01‏/04‏/2011

هل في الإسلام نظام سياسي؟

يَعجَب كثير مِن المنتسبين للإسلام، الذين تثقَّفوا بثقافة الغرب ونهلوا مِن مناهله المشوبة، إذا قلتَ لهم: إنَّ الإسلام جاء ليقيم دولة ويحكم أُمَّة وينظِّم العلاقات بين البشر، وفيه كل القواعد المتناسقة المترابطة التي تنظِّم الحُكم، وتُبَيِّن طريقة ممارسة السلطة الحاكمة للحُكم.
إنَّ المستغرِبين مِن بني قومنا الذين هم مِن جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، يظنون كما ظنَّ العَلمانيون في ديار الغرب أنَّ الدين علاقة بين الفرد وربه، ولا يجوز أنْ يُسمَح للدين أنْ يتدخل في شؤون الحياة الاجتماعية والاقتصادية والقضائية، ويذهبون إلى ما ذهب إليه أساتذتهم مِن وجوب فصل الدين عن الدولة.

وقد نجحت الحكومات التي تحكُم ديار الإسلام في تحقيق هذه الفكرة الغربية، فأُقصي الإسلام عن الحُكم، وإنْ نَصَّت أكثر دساتير هذه الدِوَل على أنَّ دين الدولة الإسلام.

إنَّ الذين رددوا هذه الفكرة وأصَّلوها في ديارنا فريقان:
الفريق الأول: أهل المكر بهذه الأُمَّة، الذين يعلمون طبيعة هذ الدين، ويعرفون حقيقته، وأنه دين شامل جاء ليحكم عباد الله بمنهج الله، ولكنهم يمكرون بهذه الأُمَّة لإقصاء دين الله عن موقعه حتى لا تعود الأُمَّة إلى أصالتها، وكي لا تعود إليها روحها التي تبني النفوس، وتُصلح القلوب والعقول، ويبقى أهل الشر هم المسلَّطون على رقابها، يمتطون ظهورها ويمصُّون خيراتها، بلا حسيب ولا رقيب.
والفريق الثاني: جاهل بطبيعة هذا الدين، أَلبس عليه أهلُ المكر حقيقة هذا الدين، فظنَّ أنَّ العلماء المسلمين يُشَرِّعون باسم الله ما يشتهون، كما هو الحال في رجال الكهنوت في الدين النصراني، الذين يغفرون الذنوب ويُدخِلون الناس الجنة، بل يبيعونهم إياها بثمنٍ بخس.

إنَّ العلماء المسلمين مثلهم مثل حكام المسلمين، ليس لهم أنْ يحكموا الناس بالهوى ويُشَرِّعون ما يشاؤون، فالإسلام دين يحكم العباد، فإذا حاد العباد عن دين الله فإنه يجب على بقية الأُمَّة أنْ تقف في وجوههم وتقيمهم على الجادة.
إنَّ المأمومين في الصلاة يتابعون الإمام ما استقام على المنهج الذي شرعه الله، فإنْ صلى على طريقةٍ مخالِفةٍ للمنهج الرباني فلا متابَعة له ولا اقتداء به، وهذا ماضٍ في كلِ أمرٍ مِن الأمور، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلَّم: ((لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)) [صحيح الجامع – الألباني (7520)].

إنَّ الذين يزعمون أنَّ الله فَوَّض إليهم سلطانه، وأنَّ ما يُصدِرونه مِن أحكام وقوانين يُمَثِّل إرادة الله ومشيئته ضالون، وفي يوم القيامة يَسأل اللهُ عيسى فيقول له: ﴿يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ﴾ [سورة المائدة – الآية 116]، فيقول مُجيباً: ﴿سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ [سورة المائدة – الآية 116]، وهذا الذي زعمه أولئك الحكَّام نوعاً مِن أنواع الشِّرك الذي وقعت فيه الأُمم النصرانية، وقد قال اللهُ فيهم: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ [سورة التَّوْبة – الآية 31]، وما اتخاذهم أرباباً إلا بطاعتهم حيث يُخالِفون حُكم الله فيما يذهبون إليه.
أما الإسلام فالحاكم فيه ليس مُنَصَّباً مِن قِبَل الله كما تزعم النظريات الدينية النصرانية، وليس حُرَّاً في أنْ يُقَرِّر ما يشاء. الخليفة المسلم تُنَصِّبه الأُمَّة المسلمة، وهو يلتزم بأحكام الشرع ولا يجوز له الحيدة عنها، وهو مسؤول أمام الأُمَّة وأمام مجلس الشورى عن أعماله، فأين هذا مما عُرِف بالحكومة الثيوقراطية في عالم الغرب.
أما ما دندنوا به مِن فساد بعض الحكام المسلمين عبر التاريخ الإسلامي، فنحن لا ننكر أنه كان في بعضهم شيءٌ مِن ذلك، ولكن كان فيهم مِن الأخيار الأبرار الصالحون الذين لا زالت الدنيا تتعطر بسيرتهم وذِكرهم، وأخطاء أولئك ليست حُجَّة على الإسلام، بل الإسلام منها براء، ولقد وُجِدَ في المسلمين في كل عصر مَن أنكر باطلَ المُمْطِل منهم، وقَوَّم المُعْوَج مِن أعمالهم.



كتبه: أ.د. عمر سليمان الأشقر
مِن كتاب: نحو ثقافة إسلامية أصيلة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق