساخط، قال تعالى {وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد : 38].

اللهم انصر أهل الإسلام والسنة في سوريا، واشدد بأسك ووطأتك على النصيرية، وهيِّئ لها يدًا من السنة حاصدة، وعجِّل بفرج المظلومين، وانتصر لدماء المسلمين، ومكِّن لعبادك المخلصين، وجندك الغالبين، إنك أكرم الأكرمين وأرحم الراحمين.



7 ربيع الآخر 1433 هـ / 29 فبراير 2012



لجنة الفتوى بالهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح


رئيس لجنة الفتوى
الأستاذ الدكتور علي أحمد السالوس
رئيس الهيئة الشرعية



نائب رئيس اللجنة
الشيخ مصطفى محمد مصطفى
عضو مجلس الأمناء

مقرر اللجنة
الدكتور محمد يسري إبراهيم
الأمين العام

الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح



03‏/03‏/2012

الأستاذ الأسواني..هل هناك متدينون حقا؟


بسم الله.. الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد..



فمقالة الأستاذ علاء الأسواني الأخيرة، (هل أنتم متدينون حقا..؟!)، كالعادة أثارت نفس الجدل، ليس بسبب عنوانها ولا مضمونها، ولكنها -كأغلب مقالاته- تضع الناس في حيرة، وتُعجزهم عن تصور منظومة القيم التي ينطلق منها الأستاذ، ذلك أنك تجده يضرب المثل الرائع في الدفاع عن الحريات ونصرة المظلومين على طول الخط، فإذا ما تكلّم عن (المتدينين) أو عن (جماعات الإسلام السياسي) على حد تعبيره، لم تر من مبادئه تلك شيئا، بل أحيانا تجده –عمليا- يتبنى خلافها!



الذي أراه، والله تعالى أعلم، أن مَكمن الإشكال يتمثل في كون الأستاذ محمّلا بفكرتين أو ظاهرتين يسعى لعلاجهما، الأولى: (الاستبداد وكبت الحريات)، والثانية: (التدين الظاهري)، ولكن إن سألت: أيهما أشد سطوة على عقله وفكره، لأجبتك وبكل ثقة: الثانية (التدين الظاهري) بلا ريب، فهي لا تفارق خياله، وليس في هذا كبير إشكال في حد ذاته.



إنما يتمثل الإشكال الأخطر، في كون هذا الغلو وهذه المبالغة في ردة فعله تجاه ظاهرة (التدين الظاهري أو السطحي)، يدفعه ويحمله على معالجة هذه القضية بطريقة مجافية تماما للمهنية والإنصاف والموضوعية، فتجده يناقض نفسه، ويفرّق بين المتماثلات، ويكيل بمكيالين، ويلقي كلاما مرسلا بلا دليل، ويتهم خلق الله بغير بينة، ويقتطع المواقف التي تنصر رؤيته، ويترك غيرها الذي يأتي عليها بالنقض، ويُقصي مخالفه بصورة ظاهرة، إلى غير ذلك من المسالك، التي لابد وأن تقترن بالغلو في معالجة أي ظاهرة، وإن صلحت النية.



وقد كثرت مظاهر هذا الإشكال في مقالات ومواقف الأستاذ، وأضحت ملحوظة جدا، وإني ذاكر لك بعضا من ذلك على سبيل المثال:



-موقفه من قضية لحية ضباط الشرطة:

قضية حقوقية مكتملة الأركان، وددنا لو انتفض الأستاذ لنصرة الطرف الأضعف فيها، لا سيما وهذا الطرف لا يعارض قانونا ولا يؤذي موطنا! ولا سيما –أيضا- والطرف الأقوى فيها، هو ألدّ أعداء الأسواني، وزارة الداخلية، رمز القهر وتكميم الأفواه!



ولكنك تجد الأستاذ هنا يصدمك، ويفاجئك، ليس فقط بالتخلي عن الطرف الأضعف، ولكن بمحاولة تشويه صورته!



ولا يكون الأمر صادما، إذا وقفت على سببه، ذلك أن تعارضا هنا قد حدث في ذهن الأستاذ بين القضيتين الكبرتين عنده، (الاستبداد) –متمثلا في وزارة الداخلية وما اتخذته من إجراءات تجاه الضباط- و(التدين الظاهري) –متمثلا في الضابط الذي قرر إطلاق لحيته، فطاشت الأولى، وبرزت الثانية، وخرج موقف الأستاذ بالصورة التي رأيتها، ليقف مناهضا للمظلوم، وليحتج بأمور تخالف منظومة قيمه بل وتنسفها، مثل قوله: (ليس هذا وقته)، وكأن الحرية التي دافع عنها الأستاذ وثار الشعب من أجل تحصيلها لا يستحقها المواطن إلا في أوقات دون أوقات، وبإذن مسبق من السادة المسئولين!



وإن كان حلق اللحية من القواعد المستقرة في الداخلية، فكذلك كان التجسس على النشطاء وتعذيب المعتقلين عرايا بالكهرباء، فهل يحتج بمثل ذلك؟



ومن الأمثلة أيضا، موقفه من نتيجة الانتخابات البرلمانية:



هذا العُرس الذي جسد أروع مظاهر الحرية التي دافع عنها الأستاذ، احتفل فيه ملايين المصريين –عمليا- بزوال الطغيان، وكان حري بالأستاذ أن يكتب عنه عشرات المقالات، مادحا هذا الشعب، الذي أصر على الوقوف في الطوابير بالساعات ليدلي بصوته، ما أبهر العالم، وتناقلت صوره وسائل الإعلام العالمية قاطبة.



ولكن لما أسفرت نتائج هذه الاحتفالية عن فوز لأصحاب (التدين الظاهري) في نظر الأستاذ، تلاشت كل المظاهر الإيجابية في هذا اليوم من ذهنه، وكأن الفرحة ما تمت! ووجدنا رجلا مختلفا بالكلية، ينزل بمستوى طرحه إلى ترديد ما يشغّب به قوم من أدنى الناس مهنية وموضوعية، فلا يذكر قضية الانتخابات إلا ويصفها بأنها كانت (نزيهة، ولكن غير عادلة!)، وذلك للسببين المشهورين:



-استغلال الإسلاميين لفقر الناخبين، وشرائهم أصواتهم بالسمن والزيت! (مع أنه لا يزال يوزّع حتى اللحظة).



-الشعارات الدينية التي خدع بها الإسلاميون الناخبين!



فتعجب.. كيف ينادي الأستاذ بحق الشعب في الانتخاب، ويمتدح نبله وكرامته أن قام بهذه الثورة المباركة، ثم يتهمه ببيع ضميره من أجل علبة سمن؟ ولماذا يخص الإسلاميين بهذا الاتهام، مع أن ممول حملات "الكتلة المصرية" رجل تنوء مفاتح كنوزه بالعصبة أولي القوة، أنفق ما لم ينفقه إسلاميو مصر مجتمعين، ثم باء في النهاية بالخسران، فذهب يستعدي الغرب على أبناء وطنه!



وانظر أيضا كيف يسيء لأبناء وطنه، إذ يرمي أغلبيتهم بالانحطاط إلى أسفل دركات السَفَه والجهل، حيث تم خداعهم بشعارات (الجنة) و(رضا الله)، فصوتوا على الفور لمن رفعها!



المحزن، أن يستقبح هذا التعليل كتاب المجلات الأجنبية ويعتبرونه إهانة للشعب المصري، بينما لا يجد كتاب الوطن –فضلا عن أديب الثوّار!- غضاضة في ترداده مرة كل أسبوع! وتأمّل معي هذا الكلام للكاتب بوبي جوش، الكاتب في مجلة (تايم):



“And to argue that voters were hoodwinked by the Islamists is to suggest that the majority of the electorate are gullible fools. This tells you something about the attitude of liberal politicians toward their constituency”



"وأن تجادل بأن الناخبين قد تم خداعهم من قبل الإسلاميين، هو ادعاء أن أغلبية المصوتين سذاج مغفلون. هذا يوضح لك شيئا من سلوك السياسيين الليبراليين تجاه جمهور ناخبيهم"..



مقال بعنوان:

(Why Islamists are Better Democrats), TIME Magazine, Dec 19, 2011



ثم إن خداع الناخبين لا يكون فقط باسم الدين، بل يكون باسم أي شيء معظّم عند الناخب، فلا عليك إن أردت أن تخادع هذا الشعب "المغفّل"، إلا أن تدعي الارتباط بين الخيار الذي يؤيده، وبين هذا الشيء المعظّم، (كالثورة) مثلا، أو (العدل)، أو (العقل والمنطق)، مع ربط خيار المخالف بما تنفر منه النفوس وتستقبحه، (كالحزب الوطني) أو (الفلول) أو (القهر)، وهذا ما مارسه الأسواني بنفسه قبل استفتاء 19 مارس، يوم قال:



" وها نحن نرى الإخوان يكررون أخطاءهم من جديد فيقفون مع الحزب الوطني في الخندق نفسه ويؤيدون التعديلات الدستورية التي يعلمون جيدا أنها معيبة وستؤدى إلى عرقلة الديمقراطية وتضييع مكاسب الثورة.." ..مقال (خمسة مواقف من الثورة – المصري اليوم – 15 مارس 2011).





ومن ذلك، قضية موقف الإسلاميين من الثورة..



يظهر نفس الإشكال بحذافيره، فهو يتكلم عن هذا المرض الاجتماعي (الانفصال بين العقيدة والسلوك)، ثم يقرر أنه انتقل إلى جماعات الإسلام السياسي، ويدلل على ذلك بموقفهم من الثورة، إذ يدعي أن معظم المنتمين إلى تيار الإسلام السياسي لم يشاركوا في الثورة، ثم يقسمهم إلى إخوان وسلفيين، ثم يدّعي أن الإخوان لم يشاركوا الثوار إلا بعد انسحاب الشرطة..



والذي يعرفه ثوار مصر أجمعون، أن التكليف قد صدر من قيادات الإخوان بالنزول مساء الخميس 27 يناير، ليلة جمعة الغضب، وأن الإخوان انتشروا في مساجد مصر في هذا اليوم المشهود، ولم يحشد أحد معشار ما حشدوا، وقدموا من دماء شبابهم الطاهر على كوبري قصر النيل ما لم تقدّم معشاره (النخبة).



وهب أن الإخوان لم يشاركوا في الثورة أصلا، أفنسي الأسواني صولات البلتاجي في البرلمان وسط سرور وعز وجنودهما؟! أم نسي مصادرة أموال الشاطر، وسجن العريان، واعتصام الكتاتني، وتصدّي الكتلة الإخوانية لقانون الطوارئ؟!



أما موقف السلفيين من الثورة، فأضحى أشهر من أن يفصّل، وخلاصته: أن رموز السلفيين اختلفوا بين مؤيد (للمشاركة) في الثورة وبين محجم عن ذلك، وما عارضها أحد أو نهى عنها، فضلا عن أن يتفوه أحدهم بتحريم المظاهرات مطلقا، فضلا عن أن يكون ذلك من أجل عيون الحاكم! بل شارك رموز سلفي القاهرة عن بكرة أبيهم (عبد المقصود – فوزي السعيد – نشأت أحمد – أبو الأشبال – محمد يسري)، ولو فشلت الثورة لعلّق هؤلاء على المشانق، ولسَلِم غيرهم. وقد سُجنوا وسُجن أتباعهم ونكّل بهم أشد التنكيل زمان المخلوع، فتعجب: كيف يُرمى هؤلاء بالعمالة لدول الخليج –حلفاء مبارك-، بينما يسلم من هذه التهمة من كان ينكر على النظام بصورة واضحة، وربما لم يُستدع إلى مكاتب التحقيق يوما؟



ولماذا يتقصّد هذه الطائفة بالنقد، مع أن أحدا من رموزهم لم يتورط على الأقل في الثناء على نظام مبارك، خاصة أولئك الذين يمثلون المرجعيات الشرعية للأحزاب السلفية الآن، ومع ذلك، (فهولوكوست) الأسواني دوما يطلب المزيد منهم، بينما تجد الرفق وغض الطرف بالكلية عن طائفة الإعلاميين، التي تورط جميع أفرادها تقريبا في الثناء على مبارك قبل الثورة وحتى أثناء الثورة! حتى قالت قائلتهم قبل موقعة الجمل بساعات، تصف موقف المخلوع، والدموع في عينيها: (هذا الرجل حافظ على مصر)! أفلا يستحق هؤلاء مقالا واحدا، يفضح تلونهم؟ أم أن العمود الأسبوعي قد خُصص سلفا لغرض معين؟



ونحن إذ نقر بوجود هذه الظاهرة، التدين السطحي الظاهري، إلا أننا في ذات الوقت نرفض هذا التهوين من شأن الظاهر، والمبالغة في إنكاره، إلى حد أن يرمي كل من تلبّس به بالسطحية، فإن كانت هذه الأمور من القشور كما يعبّرون، فإن سنة الله تعالى في خلقه، أن الثمرة لا تحيا إلا بقشرتها، فإن نزعت عنها، فسدت على الفور، فهل ترى أهم من هذه الوظيفة، لهذه (القشرة)؟! إن العيش بدون قشور غير متصور أصلا، فإما قشرتنا الإسلامية، وإما قشرة غيرنا..



كما أن إثارة القضية بهذه الطريقة، والإصرار على تقسيم الدين إلى جوهر وقشور، ليفتح الباب على مصراعيه لكل أحد، ليضع ما لا يهواه في جملة (القشور) وما يهواه في جملة (الجوهر)، إذ ليس في الكتاب أو السنة حدا فاصلا يستطيع أن يميز به الإنسان العامي بين ما هو من قبيل (الجوهر) وما هو من قبيل (القشور)، حتى يؤول بنا الأمر إلى العجز عن الإنكار على مثل مسيلمة الكذاب، الذي عد الصلاة من (القشور)، وقال: اذكروا الله في أي حال، ما يصنع الله بتعفير وجوهكم؟



وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم صحابته سنن دخول الخلاء، مع أنه كان في جهاد متواصل، وأخطار محدقة، وفتن لا تنقطع، وظروف أعسر مما نمر به عشرات المرات.



في الواقع، فإن هذا الهجوم المتواصل يجعل الناس تشك في نية المهاجمين، إذ العقل يرفض أن يدعي إنسان أو طائفة أو مسئول أن اللحية –مثلا- من (القشور)، التي لا ينبغي الانشغال بها، ثم يشغل هو نفسه ويقف هو بالمرصاد لكل من قرر أن يلتحي!



وكان بإمكان الأستاذ أن يتناول الجانب المشرق في هذا (التدين الظاهر)، وهو أنه دليل على شجاعة هذا الشخص وإصراره على تطبيق ما يراه حقا، وإن رآه غيره غريبا، وتصوّر حالنا أيام المخلوع، إذ كان الشاب منا يعلم أنه يوم يطلق لحيته، فقد صار غرضا لسهام أمن الدولة، وصار بيته (كالاستراحة) لزوار الفجر، ومع ذلك يطلقها ويصبر على أذى عظيم واعتقال وقطع للأرزاق، عافى الله منه من لم يتجشم هذا العناء، فهم إذن أهل صدق وإخلاص، وأصحاب قضية بلا شك، وإن كان الأمر كذلك، فإصلاح الخلل الذي يراه الأستاذ يسير إن شاء الله..



وبعد هذا كله، فإننا نسأل الأستاذ..



هل هناك متدينون حقا؟



هل تخلو مصر من هذا النموذج الذي ينشده الأسواني، ذاك الشخص الذي جمع بين (التدين الظاهر) و(التدين الباطن) إن صح التعبير؟



إن لم يكن الأستاذ يعرفهم، فهو لا يعيش في مصر، وما أيسر أن نصدّر آلاف المقالات بقصص هؤلاء، لنعرّفه بهم، من مهندس يُضرب به المثل في الإتقان والتفاني في العمل، أو مدير مسئول، لا يظلم عنده أحد، أو قاض عادل، أو طبيبة مخلصة، أو معلّمة متفانية في تربية الأجيال، مقابل راتب قد ينفقه أحدنا في وجبة عشاء! وكلهم وكلهنّ قد أحسنوا ظاهرهم، كما أحسنوا باطنهم.. فلماذا لا يذكرهم الأستاذ في روايته، أو مقالاته أو حتى في (تويتاته)؟!



هل سنظل نعاني بعد الثورة، التي قامت لإزاحة الإقصائية من الوجود، من مثقفين وإعلاميين يحرصون على تصوير أدق تفاصيل المجتمع، فإذا ما جاء الحديث عن (المتدين)، لم نره في أدبياتهم إلا (إرهابيا متطرفا) أو (نصابا في شركة توظيف للأموال) أو (درويشا في حلقة ذكر)؟



إننا ننتظر من الأستاذ الكريم -وأنا ممن يراه صاحب قضية- أن يكتب لنا رواية عن هذا البطل الملتحي، الذي ارتدى جلبابه الأبيض (أقصى درجات التدين الظاهري!)، ثم وقف يصلي بالناس يوم جمعة الغضب على كوبري قصر النيل، والمياه الكبريتية تلهب جسده، والخراطيش تمطره وإخوانه، وجموع الثوار كلها من خلفه، والله أعلم، هل نال الشهادة أم رزقه الله شهود النصر! ألا يستحق هذا البطل شيئا من التكريم أو الثناء، يجود به قلم الأسواني؟



وننتظر منه أن يعرّف الناس بهذا الشاب الذي أبهر الناس باختراعه، لتثني عليه قامة علمية في وزن فاروق الباز، ولحيته تزيّن وجهه، كما تزينه ابتسامته التي لا تفارقه..



إن هذا ما ننتظره منك يا من رزقه الله هذه الموهبة، وابتلاه فيها، أن تستغلها في إبراز النموذج الصالح، فهذه أنجع وسائل الإصلاح، إذ الناس مفطورون على التأسي بمثال، لو رأوه متجسدا أمامهم، لحصل بذلك الخير الكثير، فهذا أنفع بمراحل من الانشغال بجلد النموذج الفاسد، في كل شهر مرة أو مرتين.



إننا نطالبه بجوهر الإسلام بحق، الذي هو بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم (الدين النصيحة)، فلينصحنا ولينصح أي أحد يرى خللا في سلوكه، فهذا من إنكار المنكر الذي يؤجر عليه إن شاء الله، وتبرأ به أمام الله ذمته، دون أن يشهّر به على صفحات الجرائد، فحق إنكار المنكر مكفول للجميع، بل هو واجب الجميع، حتى تنهض الأمة وتتنزل عليها بركات الله، وما جعل الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه..



نطمع من الأستاذ أن يكون له في نبي الإسلام -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة، الذي كان يأتيه الشاب يستأذنه في الزنا، فيقرّبه إليه ويقول: (أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك؟)



لا ينبغي أن يكوّن الأستاذ تصورا معينا لجوهر الإسلام، ثم ينشغل بالحكم على الناس، أيهم أقرب إلى تصوره، ومن حاد عنه قيد أنملة، سن قلمه وشرع في سلخه.



هذا وقت إصلاح ونهوض وتكاتف للجهود، والتحدي في البناء، إذ الهدم يحسنه كل أحد، أما البناء، فتفنى فيه الأعمار، لا يقوى عليه إلا من أخلص وجهه لله، وعمل ابتغاء مرضاته، وكان صاحب قضية، والأستاذ الأسواني –إن شاء الله- منهم.



والحمد لله رب العالمين.







كتبه: خالد خطاب

رابطة النهضة والإصلاح

الإثنين 5 ربيع الثاني 1433 هـ - 27 فبراير 2012 م