10‏/06‏/2011

كامليا شحاتة ليست القضية

أُدرِكُ تماما أن الكثيرين سيتعجبون من هذا العنوان وسيظن البعض للوهلة الأولى أنني قد تغير موقفي في تلك المسألة وأعتذر لأنني سأخيب ظنهم، فأنا متمسكٌ بِنُصرَةِ هذه المرأة المسلمة -إن كانت-، ولكنني مع ذلك مُصِرٌّ على عنوان المقال، وهو أن كامليا شحاتة ليست القضية بل هي حالة من الحالات في قضية أكبر وهي قضية اعتناق الإسلام في بلد يُزعَمُ أنَّها بلد إسلامي وأن بها أكبر مؤسسة إسلامية في العالم ألا وهي الأزهر الشريف، فقضيتُنا أكبر من كامليا شحاته وغيرها من أخواتنا المسلمات اللاتي احتُجِزنَ في الأديرة، إنها قضية عقيدة ودين، وبعيدا عن دعوات الحرية التي يتغنى بها العلمانيون وهم أول من يضرمون النار فيها إذا خالفت هواهم، فإننا نتخذ قضية الدخول في الإسلام قضية دين وعقيدة لا ينبغي أن تترك لكل من هب ودب ليزايد عليها أو ليُتحِفَنا برأيه فيها، ولا يُتصَوَّر أبدا أننا قد وصلنا من إلى حالة من الوَهَنِ والضَّعف أمام أنفسنا قبل غيرنا حتى أننا نعجز عن توفير الأجواء المناسبة لاعتناق هذا الدين الحنيف الذي ندين به بل وأُمِرنا بالدعوةِ إليه والقتال فيه، لا يتصور أبدا أنه يأتينا إنسان بمحض إرادته يريد اعتناق هذا الدين ثم نردُّه أو يردُّه غيرَنا إلى الكفر وأهله، ثم نعتذر بأن الوقت غير ملائم أو أن ثمَّة أولويات فوق إعلاء كلمة الدين وانقاذ نفس من نار الآخرة باعتناقها هذا الدين ثم إنقاذها من نار الدنيا بحمايتها ممن يتربصون بها لأنها فضَّلت الحق على الباطل والنور على الظلام والهدى على الضلال.
قضيتُنا ليست كامليا شحاته، بل قضيتُنا هي أن نفتح الباب أمام الذين يريدون اعتناق هذا الدين وأن نحتضنهم ونحميهم، وهذا حقهم الذي هو واجب علينا لا نفعله تفضلاً أو جباية بل نفعله مأمورين مُتَّبِعين ليس لنا فيه خِيرَة ولا قرار، قضيتُنا ألا يكون هناك تهديد لمن يعتنقون هذا الدين في أرض مَنَّ الله عليها بالإسلام، قضيتنا ألا يخشى قسيس –لا مجرد شخص عادي- على نفسه الموت إن هو أسلم، قضيتنا أن نحقق الأمان بهذا الدين وأن يكون أمانا لمن دخل فيه، قضيتُنا ألا نعيش في مجتمع يُسمَّى بالمجتمع الإسلامي أو المتدَيِّن ثم يعيش فيه المسلمون الجدد كما عاش المسلمون بمكة قبل الفتح يخافون أن يظهروا دينهم لألّا يساموا سوء العذاب أو يقتَّلوا، قضيتُنا أن ننتصر لأنفسنا ولتديُّننا والتزامنا المزعوم بهذا الدين بأن نؤدي حقه الذي استحقه بدخولنا فيه والذي استحقه إخوتنا بدخولهم فيه.
وإنه لَيَضيقُ صدري برؤيتي لبعض العلمانيين الذين غلب هواهم عقولهم ودينهم وبعض المساكين الذين يتابعونهم على غير هدى، أولئك الذين يتمنون أن تخرج كامليا شحاته لتقول أنها نصرانية ليشمتوا في إخوانهم الذين طالبوا بها ودافعوا عنها وليحققوا كما يزعمون نصرا عظيما على السلفيين المتشددين الانتهازيين، وإلى أولئك أقول: إن إسلام كامليا شحاتة أمرٌ مفروغٌ منه بالأدلة والإثباتات وشهادة المسئول عن الإشهار بل وما تطاير في ثنايا حديث كثيرٍ من الأقباطِ والقساوسةِ من غسيل المخ وما إلى ذلك، فإن خرجت علينا كامليا تقول بأنها نصرانية فهي إما ارتدّت لما تركناها وتخاذلنا وأعدناها إلى الكفر بعد الإيمان ووالله حينها لإن لم يرحمنا ربنا لنكونن من الخاسرين إذ كُنَّا لأعدائه عونا على أوليائه، أو أنها ستُجبَرُ على هذا للسيطرة على ما يزعمونه من فتنة ولحفظ ماء وجه النصارى وقساوستهم، ولإن هي أُجبِرَتْ أن تُخفي إسلامها في بلد إسلامي بحجة سخيفة كتلك فلا أدري كيف سنعتذر لربنا إذ خذلناها، وخذلنا دينه حتى بلغ من ضعفنا ألا يقدر المسلم على إظهار إسلامه بين إخوانه المسلمين، فيالعارنا وخورنا ودياثتنا حينها.
