29‏/07‏/2011

السلفيون والجدار الإسلامى الجديد


ينقسم التيار السياسي الإسلامي في مصر إلى عدة أقسام وقوى، يأتي على رأسها الإخوان المسلمون وحزبهم الحرية والعدالة ، ثم الأحزاب التي انشقت عنها وتتبع ذات الأفكار غير أنها تختلف في بعض التفاصيل كحزب الوسط والنهضة وهناك أحزب تنتهج الوجهة الإسلامية كحزب الريادة وحزب الإصلاح والتنمية، غير أن هذه القوى جميعها مع احترامنا لها لم تكن لتصل إلى الاتفاق على التظاهر يوم 29 يوليو القادم ثم الاعتصام المنشود من بعض شباب هذه الجماعات والأحزاب دون وجود قوة فوجئ الجميع بصلابتها ودفاعها القوي والمستميت عن الحق، إنها القوى السلفية متمثلة في دعوتها الشهيرة، وحزب النور الذي يمثل قطاعًا كبيرًا من السلفيين الحريصين على تصحيح مسار الثورة لا يقلون عن أية قوة أخرى في مصر، لا من حيث العقول والطاقات والقيم الأخلاقية والمعرفية التي يتكئون عليها في عملهم لإصلاح هذا الوطن الذي يُلعب به الكرة بين الكل دون وجود التيار الإسلامي السياسي الذي اعتاد أن يكون على مقعد البدلاء مستمتعًا بهذا المقعد الوثير!

القوة السلفية إذن هي حصان طروادة الذي يمكن أن نعول عليها بعد الله ومع بقية القوى الإسلامية الأخرى في إبراز حجم الإسلاميين الحقيقي في هذا الوطن، وإن التشويه الذي مورس في جنابهم طوال الأعوام العشرين الأخيرة من الإعلام القذر والأفلام المنحطة ومن المؤسسات الرسمية في الدولة حتى بات كثير من المصريين يوجلون من كل سلفي طليق اللحية نظرًا للصورة السلبية والنمطية التي غُرست في أعماق البسطاء من الناس، هذا التشويه لم يثنهم عن اتباع الحق، وتطوير رؤيتهم في انتهاج العمل السياسي لحل كثير من الإشكاليات التي طالما واجهتهم وواجهت التيار السياسي الإسلامي.. وقد شاء الله أن يغير ما كانوا فيه من العسر والضيق والعنت إلى الرحب والسعة وتعضيد التيار الإسلامي بل والاتحاد في كيان أحسبه المنقذ من الضلال والتيه وحالة "الانبطاح الثوري للإسلاميين" من قبل، هذا الكيان هو "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاحوهي الهيئة التي دعت إلى رفض وثيقة المبادئ الدستورية التي تعد التفافًا على الاستفتاء الماضي، وصفعة لكل إسلامي ووطني من خلال مليونية 29 يوليو القادم.

إن الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح هيئةٌ عمادها الإخوان المسلمون والسلفيون ومجموعة من علماء الأزهر الشريف، وهذه الهيئة كيان جديد لم يعرفه الإسلاميون من قبل بهذه القوة والاتحاد والتشبث على قلب رجل واحد لتحقيق المطالب المشتركة في القضايا السياسية والفكرية والعلمية المستجدة، ويمكن أن يرجع القارئ الفاضل إلى مختصر نظام الهيئة للتعرف على مبادئهم ولائحتهم الجيدة، وأحسب أن حالة التوحد الإسلامي هذه في مواجهة التطرف والبلطجة من بعض القوى العلمانية سليطة اللسان، عالية الصوت هي القادرة على ضبط ميزان الثورة المصرية وعدم اختطافها أو ركوب موجتها.

ويوم 29 يوليو هو الاختبار الحقيقي لهذه الجموع من الإسلاميين؛ فالمصريون الوطنيون لن يقبلوا أن يُخدعوا من قبل المجلس العسكري أو القوى العلمانية والليبرالية التي لا تملك الوزن والثقل والشعبية التي يتمتع بها الإسلاميون؛ ولذلك فإن الأمر قد يتطور إلى اعتصام (وهو حق مشروع طالما نادى العسكريون باحترامه) حتى تحترم المؤسسة العسكرية إرادة المصريين في انتخاب من يشاءون ووضع الدستور الذي يتبناه الشعب دون وصاية ممن يحسبون أنفسهم أن صوتهم أغلى وأثقل وأهم من المصريين "الرعاع"!
وإذا نجح هذا التحالف الإسلامي في تحقيق مطالب مليونية 29 يوليو أو الاعتصام الذي قد يتبعه فأحسب أن هذه بداية قوية للتيار الإسلامي في مصر يمكن أن تكون نواة لاجتماع الإسلاميين على كل صغيرة وكبيرة فيما بعد، وهي أيضا لحظة تاريخية حاسمة نرى فيها بوضوح دور القوة السلفية الصاعدة في تعضيد وتقوية الجدار الإسلامي الفولاذي الجديد


محمد شعبان أيوب،
الكاتب والباحث في التاريخ الإسلامي
المصدر : شبكة رصد
الثلاثاء 26 يوليو 2011

28‏/07‏/2011

بيان الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح حول مليونية الجمعة 29/7/2011

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛ فقد ناقشت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح مسألة المليونية القادمة فى 29/07/2011 م وأصـدرت بخصوصها البيان التالى : -

أولاً: تُنبه الهيئة الشرعية جموع الشعب المصري الكريم إلى أنَّ السبب الداعي إلى احتشاد الجماهير في هذه المليونية هو الدفـاع عن الإرادة الشعبية التي عَبَّر عنها الشعب في استفتاء 19 مـارس والذى أكد على الانتخابات أولاً ثم الدستور ثانيًا ثم انتخابات الرئاسة ثالثًا.

ثانيًا: تدعو الهيئة الشرعية جموع المصريين للخروج في هذه المليونية لتأكيد رفض المصادرة على الإرادة الشعبية مِن خلال فرض وثيقة مباديء فوق دستورية لها الإلزامية التي للدستور.

ثالثًا: تنحاز الهيئة الشرعية للمطالب الشعبية والتي تتضمن الإسراع بمحاكمة رموز الفساد وقتلة الشعب المصري، وتطهير مؤسسات الدولة كافة مِن رموز الفساد ودهاقنة النظام البائد.

رابعًا: تطالب الهيئة الشرعية المجلس العسكري بإعلان التراجع عن وثيقة المبادئ التي لم ولن تتوافق عليها الإرادة الشعبية المصرية.
كما تطالب الهيئة المجلس العسكري الحاكم بوضع خارطة الطريق التي تتضمن المواعيد المحددة لتنفيذ ما جرى الاستفتاء عليه بدقة.

خامسًا: تطالب الهيئة الشرعية بإصلاح المؤسسة الدينية الرسمية، واستبعاد الرموز الفاسدة، وتعيين القيادات الدينية الكبرى بالانتخاب الحر النزيه.

سادسًا: تناشد الهيئة الشرعية المجلس العسكري الحاكم بالتريث عند إصدار قرارات تتعلق بالإرادة الشعبية، وكما هو معلوم فإنه لا يُعتبر توافق القوى السياسية مُعبرًا عن الإرادة الشعبية.

نسأل الله أن يحفظ مصر آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين،
والحمد لله رب العالمين.

التاريخ 24 شعبان 1432 هـ / 25 يوليو 2011

رئيس الهيئة الشرعية
أ.د. علي السالوس

النائب الأول
أ.د. طلعت عفيفي

النائب الثاني
أ.د. محمد عبد المقصود

النائب الثالث
فضيلة الشيخ محمد حسان

الأمين العام للهيئة الشرعية
د. محمد يسري إبراهيم


26‏/07‏/2011

بيان ائتلاف القوى الإسلامية بشأن جمعة 29 يوليو


الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

فقد دعت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح مختلف القوى والتيارات الإسلامية للتباحث حول الظروف التي تمر بها الأمة في هذه الأيام والتحديات التي تواجه الشعب المصري، وبعد جلسة مطولة انتهت هذه الجهات والهيئات إلى توجيه البيان التالي:

أولاً: يرفض الموقعون على هذا البيان مجددًا وضع وثيقة مبادئ حاكمة وفوق دستورية، وذلك لما تتضمنه من فرض إرادة ووصاية على إرادة الشعب المصري.

ثانيًا: يستنكر الموقعون على هذا البيان ما أعلن عنه من حركة المحافظين والتشكيل الوزاري القادم، وتضمن الحكومة لليبراليين واليساريين وفلول الحزب الوطني واستبعاد غيرهم من فئات الشعب المصري.

ثالثًا: يطالب الموقعون على هذا البيان بإنجاز مطالب الجماهير من المحاكمات العادلة وسرعة إنهاء التحقيقات مع قتلة الثوار ورموز الفساد في النظام البائد.

رابعًا: يدعو الموقعون على هذا البيان الدولة والمجلس العسكري الحاكم إلى تعديل الأوضاع المعكوسة، وتقدير الاتجاهات الإسلامية والوطنية كافة بما يتناسب مع حجمها ودورها في الشارع المصري.

خامسًا: يعتبر الموقعون على هذا البيان عدم إجابة مطالبهم العادلة سببًا كافيًا في دعوة جموع المصريين إلى «مليونية حقيقية» ومفتوحة يوم الجمعة الموافق 29/7/2011م بميدان التحرير، وذلك للدفاع عن الشرعية والهوية، ومكتسبات الثورة المصرية.

نسأل الله تبارك وتعالى أن يحمي بلادنا وشعبنا من كل سوء وأن يدفع عنا كل مكروه إنه جواد كريم بر رءوف رحيم، والحمد لله رب العالمين.

الجهات الموقِّعة على البيان:
«الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح»،
«الدعوة السلفية بالإسكندرية»،
«الإخوان المسلمون»،
«الجماعة الإسلامية »،
«جبهة الإرادة الشعبية».

22‏/07‏/2011

الإمام النووي: ترجمة مختصرة


اسمه ولقبه وكنيته
((هو الإمام أبو زكريا، محيي الدين، يَحْيَى بن شَرَف بن مُرِي بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حِزام، النووي، ثم الدمشقي)) [المنهاج السَّوِي في ترجمة الإمام النووي – السيوطي (ص25، 26)]، وقيل "النواوي" بزيادة الألف بين الواوين. فلقبه: محيي الدين، وقيل أنه كان يكره أنْ يُلَقَّب به. وكنيته: أبو زكريا، ولم يتزوج ولم يكن له ولد.

مولده
كان مولده رحمه الله في شهر المحرم سنة إحدى وثلاثين وستمائة من الهجرة، بنوى، وهي مِن أعمال دمشق.

نشأته
((عاش النووي في كنف أبيه ورعايته، وكان أبوه في ديناه مستور الحال مبارَكاً له في رزقه، فنشأ النووي في ستر وخير)) [الإمام النووي، شيخ الإسلام والمسلمين وعمدة الفقهاء والمحدِّثين: سلسلة أعلام المسلمين – عبد الغني الدقر (ص22)]، قال عنه ابن العطَّار –أحد تلامذته-: ((ذكر لي الشيخ ياسين بن يوسف الدمشقي، ولي الله، رحمه الله، قال: رأيتُ الشيخ محي الدين، وهو ابن عشر سنين، بنوى، والصبيان يُكرِهونه على اللعب معهم، وهو يهرب منهم ويبكي لإكراههم، ويقرأ القرآن في تلك الحال، فوقع في قلبي محبته. وجعله أبوه في دكان، فجعل لا يشتغل بالبيع والشراء عن القرآن)) [تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين – ابن العطَّار: ضبط نصه وعلق عليه وخرج أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان (ص44)].
قَدِم به والده إلى دمشق وعمره تسعة عشرة سنة، حيث بدأ رحلته في طلب العِلم.

مناقبه ومكانته العلمية
برع رحمه الله في شتى صنوف العلم، من فقه وحديث ولغة. واشتُهِر بالزهد والتقوى والورع، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنصح للأئمة.
وهو مِن كبار محققي المذهب الشافعي، قال عنه السيوطي: ((محرر المذهب ومهذبه، ومحققه ومُرَتبه. إمام أهل العصر عِلماً وعبادة، وسيد أوانه وَرَعاً وسيادة))، وقال: ((فبه ثَبَّت الله أركان المذهب والقواعد، وبَيَّن مهمَّات الشرع والمقاصد))، وقال: ((أثنى عليه الموافِق والمخالِف، وقَبِل كلامه النائي والآلِف، وشاع ثناؤه الحَسَن بين المذاهب)) [المنهاج السَّوِي في ترجمة الإمام النووي – السيوطي (ص25، 26)]، ختم حِفظ القرآن الكريم وقد ناهز الاحتلام.
وقال عن نفسه: ((حفظتُ كتاب "التنبيه" في نحو أربعة أشهر ونصف، وحفظتُ رُبع العبادات مِن "المهذب" في باقي السنة)) [تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين – ابن العطَّار: ضبط نصه وعلق عليه وخرج أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان (ص46)]، و"التنبيه" و"المهذب" من أشهر كتب الشافعية.

شيوخه
للإمام النووي شيوخٌ كثيرون في كل علم اشتغل به، منهم: جمال الدين عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي، ومفتي الشام تاج الدين الفركاح عبد الرحمن بن إبراهيم بن ضياء الفزاري، والقاضي أبو الفتح عمر بن بُندار التفليسي، وأبي إسحق إبراهيم بن عيسى المرادي، أبي البقاء خالد بن يوسف النابلسي، وأبو الحسن بن سلاَّر بن الحسن الأربلي ثم الحلبي ثم الدمشقي، وأبو إسحق إبراهيم بن أبي حفص عمر بن مضر الواسطي، وغيرهم الكثير، رحمهم الله جميعاً.

مصنفاته
أَلَّف النووي رحمه الله في علومٍ شتى، وقد حُكِي عنه أنه كان يكتب حتى تكل يده فتعجزه.
ومن مصنفاته التي أتمها: شرح صحيح مسلم، المنهاج، رياض الصالحين، روضة الطالبين، التنبيه، الأذكار، التقريب، الأربعين، مناقب الشافعي، مختصر أسد الغابة، التبيان في آداب حَمَلة القرآن، وغيرها.
ومِن المصنفات التي مات قبل أنْ يتمها في حياته: المجموع، تهذيب الأسماء واللغات، الخلاصة في أحاديث الأحكام، وغيرها.

وفاته
تُوُفِّي رحمه الله ((ليلة الأربعاء، الثُلُث الأخير مِن الليل، رابع وعشرين من رجب، سنة ست وسبعين وستمائة، بنوى، ودُفِن بها صبيحة الليلة المذكورة)) [تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين – ابن العطَّار: ضبط نصه وعلق عليه وخرج أحاديثه مشهور بن حسن آل سلمان (ص43)]، وكان عمره ستة وأربعون سنةً تقريباً.

جمعه: أبو إسماعيل حاتم الحاجري،
عفا الله عنه
23رجب 1432هـ / 25يونيو 2011

18‏/07‏/2011

بيـــان ائتـلاف القـوى الإسلاميــة


بيـــان ائتــــلاف القــــوى الإسلاميـــــــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد؛

ففي ظل الظروف الدقيقة التي تمر بها الأمة المصرية في هذه الأيام تتوجه الجهات والهيئات الموقعة على البيان إلى عموم المصريين بالبيان التالي:

أولاً: يرفض الموقِّعون على هذا البيان كل محاولة لاغتيال إرادة واختيار الشعب المصري سواء فيما يتعلق بدستوره المقبل أو انتخابات مجلسي الشعب والشورى.

ثانيًا: يرى الموقعون على هذا البيان أن فكرة إعداد وثيقة مبادئ حاكمة للدستور المصري الجديد في هذا التوقيت هي فكرة مرفوضة من حيث الأصل وذلك لمصادمتها لما جرى الاستفتاء عليه، ولأن من سيكلف بإعداد هذه الوثيقة لا يمثل جماهير الشعب المصري.

ثالثًا: يدعو الموقِّعون على هذا البيان جموع المصريين الشرفاء إلى الدفاع عن اختيارهم الذي جرى عليه الاستفتاء، وألا يسمحوا لأحد كائنا من كان بالقفز عليه.

رابعًا: إنَّ الموقِّعين على هذا البيان يؤكدون ثقتهم في القيادة العسكرية متى ما بقيت متمسكة -كما عهدناها- بتحقيق اختيار وإرادة الشعب، ويرفضون كل محاولات الضغط والابتزاز.

خامسًا: لقد التزم الموقعون على هذا البيان بالحكمة وضبط النفس والعمل على تفويت فرصة من يحاولون القفز على مكتسبات الشعب المصري إلا أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي مع ما يجري الآن من محاولات الالتفاف على مكاسبه وإنجازاته.

وفَّق الله قادة البلاد والعباد إلى ما فيه خير مصر، والحمد لله رب العالمين.

الجهات والهيئات الموقِّعة على البيان:
الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح.
جماعة الإخوان المسلمون.
جماعة الدعوة السلفية بالإسكندرية.
جماعة أنصار السنة المحمدية.
مجلس شورى العلماء.

الخميس 13 شعبان 1432هـ / 14 يوليو 2011.

16‏/07‏/2011

دعوةٌ لتجديد الخطاب ..... الليبرالي


وتصوّرتُ نفسي ليبراليًّا .. تتحدر عن جبهتي قطراتٌ كحباتِ الرمان، وتسري في وجنتي حمرةٌ كالشفق، وتهدر حنجرتي بهتافِ الحرية، ويتخلل لحيتي غبارُ السعي، لا تلين لي حصاة، ولا ترضخ مني قناة، أصرخ في الناس أحذرهم هؤلاء الإسلاميين عن يميني، وأدفعهم أزّا إلى الطريق عن شمالي .. ذاك الطريق .. إنه طريقٌ ... وتعجز مني آلة التصور، لا أستطيع استشراف الطريق، ولا أتبين معالمه .. فأعيد الكَّرَّة لأتصور نفسي والإسلاميين والناس .. ثمّ .. ثمّ مرةً أخرى .. أعجز عن تخيّل الطريق .. فأعود هاتفًا صارخًا محذرًا مشيرًا إلى ذاك الطريق الذي لا أراه .. أُفًّا..!! استجمعتُ أفكاري، وجلستُ إلى كتابات الليبراليين من بني وطني، لأراهم يعلنون الحرب على الرجعية، والدعوة إلى طريقةٍ مُثلى، وطريقٍ مستقيمٍ، فإذا ما حلّ أوان المحاققة، وأجهدتَ نفسك في البحث عن تلك الطريقة، وهذا الطريق، ما وجدتَ غير السراب اللامع، ودعاوى تذر الديار بلاقع .. أفّا مرةً أخرى!! استجمعتُ أفكارهم، واتكأتُ متعجبًا، هل يدري هؤلاء الليبراليون أنّهم يكتفون بهدمٍ بلا بناء، وحربٍ دون إعمار، ونفيٍ من غير إثبات ... هل يدرون؟!

تشعر -يا سيدي!- وأنت تقرأ لدعاة الليبرالية، أن تلك الليبرالية منظومةٌ متكاملةٌ لا يرفضها إلا هالك، وجنّةٌ لا يأباها إلا أعمى، كلها فضائلُ وأفضال، ليس فيها مُتناقِضات، ولا تقابل معتنقها مُعضِلات، وهي تجتمع مع كل شيء، وليس ينسخها شيء، فلا مانع أن تكون مسلمًا ليبراليًّا، وعلى النقيض فلا مانع أن تكون علمانيًّا ليبراليًّا، وفيها يصب نهر التاريخ، ومن أجلها قامت الثورات، ولحفظها قامت دولٌ، وزالت أخريات، وفي رسمها خطة السياسة، وخطوط الاتصال، وعلائق الاقتصاد، فإذا ما استعملتَ -سيدي!- "كيف" و "لم" وأخواتهما، تلاشى ذاك التكامل، وأكل الجنةَ إعصار، وركبتكَ المعضلات، وركبتَ التناقضات، وضاعت الخطط، ودرَسَت الخطوط، وزالت العلائق، وبقيتَ تائهًا بلا طريق..! هل يدرون؟!

إيتوني بكتابٍ واحدٍ لأحد رجالها المصريين يتكلم عن " الليبرالية .. ما لها، وما عليها؟"، أو "الليبرالية عند مفترق الطرق"، أو "الاتجاهات الليبرالية .. أيها يناسب؟"، أو "الليبرالية والدولة .. أيجتمع الضدان؟"، أو "الليبرالية الحديثة والمردود الاقتصادي"؟!! أقرأتَ قبل ذلك سجالًا أكاديميًّا بين عربيين أو مستعربين يمثل كلٌّ منهما مدرسةً ليبراليةً في الاقتصاد أو السياسة أو التعليم أو غير ذلك؟! هل وقفتَ على مقالةٍ تتناول إشكالية الجمع بين العلمانية والليبرالية، أو عدم اتساق الليبرالية والتعددية، أو ندوةٍ ترصد الفروقات الفاصلة بين الليبرالية الأمريكية والليبرالية التي يُرتجى لها أن تسود العالم العربي؟؟ ما وقفتُ على ذروٍ من هذه الأشياء المهمات، رغم كثرة المنتسبين إلى الليبرالية!!

ويمر بذهني خاطرٌ عابر، أن يكون علمُ أهل الليبرالية بها، أنّها ليست إلا أغاني الشيخ إمام، وألحان سيد درويش، وأشعار الفاجومي، وروايات الأسواني، وصور جيفارا، يتهاداها الشباب والفتيات، وأن يكون سعيُهم إليها توهمًا أن نظير هذه الأشياء وحده، هو الذي أدى بالغرب الليبرالي إلى تقدمه .. هكذا!! لا يمر بذهن أحدهم خاطرةُ حقّ، أنّ التطبيق الغربي لم يزل يختمر، سعيًا لإنضاج وجبةٍ ليبراليةٍ مناسبة، وأن الليبرالية هناك قد اصطدمت بالواقع، واستدعى ذلك كتاباتٍ نقديةٍ عديدة، خرجت من داخل الصف الليبرالي الغربي نفسه، أدت إلى بزوغ مدارسَ مختلفة، وذلك أيضًا داخل الصف الليبرالي الغربي نفسه، ثمّ تتناظر تلك المدارس وتتلاقح، لتنشأ أفكارٌ وفرقٌ وتنقرض أخرى ... هكذا!! إلا أن الأمر عندنا يتجسّد في ليبراليٍّ واحد، يتغنى بجمال الليبرالية وحسنها، واستلزامها للتقدم ولزوم التقدم لها، ثم يتناسخ هذا الليبرالي أضعافًا، ليكوّن لنا الصفَّ الليبرالي المصري جميعه!

وكمثال، خذ الكاتب علاء الأسواني -من وسط الصف- يكتب مقالًا بعنوان " هل نحارب طواحين الهواء؟"، يكرر فيه كلمات فرج فودة -من أول الصف- في كتابه "قبل السقوط"، يبنيه على فكرةٍ مؤدّاها أن الدعوة إلى الخلافة الإسلامية مثالية، لأن الخلافة لم تُطبق كما ينبغي إلا في عهد الراشدين على زلّاتٍ فيها، ولا معنى للسعي "لإنتاج تاريخٍ خيالىٍّ للخلافة الإسلامية الرشيدة فلن يخرج عن كونه محاولةً لتأليف صورٍ ذهنيةٍ قد تكون جميلةً لكنّها للأسف غير حقيقية" .. الطبيعي والمنطقي والإنساني أن نتصور أن الأسواني سيطرح لنا بديلًا واقعيًّا يتخطى حدود الخيال والمثالية، بعد أن أمضى وقتَه واستهلك مساحةَ مقالِه في نقد الإسلاميين، غير أنه يتركنا مع دعوةٍ مفتوحةٍ إلى "إقامة الدولة المدنية التى يتساوى فيها المواطنون جميعًا أمام القانون، بغض النظر عن الدين والجنس واللون" .. دون بيانٍ لمثال هذه الدولة، ولا المدة التي طُبقت فيها واقعيًّا، كما فعل مع دولة الخلافة في زعمه، ولم يبين علاقة تلك الدولة المدنية بدولة الخلافة الراشدة، ولا علاقتها بالدولة التي يدعو إليها الإسلاميون، ولا آليات قيام هذه الدولة التي يتساوى فيها المواطنون جميعًا، ولا العراقيل التي تمنع قيامها نظريًا أو عمليا، كل هذا لا يهم .. المهم أن يكون الكلام عن الليبرالية معسولًا، وأن يكون نقد الإسلاميين وفكرهم بألسنةٍ حداد!!

لا تكاد تستشعر فرحةَ من وجد ضالته، حين تجد مقالًا لأحد الليبراليين، يتناول فيه " الأزمة الليبرالية"، أو "أزمة الليبراليين العرب"، أو ما شابه من عنوان، ذلك أن الغالب في مثل تلك المقالات، أن تكون أزمة الليبرالية في "بعض تيارات الإسلام السياسي" العاملة على "تشويه مفهوم الليبرالية"، فأزمة الليبراليين فكاكها في اختفاء هذه التيارات، فإن ارتقى النقد شيئًا ما، فإنّه يتوجه إلى "مسؤولية النخب والحكومات على حدٍّ سواء"، غير أنّه لا يمكن أن يرتقي النقدُ أكثرَ من هذا، لأنّه "لا يمكن لنا أن نضع المسؤولية على الليبرالية كفكرٍ سياسيٍّ واقتصاديٍّ واجتماعي" ... ويتملكني الخاطر آنف الذكر مرةً أخرى، فهؤلاء القوم يعتقدون بعصمة الليبرالية، وأنه لا يمكن أن يكون الخلل فيها، لا يدرون شيئًا عمّا يتوجه لها من انتقاد، فكل الانتقاد هو "تشويه" من التيارات الإسلامية، أو نتيجة "تهاون" من النخب والحكومات، أمّا أن يكون هناك ما يُنتقد في الليبرالية فعلًا، وأن يكون ثمّ ما يستوجب إصلاحًا، فكلُّ ذلك عندهم حديثُ خرافةٍ يا سيدي!

المسألة ليست مسألة شعارات، ولا أظن أن أحدًا يبلغ من السطحية مبلغ أن يرى أن تعريف الليبرالية بأنّها " حركة وعىٍّ اجتماعىٍّ سياسىٍّ داخل المجتمع"، وأنّ الليبرالية الاقتصادية تتبنى "فكرة الاقتصاد الحر الذى يمنع تدخل الدولة فى الأنشطة الاقتصادية ويترك السوق لتضبط نفسها بنفسها"، وأن الليبرالية الاجتماعية "تؤيد تدخل الدولة فى الاقتصاد"، لا أظنّ أن واحدًا بلغ من السطحية مبلغ أن يسوق تلك التعريفات -مع أخريات- ثمّ تواتيه الجرأة ليقول "إذا قرأنا هذه التعريفات التى تحمل معانى مختلفةً فسوف ندرك مدى عشوائية المعركة السياسية الدائرة فى مصر التى يتم فيها خلط الأوراق"، إلا أنْ يكون هذا الواحد هو علاء الأسواني في مقاله "هل تسمح الدولة المدنية بتطبيق الشريعة؟" ... إنّه لمثار أسفٍ أن تُجمع هذه الضحالة الشديدة، في تناول هذه التعريفات، ومحترزاتها، ومناطاتها، ثمّ الزعم أنّ قراءة هذه التعريفات كافيةٌ لبيان عشوائية المعركة السياسية، تُجمع هذه الضحالة في مقال، ليُنشر بدوره في صحيفة يومية .. لكنّ هذا الأسف قد خفّفه الأستاذ علاء بفعلةٍ طريفة، إذ نسي في مقاله المتوجه لنقد الإسلاميين، وبيان عشوائية معركةٍ هم جزءٌ رئيسٌ في إثارتها وإدراتها في رأيه، نسي أن يذكر لنا تعريف "الإسلام"، و"هل يسمح الإسلام للمسلم بعدم تطبيق الشريعة؟"!!

ونعود لأقول إن المسألة ليست مسألة شعارات، فلن نختلف في الأهداف العامة المعلنة لدعاة الليبرالية، ولن نبالي كثيرًا بالتعريفات اللينة التي اختاروها، ولكنّ الاختلاف يكون في الجوهر، دون أن يكون الرد على ما يتوجه لجوهر الليبرالية، بالصياح بشعاراتٍ تحمل الأهداف العامة التي لا خلاف فيها، ولكم أتمنى أن تزول هذه الشرنقة الزمنية، وأن تنضج يرقات الليبرالية في بلادنا، لنجد منهم ليبراليًّا جلدًا يتصدّر لهم مجلسًا، يحدثهم فيه عن سبيل احتواء السُلطة القهرية للدولة في النسق الليبرالي، وعن علاقة ثمار الليبرالية من سوقٍ حرّة وخصخصة بقيام الثورة المصرية، وحل معضلة مطلق الحرية الذاتية في ظل الحكومة الليبرالية، وعن النظريات السياسية الليبرالية وما يتوجه لها من نقد، وما تحتاجه من تعديلٍ لتناسب العرب في تصورهم، وعن .. وعن ... إلى آخر هذا الذي لو فعلوه، لبدأنا في اعتبارهم ندًّا فعليّا لا مجرد متطفلين على موائد الفكر، وربما تكون معرفتهم بالليبرالية سبيل تخليهم عنها، كسلًَا أو نفورًا!!

إن الأزمة الأولى في الليبرالية العربية تنبع من الليبرالي الحالم، صاحب العينين الناعستين، المتغزّل في الليبرالية، غاضِّ الطرف عن مساويها، الذاهل عن أحوالها، السادر في عشقه، الفاني عن الأحداث، ثمّ إن الأزمة الثانية تكمن في كون معظم -خروجًا من فخ التعميم- الليبراليين العرب هم هذا الليبرالي الحالم، وثالثة الأثافي أنّه يتصور حاله على غير هذه الصورة الغافلة، إذ يتصور نفسه تتساقط من جبهته قطراتٌ كحباتِ الرمان، وتسري في وجنته حمرةٌ كالشفق، وتهدر حنجرته بهتافِ الحرية، ويتخلل لحيته غبارُ السعي، لا تلين له حصاة، ولا ترضخ منه قناة، يصرخ في الناس يحذرهم هؤلاء الإسلاميين عن يمينه، ويدفعهم أزّا إلى الطريق عن شماله .. ذاك الطريق .. إنه طريقٌ .... طريق ...!!!

د.حسام الدين حامد   |  21-06-2011 02:11

12‏/07‏/2011

مذبحة المساجد القادمة بمصر الأزهر


استهداف المساجد في مصر له لون آخر مغاير لما سمعنا عنه هذا الأسبوع في فلسطين، حيث ألقى مغتصبون صهاينة إطارات مشتعلة داخل مسجد بالقرب من رام الله، وكسر آخرون قنينة خمر في المسجد الأقصى، واعتدى ويعتدي الشبيحة السوريون على المساجد في درعا (التي أذاع المجرمون في بعض مساجدها أغاني لبنانيتين عبر مكبرات الصوت)، وضرب "المناضلون" مسجد الرئاسة في اليمن، وحرقت كتائب القذافي بعض المساجد في المدن "المحررة" من الثوار.


لدينا في مصر "إبداع" مقنن لفكرة إضعاف المساجد ومنع انتشارها على نحو لا يصادم الأكثرية الغالبة في مصر من مسلميها لأول وهلة، ولا يستفز عشرات الملايين من المصريين الذين خرجوا في الميادين يجأرون إلى الله أن يسقط النظام البربري السابق، والذين نحسب أن الله عز وجل قد استجاب لدعائهم عندما سجدوا له في ميدان التحرير يدعون إلى الله أن يزيح الطغمة المتصهينة التي حاولت أن تقتل روح المقاومة والكرامة في نفس الشعب المصري، ثم هتفوا من بعد في الميدان ذاته بعد دقائق من إعلان تنحية مبارك بأن "الله وحده أسقط النظام".. عبر قانون معيب يزمع مجلس الوزراء إقراره بعد إطلاق بالون اختبار حول ردة فعل الشعب المصري إزاءه من خلال تسريب بعض تفاصيله للصحف المصرية قبل أيام، حيث يتضمن القانون عدة شروط تعجيزية لبناء المساجد في مصر يصعب أحياناً ويستحيل غالباً تحقيقها.

وباسم القانون الموحد الذي يحاول نظامنا الحكومي إلزامنا به دون كثير من الديمقراطيات العريقة في العالم التي لا تذل نفسها للأقليات بهذه الطريقة المريرة التي تتبدى بها حكومتنا "الثورية"؛ فإن أي مسجد جديد لن يجاور آخر قديم أو جديد إلا إذا ابتعد عنه بمسافة لا تقل عن كيلو متر، بمعنى أنه قرار ضمني بوقف بناء المساجد في مصر أو السماح بإنشائها فقط في الصحراء!
كما أن مساحة المسجد لابد أن تجاوز ألف متر مربع، وإلا فلا يحق للمسلمين بناء مساجد أصغر من ذلك، (وعليه فالمسجد النبوي في بناءه الأول قد لا يناسب القانون الجديد! كان يقترب من الألف متر مربع وربما لم يتجاوزها)، وبالتالي، ونحن نعاني من تسلط وزارة الأوقاف على أوقاف المسلمين في مصر، وعدم وجود أي جهة رسمية مهمومة ببناء المساجد، ولدينا إرث مخجل في صعيد ندرة بناء المساجد الرسمية في مصر خلال الثلاثين عاماً الماضية على النحو الذي جعل المساجد الأهلية التي يقوم ببنائها أهل خير من الوجهاء والأثرياء من قطر والسعودية وغيرهما من دول الخليج هي الحالة السائدة في بناء المساجد الكبيرة التي تسلم إلى وزارة الأوقاف جاهزة أو شبه جاهزة؛ كل ذلك يجعلنا نتوقع أن تعاني مصر من شح شديد في المساجد وتوقف ضمني وفعلي لبناء المساجد بما لا يناسب زيادة سكانية مسلمة تفوق المليون نسمة سنوياً.

وإذ تعجز معظم المساجد عن استيعاب المصلين في صلاة الجمعة وليالي رمضان، ويجعل مئات الآلاف وربما الملايين يصلون في الشوارع؛ فإن استصدار قانون يحد أكثر من بناء المساجد يعد مذبحة استباقية نوعية للمساجد، ومنعها من أن تؤدي دورها الريادي في مصر على النحو المفترض في دولة عرفت بأنها حاضنة المساجد وبلد الأزهر، وحصن الإسلام المنيع.

وإثر ثورة ظُنَّ أنها قامت للمصالحة بين الشعب وهويته، ولوضع حد للفساد الذي يقتات على انسحاب منظومة القيم الحاكمة للمواطنين، واشتعلت من أجل إعلاء الهوية الحضارية لهذا البلد واستعادة دوره الريادي، جاء هذا المشروع للقانون المشين ليصب الزيت على النار ويستدعي فتناً لا قِبَل لهذا الوطن في هذا الوقت العصيب بتفجيرها، ليغدو مفردة من مفردات الثورة المضادة البَيِّنَة التي تناهض الأسس التي أقام المصريون المتدينون ثورتهم الرائدة عليها.
وليست سيئة المشروع مقصورة على بنوده، بل أيضاً في الطريقة المهينة التي سارعت الحكومة إلى إبرامه بها، والتي لا يمكن أن تكون بريئة من تهمة الانبطاح أمام مئات من أقلية فرضوا حزمة من المطالبات اللامنطقية صارت من بعد أوامر مُلْزِمة للحكومة، وَحَدَت بالدولة كلها لأن تدير ظهرها للإجراءات "التشريعية" المتبعة، والتي تفرض تأجيل إصدار مثل هذه القوانين لحين إنضاجها داخل مؤسسة البرلمان المنوط بها إقرار هذه القوانين ومن قبل رسم خارطتها العامة وصياغة بنودها الأساسية.

وقد قدمت الحكومة وعدها البلفورية للأقلية بالكشف عن هذا القانون المعيب، فكان الوعد ممن لا يملك حقيقة لمن لا يجوز له أن يملي على دولة كبيرة تفسيره الخاص لما ينبغي للحالة الدينية في بلد الأزهر أن تكون، وليته وافق على هذا المشروع بل ابتز الحكومة الضعيفة أكثر لتقديم المزيد والمزيد من التنازلات، ليس آخرها طلب استحداث وزارة الأديان بديلة عن الأوقاف، لاسيما أن القانون لا يضير الأقلية أبداً فيما يخص شرط الألف متر بين كل "دوري عبادة" لأنها مسافة كافية جداً لأقلية، بعيدة جداً لأكثرية ترتبط بمساجدها خمس مرات يومياً، وتستلزم مصلين رياضيين لعمارة بيوت الله كل صلاة، ثم لم يكتف القانون لفتح الطريق لابتزاز الحكومة أكثر فحسب، بل فتح شهية آخرين لبناء دورهم في مصر كالمعابد اليهودية أو الحسينيات الشيعية التي رحب بعض رموز طائفتها القليلة بهذا القانون الغريب.

نعم، ندرك أننا قد انزلقنا إلى مرحلة ما بعد تنازلات ماسبيرو، فحتى مبارك نفسه لم يفرض هذه الشروط التعجيزية لبناء المساجد، ونعلم أن أحداً لم يكن يتصور أننا بصدد قانون آخر لمنع "التمييز" سيؤسس في النهاية حالة أشبه بفزاعة "قانون معاداة السامية" في أوروبا الذي يمنع توجيه أي نقد موضوعي لممارسات بشرية لليهود، بما أفضى إلى اعتبار مجرد تقليب النظر في الروايات التاريخية حول الهولوكوست جريمة تمييزية، لكننا تصورنا لفترة وجيزة إبان الثورة أن السياسة العرجاء بحقنا ستزول، ولم نكن نتصور لبرهة أن الحالة الدينية في مصر ليست شأناً داخلياً بالمرة، وأن الاستراتيجية الحاكمة لها لم ولن تتغير، وستمضي بنا في طريق مجهول يشرعن عملياً للتمييز لكن ضد الأغلبية، ويحول بينها وبناء مساجدها مثلما ألفت وتعودت على مر التاريخ، وبينها وبين قراءة آيات القرآن دون احتراز من تلاوة بعض ما لا يعجب الآخرون!

ففي الحقيقة لا إرثنا الديني العريق، ولا كرامتنا الوطنية، ولا مبادئنا الدستورية، ولا مكتسباتنا الثورية تسمح بهذا العبث المستهتر بأبسط حقوقنا المشروعة تحت طائلة توحيد البناء، ولافتة تنظيم إنشاء "دور العبادة" لأنه نوع من الظلم الذي يطال الدين ذاته وبيوت الله خاصة، وهما ما لا يمكن السماح بأي حال بأن يغدو محلاً لترضية خانعة من حكومة مؤقتة ليست مؤهلة ولا معنية ولا مأذونة بالتحدث نيابة عن جموع المؤمنين من شعبها المصري الثائر.

كتبه: أمير سعيد
8 رجب 1432 هـ / 10 يونيو 2011

08‏/07‏/2011

العفو عن مَن أساء وظَلَم مع ثبوت التهمة.. أمرٌ غير مقبول، ولا حرج في المشاركة بمظاهرة 8 يوليو بضوابط


أكَّدت الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح أنها لا ترى حرجًا ولا مانعًا في المشاركة بمظاهرات الجمعة الموافقة للثامن من يوليو الجاري؛ ما دام المقصود من الخروج نُصرة المظلومين ورد الأمر والحق إلى نصابه.
وذلك لما يتعلق بالمطالبة بالقصاص العادل ممن قَتَلوا المصريين وعذَّبوهم في المعتقلات والسجون، كما وجَّهت الهيئة دعوة إلى الأمة بأسرها للوقوف خلف هذا المطلب العادل، وعدم التفريط في حقها ولا في دماء رجالها ونسائها وشبابها.

وقد أكَّد الدكتور محمد يسري إبراهيم الأمين العام للهيئة الشرعية "أن الهيئة لم ولن تكون أبدًا في جهة من يتورطون في العفو عن هؤلاء الذين أفسدوا البلاد وأساءوا إلى العباد؛ مطالبة بالقصاص العادل وبالأحكام التي ترد الحق إلى نصابه وتعطي المظلومين حقوقهم".

وصرَّح "يسري" أن الهيئة تطالب أيضًا القضاء المصري -الذي عُرف عبر تاريخه بالنزاهة وعدم رضوخه للضغوط التي يمكن أن تمارس عليه من أي جهة- بأن يكون كما عُهد قبل ذلك، وفي هذه الثورة، وكما يُرجى أن يكون في المستقبل، في نزاهته وعدالته ومقاومته ومحاربته للفساد والاستبداد، وللظلم الذي شاع في ربوع البلاد، مؤكدًا على أن العفو عن كثير ممن أساءوا وظلموا مع ثبوت التهمة عليهم، أمر لا يمكن قبوله بحال.

وأشار "يسري" إلى أننا في هذه المرحلة الانتقالية علينا أن نُحافظ قدر جهدنا على استقرار البلاد وأمنها، ومنع كل ما يمكن أن يُثير الفتن والقلاقل داخل المجتمع المصري.

كما وضَّح الأمين العام للهيئة الشرعية، أنهم ليسوا مع الهجوم على المجلس العسكري الحاكم، ولا مع الهجوم على مجلس الوزراء الذي يُدير دفَّة الأمور في البلاد، في هذه اللحظات الحرجة والصعبة من تاريخ أمتنا المصرية.

ونبّه "يسري" إلى ضرورة وجود قدر من المسئولية والفهم والوعي والانضباط لجموع المصريين الذين سوف يشاركون في المظاهرة، فلا يسمحوا أبدًا لقلة تحاول أن تنال من استقرار البلاد، وتهديد أمن العباد.


06‏/07‏/2011

بيان مِن الدعوة السلفية حول قضية "الدستور" أَم "الانتخابات" أولاً؟


الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فقد طالعتنا الصحف والمواقع الإلكترونية بتصريحات منسوبة إلى بعض المسئولين حول مسألة "تأجيل الانتخابات وكتابة الدستور أولاً" بأنَّ الاتجاه نحو الدستور أولاً هو المرجح، وتزامن ذلك مع مطالبة بعض القوى السياسية مِن خلال حملة إعلانية منظمة بتكوين هيئة تأسيسية غير منتخبة مِن الشعب تضم ممثلين مِن كل التيارات؛ السياسية والفكرية.. لا ندري مَن يحدد أعضاءها لكتابة الدستور.
ومِن ثمَّ تأجيل الانتخابات البرلمانية بزعم أنَّ تكلفتها لا تتحملها ميزانية الدولة، وأنها ستتقدم للحكومة بهذا الطلب، ثم للمجلس العسكري، فإنْ لم تتم الاستجابة لمطالبها التي سمتها مطالب الشعب؛ فإنها تدعو إلى مظاهرة مليونية في "التحرير" يوم 1/7/2011، واعتصام مفتوح في "الميدان".

و"الدعوة السلفية" تستنكر بشدة هذه التصريحات وهذه المطالب بالمظاهرات المسماة: بـ"المليونية"، وتستنكر بصورة أشد الدعوة إلى "الاعتصام بالتحرير"؛ إذا لم يستجب المجلس العسكري للمطالب التي ادعت أنها مطالب الشعب!

مع أنَّ الشعب قد قال كلمته في الاستفتاء، والذي حدد خطوات العمل السياسي الواجب السير فيها، وهي: "الانتخابات البرلمانية لمجلسي الشعب والشورى"، ثم تكوين هيئة تأسيسية منتخَبة مِن الأعضاء المنتخَبين مِن المجلسين لكتابة الدستور.
ولا شك أنه ليس مِن حق أحد أنْ يدعي أنه يتكلم نيابة عن الشعب والجماهير حتى لو بلغت المظاهرات أكثر مِن مليون؛ فإنَّ الشعب المصري 85 مليونًا، بل يزيد، وهو لم يعط هذه القوى السياسية ولا حتى رئيس الوزراء ولا نائبه المعَين تفويضًا للكلام باسمه، وحملات التوقيع المزعومة لا اعتبار لها دستوريًّا بعد الاستفتاء.
وليس مِن حق أي إنسان "الالتفاف" أو "القفز" على إرادة الأمة!

ونتعجب مِن التناقض العجيب بين الادعاء بأنَّ ميزانية الدولة لا تتحمل إجراء الانتخابات وبين التهديد بالاعتصام المفتوح في "التحرير"؛ الذي يشل حركة البلاد، ويدمر اقتصادها بتعطيل العمل والإنتاج!

و"الدعوة السلفية" تحذر مِن الاستجابة لهذه المطالب؛ لأنها مخالِفة مخالَفة صريحة لإرادة الأمة، وتؤكد أنَّ الاستجابة لها معناها: "تعريض البلاد لخطر الفوضى والدمار"؛ لأنَّ جموع الشعب المصري المتمسكة بمرجعية الشريعة، والتي تعلم أنَّ كل هذه المحاولات لكتابة الدستور أولاً مِن قِبَل نخبة غير معبِّرة عن إرادة الأمة لصياغة دستور علماني ليبرالي يُفرض على الشعب.. هذه الجموع لن تسكت على هذه المحاولات، وأهل العلم والدعاة لن يسكتوا لو تمت الاستجابة لها.
ونؤكد أنَّ: "شرعية المجلس العسكري" إنما ثبتت بموافقة الشعب في الاستفتاء على برنامج العمل تحت قيادته؛ وبالتالي فالمجلس ملزَم دستوريًّا وقانونيًّا بإتمام ما وافق عليه الشعب، وليس تغييره لمصلحة "حفنة عاجزة" تدعي ما ليس لها، وتريد فرض وصايتها على الأمة!
ونرى في الاستجابة لمطالب هذه القلة بمخالفة نتيجة الاستفتاء نقضًا للشرعية التي اكتسبها المجلس العسكري، ومِن ثمَّ الحكومة المعينة، ودفعًا للبلاد إلى الفوضى، والاقتصاد إلى الانهيار، وهذا كله يتناقض مع مسئولية المجلس العسكري والحكومة في حفظ البلاد وأمنها ومصلحتها.

وإذا كنا قد طالبنا بعدم الخروج في مظاهرة 1/7/2011 للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية -وهي حق- وتأجيل ذلك؛ فكيف نُقِر مظاهرة القوى الليبرالية والعلمانية للقفز على إرادة الأمة؟!
فنطالب جميع المواطنين بعدم المشاركة في هذه المظاهرة المشبوهة يوم 8/7/2011، ونطالب الحكومة بمراجعة تصريحات مسئوليها المخالِفة لإرادة الأمة في الاستفتاء.
ونطالب المجلس العسكري بعدم الاستجابة نهائيًّا لهذه المطالب، والاستمرار في خطة العمل التي أقرها الشعب، وتحمل مسئوليتها في حفظ أمن البلاد واستقرارها.

وحسبنا الله ونعم الوكيل.

20-رجب-1432هـ   21-يونيو-2011