07‏/12‏/2013

لا سلطان للشيطان على عباد الله الصالحين

لم يُعطِ الربُّ الشيطانَ القدرة على إجبار الناس وإكراههم على الضلال والكفر: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً﴾ [سورة الإسراء – الآية 65]، ﴿وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ﴾ [سورة سبأ – الآية 21].
ومعنى ذلك أنَّ الشيطان ليس له طريق يتسلط بها عليهم، لا مِن جهة الحُجة ولا مِن جهة القدرة، والشيطان يدرك هذه الحقيقة: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ﴾ [سورة الحِجر – الآية 39، 40].
وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره، ويتابعونه عن رضا وطواعية: ﴿إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ﴾ [سورة الحِجر – الآية 42]. وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ﴾ [سورة إبراهيم – الآية 22].
وفي آية أخرى: ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُم بِهِ مُشْرِكُونَ﴾ [سورة النحل – الآية 100]، والسلطان الذي أعطيه الشيطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال، وتمكنه منهم، بحيث يؤزهم على الكفر والشرك ويزعجهم إليه، ولا يدعهم يتركونه، كما قال تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا﴾ [سورة مريم – الآية 83]، ومعنى تؤزهم: تحركهم وتهيجهم.
وسلطان الشيطان على أوليائه ليس لهم فيه حُجة وبرهان، وإنما استجابوا له بمجرد دعوته إياهم، لمَّا وافقت أهواءهم وأغراضهم، فهُم الذين أعانوا على أنفسهم، ومكنوا عدوهم مِن سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما أعطوا بأيديهم واستأسروا له، سُلِّط عليهم عقوبةً لهم. فالله لا يجعل للشيطان على العبد سلطاناً، حتى يجعل له العبد سبيلاً بطاعته والشرك به، فجعل الله حينئذ له عليه تسلطاً وقهراً.
 
كتبه: أ.د. عمر سليمان الأشقر، رحمه الله
مِن كتاب "عالَم الجِن والشياطين" [ص44، 45].

03‏/12‏/2013

حُكم تارك الصلاة مع اعتقاد وجوبها

جمهور العلماء على أنَّ تارك الصلاة تكاسلاً غير منكِر لفرضيتها فإنه لا يكفر، بل يستتاب فإنْ تاب وإلا قُتل حداً لا كفراً، ويُغسَّل ويُكفَّن ويُصلَّى عليه ويُدفَن في مقابر المسلمين، وعلى هذا جماعة العلماء مِن السلف والخلف (أعني في عدم تكفيره).
 
وممن قال يُقتل حداً لا كفراً بعد استتابته: مكحول ومالك وحماد بن زيد ووكيع والشافعي.
 
وممن قال لا يكفر: الزهري وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والمزني وآخرون، قال هؤلاء جميعهم: لا يُقتل، ولكن يُضرب ويُحبس حتى يصلي.
 
وقالت طائفة: هو كافر. قال ابن المنذر: هذا قول إبراهيم النخعي وأيوب السختياني وابن المبارك وأحمد وإسحاق. وقال أحمد: لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمداً.
 
قلت: وذكر ابن المنذر عن أحمد أنه يُستتاب ثلاثاً (يعني ثلاث صلوات). قال ابن المنذر: وبه قال سليمان بن داود وأبو حنيفة وأبو بكر بن أبي شيبة.
 
قلت: ورُوي القول بتكفير تارك الصلاة عمداً وإجراء أحكام المرتدين عليه عن علي بن أبي طالب، ومال ابن المنذر إلى القول بعدم تكفيره وقتله.
 
 
[موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي - د. محمد نعيم محمد هاني ساعي (ج1/ص127)].

03‏/10‏/2013

السلفية... منهج أم جماعة؟

تشهد الساحة الإعلامية هذه الأيام هجوماً عنيفاً ومتلاحقاً ضد السلفية في مناطق مختلفة من العالم الإسلامي، في ظاهرة ملفتة أثارت انتباه المتابعين عن بدء حلول موسم الهجوم على السلفية، وفي الحقيقة أنَّ الهجوم على السلفية متواصل أبداً لا يتوقف صريره، يشتعل في أوقات ويخفت لهبه في أُخَر، فليس ثَم موسم للطعن في السلفية لأنه غذاء يومي لكثير من الحانقين والخائفين من الخِيار الإسلامي.

هل السلفية منهج، أم جماعة وحزب معيَّن؟
أكثر المشاركين في الحرائق ضد السلفية لا يميزون بين الأمرين؛ لأنَّ لديهم خصومة عميقة مع المنهج الإسلامي عموماً، ومِن ثَم فلا أثر لهذا التمييز لديهم لأنَّ النقد متجه بشكل أساسي إلى المنهج الإسلامي.
السلفية هي منهجٌ في طريق السير على هدي الإسلام؛ فحين تتفاوت الأفهام في تفسير الإسلام ومعرفة أحكامه وتحديد المنهجية الصحيحة فيه تأتي السلفية معتمِدة على منهج السلف الصالح مِن الصحابة والتابعين وتابعيهم؛ فهُم خير هذه الأمة، وأزكاها ديناً، وأعلاها مقاماً، وأعمقها فهماً، وأعلمها بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، فمَن اجتهد في سلوك طريقهم فهو سلفي أياً ما كانت الجماعة التي ينتمي إليها.
يرتكز قوام السلفية على احترام هذا الجيل الإسلامي الفريد والاقتداء به، وتربية النفس والأجيال على تقديرهم وبيان فضلهم، ليس تنزيهاً لهم عن الخطأ بل استهداء بفهمهم وسيرٌ على خطاهم.
تسير السلفية على خطا هؤلاء الأسلاف في ما أجمعوا عليه، وعلى اتباع منهجيتهم في التلقي ومصادر الاستدلال وكيفيته، وفي مسالك التعبد والأخلاق؛ فهُم أولى الناس بالحق، فلن يخرج الحق عن قولهم إنْ أجمعوا، ولا عن أقوالهم إنْ اختلفوا.
تُعظِّم السلفية مِن شأن النَّص الشرعي – كتاباً وسُنَّةً صحيحة – وتجعله هو الأصل الذي تعتمده وتستهدي به، لا ترُد أي نَص صحيح لذوقٍ أو هوى أو معقول أو مصلحة، ولا تضع أمامه عراقيل القيود والشروط، بل تنقاد إليه وتُسَلِّم له حين يتبين أنه مراد الله ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم؛ فالنَّص هادٍ ودليل تتبعه النفوس، وليس تابعاً ومنقاداً يسير خلف ما تريد النفوس والقراءات المختلفة فيها.
تؤمِن السلفية بشمولية الإسلام، في العبادات والأخلاق والمعاملات وشؤون الحياة كلها، شمولاً يضم الفرد والمجتمع، والحاكم والمحكوم والحُكم، الدنيا والآخرة، المصالح العاجلة والآجلة، رؤية متكاملة لما يسعد المسلم في دينه ودنياه.
تشهر السلفية بوضوح تام ضرورة إخلاص العبادة لله تعالى، وأولوية تطهير النفوس مِن الخرافات والمعتقدات الفاسدة والبِدع المحدثة التي تخالِف ما كان عليه الصحابة وتابعوهم.
هذه هي الأصول العامة للسلفية، فهي منهج ورؤية مَن التزم بها ودعا إليها واجتهد في تحقيقها فهو سلفي أياً ما كان، وعلى أي جماعة سياسية سَلَك، ومَن خالف أصولها خرج عن السلفية.

إذن: ما معنى أنْ تكون السلفية منهجاً لا جماعة؟
1.  أنه ليس ثَم ناطق أو ممثل للسلفية يُعبِّر عن رأيها ومنهجها؛ بحيث يكون مَن خالفه فهو مخالِف للسلفية ومَن وافقه فهو موافق للسلفية، لا يوجد شخص ولا جماعة ولا حزب كذلك؛ فهي منهجية استدلال تحاكِم الأفراد والجماعات ولا تحاكَم هي إلى أحد؛ فليس ثَم جماعة تمثل السلفية وإنما يوجد أفراد وجماعات ينتسبون إلى السلفية ويسعون لتحقيق منهج السلف. فلا يمكن اختزال السلفية في جماعة محددة ولا في قضايا معينة، وهذا ما يفسِّر لك التباين الشديد بين الجماعات المنتسبة إلى السلفية في كثير مِن الوقائع؛ حتى إنك لتجد التعامل مع الأنظمة السياسية المعاصِرة يختلف مِن أقصى اليمين إلى أقصى الشمال في رؤية بعض الجماعات التي تنتمي إلى السلفية، فهذا التنافر التام والاختلاف الجذري يُثبِت أنَّ السلفية ليست جماعة محدد، وإنما منهج ورؤية قد يُحسِن المسلم تطبيقها وقد يسيء فهمها فيقع في الخطأ والانحراف.
2.  أنَّ مجرد الانتساب إلى السلفية لا يكفي لأنْ يكون الشخص سلفياً، وكوْن الشخص لا يتسمى بالسلفية لا يخرجه ذلك عن السلفية؛ لأنها ليست جماعة تقتصر على أفرادها المنتسبين إليها، ويكتفي الشخص بمجرد الانتساب إليها، بل هي منهج ورؤية تقوم على اقتناع بضرورة معرفة وتطبيق منهج الصحابة ومَن جاء بعدهم مِن التابعين لهم بإحسان.
3.  أنَّ وقوع بعض المنتسبين إلى السلفية في بعض الأخطاء لا يجوز أنْ يُنسب إلى السلفية، وإنما تُنسَب الأقوال والأفعال إلى قائلها أو إلى الجماعة التي تقررها، وحينئذٍ فالنقد الإعلامي الذي يوجَّه إلى السلفية بشكلٍ عام هو نقد مأزوم غير موضوعي؛ لأنَّ الناقد يقصد شخصاً معيَّناً أو فئةً نحددة ويتكلم بخِطابٍ عام، ثُم يكرر في كل مرة اعتذاره بأنه لا يقصد الجميع وإنما يقصد البعض، وسبب الخلط نشأ لديه مِن عدم تمييزه مِن كوْن السلفية منهجاً لا جماعة.
4.  أنَّ السلفية لا تعني الاتفاق على المسائل الفقهية الخلافية أو المواقف السياسية المبنية على تقدير المصالح والمفاسد، فاتفاقهم على الأصل الكلي والمنهج العام لا يؤدي بالضرورة إلى اتفاقهم في الفروع والتفاصيل، وقد كان السلف الصالح يختلفون كثيراً في المسائل الفقهية وفي تقديرهم للمصالح والمفاسد، ولم يكن هذا سبباً للطعن في أحد منهم ما دام أنه متمسك بالأصول والمنهج الكلي، بل هذا دليل على ثراء المنهج السلفي وتنوعه.
5.  أنَّ الأخطاء التي يقع فيها الشخص لا تخرجه عن السلفية ما دام أنه ملتزِم بها ومستمسك بأصولها ومجتهد في تطبيقها ومراعاتها في الواقع، اللهم إلا أنْ يخالِف أصلاً كلياً مِن أصول السُّنَّة أو تكثر مخالفته وتطَّرِد في عدد مِن القضايا الجزئية بما يصل حد الانحراف في الأصل الكلي (انظر "الاعتصام" للشاطبي ج3/ص140)، مع أهمية التأكيد على أنَّ هذا حُكم على الوصف لا العين، إذ في الحُكم على أعيان الأشخاص مِن الضوابط ما يقتضي شديد التورع والاحتياط فيه.
6.  وكوْن السلفية منهجاً لا جماعة يعني بداهةً أنَّ المنتسبين للسلفية هُم قِطاع واسع جداً مِن العالم العربي والإسلامي، بل هُم الأصل في عموم المسلمين؛ فالأصل في المسلم أنْ يتَّبع الدليل ويسير خلفه بمنهجية فَهْم الصحابة، ومَن شذَّ عنه فهو المخالِف؛ فالسلفية هي القاعدة والأصل وليس الاستثناء، فمحاولة تقزيمها في جماعة محددة أو اختزالها في قضايا معينة هو جهل مِن بعض الناس أو أسلوب ماكر مِن بعض المنحرفين لمآرب لا تخفى.
7.  وكوْن السلفية منهجاً لا جماعة لا يعني أنَّ كل الاجتهادات والتفسيرات مقبولة ومعتبَرة في المنهج السلفي، فالسلفية منهج له أصوله وثَم مساحة واسعة للاجتهاد في محيطه، فسعة منهجه وثراء مقولاته لا تؤدي إلى النسبية المطلقة وغياب الحدود الفاصلة التي تكشف الاجتهادات المقبولة داخل المنهج السلفي والاجتهادات المخالِفة له.
8.  أنَّ النقد الموجَّه للسلفية يجب أنْ يُفرَّق فيه بين النقد الموجَّه للمنهج السلفي والنقد الموجَّه للجماعات والأفراد المنتسِبين للسلفية، فالثاني نقد مقبول ومعتبَر شريطة أنْ يكون عادلاً وأنْ يكون النقد لأفعال السلفيين لا إلى ذات السلفية، والسلفيون هُم أولى الناس بضرورة الوعي بأهمية الاستفادة مِن نُصح الناس ونقدهم وتقويمهم حتى ولو بَدَر ممن يحمل مواقف عدائية أو بطريقة خاطئة، فيُستفاد مِن نقده ولن يضرهم قصده.