إنني أعيب على الإخوة الذين اختزلوا تلك القضية العظيمة والمحنة الجسيمة في حالة كامليا شحاته وهي إنما حالة واحدة سبقتها وتلتها حالات كثيرة، أولائك الذين اختزلوها في حالة كامليا أعانوا أعداءهم على التضييق عليهم والمراهنة على مصداقيتهم أمام حالة واحدة، ومعلوم أن المراهنة على المصداقية لا تكون في حالة بل تكون في قضية متكاملة الجوانب، لذا فإنني أهيب بالإخوة الذين يتبنون هذه الحالة ألا يقتصروا عليها في خطابهم الشعبي والإعلامي بل ينبغي أن تكون كامليا كغيرها، وإنني لأعذرهم لِما صاحب قضيتها من زَخَمِ وصَخَبٍ إعلامي لا يخفى عليهم أنه كان كالفخ أو المصيدة التي أراد أولائك نصبها ظنا منهم أن كامليا لو خرجت لتقول أنها نصرانية فإننا سنترك قضيتنا الأصيلة وسنتخاذل أو أن قضيتنا ستخسر شرعيتها أو شعبيتها، فعليهم أن يتنبهوا لهذه المكائد وأن يتنبهوا لقضيتهم الرئيسية، وعلى أولائك أن يعلموا أن كامليا إنما هي حلقة في سلسلة طويلة لن تنتهي مادام هناك من لديه الرغبة في اعتناق هذا الدين.
قضيتنا ليست قضية امرأة أو رجل اعتنق الإسلام، قضيتنا قضية مجتمع مسلم ينبغي أن يكون المسلم فيه آمِنًا مُكرَّمًا يقوم بواجباته ويؤدي حقوقه، ولا يخشى أن يَجهَرَ بأنه لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، مجتمع يفتح فيه باب الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، وإن العجب من أولائك الذين يزعمون أن في إسلام النصارى فتنة، والعجب كل العجب ممن ينتسبون للمؤسسات الدينية والحكومية ثم هم يتخاذلون في ذلك، أولائك أقول لهم: قد قيَّدتُمونا عن نصرة ديننا بالجهادِ ومحاربةِ أعداء الدين وربيتمونا على التخاذل والخنوع الذي ألصقتموه زورا بقوله تعالى {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125]، فما لكم الآن تتخاذلون فوق تخاذلكم حتى أبيتم أن يدخل الناس بمحض إرادتهم ورغبتهم وبغير جهاد ولا قتال في دين الله، فماذا تركتم لنا أيها الظالمون المدلِّسون؟، ماذا تركتم لدين الله؟، ماذا تركتم لله؟، والله إن الإعراض عن دين الله وعن نصرته لهو الفتنة وإن ما يحدث لمُعتنقي الإسلام الجدد في بلدنا هذا لهو الفتنة وإنما الفتنة فتنة الدين، وإنكم لتساهمون في فتنة أولائك القوم عن دينهم وإنكم لمسئولون أمام الله عن هذا، وما عَهِدْنا الفتنة في شرعنا إلا فتنة في الدين بتركه أو فتنة بين المسلمين تفرقهم، ما عهدنا أن الفتنة تكون بين المسلم والكافر، ما عهدنا أن الإبقاء على الوداعة المزعومة والصفاء المكذوب بين المسلمين والنصارى أولى وأفضل عند الله من نصرة نساءٍ أسلَمن، يقول الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، فما بالنا نُرجِعهن، وما بالنا نَترُكهُنَّ لتنتهك أعراضَهُنَّ، ويلٌ لنا ثم ويل، نسأل الله أن يثبتنا على الحق وأن ينصر إخواننا وأخواتنا بنا وأن يعود لهذا الدين في هذه الأرض مجده وعزَّه وأن يرينا الحق حق ويرزقنا اتباعه وأن يرينا الباطل باطل ويرزقنا اجتنابه.

كتبه: محمد أبو الفتوح غنيم
5 مايو 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق