15‏/06‏/2013

الحجاب .. والاختيار الحر!

“هذا الحجاب تحذير صريح للآخرين بأنني لست المرأة التى يمكنهم اللهو معها. إنه يدلل على أنني إمرأة ذات عقل، وأدرك أننى أكثر من مجرد جسد. ولا يمكن بحال من الأحوال أن يكون الحجاب مساويًا للاضطهاد، فلا نريد منك أن تشعر بالأسى من أجلنا نحن المحجبات “. (*)

قائلتها أمريكية، معمدانية راديكالية، ناشطة فى شئون المرأة، بعد أن أسلمت وارتدت الحجاب.

......

“كنتُ في البداية أشعر أنني مسلوبة الإرادة، والآن أشعر أنني حُرّة، حُرّة بمعنى الكلمة.
عندما يتطاير شعري بفعل الهواء و”تبوظ تسريحته” أتذكر ما مر من أجل هذه اللحظة .. فأبتسم.
كل عام وأنتي حُرّة”

كاتبتها مصرية، مسلمة، ناشطة فى شئون المرأة، بعد أن خلعت عنها الحجاب.

......

تجربتان مع الحجاب، برقت الأولى فى ذاكرتى وأنا اطالع الثانية التي تسجل صاحبتها مرور عام على خلعها الحجاب، عام من اختيارها الحر (كما وصفته).

......

التجربة الاولى تبدأ أحداثها فى إحدى قاعات الدرس بالجامعة، عندما دخلتها “أمينة” فهالها أن تجد بين زملاء الدراسة نفر غير قليل من العرب، الأمر الذى جعلها تنفر وتعزف عن دراسة هذه المادة فى هذا الفصل الدراسي. الزوج الهادئ يراجعها ناصحًا ومحذرًا من أثر ذلك على المنحة التى تسعى للحصول عليها. وبعد يومين من التفكير العميق قررت “أمينة” التسليم بما قدره الله، وقد ملأها شعور أن الله قد قدر لها أن تحمل على عاتقها مهمة تحويل هؤلاء العرب إلى المسيحية.

شرعت “أمينة” فى أداء مهمة رأت أنها مكلفة بها، أنذرتهم بالجحيم إذا لم يقبلوا بالمسيح مُخَلِصًا، إنهم يستمعون بأدب لكنهم لا يتأثرون. بشرتهم بحب المسيح لهم وكيف مات على الصليب كي يخلصهم من خطاياهم وأن ما عليهم إلا أن يؤمنوا بذلك فيَّخْلَصوا، ولكنهم لا يؤمنون.

فشلت “أمينة” فى أن تنذر، وفى أن تبشر. فقررت أن تفعل شيئًا مختلفًا.
“قررت ان أقرأ لهم من كتابهم لأبين لهم أن الإسلام هو دين زائف، وأن محمدًا كان إلهًا زائفًا ايضًا” (*)

منحها أحدهم بناءً على طلبها نسخة من القرآن الكريم وكتاب آخر يتحدث عن الإسلام، وبدأت “أمينة” رحلتها التى استغرت العام ونصف العام، قرأت خلالها القرآن وخمسة عشر كتابًا عن الإسلام. وبدأت “أمينة” تتغير ..

أولى الدُفعات التى تكبدتها “أمينة” كتكلفة لهذا التغيير؛ أن فقدت زوجها. الذى -على حبه لها- لم يستطع أن يستوعب ما اعتراها من تغير، لم تستطع هى أيضًا أن تفسره فلم تكن قد أدركت كنهه بعد. طلب منها الرحيل، ففعلت. انتقلت إلى شقة مستقلة تعيش فيها مع طفليها الصغيرين.

وتوالت الدُفعات عندما أشهرت “أمينة” إسلامها فى 21 إبريل من عام 1977 ..
فقدت جُل أصدقاءها.
الأم لم تتقبل فكرة إسلامها، وتمنت أن تكون نزوة عابرة سرعان ما تتغلب عليها.
الأخت خبيرة الصحة العقلية ظنت أنها قد فقدت عقلها، وحاولت وضعها فى مصحة للأمراض العقلية.
أما الأب الهادئ الحكيم الذى يلجأ إليه الجميع طلبًا للنصح، فقد عبأ مسدسه بالذخيرة عازمًا على قتلها عندما تناهى إليه خبر إسلامها.

ثم قررت “أمينة” أن ترتدى الحجاب!
وما أن فعلت حتى حُرِمَت عملها. لتجد نفسها دون عائلة، ودون أصدقاء، ودون مصدر للرزق يؤمن لها لقمة العيش.
لكن الأسوأ لم يأتى بعد ..

إن انفصالاً سبق بينها وبين زوجها، وجب أن يتحول بعد إسلامها إلى طلاق رسمي، ينتقل بموجبه الأطفال إلى حضانة الأم كما يقضى بذلك القانون الأمريكي، إلا أن القاضى قد رهن ذلك بتخليها عن الإسلام، ومنحها عشرين دقيقة فقط لتختار بين إسلامها وبين طفليها!

“لقد كانت تلك العشرين دقيقة هى الأقسى والأقصى ألمًا في حياتي” (*)

كي تدرك طبيعة الكابوس الذى عاشته “أمنية” لدقائق تفصل فى عمرها القادم، عليك أن تضيف بعض تقارير طبية تفيد بإستحالة حملها مرة أخرى لوجود مشاكل صحية!

تقول “أمينة”: “دعوت الله كما لم ادعوه من قبل .. لقد علمت أنه لن يكون هناك ملاذ آمن لأولادي خير من أن يكونوا فى كنف الله ورعايته، وإذا ما انكرتُ الله الآن فلن يكون لى سبيل مستقبلا أن أبين لأولادي كم هو رائع أن تكون مع الله”. (*)

فاختارت “أمينة” الإسلام، واستودعت الله أولادها. غادرت المحكمة وقلبها يدمى، ولكنها على الرغم من ذلك كانت فى قرارة نفسها على يقين بأنها اختارت الاختيار الأصوب!

لم تسكن “أمينة” أو تنهزم بل على العكس من ذلك نشطت عن ذى قبل، وصلت بقضيتها إلى الإعلام، صحيح إنها لم تنجح فى كسب حضانة طفليها، لكن تعديلاً طرأ فيما بعد على قانون “كولورادو” ينص على أنه لا يجوز حرمان الآباء من حضانة أبناءهم على أساس الديانة.

أحال الإسلام “أمينة” إلى شخصية فريدة، باتت محط إعجاب الكثيرين، تأسرهم بخلقها السمح الذى اكتسبته من تعاليم الإسلام، فهدى الله على يديها كثيرين، واتمثل قول الله تعالى عن نبيه أيوب (عليه السلام):
“وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَىٰ لِأُولِي الْأَلْبَابِ”

الجدة التى جاوزت المائة من عمرها أراد الله لها الإسلام على يد “أمينة” قبل أن ترحل عن الدنيا بفترة وجيزة.
وبعد عامين من إسلامها، دعتها أمها لتعبر لها عن إعجابها بما آمنت به “أمينة” ودعتها إلى استمرار التمسك به. وبعد عامين آخرين دعتها مجددًا لتسألها كيف تصبح هى الأخرى مسلمة.
فبل أسبوعين من إسلام الأم، أسلم الأب، هذا الذى عبأ مسدسه يومًا كي يفرغه فى رأسها.
أم الأخت خبيرة الصحة النفسية فقد أسلمت بعد أن آمنت بأن الدخول فى الإسلام هو الأجدى لصحة العقل والبدن.
وما أن بلغ ولدها “ويتنى” عامه الحادى والعشرين حتى أبلغها أنه يريد أن يصبح مسلمًا.
بعد ستة عشر عامًا من الطلاق، اعتنق زوجها السابق الإسلام. قال لها إنه كان يتابع اخبارها، وأنه يريد لإبنته أن تحذو حذوها وأن تعتنق هذا الدين العظيم.