وهل سيتوقف الهجوم على السلفية حين تتميز "منهجاً" لا "جماعة"؟
بالتأكيد لا.
فإنَّ اعتماد المنهج السلفي على "النَّص الشرعي" محوراً مركزياً للانطلاق، وارتباطه بالسلف الصالح في فهم هذا النَّص وتفسيره، يجعله المنهج الصحيح لفهم الإسلام وتطبيقه، وهو ما يجعل النفوس تهفو وتنجذب إليه. فالنفوس المسلمة متعطِشة إلى الرجوع إلى هويتها ودينها وقيمها بفهمه الصحيح، فأكثرية الناس تبحث عما يريده الله وتسأل عن المنهج والمسلك الذي ينجيها في الآخرة، وليسوا مهمومين بمنهجية "التكيف مع الواقع" و"تبرئة الإسلام مِن الشبهات" ومحاولة إقناع المسلمين بـ "صلاحية دينهم لكل زمان ومكان"، فأكثرية المسلمين ليسوا بحاجة إليها كثيراً، وما هي إلا زيادة بصيرة ونور، وهذا الوضوح والعمق هو ما يجعل المنهج السلفي مخيفاً ومرعباً لكثير مِن المنحرفين والزائغين الذين لن تتوقف مراجل الحَنَق في قلوبهم عن الغليان.
المنهج السلفي يُربي في أتباعه خصائص الشموخ والعِزة بالإسلام رسالةً وحضارة، فشتان بين مَن يقرأ النَّص ليعرف مراده ليسير على هديه كما هي خاصية المنهج السلفي، وبين مَن يبحث عن تحقيق مراده مِن خلال النَّص كما هي خاصية كثير مِن المناهج العَلمانية والتلفيقية.
وشتان بين مَن يبحث في النَّص وهو يعتقد أنَّ ثَم معنى شرعياً محدَّدَاً يريده الله، وبين مَن يرى أنَّ الحقائق نسبية وأنه لا وجود لمَن يمتلك الحقيقة المطلقة كما هي حالة التيه التي تعبث بكثير مِن أهل هذا العصر.
وشتان بين مَن يضع منهجاً محدَّداً وأصولاً واضحة في التعامل مع النَّص، وبين مَن يتقلب بين المناهج والأفكار بحسب كل واقعة.
وشتان بين مَن يتخذ الصحابة والتابعين دليلاً بين يديه، وبين مَن يسير خلف فلاسفة وضُلال الشرق والغرب.
إنه منهج يتسم بالوضوح والاطراد، والتناسق والتماسك، وهو ما يجعل أثره عميقاً في نفوس المستمسكين به، ودوره فاعلاً في التأثير على المخالِفين، وهو أيضاً أقدر المناهج على الدفاع عن أحكام الإسلام لأنه لا يُسَلِّم للمخالِف بباطل يتوصلون مِن خلاله للطعن في الإسلام.
إنَّ بعض المنحرفين يوجِّه سهامه إلى السلفية فينتقدها على أُمور هي مِن صميم الإسلام، فهو ينتقد في الظاهر الجماعات السلفية لكنه في الحقيقة يطعن في ذات الإسلام، كمَن ينتقدهم في أصل "الحجاب" أو "التوحيد" أو "الحُكم الإسلامي" فهو في الحقيقة يطعن في الإسلام نفسه وإنْ زعم أنه يقصد الجماعات السلفية، فمِن الخلل ونقص الحكمة أنْ يتعامل بعض الناس مع ظاهرة النقد هذه وكأنها موَجَّهة إلى جماعة محدَّدة، فمِن المهم أنْ يستوعب الشخص الأسباب التي تدعو للنقد وحقيقة النقد حتى يدرِك مِن خلالها هل هو نقد لـ "جماعة" أم طعن في "منهج ورسالة"؟


فهد العجلان،

مِن كتاب: معركة النَّص

04‏/07‏/2013

تعليق الشيخ الدكتور بندر الشويقي على الانقلاب العسكري بمصر

أسأل الله أن يلطف بأهل مصر، وأن يكفيهم كيد الكائدين ومكرهم.

كنت كتبت قبل أيام منتقداً سياسات بعض قيادات (حزب النور) التي قلت إنها تمالئ الصَّف العلماني. ولديَّ هنا بقيةٌ كنتُ سكتُّ عنها خشية أن أظلمهم، لكن الأمور الآن باتت واضحة للأعمى.

بدايةً لست بحاجة لأن أقول: إنهم –منهجياً وفكرياً- هم أقرب إليَّ من الإخوان بكثير. لكن الحق أحق أن يتبع.
السلفية منهج، وليست شعاراً. وهذا المنهج يقتضي أن يكون رفض فلول العلمنة، أشد وأبلغ من رفض الإخوان.
السلفية الصادقة منهج يقتضي أن يكون رفض العلاقات مع إيران، مثل رفض العلاقات مع أعداء الشريعة في الداخل وأبلغ.

بعض الأحبة ذكر أني ظلمتهم حين قلت إنهم يمالئون العلمانيين.
وآخرون علقوا: بأن لبعض قياداتهم كلماتٍ يعارضون فيها عزل الرئيس ويتمسكون بشرعيته.
انظروا الآن لتصريحاتهم وستعرفون ما عنيته. سترون أن معارضتهم للعزل لم تكن سوى خط رجعة، في حالة فشل التمرد فقط لا غير.
الآن سيقولون للعسكر: ألم نكن معكم، ونمنعكم من الإخوان المسلمين.
وحتى يكون كلامي هذا باطلاً، ننتظر منهم إدانة الانقلاب بوضوح، ورفع صوتهم بمعارضته إن كانوا صادقين.

سلوكهم –من البداية- كان مبنياً على الوقوف في المنتصف ظاهرياً، مع الانحياز في الباطن للطرف العلماني.
هم لا يفعلون هذا لأنهم علمانيون. بل لأنهم يبحثون عن الطرف الذي يقطع لهم من كعكة السلطة أكثر.
غرَّهم حصولهم على المرتبة الثانية في انتخابات الرئاسة، فطرحوا أنفسهم بغباءٍ ليكونوا بديلاً للإخوان.
الآن إن ذهب الأخوان، فسيذهبون معهم بعد أن ينتهي دورهم.

لن أتحدث عن (هل أصاب الإخوان في تهميشهم أو لا). فهذا لا يغير من الموقف شثيئاً، فمهما كانت المبررات، كان المفترض منهم تقديم المصلحة العليا. تهميش الإخوان لهم، لا يبرر انحيازهم للطرف الأظلم والأطغى.
ولن أعلن جديداً إذا قلت: إن العسكر سيكون أشد تهميشاً لهم لو كانوا يعقلون ... إن لم يفعلوا اليوم، فغداً.

هذا ما لدي بخصوص (حزب النور) كتبته جواباً عن بعض التساؤلات التي وردتني بعض تغريدتي السابقة عنه.
وأكرر ما ذكرته من قبل، ففي قيادات الحزب من لا يرضى سياساته وكذا كثير من أتباعه خالفوا موقف الحزب في هذه الأزمة، كما خالفوه في الانتخابات

خلاصة ما لدي عن الموقف الرسمي للحزب: أن قيادته سلكت مسلكاً حزبياً رخيصاً، ورضت بممارسة (النفاق السياسي) في أجلى صوره.

بقي لدي تعليقٌ على مجمل الوضع المصري الآن.

قرأت لكثيرين يتحدثون عن أن استئثار الإخوان بالسلطة هو السبب فيما آلت إليه الأمور. من وجهة نظري أن هذه سطحية بالغة في تفسير الحدث.
دع عنك الضجيج الإعلامي، ولن تجد في سياسات مرسي ما يفسر حجم هذا الغليان والغضب منه ومن الإخوان.
الطبخة كان محبوكة ومدروسة ومرسومة بقطع النظر عن سياسات الإخوان...محاصرة اقتصادية من الخارج، ومعركة إعلامية ضارية من الداخل.

ألا تعجب من أناسٍ كان مبارك يجثم على صدورهم، ثم يصيحون الآن بأن مرسي (ديكتاتور!!)، ثم ينطلقون إلى أحضان العسكر، ورموز الديكتاتورية.
من الواضح أن الحشد الإعلامي الهائل أعطى أكله، فتحول مرسي والإخوان إلى وحش كاسرٍ يلتهم كل شيءٍ، ويتصاغر إلى جانبه كل شر.
مهما قيل عن أخطاء حصلت، فلا يمكن أبداً أن تكون مبرراً لرسم صورة في ذهن رجل الشارع بأن مرسي (ديكتاتور)!

القصة باختصار: أن الذي جرى ويجري بمصر كان معركة محتومة لا خيار للإخوان في تحاشيها. مهما فعلوا فسيلامون ويقرعون ويجرمون.
ما كان يجري هناك كان معركة نعرف حقيقتها، لكن الضجيج أنسى كثيراً منا قاعدتها وأرضيتها.

هناك من كان يتوهم ويحلم بديمقراطية مصرية تؤسس لمجتمع مستقر وتداول سلمي للسلطة بعيدا عن التطاحن. يحكم اليوم العلمانيون، وغداً الإسلاميون
دعوني أقول لكم أحبتي: دعوا الأحلام، وتذكروا أن المتناقضات لا تجتمع أبداً.
الديمقراطية تتطلب أرضية مشتركة يتم من خلالها تداول السلطة بين أحزاب تختلف مع بعضها، لكنها تقف جميعاً على تلك الأرضية.
تداول السلطة بين (إسلامي)، و(علماني) عملية متنافرة وغير قابلة للنجاح إطلاقاً.
متى وقع التنافس في صورة كهذه، فسيبقى الوضع قلقاً والصراع دامياً إلى أن يتغلب أحد الحزبين ويستأثر بالسلطة دون الآخر.
إما أن يتغلب أحدهما بالصناديق، فيصوغ دستوراً وتشريعاً يقصي الآخر: (وهو ما حاوله الإخوان).
وإما أن يتغلب أحدهما بالقوة، فيقصي الآخر (وهو ما فعله العسكر).

تلك هي الحقيقة بعيداً عن كل لغو وثرثرةٍ حول أخطاء في سياسات مرسي والإخوان.

أسوق هذا الكلام لبعض الحالمين الذين يتصورون أن الديمقراطية من الممكن أن تعالج مشكلة الصراع بين دعاة الشريعة، وبين العلمانيين.
حين يبلغ التباين هذا الحد، فلن يكون هناك تداول سلطة. لن يكون هناك إلا صراعٌ دامٍ.
لدى الأمريكيين لن تجد فرقاً منهجياً ضخماً بين (الجمهوريين)، و(الديمقراطيين)، كما لن تجده بين (حزب العمال)، و(المحافظين) البريطانيين.
الجميع ينتمي إلى أرضية علمانية مشتركة. لهذا يتداولون السلطة، ويبقى النظام العام ثابتاً.
فهل يمكن أن يحصل هذا بين صاحب مشروع إسلامي، وآخر علماني؟!
لا تنتظر إطلاقاً من أحزاب علمانية تخضع لسلطة إسلامية، حتى لو جاءت عبر صناديق الانتخاب ... ولا تنتظر العكس أيضاً.
قد يقبل أحدهما مضطراً في حالة الضعف. لكن عند القدرة: فالأفكار المتناقضة لابُد أن تتقاتل بشراسة. قتال ينتهي بخضوع أحد الطرفين للآخر.
حين يبلغ التناقض مثل هذا الحد، فتداول السلطة ديمقراطياً مشروط بأن يقبل أحد الطرفين بالخضوع لرؤية الآخر... فدعوا الأحلام والأوهام.

بقي لديَّ نقطة أكتبها للتاريخ إن كان هناك تاريخ فيما يكتب هنا:
أكره الرفض كراهيتي للكفر. لكني أعجب ممن كان ينظر بعين عوراء، فيقرِّع مرسي على التوسع في علاقاته مع إيران، ثم يتوقف عند هذا الحد ويصمت.
من كان صادقاً ومنصفاً، فليوجه ملامته لمن كان يملك القدرة على صرفه عن هذا ولم يفعل.
أدرك أن الإخوان لا يتصفون بالصلابة والحزم السلفي في التعامل مع الملف الشيعي.
لكنهم في النهاية ليسوا روافض، ودول أهل السنة كانت أولى بدعم اقتصاد بلدهم المنهار. لكنها اختارت الدفع بهم إلى إيران، ربما كي تتم ملامتهم.

اللهم احفظ مصر وأهلها ،،، اللهم انصر أهل الشام واجعل لهم فرجاً قريباً ،،، آمين.


بندر الشويقي

25 شعبان 1434هـ / 4 يوليو 2013

15‏/06‏/2013

الحجاب .. والاختيار الحر!

“هذا الحجاب تحذير صريح للآخرين بأنني لست المرأة التى يمكنهم اللهو معها. إنه يدلل على أنني إمرأة ذات عقل، وأدرك أننى أكثر من مجرد جسد. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الحجاب مساويًا للاضطهاد، فلا نريد منك أن تشعر بالأسى من أجلنا نحن المحجبات “. (*)

قائلتها أمريكية، معمدانية راديكالية، ناشطة فى شئون المرأة، بعد أن أسلمت وارتدت الحجاب.

......

“كنتُ في البداية أشعر أنني مسلوبة الإرادة، والآن أشعر أنني حُرّة، حُرّة بمعنى الكلمة.
عندما يتطاير شعري بفعل الهواء و”تبوظ تسريحته” أتذكر ما مر من أجل هذه اللحظة .. فأبتسم.
كل عام وأنتي حُرّة”

كاتبتها مصرية، مسلمة، ناشطة فى شئون المرأة، بعد أن خلعت عنها الحجاب.

......

تجربتان مع الحجاب، برقت الأولى فى ذاكرتى وأنا اطالع الثانية التي تسجل صاحبتها مرور عام على خلعها الحجاب، عام من اختيارها الحر (كما وصفته).

......

التجربة الاولى تبدأ أحداثها فى إحدى قاعات الدرس بالجامعة، عندما دخلتها “أمينة” فهالها أن تجد بين زملاء الدراسة نفر غير قليل من العرب، الأمر الذى جعلها تنفر وتعزف عن دراسة هذه المادة فى هذا الفصل الدراسي. الزوج الهادئ يراجعها ناصحًا ومحذرًا من أثر ذلك على المنحة التى تسعى للحصول عليها. وبعد يومين من التفكير العميق قررت “أمينة” التسليم بما قدره الله، وقد ملأها شعور أن الله قد قدر لها أن تحمل على عاتقها مهمة تحويل هؤلاء العرب إلى المسيحية.

شرعت “أمينة” فى أداء مهمة رأت أنها مكلفة بها، أنذرتهم بالجحيم إذا لم يقبلوا بالمسيح مُخَلِصًا، إنهم يستمعون بأدب لكنهم لا يتأثرون. بشرتهم بحب المسيح لهم وكيف مات على الصليب كي يخلصهم من خطاياهم وأن ما عليهم إلا أن يؤمنوا بذلك فيَّخْلَصوا، ولكنهم لا يؤمنون.

فشلت “أمينة” فى أن تنذر، وفى أن تبشر. فقررت أن تفعل شيئًا مختلفًا.
“قررت ان أقرأ لهم من كتابهم لأبين لهم أن الإسلام هو دين زائف، وأن محمدًا كان إلهًا زائفًا ايضًا” (*)

منحها أحدهم بناءً على طلبها نسخة من القرآن الكريم وكتاب آخر يتحدث عن الإسلام، وبدأت “أمينة” رحلتها التى استغرت العام ونصف العام، قرأت خلالها القرآن وخمسة عشر كتابًا عن الإسلام. وبدأت “أمينة” تتغير ..

أولى الدُفعات التى تكبدتها “أمينة” كتكلفة لهذا التغيير؛ أن فقدت زوجها. الذى -على حبه لها- لم يستطع أن يستوعب ما اعتراها من تغير، لم تستطع هى أيضًا أن تفسره فلم تكن قد أدركت كنهه بعد. طلب منها الرحيل، ففعلت. انتقلت إلى شقة مستقلة تعيش فيها مع طفليها الصغيرين.

وتوالت الدُفعات عندما أشهرت “أمينة” إسلامها فى 21 إبريل من عام 1977 ..
فقدت جُل أصدقاءها.
الأم لم تتقبل فكرة إسلامها، وتمنت أن تكون نزوة عابرة سرعان ما تتغلب عليها.
الأخت خبيرة الصحة العقلية ظنت أنها قد فقدت عقلها، وحاولت وضعها فى مصحة للأمراض العقلية.
أما الأب الهادئ الحكيم الذى يلجأ إليه الجميع طلبًا للنصح، فقد عبأ مسدسه بالذخيرة عازمًا على قتلها عندما تناهى إليه خبر إسلامها.

ثم قررت “أمينة” أن ترتدى الحجاب!
وما أن فعلت حتى حُرِمَت عملها. لتجد نفسها دون عائلة، ودون أصدقاء، ودون مصدر للرزق يؤمن لها لقمة العيش.
لكن الأسوأ لم يأتى بعد ..

إن انفصالاً سبق بينها وبين زوجها، وجب أن يتحول بعد إسلامها إلى طلاق رسمي، ينتقل بموجبه الأطفال إلى حضانة الأم كما يقضى بذلك القانون الأمريكي، إلا أن القاضى قد رهن ذلك بتخليها عن الإسلام، ومنحها عشرين دقيقة فقط لتختار بين إسلامها وبين طفليها!

“لقد كانت تلك العشرين دقيقة هى الأقسى والأقصى ألمًا في حياتي” (*)

كي تدرك طبيعة الكابوس الذى عاشته “أمنية” لدقائق تفصل فى عمرها القادم، عليك أن تضيف بعض تقارير طبية تفيد بإستحالة حملها مرة أخرى لوجود مشاكل صحية!

تقول “أمينة”: “دعوت الله كما لم ادعوه من قبل .. لقد علمت أنه لن يكون هناك ملاذ آمن لأولادي خير من أن يكونوا فى كنف الله ورعايته، وإذا ما انكرتُ الله الآن فلن يكون لى سبيل مستقبلا أن أبين لأولادي كم هو رائع أن تكون مع الله”. (*)

فاختارت “أمينة” الإسلام، واستودعت الله أولادها. غادرت المحكمة وقلبها يدمى، ولكنها على الرغم من ذلك كانت فى قرارة نفسها على يقين بأنها اختارت الاختيار الأصوب!

لم تسكن “أمينة” أو تنهزم بل على العكس من ذلك نشطت عن ذى قبل، وصلت بقضيتها إلى الإعلام، صحيح إنها لم تنجح فى كسب حضانة طفليها، لكن تعديلاً طرأ فيما بعد على قانون “كولورادو” ينص على أنه لا يجوز حرمان الآباء من حضانة أبناءهم على أساس الديانة.

أحال الإسلام “أمينة” إلى شخصية فريدة، باتت محط إعجاب الكثيرين، تأسرهم بخلقها السمح الذى اكتسبته من تعاليم الإسلام، فهدى الله على يديها كثيرين، واتمثل قول الله تعالى عن نبيه أيوب (عليه السلام):
“وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”

الجدة التى جاوزت المائة من عمرها أراد الله لها الإسلام على يد “أمينة” قبل أن ترحل عن الدنيا بفترة وجيزة.
وبعد عامين من إسلامها، دعتها أمها لتعبر لها عن إعجابها بما آمنت به “أمينة” ودعتها إلى استمرار التمسك به. وبعد عامين آخرين دعتها مجددًا لتسألها كيف تصبح هى الأخرى مسلمة.
فبل أسبوعين من إسلام الأم، أسلم الأب، هذا الذى عبأ مسدسه يومًا كي يفرغه فى رأسها.
أم الأخت خبيرة الصحة النفسية فقد أسلمت بعد أن آمنت بأن الدخول فى الإسلام هو الأجدى لصحة العقل والبدن.
وما أن بلغ ولدها “ويتنى” عامه الحادى والعشرين حتى أبلغها أنه يريد أن يصبح مسلمًا.
بعد ستة عشر عامًا من الطلاق، اعتنق زوجها السابق الإسلام. قال لها إنه كان يتابع اخبارها، وأنه يريد لإبنته أن تحذو حذوها وأن تعتنق هذا الدين العظيم.

لكن الأروع لم يأتى بعد ..
الأروع هو زواجها من رجل آخر، شاء الخالق القدير أن يجعل ثمرته طفل جميل برغم ما سبق أن قرره الأطباء من استحالة حدوث ذلك!

رحم الله “أمينة السلمي” رئيس المنظمة العالمية للمرأة المسلمة.

......
أما التجربة الثانية فقد سطرتها صاحبتها فى تدوينة ملخصها:

ارتدت الحجاب فى الثانية عشر من عمرها حيث كان زيًا مدرسيًا للمدرسة الإعدادية التى التحقت بها. قضت عشر سنوات بين رغبتها فى التخلص منه، وبين قدرتها على التعايش معه .. حتى قامت الثورة، عندها قررت أن تنتزع حقها فى أن تكون صاحبة القرار!

فى اليوم الموعود ذهبت إلى أمها فى المطبخ تخبرها أنها قررت خلع الحجاب، “أنتى اللى حتتحرقى فى النار” قالت أمها. شئ من المكابرة يحفظ موقفها فى قالب: اللهم بلغت اللهم فاشهد. توسلت إليها أن تقف إلى جانبها، وفعلت الأم. عندما عاد والدها من صلاة الجمعة وأبلغته بقرارها، قالت الأم متظاهرة بالغضب: “سيبها يا أحمد هي اللي هتتحاسب”.

عندما ضغط الأب على وتر “الفرض الديني” شرحت له كيف أن الله لن يرضى عن فعل تفعله وهى مجبرة، شعر بأنه فى مازق، فقال: “الناس هنقولهم إيه؟”، سألته: “ربنا ولا الناس؟”، وكانت تعلم ان الإجابة فى واقع الأمر هى الناس وليس الله!!

صعدت من ضغطها، وتدخلت أختها .. “همممم حسنًا إنها في الغالب لجأت إلى “وتر المشاعر” وعزفت سيمفونية الأب المثالي، وشعرت أن أبوّته غلبت، حينها فقط أدركت أنني لو تركتُ الفرصة لن تأتِ أبدًا”.

“دخلت لأرتدي قميص بكُم، وبنطلون، ربطتُ شعري ووقفت أمام المرآة أحدث نفسي: أفعليها الآن، الآن وليس غدًا”
وخرجت لأول مرة بدون غطاء رأسها.

ثم بعد عشرة أيام، وفى ليلة أول إمتحان يأتيها الأب ليقول أنه يجب عليها ارتداء الحجاب لأن الناس يقولون: “بنتك مش مؤدبة”، أجابته بأنه إذا كان الحجاب مرتبطًا بالأدب فعليهم فرضه كذلك على أبناءهم الذكور. تحتد نبرة الحديث، يخرج الأب وهو يقول أنها سوف ترتديه بمجرد أن تنتهى الإمتحانات، وتبقى فى غرفتها تبكى الظلم والقهر وتنعى وجودها فى هذا المجتمع المريض، ولكنها لن تستسلم وسوف تقاوم!

انتهت الامتحانات، وكانت على موعد مع جمعية “نهوض وتنمية المرأة” فى مقابلة شخصية تمهيدًا لانضمامها إلى فريق العمل، وكانت قد اتفقت من قبل مع أسرتها على الإستقلال عنهم حال التحاقها بالعمل فى الجمعية!

أثناء استعدادها للخروج تتجدد المواجهة مع الأب، ومع إصرارها على الخروج بدون حجاب يلطمها الأب، فتحتد أكثر “مش هلبسه، مش هلبســه”، “هاتي مفتاحك، متدخليش البيت ده تاني” قال الأب، وفعلت هى!

فى القاهرة أقامت فى دار للمغتربات، واستقلت عن الأسرة، التى تحسنت علاقتها بهم بعد ثالث إجازة أسبوعية. انتهت جفوتهم، وانتهى حديثهم عن الحجاب!

......

إن المسافة الفكرية والإنسانية التي تفصل بين التجربتين تفوق تلك المسافة الجغرافية التي تفصل بينهما، إلا أن عاملاً مشتركًا يجمعهما هو ما تفخر به صاحبة التدوينة وتحتفل بمرور عام عليه: “الاختيار الحر”. فهل يحظى الاختيار الحر فى التجربة الأولى بثراءها وزخمها وحجم الألم المبثوث فيها بذات القدر (على الأقل) من التقدير الذى ناله اختيار “خلع الحجاب”؟!

هل يمكن لمن قدست الاختيار الحر حتى قدمته على طاعة الله أن تحيى “أمينة”، وأن ترفع يدها بعلامة النصر كما فعلت عندما امضت هى اختيارها؟
هل يمكن لجمعية كتلك التي تعنى بنهوض المرأة وتنميتها أن تلتقط نسخة مصرية من “أمينة” لتدعمها، على غير ما يبدو من حصر هذه الأنشطة على النهوض بالمرأة من سكينة استسلامها لتعاليم الدين، وتنمية قدراتها فى التمرد عليها؟
هل يمكن لمن أشاد، ومن تعاطف، ومن تفهم، اختيار خلع الحجاب، أن يفعل المثل مع اختيار ارتدائه؟
إجابة السؤالين الأول والثاني: “لا”. أما الثالث: “ربما”.

الإجابة بـ “لا” لأن الاختيار الحر ليس الهدف وإنما الوسيلة، واستحسانه ليس مطلقًا وإنما نسبيًا وفقًا لتقديراتنا الخاصة. وأنا اتفق مع ذلك كل الاتفاق فأرى أن الاختيار ليس محمودًا لذاته وإنما لحكمته. ما لا اتفق معه هو الرفع من قيمة حرية الاختيار فى مقابل حكمته، وهو تدليس يهذب كل حماقة ويرفع كل تدنى!

أما من يؤمنون بنظرية “الاختيار الحر” فدعونا نختبرها فيما هو أدنى كثيرًا من الفرض الديني، وأهون فى عاقبة العصيان.

هل تشفع فى إعفاء طالب من مادة إجبارية لا تستهويه دراستها؟
هل ترفع العقاب عن العسكري الذى لا يلتزم بزيه العسكري؟
......
أمثلة لا نهائية يمكن سردها هنا لتنحية “الاختيار الحر” فى مقابل الإلتزام بضوابط منظمة لحركة مجتمع، والوفاء بتكليفات مفروضة بحكم الإنتماء إليه.

والإسلام ليس بدعًا من ذلك. عندما تختاره كدين تدين لله به؛ فإنك تترك اختيارك على عتبته، وتُسْلِم وجهك لله الذى آمنت به، لأن تحفظك على أحكام الله طعن فى إيمانك به، وانتقاءك بينها يخرق إسلامك له.

إذا فالقضية قضية إيمان فى حقيقتها، وهى ما فطن إليه اثنان من المعلقين على تدوينة صاحبة “الاختيار الحر”، أحدهما مسلم يعى جوهر القضية، والثانى ملحد لكنه كان منطقيًا فيما ذهب إليه من استنكار اقتطاع أحكام من الإسلام مع استمرار الإيمان به كدين!

وتأتى ردودها كاشفة عن موطن الداء (الذى لا علاقة له بحرية الاختيار)، فأجابت الأول:
“أخي في الله، أتفق معك تمامًا أن الإيمان أولاً ويتبعه الحجاب، لذلك أدعوك أن تؤمن وترتدي الحجاب لعل الله يجعل لي من ثواب هدايتك نصيب، اللهم أمين”

وأجابت الثانى:
“أنت ملحد يعني رفضت فكرة وجود إله في الأصل، شغلت عقلك لحد ما وصلت لحقيقة ان مفيش خالق للكون دة، وعليه فإن كل الأديان والقواعد المنسوبة لهذا الإله باطلة، غير منطقية ، غير مقنعة بالنسبة لك، بعدها بترفض إن الحجاب مش من الإسلام ، على الرغم إن الحجاب بالذات عليه كلام وأراء فقهية كُثُر بسبب الثغرة اللي دايما بتتاخد على الإسلام إنه بيفرق بين الرجل والمرأة وإنه دين ذكوري بحت،، يعني من أشد وأبرز النقط اللي بتتاخد على الإسلام هو إضطهاد المرأة ومن ضمنها فرض الحجاب على الإناث مش الذكور، ثم تيجي تقول أنا ملحد، تقبل الله إلحادك”

وفى رد ثالث لها على من سألها عن إحساسها برضا الله عنها أجابت:
“طبعاً حاسة إنه راضي، لأني عارفة إن عمره ما هيرضا وأنا بنافقه، أضحك عليه كأني أذكى منه؟ هو عارف كويس أنا جوايا إيه، لو قرر يعاقبني يعاقبني أنا متحملة النتيجة”

إيمان مضطرب، تفكير مشوش، خطوط متشابكة ومشتبكة ..

سخرية واستهزاء بآيات الله!
طعن فى عدله وحكمته سبحانه، مع استنكارها الشديد أن تنافقه فتطعن بذلك فى ذكاءه وحدود علمه!
يطلب منها حسم قضية الإيمان أولاً .. تقول له ارتدى أنت الحجاب!
يقول لها إن الحجاب من الإسلام .. تقول له إن الإسلام دين ذكوري!

هذا الاضطراب والخبال يطرح نفسه كفكر وكقضية ترفع شعار الحرية والثورة على المجتمع الذى يخلط بين الفرض الديني وبين الواجب المجتمعي!!

مع أنهم لم يحسموا هم أولاً قضية إيمانهم، وثانيًا قضية الفرض الديني. يخلطون بين الإيمان والكفر، ويفصلون بين الأحكام وبعضها التقاطًا وانتقاءً!!

لمن يقف على أرضية الإيمان فإن الله تعالى يقول:
“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا” الأحزاب - 36
لا خيار فيما قضى به الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

وقد قضى ربنا بحكمته الحجاب على المؤمنات:
“وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” النور - 31

فقالت أم المؤمنين عائشةَ (رضيَ اللهُ عنها): “يرحمُ اللهُ نساءَ المهاجراتِ الأُّوَلِ، لمَّا أنزلَ اللهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. شقَقْنَ مُروطَهنَّ فاختَمرْنَ بهَا” .. سمعن فأطعن.

إن الطاعة لله ليست نفاقًا؛ إذا كانت ابتغاءً لوجهه وتقديمًا لرضاه على هوى نفسى، وإن عدمت الإخلاص وفقدت الأجر؛ فإننى قد اجتنبت المعصية وشقاق الله ورسوله.

وصدق ربى .. توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
--------

(*) Aminah Assilmi - former Radical Feminist Baptist Converts



كتبت: نور عبد الرحمن

12/06/2013