26‏/01‏/2011

يا عقلاء الأمة.. أدركوا البلاد قبل فوات الأوان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فما حدث بمصر أمس فاق كل التوقعات، وتجاوز طاقة الأحزاب السياسية والحركات المطالبة بالتغيير والتي يعلم الجميع محدودية حجمها وتأثيرها -وإن حاول بعضها التسلق على أكتاف الجمهور- ولعل الرسالة التي أرسل بها الشباب الغاضب ورجل الشارع العادي قد وصلت، وأنه لم ولن يستجيب لأحد حتى يحدث تغيير حقيقي نحو الإصلاح، ومحاربة الظلم والفساد.

لابد من توبة صادقة منا جميعًا إلى الله -سبحانه- قبل أن تحرقنا كلنا نار الفتنة.
إن الاكتفاء بالحلول الأمنية تكليف بما لا يُطاق، وبما لا يجدي؛ خصوصًا إذا تطور الأمر إلى سفك الدماء التي هي من أعظم الأمور عند الله -تعالى-، وكما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
بالإضافة إلى أنها في الحقيقة الوقود الذي يُصب على نار الغضب، فيزيدها اشتعالاً حتى تأكل الأخضر واليابس، خصوصًا مع غياب أي قيادة حقيقية واعية لها، وأما محاولة السيطرة بالإعلام العديم المصداقية فمحاولة فات أوانها..

يا عقلاء الأمة.. أدركوا البلاد بتغيير صادق، وتوبة صادقة، فلابد من تحكيم الشرع، ورفع الظلم، وإقامة العدل بشرع الله -عز وجل- ومحاربة الفساد الأخلاقي والإعلامي والمالي وغير ذلك، ولنضع أيدينا في أيدي بعض لاحتواء الموقف.

لابد أن نقدم مصلحة البلاد والعباد على المصالح الشخصية، والرغبات الدنيوية؛ فواللهِ لن تُجدي عن أحد شيئًا.

وأقول للجميع:
نناشدكم عدم التسبب في إراقة الدماء، والحفاظ على الأمن العام والخاص، والأموال والممتلكات العامة والخاصة، والأعراض، وفوِّتوا الفرصة على الأعداء المتربصين.
ولا أقول هذا إلا موالاة لله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، وللمؤمنين، ورعاية لمصالح العباد والبلاد.

فلنغير جميعًا من أنفسنا؛ فيغير الله ما بنا، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد:11).
(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).


كتبه/ ياسر برهامي
21-صفر-1432هـ   26-يناير-2011



21‏/01‏/2011

حُرْمَة دَم المُسْلِم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن مِن أعظم الحرمات عند الله سبحانه وتعالى قتل المسلم بغير حق، وقد وردت النصوص الكثيرة مِن كتاب الله عز وجل، ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم التي توضح خطورة ذلك فمنها:
- قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا) (الإسراء:33).
- وقوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) (النساء:93).
- وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا ءَاخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الـفـرقان:68-69).
- وثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْكَبَائِرَ -أَوْ سُئِلَ عَنِ الْكَبَائِرِ- فَقَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ). وَقَالَ: (أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ) قَالَ: (قَوْلُ الزُّورِ). أَوْ قَالَ: ( شَهَادَةُ الزُّورِ). قَالَ شُعْبَةُ: "وَأَكْبَرُ ظَنِّي أَنَّهُ شَهَادَةُ الزُّورِ". (رواه البخاري ومسلم).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ وَمَا هُنَّ؟ قَالَ: (الشِّرْكُ بِاللَّهِ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ الْغَافِلاَتِ) (رواه البخاري ومسلم).
- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) (رواه البخاري).
- وروى الإمام البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: "إِنَّ مِنْ وَرْطَاتِ الأُمُورِ الَّتِي لاَ مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا سَفْكَ الدَّمِ الْحَرَامِ بِغَيْرِ حِلِّهِ".
- وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ النَّفْسُ بِالنَّفْسِ وَالثَّيِّبُ الزَّانِي وَالْمَارِقُ مِنَ الدِّينِ التَّارِكُ الْجَمَاعَةَ) (متفق عليه).
- وعن أبي هريرة رضي الله عنه، أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ... كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ) (رواه مسلم).
- وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يَجِىءُ الْمَقْتُولُ بِالْقَاتِلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاصِيَتُهُ وَرَأْسُهُ بِيَدِهِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخُبُ دَمًا يَقُولُ يَا رَبِّ هَذَا قَتَلَنِي حَتَّى يُدْنِيَهُ مِنَ الْعَرْشِ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني)، وغير ذلك من النصوص التي تدل على عظم قتل النفس المعصومة.
إذا تقرر هذا فإن حرمة دم المسلم يكفي في بيان خطورتها ما ورد من ترهيب مخيف في سفك دم المسلم بغير حق، ولا شك أن حرمة دم المسلم مقدمة على حرمة الكعبة المشرفة، بل حرمة دم المسلم أعظم عند الله عز وجل من زوال الدنيا؛ فقد ورد في الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ) (رواه الترمذي والنسائي، وصححه الألباني).
وفي رواية أخرى عن البراء بن عازب رضي الله عنه، بسند صحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لِزَوَال الْدُّنْيَا أَهْوَن عَلَى الْلَّه مِن قَتْلِ مُؤْمِنٍ بِغَيْر حَقٍ وَلَو أَنَّ أَهْل سَمَاوَاتِه وَأَهْل أَرْضِهِ اشْتَرَكُوْا فِي دَم مُؤْمِنٍ لأََدْخَلَهُمُ الْلَّهُ الْنَّارَ).
وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في صحيح الترغيب 2/629.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ، وَيَقُولُ: (مَا أَطْيَبَكِ، وَأَطْيَبَ رِيحَكِ، مَا أَعْظَمَكِ، وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَحُرْمَةُ الْمُؤْمِنِ أَعْظَمُ عِنْدَ اللهِ حُرْمَةً مِنْكِ، مَالِهِ، وَدَمِهِ، وَأَنْ نَظُنَّ بِهِ إِلاَّ خَيْرًا) (رواه ابن ماجه، وقال الألباني: صحيح لغيره).
ونظر ابن عمر رضي الله عنه يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة فقال: "مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ" (رواه الترمذي بسند صحيح).


كتبه: جمال عبد الرافع
7-صفر-1432هـ   12-يناير-2011

16‏/01‏/2011

سماحة الإسلام لا تعني تمييع الإسلام

أظهر الشعب المصري أصالةً ووعياً في تعامله مع الحادث الإجرامي الذي خَلَّف عشرات الضحايا الأبرياء في حادث الإسكندرية، ولكن تعامل الإعلام والمثقفين مع هذا الحادث لم يكن بنفس الدرجة مِن الوعي والشعور بالمسئولية. لقد طفا على السطح خطاب إعلامي تغلُب عليه الارتجالية والسطحية والسذاجة مِن الناحية السياسية ويغلُب عليه الجهل بأصول الإسلام وشرعه حين تطرق الكلام للنواحي الشرعية لدرجة ظهر فيها الإسلام ديناً مميعاً بلا ضوابط ولا أصول. إن التأكيد على سماحة الإسلام وتأصيله لحُسن معاملة غير المسلمين وبِرهم والمحافظة على دور العبادة الخاصة بهم، لا يعني أبداً تفريغ الدين الإسلامي مِن أصوله بحيث ينادي البعض بأنًّ (الدين كله واحد) وأنه (ينبغي أن تكون هناك صلاة واحدة للمسلمين والأقباط).

لقد أساء الخطاب الإعلامي كثيراً للإسلام والمسلمين مِن ناحيتين:
الناحية الأولى: بخطاب جاهل لكل أشكال التدين حتى خرج أحد السفهاء بعنوان لمقالته يقول (النقاب سبب مذبحة الإسكندرية) وأخذ في مقاله العبقري يشرح كيف أن انتشار النقاب أدى إلى هذا الحادث الأليم. وتَطَوَّع كاتب آخر ليُقَدِّم لنا تفسيراً آخَر أكثر غرابة فقال (إنَّ سبب مذبحة الإسكندرية هو ضبط مؤشر الراديو داخل كثير من المحال والدكاكين على إذاعة القرآن الكريم) ومِن ثَمَّ طالَب ذلك الجهبذ أجهزة الأمن بأن تُلاحق تلك الدكاكين درءاً للفتنة وتطويقاً للانتحاريين. ويكتب ثالث (مازال سليم العوا طليقاً .... ومازالت وزارة الداخلية تبحث عن الفاعل مرة بين الأشلاء البشرية و مرة بين مواطني جمهورية الفيس بوك !! ).
إن هذه الكتابات التحريضية كتابات غير مسئولة ولا تستشعر الخطر المحدق بالبلاد ووحدتها الوطنية ومِن شأنها أنْ تزيد مِن التوتر الطائفي.
  
الناحية الثانية: بخطاب إعلامي يتناول مسائل دقيقة في الإسلام مِن غير أهل الاختصاص مِن علماء الدين، لدرجة أن يتجرأ مذيع أو مذيعة ليشرح (إحساسه عن رأي الإسلام في مسألة معينة) في الوقت الذي نجد فيه رجال الدين الأقباط هم فقط الذين يتكلمون في النواحي الدينية فيما يخص ملتهم. لقد أدَّى هذا الخطاب إلى قول كثير مِن الإعلاميين (إن الدين كله واحد). إن هذا يلبس على الناس دينهم، لأنه لو كان الاعتقاد كله واحد فلماذا يتمسك أي مسلم بدينه. وقد كانت لهذا ظواهر قوية كان أبرزها اللافتات التي رفعت في مسيرة بجامعة الأزهر. فقد تقدم شيخ الأزهر تلك المسيرة في خطوة نبيلة ومشرفة للتنديد بحادث الإسكندرية، لكننا فوجئنا بلافتة كبيرة خلف الشيخ مكتوب عليها (الهلال والصليب شمسهم عمرها ما تغيب) والتوقيع تحتها لرئيس جامعة الأزهر.
إنَّ الصليب رمز مِن رموز المسيحيين وأحد معتقداتهم يحترمونه ويقدسونه ويدافعون عنه وهذا حقهم، أما أنْ يُرْفَع هذا الشعار في جامعة الأزهر العريقة والمسلمون يؤمنون ببطلان ذلك الرمز شكلاً وموضوعاً لأنه يُناقِض كتاب ربهم، فإنَّ هذا مِن تمييع الدين الذي قد يُربك مفاهيم عامة الناس وفي نفس الوقت يصرف الشباب المسلم عن علمائهم.
إنَّ معالجة التوتر الطائفي تتطلب شجاعة في فتح ملفاتها بالحكمة والحوار الهادئ وتتطلب ظهور وارتفاع صوت العقلاء مِن علماء المسلمين والأقباط. أما أنْ تُعالَج الأمور بهذه الخفة والسطحية فقد تكون مسكنات وقتية فقط وتبقى الفتنة كامنة في المجتمع تنتظر شرارة لإيقاظها.

د. محمد هشام راغب

12‏/01‏/2011

هذه كلمتي في الأحداث الجارية

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي نبينا سيد المرسلين وعلي آله وصحبه أجمعين وبعد:

فقد علمت اليوم بحادث تفجير مروع وقع في الإسكندرية أثناء احتفالات النصارى بعيد الميلاد، وأنَّ شاباً فجَّر نفسه في جموع الحاضرين مما أسفر عن مقتل أكثر مِن عشرين نفساً مِن النصاري والمسلمين، وإصابة أكثر مِن مائةٍ، إصابةُ بعضهم خطيرة.

وهذا الذي حدث لا يجوز شرعاً، ومرتكبه آثم، والقصد منه إشعال نار الفتنة في بلادنا، لا سيما في الآونة الأخيرة، والمشهد كله يحتاج إلي قراءة صحيحة وعاقلة، فهذا التوتر الكائن بين المسلمين والنصاري خلفه مقصد رئيس لإعدائنا، وهو إشاعة ما اصطلحوا علي تسميته بـ "الفوضي الخلاقة" في بلاد المسلمين.

ومقصدهم: الفوضي المنظمة التي تقوم علي أصول لإشاعة أكبر قدر من الفساد وليست الفوضي بمعناها العام، كما لو قلت: إن المؤسسة الفلانية تحولت من الفساد إلي إدارة الفساد.

ومعلوم أن الفتنة إذا وقعت واتصل شرها بالعوام فلن يستطيع إطفاءها كل عقلاء الدنيا، فالذي ينبغي أن يكون ولا يجوز غيره هو توعية الجماهير بالأحكام الشرعية والآداب المرعية، وذلك بنشر العلم الصحيح بينهم، وفتح الباب أمام جهود العلماء الربانيين الذين تثق الجماهير في علمهم ودينهم وجعل الله لهم لسان صدق في الناس، فلن يرجع الناس إلي الحق والعدل إلا أن يعرفوا كلام الله ورسوله وتفسيره علي وجهه الصحيح الذي كان فاشيا في السلف الصالح، وصار الآن غريباً كل الغربة.

فيجب علي الدولة أن تحشد كل طاقتها بالحق والعدل لوقف هذا النزيف.

ومعلوم لكل من يقرأ المشهد قراءة صحيحة – حتي ولو علي عجل – أن أعدائنا لا يريدون بمصر خيراً، ولن ينجينا من هذا إلا أن نرجع إلي الله عز وجل ونطرح أنفسنا علي عتبة عبوديته، ونستعين به حق الاستعانة بعد بذل الأسباب الصحيحة.

وعلماء الشريعة هم الجهاز المناعي للأمة فيجب تقويته والحرص عليه وما انتصر المسلمون علي أعدائهم كالتتار مثلا إلا لما قام العلماء بدورهم وساندهم الأمراء.

فالعلماء هم الملوك بغير تيجان، وتنحيتهم عن المشهد خسارة جسيمة، والله أسأل أن يحفظ مصر وسائر بلاد المسلمين مما يراد لهم من قبل أعدائهم، إنه علي كل شيء قدير وبالإجابة جدير.

وكتبه أبو إسحاق الحويني
حامداً الله تعالى ومصلياً علي نبينا وآله وصَحبه
محرم 1432 - يناير 2011


08‏/01‏/2011

الوسطية الحديثة عند بعض الناس

الحمد لله، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

إنَّ مِن أبرز خصائص ديننا الإسلامي أنَّه دين وسط؛ قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [البقرة: 143]، فإنَّ في الإسلام العدل في جميع الأمور، وهو معنى ﴿أُمَّةً وَسَطًا﴾، وذلك في العبادات والمعاملات، فلا يكون غلوٌّ وتشديدٌ، ولا انحراف وتقصير، كما فعل أصحابُ الكتب السماوِيَّة السابقة، كما غَلَتِ النصارى في عيسى وجعلوه ابنًا لله - سبحانه وتعالى عمَّا يقولون - والرهبانية التي ابتدعوها ولم يقوموا بها، وكما فعل اليهود في حق الله - تعالى - بأنْ وَصفوه بأبشعِ الأوصاف؛ بأنه - سبحانه - فقير وبخيل، لعنهم الله، وغضب عليهم، واشتراك الديانتين في تحريف كتبهم المنَزَّلَة: التوراة والإنجيل، على ما تهوى أنفسهم.

وقد ظهر في هذه الأزمان فئات من الناس حَرَّفوا معنى وسطية الإسلام وتطبيقاتِها على أرضِ الواقع، وغالبهم من عامَّةِ الناس، وهو أن يعملَ الإنسانُ ما يرغبه من الأعمال، وإن كان عمله هذا فيه معصية لله، فلا بأسَ بأن يسمع أحيانًا الأغاني، ويشاهد المنكرات في التِّلفاز أحيانًا أخرى، إضافة إلى الغِيبة والنميمة، ولا يقضي جميعَ وقته في الطاعة والعبادة والالتزام، بل إنَّ هناك فئات من الناس تنتقد الالتزام والاستقامة، ففي الأثر قال سهل بن عبدالله التستري: عليكم بالأثر والسنة، فإنِّي أخاف أنَّه سيأتي عن قليلٍ زمانٌ إذا ذكر النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - والاقتداء به في جميع أحواله، ذَمُّوه، ونفروا عنه، وتبرؤوا منه، وأذلوه، وأهانوه.

وهذا هو الحاصل واللهِ، في زماننا هذا، وذلك من مكايد الشيطان ووساوسه، فيجب علينا ألاَّ ننخدع في هذه المجازفات والانغماس في المعاصي، والحذر من الشيطان قَدْرَ المستطاع، فإنَّه يلبس علينا ذلك، كما ذكر ذلك ابن الجوزي في كتابه "تلبيس إبليس": فصل في تلبيس إبليس على العوام: أن يعتمد أحدهم على خلَّة خير، ولا يُبالي بما فعل بعدها، فمنهم من يقول: أنا من أهل السنة، وأهل السنة على خير، وكشف هذا التلبيس أن يقال له: إن الاعتقاد فرض، والكف عن المعاصي فرض آخر، فلا يكفي أحدهما عن صاحبه، ويقاس على ذلك حال الناس اليومَ، فمنهم من يقول: أنا أحافظ على الصلوات، وأصوم، وأزكي، ولا بأس إن سَمعت الأغاني، وشاهدت القنوات الفضائية، وينسى غاية ما خُلِقَ من أجله، وهو عبادة الله، والانقياد له والخضوع، والبُعد عما يغضبه ويوجب عقابه؛ قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: 56]، ومن هذا الباب أنصح إخواني المسلمين بأنْ يتَّقوا اللهَ، وأن يتثبتوا في تصرُّفاتِهم، ولا يتأولوا أمورَ الدين بأهوائهم ورغباتِهم، والحذر غاية الحذر من الوقوع في ذلك.

والله ولي التوفيق
كتبه: نايف المنصور

03‏/01‏/2011

فضل الإسلام وأهله

الدِّينُ الحقُّ هو الإسلام، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ﴾ [سورة آل عِمران – الآية 19]، وهو الاستسلام بالتوحيد الخالِص لله، والاتِّباع الكامِل لرسوله صلى الله عليه وسلم، والبراءة مِن الشِّرك وأهلِه.

والإسلام العام هو دينُ الأنبياء والمرسَلين، قال تعالى عن نوح عليه السلام: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة يونُس – الآية 72]، وقال الله تعالى لإبراهيم عليه السلام: ﴿أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة البقرة – الآية 131]، وقال إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ [سورة البقرة – الآية 128]، وبالإسلام أوصى إبراهيم ويعقوب عليهما السلام قائلين: ﴿فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [سورة البقرة – الآية 132]، وموسى عليه السلام يقول: ﴿يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ﴾ [سورة يونُس – الآية 84]، وقال الحواريون لعيسى عليه السلام: ﴿آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عِمران – الآية 52].

والرسالة الخاتِمة المَرْضِيَّة هي الإسلام، قال تعالى: ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا﴾ [سورة المائدة – الآية 3].
ولا يَسَع أحداً أنْ يتدَيَّن بغَيْر الإسلام الذي أنزله اللهُ على خاتَم الأنبياء، قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [سورة آل عِمران – الآية 85].
وفي الصحيح: ((والذي نفسُ محمدٍ بِيَدِهِ لا يسمعُ بي أحدٌ مِن هذه الأُمَّة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثُمَّ يموتُ ولم يؤمِنْ بالذي أُرسلتُ بِهِ إلا كان مِن أصحابِ النَّار)) [رواه مسلِم (ح153)].
إذِ الإسلامُ دِينُ الفِطرة، قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [سورة الروم – الآية 30]،
وهو دِينُ الهُدَى والرحمة، قال تعالى: ﴿وَنَـزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾ [سورة النحل – الآية 89]،
وهو دِينُ اليُسْر ورَفْع الحَرَج، قال تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾ [سورة الحج – الآية 78]،
وهو دِينُ التحرر مِن كلِّ عبودية لغَيْرِ الله، قال تعالى: ﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلا نَعْبُدَ إِلا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ﴾ [سورة آل عِمران – الآية 64]،
وهو دِينُ العِلم والعَقْل، قال تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾ [سورة المجادلة – الآية 11]، وقال تعالى: ﴿كِتَابٌ أَنْـزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ﴾ [سورة ص – الآية 29].

والمُسلِمون هُم خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَت للناس، قال تعالى: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [سورة آل عِمران – الآية 110]،
وهُمْ الأُمَّة الوَسَط، والشهداء العُدُول على جميع الأُمَمِ، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾ [سورة البقرة – الآية 143].


كتبه: فضيلة الشيخ د. محمد يُسري
مِن كتاب: مَتْن دُرَّة البَيان في أُصول الإيمان