لكن الأروع لم يأتى بعد ..
الأروع هو زواجها من رجل آخر، شاء الخالق القدير أن يجعل ثمرته طفل جميل برغم ما سبق أن قرره الأطباء من استحالة حدوث ذلك!

رحم الله “أمينة السلمي” رئيس المنظمة العالمية للمرأة المسلمة.

......
أما التجربة الثانية فقد سطرتها صاحبتها فى تدوينة ملخصها:

ارتدت الحجاب فى الثانية عشر من عمرها حيث كان زيًا مدرسيًا للمدرسة الإعدادية التى التحقت بها. قضت عشر سنوات بين رغبتها فى التخلص منه، وبين قدرتها على التعايش معه .. حتى قامت الثورة، عندها قررت أن تنتزع حقها فى أن تكون صاحبة القرار!

فى اليوم الموعود ذهبت إلى أمها فى المطبخ تخبرها أنها قررت خلع الحجاب، “أنتى اللى حتتحرقى فى النار” قالت أمها. شئ من المكابرة يحفظ موقفها فى قالب: اللهم بلغت اللهم فاشهد. توسلت إليها أن تقف إلى جانبها، وفعلت الأم. عندما عاد والدها من صلاة الجمعة وأبلغته بقرارها، قالت الأم متظاهرة بالغضب: “سيبها يا أحمد هي اللي هتتحاسب”.

عندما ضغط الأب على وتر “الفرض الديني” شرحت له كيف أن الله لن يرضى عن فعل تفعله وهى مجبرة، شعر بأنه فى مازق، فقال: “الناس هنقولهم إيه؟”، سألته: “ربنا ولا الناس؟”، وكانت تعلم ان الإجابة فى واقع الأمر هى الناس وليس الله!!

صعدت من ضغطها، وتدخلت أختها .. “همممم حسنًا إنها في الغالب لجأت إلى “وتر المشاعر” وعزفت سيمفونية الأب المثالي، وشعرت أن أبوّته غلبت، حينها فقط أدركت أنني لو تركتُ الفرصة لن تأتِ أبدًا”.

“دخلت لأرتدي قميص بكُم، وبنطلون، ربطتُ شعري ووقفت أمام المرآة أحدث نفسي: أفعليها الآن، الآن وليس غدًا”
وخرجت لأول مرة بدون غطاء رأسها.

ثم بعد عشرة أيام، وفى ليلة أول إمتحان يأتيها الأب ليقول أنه يجب عليها ارتداء الحجاب لأن الناس يقولون: “بنتك مش مؤدبة”، أجابته بأنه إذا كان الحجاب مرتبطًا بالأدب فعليهم فرضه كذلك على أبناءهم الذكور. تحتد نبرة الحديث، يخرج الأب وهو يقول أنها سوف ترتديه بمجرد أن تنتهى الإمتحانات، وتبقى فى غرفتها تبكى الظلم والقهر وتنعى وجودها فى هذا المجتمع المريض، ولكنها لن تستسلم وسوف تقاوم!

انتهت الامتحانات، وكانت على موعد مع جمعية “نهوض وتنمية المرأة” فى مقابلة شخصية تمهيدًا لانضمامها إلى فريق العمل، وكانت قد اتفقت من قبل مع أسرتها على الإستقلال عنهم حال التحاقها بالعمل فى الجمعية!

أثناء استعدادها للخروج تتجدد المواجهة مع الأب، ومع إصرارها على الخروج بدون حجاب يلطمها الأب، فتحتد أكثر “مش هلبسه، مش هلبســه”، “هاتي مفتاحك، متدخليش البيت ده تاني” قال الأب، وفعلت هى!

فى القاهرة أقامت فى دار للمغتربات، واستقلت عن الأسرة، التى تحسنت علاقتها بهم بعد ثالث إجازة أسبوعية. انتهت جفوتهم، وانتهى حديثهم عن الحجاب!

......

إن المسافة الفكرية والإنسانية التي تفصل بين التجربتين تفوق تلك المسافة الجغرافية التي تفصل بينهما، إلا أن عاملاً مشتركًا يجمعهما هو ما تفخر به صاحبة التدوينة وتحتفل بمرور عام عليه: “الاختيار الحر”. فهل يحظى الاختيار الحر فى التجربة الأولى بثراءها وزخمها وحجم الألم المبثوث فيها بذات القدر (على الأقل) من التقدير الذى ناله اختيار “خلع الحجاب”؟!

هل يمكن لمن قدست الاختيار الحر حتى قدمته على طاعة الله أن تحيى “أمينة”، وأن ترفع يدها بعلامة النصر كما فعلت عندما امضت هى اختيارها؟
هل يمكن لجمعية كتلك التي تعنى بنهوض المرأة وتنميتها أن تلتقط نسخة مصرية من “أمينة” لتدعمها، على غير ما يبدو من حصر هذه الأنشطة على النهوض بالمرأة من سكينة استسلامها لتعاليم الدين، وتنمية قدراتها فى التمرد عليها؟
هل يمكن لمن أشاد، ومن تعاطف، ومن تفهم، اختيار خلع الحجاب، أن يفعل المثل مع اختيار ارتدائه؟
إجابة السؤالين الأول والثاني: “لا”. أما الثالث: “ربما”.

الإجابة بـ “لا” لأن الاختيار الحر ليس الهدف وإنما الوسيلة، واستحسانه ليس مطلقًا وإنما نسبيًا وفقًا لتقديراتنا الخاصة. وأنا اتفق مع ذلك كل الاتفاق فأرى أن الاختيار ليس محمودًا لذاته وإنما لحكمته. ما لا اتفق معه هو الرفع من قيمة حرية الاختيار فى مقابل حكمته، وهو تدليس يهذب كل حماقة ويرفع كل تدنى!

أما من يؤمنون بنظرية “الاختيار الحر” فدعونا نختبرها فيما هو أدنى كثيرًا من الفرض الديني، وأهون فى عاقبة العصيان.

هل تشفع فى إعفاء طالب من مادة إجبارية لا تستهويه دراستها؟
هل ترفع العقاب عن العسكري الذى لا يلتزم بزيه العسكري؟
......
أمثلة لا نهائية يمكن سردها هنا لتنحية “الاختيار الحر” فى مقابل الإلتزام بضوابط منظمة لحركة مجتمع، والوفاء بتكليفات مفروضة بحكم الإنتماء إليه.

والإسلام ليس بدعًا من ذلك. عندما تختاره كدين تدين لله به؛ فإنك تترك اختيارك على عتبته، وتُسْلِم وجهك لله الذى آمنت به، لأن تحفظك على أحكام الله طعن فى إيمانك به، وانتقاءك بينها يخرق إسلامك له.

إذا فالقضية قضية إيمان فى حقيقتها، وهى ما فطن إليه اثنان من المعلقين على تدوينة صاحبة “الاختيار الحر”، أحدهما مسلم يعى جوهر القضية، والثانى ملحد لكنه كان منطقيًا فيما ذهب إليه من استنكار اقتطاع أحكام من الإسلام مع استمرار الإيمان به كدين!

وتأتى ردودها كاشفة عن موطن الداء (الذى لا علاقة له بحرية الاختيار)، فأجابت الأول:
“أخي في الله، أتفق معك تمامًا أن الإيمان أولاً ويتبعه الحجاب، لذلك أدعوك أن تؤمن وترتدي الحجاب لعل الله يجعل لي من ثواب هدايتك نصيب، اللهم أمين”

وأجابت الثانى:
“أنت ملحد يعني رفضت فكرة وجود إله في الأصل، شغلت عقلك لحد ما وصلت لحقيقة ان مفيش خالق للكون دة، وعليه فإن كل الأديان والقواعد المنسوبة لهذا الإله باطلة، غير منطقية ، غير مقنعة بالنسبة لك، بعدها بترفض إن الحجاب مش من الإسلام ، على الرغم إن الحجاب بالذات عليه كلام وأراء فقهية كُثُر بسبب الثغرة اللي دايما بتتاخد على الإسلام إنه بيفرق بين الرجل والمرأة وإنه دين ذكوري بحت،، يعني من أشد وأبرز النقط اللي بتتاخد على الإسلام هو إضطهاد المرأة ومن ضمنها فرض الحجاب على الإناث مش الذكور، ثم تيجي تقول أنا ملحد، تقبل الله إلحادك”

وفى رد ثالث لها على من سألها عن إحساسها برضا الله عنها أجابت:
“طبعاً حاسة إنه راضي، لأني عارفة إن عمره ما هيرضا وأنا بنافقه، أضحك عليه كأني أذكى منه؟ هو عارف كويس أنا جوايا إيه، لو قرر يعاقبني يعاقبني أنا متحملة النتيجة”

إيمان مضطرب، تفكير مشوش، خطوط متشابكة ومشتبكة ..

سخرية واستهزاء بآيات الله!
طعن فى عدله وحكمته سبحانه، مع استنكارها الشديد أن تنافقه فتطعن بذلك فى ذكاءه وحدود علمه!
يطلب منها حسم قضية الإيمان أولاً .. تقول له ارتدى أنت الحجاب!
يقول لها إن الحجاب من الإسلام .. تقول له إن الإسلام دين ذكوري!

هذا الاضطراب والخبال يطرح نفسه كفكر وكقضية ترفع شعار الحرية والثورة على المجتمع الذى يخلط بين الفرض الديني وبين الواجب المجتمعي!!

مع أنهم لم يحسموا هم أولاً قضية إيمانهم، وثانيًا قضية الفرض الديني. يخلطون بين الإيمان والكفر، ويفصلون بين الأحكام وبعضها التقاطًا وانتقاءً!!

لمن يقف على أرضية الإيمان فإن الله تعالى يقول:
“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا” الأحزاب - 36
لا خيار فيما قضى به الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

وقد قضى ربنا بحكمته الحجاب على المؤمنات:
“وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ ... وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهاَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ” النور - 31

فقالت أم المؤمنين عائشةَ (رضيَ اللهُ عنها): “يرحمُ اللهُ نساءَ المهاجراتِ الأُّوَلِ، لمَّا أنزلَ اللهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}. شقَقْنَ مُروطَهنَّ فاختَمرْنَ بهَا” .. سمعن فأطعن.

إن الطاعة لله ليست نفاقًا؛ إذا كانت ابتغاءً لوجهه وتقديمًا لرضاه على هوى نفسى، وإن عدمت الإخلاص وفقدت الأجر؛ فإننى قد اجتنبت المعصية وشقاق الله ورسوله.

وصدق ربى .. توبوا إلى الله جميعًا أيها المؤمنون لعلكم تفلحون.
--------

(*) Aminah Assilmi - former Radical Feminist Baptist Converts



كتبت: نور عبد الرحمن

12/06/2013

05‏/06‏/2013

مقدمة عن الأديان ودين الفِطرة

خَلَق الله تعالى الإنسان مفطوراً على التوحيد والإسلام، فكُل إنسان في قديم الزمان أو حديثه، في أي بلد وُجِد وفي أي مكان، هو مولود على مِلة الإسلام، وإنما يقع له الانحراف بعامل خارجي، حيث يربيه والداه أو مجتمعه على ما يعتقدون مِن الأديان الباطلة.
يقول الله تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سورة الروم - الآية 30].
ويقول: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ  [سورة الأعراف - الآيات 172، 173].
ويقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة . فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه" [صحيح مسلم (ح2658)]، أي يجعلانه يهودياً، أو نصرانياً، أو مجوسياً.

والتوحيد والإسلام هو دين البشرية الأصلي، فقد كان أول البشر آدم عليه السلام مُسلِماً مُوَحِّداً، لأنه كان نبياً، وظلت ذريته على التوحيد أجيالاً عديدة، حتى ظهر فيهم الشرك بسبب تعظيم الموتى والصالحين، فعبدوا (وَدًّا وَسُوَاعًا وَيَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا).
وهذه المعبودات في الأصل هي أسماء رجال صالحين مِن قوم نوح عظَّمهم قومهم وقدَّسوهم، وكان مِن تعظيمهم لهم أنهم صوَّروا صورهم ليتذكرو بها عبادة الله، وأخيراً عبدوا تلك الصور نفسها، وأخذوا يدعونهم مِن دون الله تعالى.
وبعث الله تعالى أول الرُّسل نوحاً ليدعوهم إلى الإسلام، فأسلَم معه بعضهم وأغرق الله المشركين كما هو معلومٌ مِن سورة نوح وغيرها.
قال الله تعالى على لسان نوح: ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ [سورة يونس - الآية 72]. وهكذا كل نبي جاء بعده، وإنما جاء يدعو قومه إلى التوحيد والإسلام، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ [سورة الأنبياء - الآية 25].

وذَكَرَ اللهُ تعالى أنَّ كل نبي قال لقومه: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ [سورة الأعراف - الآية 59].
ومِن أعظم هؤلاء الأنبياء إبراهيم خليل الرحمن، الذي قال عنه الله تعالى: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [سورة آل عِمران - الآية 67]، وهو أبو بقية الأنبياء الذين جاءوا مِن بعده.
وكذلك نبي الله موسى كان مُسلِماً ودعا قومه إلى الإسلام، ولهذا قال فرعون لما أدركه الغرق: ﴿قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ [سورة يونس - الآية 90]، وكذلك عيسى كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [سورة المائدة - الآية 111]، والحواريون هُم أصحاب عيسى.

وكُل نبي دعا قومه إلى الإسلام، والإسلام هو دين الله الذي لا يقبل سواه، قال تعالى: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ [سورة آل عِمران - الآية 19]، وقال: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ [سورة آل عِمران - الآية 85].
وقال صلى الله عليه وسلَّم: "والذي نفسُ محمدٍ بيده، لا يَسْمَعُ بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ ، ثم يموتُ ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلا كان مِن أصحابِ النارِ" [صحيح مسلم (ح240)].
وقد أكرم الله تعالى أُمة محمد صلى الله عليه وسلَّم بأنْ سمَّاهم باسم الإسلام: ﴿هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ [سورة الحج - الآية 78]، لأنَّ رسالته هي الرسالة العامة للبشرية كلها، ولأنَّ اُمته أعظم الأُمم تحقيقاً لمعنى الإسلام وكمال الاستسلام.

ومما تقدَّم نستنتج:
1-           أنَّ الإسلام هو دين الفطرة الذي يولَد عليه كل مولود على ظهر الأرض، ولكن التربية الضَّالة تجعله يدين بأي دين آخَر.
2-           أنَّ الإسلام هو دين البشرية الأصلي، وأنَّ كل الأنبياء كانوا مُسلمن داعين إلى الإسلام والتوحيد.
3-           أنَّ اليهودية، والنصرانية، والمجوسية، والهندوسية، وكل الأديان سوى الإسلام ليست هي دين الله الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه، ولا يقبل الله منها شيئاً، ومصير كل مَن دان بها هو الخلود في النار وبئس القرار.
4-           أنَّ الأديان الأخرى سوى الإسلام إنما هي مِن صُنع وابتداع الأحبار والرهبان والكُهّان ورجال الدِّين والفلاسفة.. الذين أسسوا أدياناً مِن عند أنفسهم، أو حرَّفوا دين الله وزادوا فيه ونقصوا حتى ضاعت الحقيقة في ركام الأباطيل.


كتبه: د. سفر الحوالي

مِن كتاب: أُصول الفِرَق والأديان والمذاهب الفكرية

01‏/06‏/2013

السِّيادة أو الحاكمية في الإسلام

في الدَّولة الحديثة غير الإسلامية تتمثل السُّلطة التشريعية في مجلس يُسمَّى مجلس النواب، أو مجلس الشعب، أو المجلس الوطني، ويقوم بوظيفة التشريع أو إصدار القوانين والنُّظُم، كما يقوم ببعض الأمور التي هي في الأصل تنفيذية، كالموافَقة على الوزارة، والمصادَقة على المعاهدات، وإعلان الحرب، وما شابه ذلك [نظام الإسلام – د. محمد المبارك (ص82)].

أما في الإسلام فلا خلاف بين المسلمين في أنَّ مصدر جميع الأحكام التشريعية – مِن أوامرٍ ونواهٍ – هو الله تعالى لا يُشارِكه فيه أحدٌ مِن الناس فيما وضع مِن مباديء وأُصول، وتشريعات مُفَصَّلة مُحَدَّدة، وطريق التعرف عليها يكون فيما أَنْزَل الله مِن قرآن أو أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلَّم.
وفي ذلك ضمان وثيق لحرية الإنسان والحفاظ على كرامته ومصالحه، وعدم استبداد أحد به.
أما إعطاء سُلطة التشريع والأمر لأحدٍ مِن الناس فهو إشراك في ربوبية الله، وطريق يؤدِّي إلى الاستبداد والطغيان والظُّلم، وإهدار حرية الإنسان، والإضرار بمصالحه الخاصة التي لا تصطدم مع المصالح العامة.

والأدلة توجِب حتمية الخضوع لما أَنْزَل الله، وآيات القرآن الكريم حاسمة في ضرورة أنْ تكون شريعة الله هي الحاكِمة، يقول تعالى: ﴿مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [سورة يوسف - الآية 40]، إلى جانِب أنَّ النصوص تَصِم مَن يعدِل عن حُكم الله بوصمة الكُفر والظُّلم والفِسق، قال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [سورة المائدة - الآية 44]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ [سورة المائدة - الآية 45]، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [سورة المائدة - الآية 47].

كما أنَّ الله عزَّ وجلَّ ينفي الإيمان عن الذين يعزفون عن التحاكم إلى الله ورسوله، يقول تعالى: ﴿فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [سورة النِّساء - الآية 65]، فهذه الآية الكريمة لا تقتصر في نفي الإيمان عن الذين يرفضون التحاكم لشريعة الله، وإنما ينتفي الإيمان أيضاً عن هؤلاء الذين يُحَكِّمون شريعة الله ثُم يتحرجون مِن الالتزام بما قضى الله، ومِن هنا فإنَّ هذه الآية توجِب تحكيم شريعة الله، والتسليم الكامل بما يقضي، كما أوجب الله عزَّ وجلَّ ردَّ كل خلاف إلى شريعة الله حتى يتحقق لها الحاكمية، يقول عزَّ وجلَّ: ﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ [سورة الشُّورى - الآية 10]، وقوله تعالى: ﴿فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [سورة النِّساء - الآية 59].

إلى جانب أنَّ الشارع جَعَل البديل عن اتباع الحق والالتزام بشريعته اتباع الهوى والوقوع في الفتنة والرجوع إلى حُكم الجاهلية، يقول تعالى: ﴿وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْـزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ * أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [سورة المائدة - الآيات 49، 50].

وغير ذلك مِن النصوص العديدة التي توجِب أنْ تكون الشريعة الإسلامية هي الحاكمة، إلى جانب أنْ تكون هي الميزان الذي تقف بمقتضاه على مشروعية اللوائح والقوانين في الدولة الإسلامية، فالله وحده هو الذي يملك أنْ يُشرع للناس ابتداءً، وهو عزَّ وجلَّ لم يتنازل عن سلطانه هذا لبشر.


كتبه: أ.د. فرحات عبد العاطي سعد، كلية الشريعة بجامعة الأزهر

مِن كتاب: السياسة الشرعية