16‏/01‏/2011

سماحة الإسلام لا تعني تمييع الإسلام

أظهر الشعب المصري أصالةً ووعياً في تعامله مع الحادث الإجرامي الذي خَلَّف عشرات الضحايا الأبرياء في حادث الإسكندرية، ولكن تعامل الإعلام والمثقفين مع هذا الحادث لم يكن بنفس الدرجة مِن الوعي والشعور بالمسئولية. لقد طفا على السطح خطاب إعلامي تغلُب عليه الارتجالية والسطحية والسذاجة مِن الناحية السياسية ويغلُب عليه الجهل بأصول الإسلام وشرعه حين تطرق الكلام للنواحي الشرعية لدرجة ظهر فيها الإسلام ديناً مميعاً بلا ضوابط ولا أصول. إن التأكيد على سماحة الإسلام وتأصيله لحُسن معاملة غير المسلمين وبِرهم والمحافظة على دور العبادة الخاصة بهم، لا يعني أبداً تفريغ الدين الإسلامي مِن أصوله بحيث ينادي البعض بأنًّ (الدين كله واحد) وأنه (ينبغي أن تكون هناك صلاة واحدة للمسلمين والأقباط).

لقد أساء الخطاب الإعلامي كثيراً للإسلام والمسلمين مِن ناحيتين:
الناحية الأولى: بخطاب جاهل لكل أشكال التدين حتى خرج أحد السفهاء بعنوان لمقالته يقول (النقاب سبب مذبحة الإسكندرية) وأخذ في مقاله العبقري يشرح كيف أن انتشار النقاب أدى إلى هذا الحادث الأليم. وتَطَوَّع كاتب آخر ليُقَدِّم لنا تفسيراً آخَر أكثر غرابة فقال (إنَّ سبب مذبحة الإسكندرية هو ضبط مؤشر الراديو داخل كثير من المحال والدكاكين على إذاعة القرآن الكريم) ومِن ثَمَّ طالَب ذلك الجهبذ أجهزة الأمن بأن تُلاحق تلك الدكاكين درءاً للفتنة وتطويقاً للانتحاريين. ويكتب ثالث (مازال سليم العوا طليقاً .... ومازالت وزارة الداخلية تبحث عن الفاعل مرة بين الأشلاء البشرية و مرة بين مواطني جمهورية الفيس بوك !! ).
إن هذه الكتابات التحريضية كتابات غير مسئولة ولا تستشعر الخطر المحدق بالبلاد ووحدتها الوطنية ومِن شأنها أنْ تزيد مِن التوتر الطائفي.
  
الناحية الثانية: بخطاب إعلامي يتناول مسائل دقيقة في الإسلام مِن غير أهل الاختصاص مِن علماء الدين، لدرجة أن يتجرأ مذيع أو مذيعة ليشرح (إحساسه عن رأي الإسلام في مسألة معينة) في الوقت الذي نجد فيه رجال الدين الأقباط هم فقط الذين يتكلمون في النواحي الدينية فيما يخص ملتهم. لقد أدَّى هذا الخطاب إلى قول كثير مِن الإعلاميين (إن الدين كله واحد). إن هذا يلبس على الناس دينهم، لأنه لو كان الاعتقاد كله واحد فلماذا يتمسك أي مسلم بدينه. وقد كانت لهذا ظواهر قوية كان أبرزها اللافتات التي رفعت في مسيرة بجامعة الأزهر. فقد تقدم شيخ الأزهر تلك المسيرة في خطوة نبيلة ومشرفة للتنديد بحادث الإسكندرية، لكننا فوجئنا بلافتة كبيرة خلف الشيخ مكتوب عليها (الهلال والصليب شمسهم عمرها ما تغيب) والتوقيع تحتها لرئيس جامعة الأزهر.
إنَّ الصليب رمز مِن رموز المسيحيين وأحد معتقداتهم يحترمونه ويقدسونه ويدافعون عنه وهذا حقهم، أما أنْ يُرْفَع هذا الشعار في جامعة الأزهر العريقة والمسلمون يؤمنون ببطلان ذلك الرمز شكلاً وموضوعاً لأنه يُناقِض كتاب ربهم، فإنَّ هذا مِن تمييع الدين الذي قد يُربك مفاهيم عامة الناس وفي نفس الوقت يصرف الشباب المسلم عن علمائهم.
إنَّ معالجة التوتر الطائفي تتطلب شجاعة في فتح ملفاتها بالحكمة والحوار الهادئ وتتطلب ظهور وارتفاع صوت العقلاء مِن علماء المسلمين والأقباط. أما أنْ تُعالَج الأمور بهذه الخفة والسطحية فقد تكون مسكنات وقتية فقط وتبقى الفتنة كامنة في المجتمع تنتظر شرارة لإيقاظها.

د. محمد هشام راغب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق