15‏/02‏/2011

الآن بدأ العمل

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
(قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (آل عمران:26-27).
كَمْ ظَنَّ مُلوك أنَّ ملكهم لا يزول.. ! وكَمْ قال قائل مُقْسِماً: "ما لنا مِن زوال"! (أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ) (إبراهيم:44) وكَمْ دعا مظلومون: "ربنا إنَّا مَغْلُوبُون فَانْتَصِرْ"، وطال انتظارهم وعند الله إجابة دعوتهم: (قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) (يونس:89).

أقول لأُمَّتي، وأقول لأَخَوَتي:
الآن بدأ العمل فلا تظنوا أنه قد انتهى، الأيام القادمة محنة مِن نوعٍ جديد، تحتاج إلى استقامة على طريق الحق؛ استقامة في الباطن، واستقامة في الظاهر.
تحتاج إلى حذر مِن الجهل وعدم العِلم، ومِن اتباع سبيل الجُهَّال الذين لا يعلمون، فضلاً عن المنافقين أعداءِ الدِّين الذين يريدون تضييع هُوية أُمَّتِنا الإسلامية (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (المنافقون:4).
تحتاج إلى صدق مع الله -تعالى- في الأقوال والأعمال والأحوال.
تحتاج إلى إخلاص وتجرد لإرادة وجه الله والدار الآخرة ونسيان حظ النفس.
تحتاج إلى ثبات على المنهج.
تحتاج إلى ذِكر كثير لله -تعالى- بتلاوة آياته في الصلاة وخارجها، واتباع أوامره ونواهيه، فالأوامر والنواهي هي مِن ذكر الله، وليس الذِّكْر فقط التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وقراءة القرآن -وأعظم أَمْرٍ أَمَرَ الله به التوحيد، وأشد ما نهى الله عنه هو الشرك-، وهذا الذِّكر سبب الفلاح.
تحتاج إلى مزيد مِن طاعة الله وطاعة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عِلمًا وعملاً ودعوة وصبرًا.
تحتاج إلى تَرْكِ التنازع والاختلاف الناشيء عن هوى النفوس وإرادات الدنيا، ورد ما كان مِن نزاع إلى منبع الهُدى ومصدر النور المُتَلَقَّى مِن فمِ الصادق المصدوق -صلى الله عليه وسلم- في مسائل الإيمان والاعتقاد، وفي مسائل الأحكام في العبادات والمعاملات، وفي مسائل أحوال القلوب والأخلاق (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) (النساء:59)، فبهذا مع الصدق والإخلاص يزول النزاع أو على الأقل يظل محصورًا في دائرة محدودة يبقى معها الحب والود؛ وإلا فالبديل هو الفشل.
تحتاج إلى صبر على الطاعات، وصبر عن المعاصي، وصبر على البلاء.
تحتاج إلى تخلص مِن أمراض الكبر والعُجْب والبطر واحتقار الناس وازدرائهم، والرياء والسمعة التي تجلب القسوة والغفلة، كما كان دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ مِنَ العَجْزِ والكَسَلِ والجُبْنِ والبُخْلِ والهَرَمِ والقَسْوَةِ والغَفْلَةِ والعَيْلَةِ والذِّلَّةِ والمَسْكَنَةِ وأعُوذُ بِكَ مِنَ الفَقْرِ والكُفْرِ والفُسُوقِ والشِّقاقِ والنِّفاقِ والسُّمْعَةِ والرِّياءِ وأعُوذُ بِكَ مِنَ الصَّمَمِ والبَكَمِ والجُنُونِ والجُذامِ والبَرَضِ وَسَيِّىءِ الأَسْقامِ) (رواه ابن حبان والحاكم، وصححه الألباني).
نتأمل كيف استعاذ -صلى الله عليه وسلم- بالله مِن الأمراض القلبية قبل الأمراض البدنية؛ لأنها تفتك بالقلوب التي يحصل بوجود الإيمان فيها السعادة الأبدية، وإذا خلى منها أو نقص حلت جميع هذه الأمراض والأسقام.
تحتاج للحذر مِن أي صورة للصد عن سبيل الله، فلقد رأينا عاقبة مَن صد عن سبيل الله، ولا يزال يوجد مَن يصد عن سبيلِ الله، فالأعداء متربصون؛ وربما زاد صدهم عن سبيل الله لمواجهة الروح الجديدة التي انبعثت في الأمة فلنجعل منهاج عملنا مِن قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ . وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَراً وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) (الأنفال:45-47).

أُمَّتي الحبيبة، وإخوتي الأحباء:
طُوِيَت صفحةٌ وبدأت صفحةٌ جديدة ومهامٌ عديدة، وأحمالٌ ثقيلة، وأمانةٌ شديدة أعرضت عنها السموات والأرض والجبال.

فاللهم أعنَّا ولا تُعِن علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويَسِر الهدى لنا، وانصرنا على مَن بغى علينا.
اللهم اجعلنا لك شكَّارين، لك ذاكرين، لك رهابين، لك طائعين، إليك مخبتين، إليك أواهين منيبين. ربنا تقبَّل توبتنا، واغسل حوبتنا، وأجب دعوتنا، وثبِّت حُجَّتنا، واهد قلوبنا، وسدد ألسنتنا، واسلُل سخيمة صدورنا.

كتبه: ياسر برهامي
9-ربيع أول-1432هـ   12-فبراير-2011  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق