14‏/06‏/2011

في التشريع...

التشريع حق الله: والمراد بالتشريع، ما يُنَزَّله الله لعباده مِن المنهج الذي يسيرون عليه في العقائد والمعاملات وغيرها؛ ومِن ذلك التحليل والتحريم، فليس لأحدٍ أنْ يُحِل إلا ما أحله الله، ولا يُحَرِّم إلا ما حرَّم الله، قال تعالى: ﴿وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ﴾ [سورة النحل – الآية 116]، وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْـزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلالا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ﴾ [سورة يونُس – الآية 59].

فقد نهى الله عن التحليل والتحريم بدون دليلٍ مِن الكتاب والسُّنَّة، وأخبر أنَّ ذلك مِن الكذب على الله، كما أخبر سبحانه أنَّ مَن أوجبَ شيئاً أو حَرَّم شيئاً مِن غير دليل فقد جعل نفسه شريكاً لله فيما هو مِن خصائصه، وهو التشريع، قال تعالى: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ﴾ [سورة الشورى – الآية 21].

ومَن أطاع هذا المُشَرِّع مِن دون الله وهو يعلم بذلك ووافقه على فعله فقد أشركه مع الله، قال تعالى: ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [سورة الأنعام – الآية 121].
يعني: الذين يُحِلُّون ما حَرَّم الله مِن الميتات، مَن أطاعهم في ذلك فهو مشرك، كما أخبر سبحانه أنَّ مَن أطاع الأحبار والرهبان في تحليل ما حَرَّم الله وتحريم ما أحله الله فقد اتخذهم أرباباً مِن دون الله، قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [سورة التوبة – الآية 31].
ولما سمِع عدي بن حاتم رضي الله عنه هذه الآية قال: "يا رسول الله، إنَّا لسنا نعبدهم"، فقال النبي صلى الله عليه وسلَّم: ((أليسوا يُحِلُّون ما حَرَّم اللهُ فتُحِلُّونه، ويُحَرِّمون ما أحلَّ اللهُ فتُحَرِّمونه؟)) قال: "بلى"، قال: ((فتلك عبادتهم)) [رواه الترمذي].
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن رحمه الله: ((وفي الحديث دليل على أنَّ طاعة الأحبار والرهبان في معصية الله عبادةً لهم مِن دون الله، ومِن الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله، بقوله تعالى في آخر الآية: ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [سورة التوبة – الآية 31].
ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ [سورة الأنعام – الآية 121].
وهذا واقع فيه كثيرٌ مِن الناس مع مَن قلدوهم، لعدم اعتبارهم الدليل إذا خالَف المقلَّد، وهو مِن هذا الشرك)) انتهى.

فالتزام شرع الله، وترك شرع ما سواه، هو مقتضى لا إله إلا الله، والله المستعان.

كتبه: فضيلة الشيخ د. صالح الفوزان، عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
مِن كتاب: عقيدة التوحيد، وبيان ما يُضادها أو ينقُضُها مِن الشرك

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق