31‏/10‏/2009

نافذة على عالم البشر

لو قُدِّرَ لبعضنا أن يُطِل من نافذة تُشرِف على عالم البشر في كل الأزمنة والأمكنة، فإنه سيرى أخلاطاً مُتباينة، واتجاهات مختلفة، وأنماطاً مُتفاوتة، وسيرى الناس يسيرون في دروب كثيرة مُتعرجة حيناً، ومتشابكة حيناً آخر، وسيرى كأن البشرية قد غَشِيَها في عصورها المُتطاولة ظلام مُتكاثف فهي تضرب في دروب الحياة في ليلٍ بهيم، تسير وتسير ويُضنيها المسير، ثم لا تصل إلى الشاطيء الآمِن، ونراها تُحدد أهدافاً وتَقصد غايات، وعندما تُشارِف الهدف المنشود ينكشف عن سراب خادع. إلا أن الناظِر من تلك النافذة سيرى في وسط تلك الطُرُق المُتعرِّجة المُتشابِكة طريقاً واحِداً مُستقيماً، لا ينحرِف يميناً ولا شِمالاً، طريقاً واحِداً تَهُبُّ عليه الأعاصير وكُلَّما قاربت معالمهُ على الاندثار ورسومه على البلى، شاهدنا أقواماً يقومون بِكشف الرمال عنه من جديد، ويُوضِّحون معالمه ويجددون رسومه، ونُطِل من تلك النافذة فنرى السائرين في هذا الدرب الواحد القويم يكثُرون أو يقِلُّون، ولكن الطريق لا يخلو من السائرين، ونرى هذا الدرب مُنيراً في وَسَطِ الظلام الذي يلفُّ الكَوْن، وأصحابه يُشرق النور من قلوبهم ووجوههم، ويحملون مشاعل النور في أيديهم، ويدعون غيرهم إلى الطريق الموصِلُ إلى الأمن والأمان، ويدعونهم إلى النور الذي يُضيء ظُلُمات الحياة كما يُضيء القُلوب والنُفوس.

ليس هذا الذي أقوله خيال شاعر، ولا أوهام حالِم مُنعَزِل عن الحياة، يجري به الفِكر في دُنيا البشر ذات اليمين وذات الشِمال بِلا ضابط، حقاً أننا لم نؤت تلك النافذة التي نُطِلُّ منها على عالم البشر في الحاضر والماضي، ولكننا أوتينا كِتاباً من العليم الخبير الذي خَلَق الكَوْن وأنشأ الإنسان، وعندما يُحدِّثنا العليم الخبير فإنه العِلم الصادق الذي لا شك فيه، فهو سُبحانه الأول الذي لا شيء قبله، وهو خالق الزمان والمكان، والعالِم بكل ما كان.

فالقاريء لهذا الكتاب بقلب مفتوح وعقل مُتَدَبِّر، يُطِلُّ على عالم البشر، ويرى الضلال الذي عاشه الناس في مختلف العصور، والظُلمة التي كانت تتغشاهم، فقد ضَلُّوا عن إلههم الحَق، وعبدوا من دونه الجماد والنبات والحيوان والإنسان، ويرى الطُرُق المُتباينة التي تُوصِلُ جميعها إلى الهاوية والبشر فيها يسعون، وما تلك الفلسفات والعقائد والتصورات والمذاهب القديمة في القديم والحديث التي تُخالِف ما أنزل الله إلا طُرُق غواية، قد تختلف فيما بينها إلا أنها تشترك جميعاً في أنها ضلال وبُعد عن الحق والحقيقة.

وفي وسط هذا الضلال يُوَضِّحُ لنا القُرآن ذلك الطريق الطويل المستقيم الذي استمر على مر الزمان، ذلك الدرب الذي سار فيه أبو البشر آدم، وتعاقب على السَّيْر فيه الصالحون مِن بني آدم: من النبيين، والمُرسلين، والصِّديقين، والصالحين، والشُهداء. والقُرآن يحكي لنا مسيرتهم في هذا الدرب لا يحيدون عنه يميناً ولا شِمالاً: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة الأنعام – الآية 153]، وهم يسألون الله دائماً التوفيق إلى هذا الصراط والثبات عليه: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [سورة الفاتحة – الآيات 6 و7]، وهُم في هذا الدرب يستنيرون بنور الله المُتَمثِّل في وحيه إلى رُسُلِه: {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} [سورة المائدة – الآية 15]، {وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا} [سورة الشورى – الآية 52]، وهُم يدعون غيرهم إلى الصراط المُستقيم والنور الهادي {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [سورة النحل – الآية 125]، ويهدي الله من يشاء من عباده ويبقى في الظلام الأشقياء.

كتبه: أ.د. عُمَر سُلَيمان الأَشْقَر - كلية الشريعة، الجامعة الأردنية

من كتاب "مَعَالِم الشَّخْصِيَة الإسْلامِيَة" – دار النفائس.

26‏/10‏/2009

إن كُنْتُم تُحِبُّون الله

قال ابنُ القَيِّم رحمه الله:

لما كَثُرَ المُدَّعون للمحبة، طُولِبوا بإقامةِ البَيِّنةِ على صِحَّةِ الدعوى. فَلَو يُعْطَى الناسُ بِدَعْواهم لادَّعى الخَلِيُ حُرقةَ الشَّجِيُ. فتنَوَّعَ المُدَّعُون في الشُّهود، فَقِيل: لا تُقبَل هذه الدعوى إلا بِبَيِّنة {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [سورة آل عِمران – الآية 31].

فَتَأَخرَ الخَلْقُ كُلُّهُم وثَبَتَ أتباعُ الحبيب صلى الله عليه وسلم في أفعاله وأقواله وأخلاقه.

من كتاب: "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"؛ منزلة المحبة.

للإمام شمس الدين بن القيم الجوزية.

22‏/10‏/2009

الرؤيا ليست حُجَّة شرعية

ذهب بعض الناس إلى الاعتماد على الرؤى والمنامات واعتبارها حُجَّة. والصحيح أن الرؤيا لا تُعتَبَر حُجَّة ولا مصدر من مصادر التشريع، ولا يجوز أن يبني عليها الإنسان حُكماً شرعياً حِلاً أو حُرمةً، كراهةً أو استحباباً، أو غير ذلك من مثل تعيين مُراد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بتفسير الكتاب والسُنَّة.

وقد بَيَّنَ شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (19/5) أن الحق الذي لا باطل فيه هو "ما جاءت به الرُّسُل عن الله تعالى، ويُعرَف بالكتاب والسُنَّة والإجماع. فإن هذا حقٌ لا باطل فيه، واجب الاتباع لا يجوز تركه بحال، عامُّ الوجوب لا يجوز ترك شيء مما دلت عليه هذه الأصول، وليس لأحدٍ الخروج عن شيءٍ مما دلت عليه. الكتاب والسُنَّة والإجماع، وبإزائه لقومٍ آخرين: المنامات، والإسرائيليات، والحكايات".

الأدلة على أن الرؤية ليست مصدراً للتشريع:

1. أن الله تعالى أوجب علينا اتباع كتابه المجيد وسُنَّة نبيه صلى الله عليه وسلم لا غير. وذلك كثير في القرآن الكريم، كقوله تعالى { اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُم مِن رَبِّكُم } الآية 3 من سورة الأعراف.

2. قولُه تعالى { اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُم وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِينَاً } الآية 3 من سورة المائدة.

فلا مجال لتشريعٍ بعد انتقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى.

قال الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفُحول إلى علم الأصول (2/291، 292): "ولا يخفاكَ أن الشرع الذي شرعه الله لنا على لسان نبينا صلى الله عليه وسلم قد كمَّله الله عز وجل، ولم يبق بعد ذلك حاجة للأُمَّة في أمر دينها، وقد انقطعت البعثة بالموت".

3. أن الأدلة الشرعية التي هي أُصول الأحكام ومصادرها، محصورة في الكتاب والسُنَّة باتفاق الأئمة، ثم الإجماع والقياس باتفاق جمهورهم، ثم العُرف والاستصحاب والاستحسان والمصالح المُرسلة وشرع من قبلنا وقول الصحابي وسد الذرائع على خلاف بين جُمهور الأئمة في حُجِّيتها، ولم يذكر أحد من أئمة العلم الرُؤى المنامية ضمن هذه الأدلة.

قال الشوكاني رحمه الله في إرشاد الفُحول إلى علم الأصول (2/291، 292): "ولم يأتنا دليل يدُل على أن رؤيته في النوم بعد موته صلى الله عليه وسلم إذا قال فيها بقول أو فعل فيها يكون دليلاً وحُجَّة، بل قد قبضهُ الله إليه بعد أن كَمَّل لهذه الأُمَّة ما شرعه لها على لسانه".

4. أن الرُؤى ثلاثة أقسام من حيث منابعها: رحماني ونفساني وشيطاني، ولا سبيل إلى التمييز بينها حتى نقبل الرحماني ونَرُد ما عداه.

قال الإمام المُحَقِّق ابن القَيِّم الجوزية رحمه الله تعالى في مدارج السالكين (1/81): "والرؤيا كالكشف: منها رحماني ومنها شيطاني، ورُؤيا الأنبياء وحي فإنها معصومة من الشيطان، وهذا باتفاق الأُمَّة. ولهذا أقدم الخليل على ذبح ابنه إسماعيل عليهما السلام بالرُؤيا. وأما رُؤيا غيرهم فتُعرَض على الوحي الصريح، فإن وافقته وإلا لا يُعمل بها".

وقال الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّمي رحمه الله في التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2/242): "الرُؤيا قصاراها التبشير والتحذير، وفي الصحيح أن الرُؤيا تكون حقاً وهي المعدودة من النُبُوة، وقد تكون من الشيطان، وقد تكون من حديث النفس، والتمييز مُشْكِل".

5. أن الرُؤيا تقع حال النوم، وليست هي حالة ضبط وتحقيق، ولا هي حالة تكليف. ولذلك رُفِع القلم عن النائم حتى يستيقظ،فلا تُقْبَل رُؤية النائم لاختلال ضبطه.

6. أن الغالب في الرُؤيا الترميز والإشارة، ولا يفقه تعبيرها إلا قِلة من الناس، فتكون مُحتمِلة لتفسيرات مُتعددة، وما كان هذا شأنه لا يستقيم الاستدلال به.

قال الشيخ عبد الرحمن المُعَلِّمي رحمه الله في التنكيل لما ورد في تأنيب الكوثري من الأباطيل (2/259): "الغالب أن تكون على خلاف الظاهر حتى في رُؤيا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام كما قُصَّ من ذلك في القرآن، وثبت في الأحاديث الصحيحة، ولهذه الأُمور اتفق أهل العلم على أن الرُؤيا لا تصلُح للحُجَّة، وإنما هي تبشير وتنبيه، وتصلُح للاستئناس بها إذا وافقت حُجًّة شرعية صحيحة كما ثبُتَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقول بمُتعة الحج لثبوتها عنده بالكتاب والسُنَّة، فرأى بعض أصحابه رُؤيا توافق ذلك، فاستبشر ابن عباس".

كتبه: فضيلة الشيخ محمد إسماعيل المُقَدِّم

من كتاب: أُصُول بِلا أُصُول

http://www.m-ismail.com

17‏/10‏/2009

الرد المبين على من قال أن النقاب ليس من الدين

عجبتُ للهجوم الشديد هذه الأيام على النقاب، وزَعْم بعض أعضاء المؤسسة الدينية الرسمية ممثلةً في الأزهر ووزارة الأوقاف- وعلى رأسهم شيخ الأزهر ووزير الأوقاف- على أن النقاب ليس من الدين وأن هذا إجماع العلماء، وتابعهم في ذلك الكثير من الكُتاب وقليلي العلم. ولا أعلم حقيقةً كيف يجرؤ هؤلاء على هذا القول الباطل.

ومِن المعلوم أن مشروعية النقاب من المسائل المستقرة عند المسلمين منذ أكثر من ألف عام، ولم يقل أحدٌ قط من أهل العلم أن النقاب ليس من الدين وأنه عادة وليس عبادة. بل الخلاف المشهور بين الفقهاء عبر العصور في مسألة تغطية المرأة المسلمة وجهها ينحصر في فريقين؛ فريق يرى أن الوجه والكفين للمرأة ليسا بعورة وأن سترهما مستحب وليس بواجب في حالة أمن الفتنة، والفريق الآخر يرى أن جميع بدن المرأة عورة ويجب عليها ستر الوجه والكفين. وكل من الفريقين له أدلته المعتبرة والخلاف بينهما سائغ ويجب احترام قول كل فريق منهما وعدم إنكار أي من الفريقين على الآخر.

ومن المعروف عند علماء الأصول أن الوجوب والاستحباب من الأحكام التكليفية الخمسة، وأن أمور العبادات إما أن تكون واجبة؛ أي أن الشارع طلب فعلها على سبيل الجزم فيؤجر فاعلها ويأثم تاركها، وإما أن تكون مستحبة، أي لم يطلب الشارع فعلها على سبيل الجزم فيؤجر فاعلها ولا يأثم تاركها. ومن أمور العبادات ما قد يكون ممنوعاً محظوراً كالبدع المحدثة في الدين التي لم يرد بها دليل شرعي، وفي هذه الحالة لا يصح نسبتها إلى الدين أو الاعتقاد بأنها من العبادات، وفي هذه الحالة يأثم فاعلها. إذن فتغطية المرأة وجهها أمر مشروع ومِن الدين عند الفريقين، وتُؤْجَر بإذن الله على فعله المرأة المسلمة في كلتا الحالتين ولا تأثم عليه.

وهذا يُعَّد إجماعاً على مشروعية النقاب وأنه ليس بعادة. ويتبين من هذا أن الخلاف بين العلماء ينحصر في الوجوب أو الاستحباب فقط ولم يقل بغير هذا أحد من أهل العلم من قبل.

وهذه بعض أقوال أهل العلم في تفسير الآية 59 من سورة الأحزاب، التي يُستدل بها على أن النقاب مشروع، أي من الدين:

قال الله تعالى:{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [سورة الأحزاب - الآية 59]

· قال الإمام بن جرير الطبري: "فقال بعضهم: هو أن يُغطين وجوههن ورؤوسهن، فلا يُبدين منهن إلا عيناً واحدة" ثم نقل أدلة من قال ذلك كعبد الله بن عباس رضي الله عنهما ومحمد بن سيرين، ثم قال رحمه الله: "وقال آخرون: بل أُمِرن أن يشددن جلابيبهن على جباههن" ونقل أيضاً أدلة من قال ذلك كقتادة ومجاهد.

"جامع البيان عن تأويل آي القرآن" ج22 ص45-47.

· قال الإمام أبي بكر الجصاص (وهو من أئمة الحنفية): في هذه الآية دلالة على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين.

"أحكام القرآن" ج3 ص371-372.

· قال الزمخشري: يغَُطِين وُجُوهَهُن وأعطافهن.

"الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل" ج3 ص274.

· قال القاضي أبو بكر بن العربي (وهو من أئمة المالكية): قيل معناه تُغطي به رأسها فوق خمارها، وقيل تُغطي به وجهها حتى لا يظهر منها إلا عينها اليسرى.

"أحكام القرآن" ج3 ص1585-1587.

· قال الإمام أبو الفرج بن الجوزي: قال ابن قُتيبة: يلبس الأردية، وقال غيره: يُغطين رؤوسهن ووجوههن ليُعلم أنهن حرائر.

"زاد المسير في علم التفسير" ج6 ص422.

· قال الإمام فخر الرازي: يمكن أن يقال: المراد أنهن لا يزنين، لأن من تستر وجهها – مع أنه ليس بعورة لا يُطمع فيها أنها تكشف عورتها، فيُعرفن أنهن مستورات، لا يمكن طلب الزنا منهن.

"مفاتيح الغيب (التفسير الكبير)" ج6 ص591.

· قال الإمام أبو عبد الله القرطبي: الجلابيب جمع جلباب، وهو ثوب أكبر من الخمار، وروي عن ابن عباس وابن مسعود أنه الرداء، وقد قيل إنه القناع، والصحيح أنه الثوب الذي يستر جميع البدن. وقال أيضاً: وقد قيل إنه يجب الستر والتقنع الآن في حق الجميع من الحرائر والإماء.

"الجامع لأحكام القرآن" ج14 ص423-244.

· قال الإمام القاضي البيضاوي (وهو من أئمة الشافعية): يُغطين وجوههن وأبدانهن بملافحهن إذا برزن لحاجة.

"أنوار التنزيل وأسرار التأويل" ج2 ص280.

· قال الإمام عبد الله النسفي (وهو من أئمة الحنفية): يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن.

"مدارك التنزيل وحقائق التأويل" ج3 ص79.

· قال الحافظ جلال الدين السيوطي:جلابيبهن جمع جلباب وهي الملاءة التي تشتمل بها المرأة، أي يرخين بعضها على الوجوه إذا خرجن لحاجتهن إلا عيناً واحدة.

"تفسير الجلالين" لجلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي ص457.

· ونقل القول بالوجوب أيضاً في تفسير هذه الآية: الإمام البغوي في تفسيره "معالم التنزيل"، والخازن في "لُباب التأويل في معالم التنزيل"، وغيرهم.

وغيرها كثير من أقول أهل العلم في تفسير هذه الآية وغيرها من الآيات (كالآية 31 من سورة النور فارجع إليها).

وقال الشيخ عبد الرحمن الجزيري في كتاب "الفقه على المذاهب الأربعة" ج1 ص155-156، مبحث ستر العورة خارج الصلاة، كتاب الصلاة: أما إذا كانت بحضرة رجل أجنبي أو إمرأة غير مسلمة فعورتها جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين فإنهما ليسا بعورة، فيحل النظر لهما عند أمن الفتنة. ثم قال: الشافعية قالوا إن وجه المرأة وكفيها عورة بالنسبة للرجل الأجنبي، أما بالنسبة للكافرة فإنهما ليسا بعورة.

وأنا لا أعلم كيف يتم إخفاء أقوال هؤلاء الأئمة والتغاضي عنها وتجاهلها كأنها غير موجودة وكأن النقاب بدعة محدثة نشأت مؤخراً. هل نُحسِن الظن بمن يدَّعوا أن النقاب بدعة ونقول أنهم جهلاء ولم يقرأوا أياً من كتب الفقه أو التفسير وبالتالي لم يعلموا بمشروعية النقاب؟ أم أنهم علموا الحكم الشرعي ولكنهم لسبب ما في أنفسهم لم ينقلوا تلك الأقوال وتجاهلوها وجاءوا بقولٍ جديد مخترع لم يسبقهم إليه أحد وهو أن النقاب ليس من الدين؟ فإما الجهل وإما غياب الأمانة العلمية والتلبيس على الناس، وفي كلتا الحالتين لا ينبغي أن يُسمح لهؤلاء بالتكلم باسم الدين.

بل ومن العجيب أن د. محمد سيد طنطاوي نقل مشروعية تغطية المرأة وجهها في تفسير سورة النور الآية 31 وتفسير سورة الأحزاب الآية 59، وذلك في تفسيره المسمى بـ"التفسير الوسيط".

ومن العجيب أن حُكم مشروعية النقاب موجود في كتب التفسير والفقه التي تدرس حالياً بالأزهر الشريف.

وقَوْل شيخ الأزهر، أو غيره، ليس بحُجة ولا يجوز الأخذ به إن خالف قوله النصوص الشرعية وإجماع علماء المسلمين عبر العصور، والمنصب لا يعصم صاحبه من الخطأ ولا الزلل، وإنما كل إنسان يؤخذ من قوله ويُرَد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم. بل إن الأئمة الأربعة وغيرهم نهوا عن الأخذ بأقوالهم إن تبين لأحد من بعدهم مخالفة أقوالهم للدليل.

وأنا أريد أن أسأل بعض الأسئلة:

لمصلحة من الهجوم على النقاب ومحاربة من تريد الالتزام بتعاليم دينها؟ سواء كانت المرأة المسلمة تأخذ بقول من يرى الوجوب أو أخذت بقول من يرى الاستحباب.

ولمصلحة من إثارة الشبهات وزعزة ثقة المسلمين في ثوابت دينهم المستقرة عند علماء الأمة منذ زمن طويل؟

ولمصلحة من التلبيس على الناس وإخفاء أقوال جُل أئمة المسلمين في مسألة مشروعية النقاب؟

أليس من الأولى لشيخ الأزهر ووزارة الأوقاف ومن جرى على قولهم الالتفات إلى المشاكل المستعصية التي تواجه واقع المسلمين اليوم في كل مكان؟

أليس من الأولى مواجهة السفور والعُري الذي انتشر في شوارعنا وجامعتنا والقرى السياحية، وعلى شاشات الفضائيات؟ بدلاً من إنفاق الملايين على كتاب لمحاربة النقاب؟

أليس من الأولى محاربة الخرافات والبدع والشركيات التي تنتشر في الموالد وعند الأضرحة والقبور؟

أليس من الأولى مواجهة الهجمات الشرسة على الإسلام، خارجياً من الغرب وداخلياً من العلمانيين؟

أليس من واجب شيخ الأزهر إصلاح الأزهر، ذلك الحصن المنيع، الذي فقد، وللأسف الشديد، الكثير من دوره وهييبته؟

أسأل الله أن يعيد للأزهر مجده وأن يجعله غصة في حلق أعداء الإسلام.

وأنا أخشى أن يأتي اليوم وتصبح بلادنا الحبيبة كتونس وتركيا، حيث يحارب الحجاب وتُحارَب حتى من تغطي شعرها. فعلى سبيل المثال يقول وزير الشئون الدينية التونسي بأن الحجاب زي طائفي دخيل على التقاليد التونسية، وأنه صورة من صور النشاز!!، فهذا كلام أكبر مسؤول عن الشئون الدينية هناك. وإنكار مشروعية النقاب هي خطوة عملية نحو هذا الطريق المظلم.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتنقضن عُرى الإسلام عُروة عروة، فكلما انتقضت عروة، تشبث الناس بالتي تليها، فأولهن نقضاً الحكم، و أخرهن الصلاة". رواه أبو أمامة الباهلي رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الجامع – 5075.

فعلى كل من يهاجم النقاب أن يتقي الله ويعلم أنه ملاقيه وسيسأله الله عن كل ما قال وعمل يوم لا ينفع مال ولا سلطان ولا منصب ولا جاه.

وأخيراً: أنا أرجو ممن يقرأ هذا المقال أن يُبين ما عَلِم من الحق ولا يكتمه، فالأمر جد خطير ومسؤلية هذا الدين في أعناقنا جميعاً.

قال الله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ" [سورة آل عِمران – الآية 187].

الهم بلغت الهم فاشهد.

الهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه.

كتبه: حاتم الحاجري

13‏/10‏/2009

حُسْن الشهادة للحق

قد يكونُ الحقُّ مَعَنَا لكننا لا نُحسِنُ أن نَشْهَدَ لهذا الحق على أرض الواقع بأخلاقنا، وقد يكونُ الحقُّ مَعَنَا لكننا لا نُحسِنُ أن نَشْهَدَ لهذا الحق بِعَرضِهِ على الآخرين بالحِكْمةِ البالِغَةِ والموعظةِ الحسنة.

وقد يكونُ الباطلُ مَعَ غيرِنا لكنه يُحسِنُ أن يُلبِسَ الباطلَ ثوبَ الحقِ ويُحسِنُ أن يَصِلَ بالباطلِ إلى حَيْثُ ينبغي أن يَصِلَ الحق.

وهنا ينزوي حَقُّنَا ويَضْعُفُ كأنه مغلوب وينتفخُ الباطلُ ويَنْتَفِشُ كأنه غالب، فنُعَبِّر عن أَلَمِنَا هذا بِصورة من صورتين لا ثالث لهما؛ إما أن نُعَبِّر عن أَلَمِنَا بِصورة سلبية مهزومة فنزداد عُزلة عن المجتمع والعالم، وإما أن نُعَبِّر عن أَلَمِنَا بصورة متشنجة منفعلة، بل صاخبة، بل دموية، فنخسر الحق مرة بعد مرة، لأن أهل الأرض سيزدادون حينئذٍ بُغْضاً للحق الذي معنا وإصراراً على الباطل الذي معهم.

فاشهد الآن شهادة للحق بتحويلك لهذا الحق في أرض الواقع إلى حقٍ يتألقَ سمواً وعظمةً وخُلُقاً وسلوكاً ورِقةً وأدباً وعَمَلاً وبناءً.

فضيلة الشيخ محمد حسان

من خطبة عيد الفطر سنة 1425 هـ

http://www.mohamedhassan.org

09‏/10‏/2009

الفرق بين الشريعة والفقه

بين الشريعة والفقه فرقاً مهماً؛ وهو أن الشريعة هي الدين المُنَزَّل من عند الله تعالى، أما الفقه فهو فهم المجتهدين لتلك الشريعة، فإذا أصاب العلماء الحق في فهمهم كان الفقه موافقاً للشريعة من هذه الحيثية، وإذا أخطأوا لم يخرج اجتهادهم عن الفقه وإن كان ليس من الشريعة حتماً. انظر "تاريخ الفقه الإسلامي" لـ د. عمر سليمان الأشقر.

ويمكن حصر الفرق بين الفقه بمعناه الاصطلاحي عند المتأخرين وبين الشريعة بمعناها الاصطلاحي العام في النقاط التالية:

1. بين الشريعة والفقه عموم وخصوص من وجه؛ حيث تشتمل الشريعة على الأحكام العملية والعقدية والأخلاق، بينما يختص الفقه بالأحكام العملية فقط. ويشمل الفقه اجتهاد العلماء سواء فيما أصابوا فيه أو أخطأوا، ولا يُعَد من الشرع إلا ما أصاب فيه المجتهدون فقط.

2. الشريعة أكمل من الفقه، وهي المقصودة بقوله تعالى {اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينَاً } [سورة المائدة – الآية 3]. ولذلك تتناول الشريعة القواعد والأصول العامة، أما الفقه فهو استنباط المجتهدين من الكتاب والسُنَّة اعتماداً على هذه القواعد وتلك الأصول.

3. أحكام الشريعة صواب لا خطأ فيها، وأحكام الفقه التي استنبطها الفقهاء قد يدخلها الخطأ الناتج من فهمهم. ولكن ينبغي التحذير من الدعوى الخطيرة – التي تولى كِبرها بعض الكُتاب المُعاصرين – والتي ترمي إلى نزع الصفة التشريعية عن الاجتهادات الفقهية تمهيداً لنزع القداسة عن الشريعة نفسها، حيث يَعتبِر أصحاب هذه الدعوى الشريعة آراء رجال أكثر من أن تكون أحكاماً إلهية. وهذا خطأ بَيِّن؛ فإن الشريعة أحكام إلهية، والفقه مأخوذ من تلك الشريعة الإلهية، واستنباط العلماء صائب في معظم الأحيان ومُعَبِّر عن هذه الأحكام التشريعية، وإنما الخطأ الصادر – أحياناً – يكون فقط من فهمهم الشخصي لبعض النصوص والأدلة. انظر "تاريخ الفقه الإسلامي" لـ د. عمر سليمان الأشقر و"النظام التشريعي في الإسلام" لـ د. محمود محمد عبد الرحيم.

فالفقه – بلا ريب – علمٌ شرعي، لأنه من العلوم المبنية على الوحي الإلهي، وعمل العقل في استنباط الأحكام ليس مطلقاً من كل قيد، بل هو مُقَيَّد بالأصول الشرعية في الاستدلال. انظر "مدخل لدراسة الشريعة الإسلامية" لـ د. يوسف القرضاوي.

4. الشريعة عامة بخلاف الفقه. قال تعالى { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } [سورة الأنبياء – الآية 17]. وهذا العموم ملموس من واقع الشريعة ومقاصدها ونصوصها التي تُخاطب البشر كافة.

5. الشريعة الإسلامية مُلْزِمة للبشرية كافة، فكل إنسان إذا توفرت فيه شروط التكليف مُلْزَم بكل ما جاءت به عقيدة وعبادة وخُلُقاً وسُلوكاً، بخلاف الفقه المًستَنبَط من الأدلة الشرعية عن طريق اجتهاد المجتهدين؛ فرأي أي مجتهد لا يُلزِم مجتهداً آخر. والفقه قد يُعالج مشكلات المجتمع في زمان أو مكان بعلاج يُمكن ألا يَصْلُح لمشكلات زمان أو مكان آخر، بخلاف الشريعة الكاملة لكل زمان ومكان.

من كتاب "تاريخ التشريع" إعداد لجنة من الباحثين بمركز البحوث وإعداد المناهج بالجامعة الأميركية المفتوحة بالقاهرة، إشراف ومتابعة د. محمد يسري

http://www.aou-egypt.com

04‏/10‏/2009

يرى مقعده في الجنة !!

شاب .. بلغ من عمره ستة عشر عاماً .. كان في المسجد يتلو القرآن .. وينتظر إقامة صلاة الفجر ..

فلما أقيمت الصلاة .. رد المصحف إلى مكانه .. ثم نهض ليقف في الصف ..

فإذا به يقع على الأرض فجأة مغمى عليه ..

حمله بعض المصلين إلى المستشفى ..

فحدثني الدكتور الجبير الذي عاين حالته .. قال :

أُتي إلينا بهذا الشاب محمولاً كالجنازة .. فلما كشفت عليه فإذا هو مصاب بجلطة في القلب .. لو أصيب بها جمل لأردته ميتاً ..

نظرت إلى الشاب فإذا هو يصارع الموت .. ويودع أنفاس الحياة ..

سارعنا إلى نجدته وتنشيط قلبه ..

أوقفت عنده طبيب الإسعاف يراقب حالته .. وذهبت لإحضار بعض الأجهزة لمعالجته ..

فلما أقبلت إليه مسرعاً .. فإذا الشاب متعلق بيد طبيب الإسعاف ..

والطبيب قد الصق أذنه بفم الشاب .. والشاب يهمس في أذنه بكلمات.. فوقفت أنظر إليهما .. لحظات..

وفجأة أطلق الشاب يد الطبيب .. وحاول جاهداً أن يلتفت لجانبه الأيمن ..

ثم قال بلسان ثقيل : أشهد أن لا إله إلا الله .. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .. وأخذ يكررها .. ونبضه يتلاشى .. وضربات القلب تختفي.. ونحن نحاول إنقاذه.. ولكن قضاء الله كان أقوى..

ومات الشاب..

عندها انفجر طبيب الإسعاف باكياً.. حتى لم يستطع الوقوف على قدميه..

فعجبنا وقلنا له : يا فلان !.. ما لك تبكي !!.. ليست هذه أول مرة ترى فيها ميتاً..

لكن الطبيب استمر في بكائه ونحيبه..

فلما خف عنه البكاء .. سألناه : ماذا كان يقول لك الفتى ؟

فقال : لما رآك يا دكتور .. تذهب وتجيء .. وتأمر وتنهى.. علم أنك الطبيب المختص به .. فقال لي :

يا دكتور .. قل لصاحبك طبيب القلب.. لا يتعب نفسه.. لا يتعب.. أنا ميت لا محالة .. والله إني أرى مقعدي من الجنة الآن ..

كتبه: د.محمد بن عبد الرحمن العريفي

مِن كِتاب: في بَطْنِ الحُوْتِ ..

http://www.alarefe.com