31‏/10‏/2011

كيومِ ولدته أُمُه


الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَن لا نبي بعده،
وبعد،

فإنَّ الحج هو أحد أركان الإسلام، وأحد عباداته العظام. وهو حقٌ واجبٌ لله في رقاب الناس، فيه فضلٌ عظيمٌ وثوابٌ جزيل. تشتاق إليه قلوب المسلمين، ويترقبونه كل عام.
وصدق الله تعالى إذ قال: ﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾ [سورة الحج – الآية 27].


معنى الحج
الحج لغةً هو ((القصد إلى الشيء المُعَظَّم)) [التعريفات – الجرجاني (ص115)]،
والحج شرعاً هو ((القصد إلى البيت الحرام، لأعمالٍ مخصوصة، في زمنٍ مخصوص)) [تيسير العلام شرح عمدة الأحكام – عبد الله بن صالح آل بسام (ص371)].


حُكم الحج
((الحج فرضٌ بإجماع المسلمين، ورُكن مِن اركان الإسلام، وهو فَرْضٌ في العُمر مَرَّةٌ على المستطيع، وفَرْضُ كفاية على المسلمين كل عام، وما زاد على حج الفريضة في حق أفراد المسلمين فهو تطوع)) [الملخص الفقهي – صالح الفوزان (ص191)].

قال الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ [سورة آل عِمران – الآية 97].
((هذه آية وجوب الحج عند الجمهور، وقيل: بل هي قوله: ﴿وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ﴾ [سورة البقرة – الآية 196] والأول أظهر. وقد وردت الأحاديث المتعددة بأنه أحد أركان الإسلام ودعائمه وقواعده، وأجمع المسلمون على ذلك إجماعاً ضرورياً، وإنما يجب على المُكَلَّف في العمر مرةً واحدةً بالنَّصِ والإجماع)) [عُمدة التفسير عن الحافظ ابن كثير: مختصر تفسير القرآن العظيم – أحمد شاكر].
قال الشوكاني: ((اللام في قوله "ولله" هي التي يُقال لها: لام الإيجاب والإلزام، ثم زاد هذا المعنى تأكيداً حرف "على" فإنه مِن أوضح الدلالات على الوجوب عند العرب، كما إذا قال القائل: لفلانٍ عليَّ كذا، فذَكَر الله سبحانه الحج بأبلغ ما يدل على الوجوب تأكيداً لحقه وتعظيماً لحرمته.. وقد اختلف أهل العِلم في الاستطاعة ماذا هي؟ فقيل: الزاد والراحلة، وإليه ذهب جماعة مِن الصحابة، وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العِلم، وهو الحق.. وقيل: إنه عبَّر بلفظ الكفر عن ترك الحج تأكيداً لوجوبه وتشديداً على تاركه، وقيل: المعنى ومَن كفر بفرض الحج ولم يره واجباً، وقيل: إنَّ مَن تَرَك الحج وهو قادرٌ عليه فهو كافر)) [فتح القدير - الشوكاني]

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بُنِي الإسلام على خمسٍ: شهادة أنْ لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحج، وصوم رمضان" [صحيح البخاري – (ح8)].

وقول الجمهور على أنَّ الحج فُرِض في السنة التاسعة مِن الهجرة.


فضائل الحج
عن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "العمرة إلى العمرة كفارةٌ لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" [صحيح البخاري – (ح1773)].
وعن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه قال: سمعتُ النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "مَن حَجَّ لله، فَلَمْ يرفث ولم يفسق، رجع كَيَوْم ولدته أُمُّه" [صحيح البخاري – (ح1521)].
وعن أبي هُرَيْرة رضي الله عنه قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "إيمانٌ بالله ورسوله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "جهادٌ في سبيل الله". قيل: ثم ماذا؟ قال: "حَجٌ مبرور" [صحيح البخاري – (ح1519)].
وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: "فلما جعل الله الإسلام في قلبي أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ابسط يمينك فلأبايعك. فبسط يمينه. قال: فقبضت يدي. قال: "مالك يا عمرو؟" قال: قلت: أردتُ أنْ أشترط. قال: "تشترط بماذا؟" قلت: أنْ يُغفر لي. قال: "أما علمتَ أنَّ الإسلامَ يهدم ما كان قبله؟ وأنَّ الهجرة تهدم ما كان قبلها؟ وأنَّ الحج يهدم ما كان قبله؟" [صحيح مسلم – (ح121)].


أركان الحج
هي أعمال الحج التي إذا فسد أحدها لم يصح الحج.
والركن هو ((ما هية الشيء والذي يتركب منه، ويكون جزء مِن أجزائه، ولا يوجد ذلك الشيء إلا به)) [حاشية الروض المربع – ابن القاسم (ج2/ص122)].

وأركان الحج، على الراجح مِن أقوال أهل العِلم، هي:
-        الإحرام
-        الوقوف بعرفة
-        طواف الإفاضة
-        السعي بين الصفا والمروة


واجبات الحج
هي أعمال الحج التي إذا فسد أحدها وجبت الفدية، مِن دمٍ أو صيامٍ أو إطعام.
والواجب هو: ((كل قَوْل أو فِعل طلبه الشارع على وجه الحتم والإلزام، ورَتَّب على فعله امتثالاً المدح والثواب، وعلى تركه مع المقدرة الذم والعقاب)) [أوضح العبارات في شرح المحلي مع الورقات – د. محمد يسري إبراهيم (ص100)].
عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: "مَن نسي مِن نسكه شيئاً أو تركه فليهرق دماً" [الموطأ – الإمام مالِك (ح941)].

وواجبات الحج هي:
-        الإحرام مِن الميقات
-        الوقوف بعرفة إلى غروب الشمس
-        المبيت بالمزدلفة
-        المبيت بمنى ليالي أيام التشريق
-        رمي الجمرات
-        الحلق أو التقصير
-        طواف الوداع

((والباقي مِن أعمال الحج وأوقاله سُنن.. فمَن تَرَك نُسُكاً، لم يتم نُسُكه إلا به، ومَن تَرَك واجباً جبره بدم، ومَن تَرَك سُنَّة فلا شيء عليه)) [مناسك الحج والعمرة في الإسلام في ضوء الكتاب والسنَّة – د. سعيد بن وهف القحطاني (ص316، 317)].


وصلى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين،
والحمد لله رب العالمين.


جمعه : أبو إسماعيل حاتم الحاجري، عفا الله عنه
ليلة الأحد، 03 ذي الحجة 1432 هـ / 30 أكتوبر 2011

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق