20‏/03‏/2010

فتوى ببدعية عيد الأم والبديل الشرعي

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
أعيادُنا توقيفية تُؤخَذ دون زيادةٍ ودون نقصان، وهي من أعظم شعائر الدين وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا أهل الإسلام» صححه الألباني في "صحيح الجامع" مِن حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. ولما قَدِم المدينة ورأى أهلها يلعبون في يومين وسأل عن هذين اليومين، فقالوا: يومان كنا نلعب فيها في الجاهلية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله أبدلكم بهما خيراً منهما يوم الأضحى ويوم الفطر» صححه الألباني في "صحيح أبي داود" مِن حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
ولذلك فاستحداث عيد الأم وعيد الطفل وعيد الربيع وعيد العامل والمعلم ... كلها من جملة الأعياد البدعية، وينبغي إمرار هذه الأيام دون استحداث لشيءٍ زائد فيها، أي يكون شأنها كشأن سائر الأيام فمن كانت عادته أكل اللحم والحلوى في غير ذلك من الأيام فليأكلها في هذا اليوم بلا حرج. بل إضفاء شيء زائد على المولد النبوي ورأس السنة الهجرية وذكرى الإسراء والمعراج يُعتبر من البدع المحدثة، إذ انقضت خير القرون دون احتفال على النحو المريب الذي نصنعه اليوم - وهم عن عِلم وقفوا وببصرٍ نافذ كفوا، والشرع قد اكتمل، والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية وصاحبها ممن زُينَ له سوء عمله فرآه حسناً { وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [سورة مريم – الآية 64].
وبالنسبة لعيد الأم، فقد اخترعوه في فرنسا، ونقله الصحفي مصطفى أمين وكان متخصصاً في التكريس لهذه الأعياد المُخترعة. وعيد الأم ليس من العادات الحسنة بل هو من البدع القبيحة، ومن أراد تكريم الأمهات فعليه بالرجوع للكتاب والسنة لتكون كل لحظة أشبه بالعيد بالنسبة لها، فلا يُقتصر الأمر على هدية تقدم في يوم 21 مارس، ويتم التفاضل بين الأبناء على أساسها، وقد يعود البعض سيرته الأولى في عقوق الأمهات فهل يكون قد برأ ساحته عندما قدم الهدية في هذا اليوم؟ وماذا يصنع من ماتت أمه؟!!
لقد دعاهم الحرج إلى القول بِعِيد الأسرة حيناً وعيد الأب حيناً آخر، ولو تفقه الإنسان في دينه لَعَلِم كيف يكون البر الحقيقي، ولا يجوز الاستناد لنصوص الشريعة لتبريره كما يفعل بعض المنسوبين للعلم، فهذا من جملة الحق الذي يُراد به الباطل.
حُكي أن ابن سيرين كان إذا وقف مع أمه فكأنما أسير بين يدي أمير يريد أن يقتص منه، فلما سُئِلَت أخته عن سبب ذلك وهل به علة، فقالت: هكذا يكون مع أمه. وكان زين العابدين لا يأكل مع أمه وكان باراً بها فلما سُئِل قال: أخاف أن تَسْبِق يدي يدها إلى ما تَسْبِق إليه عيناها فأكون قد عققتها. ولما غلا ثمن النخل اشترى أسامة بن زيد رضي الله عنه نخلة بألف درهم وقطع جمارها وأطعمه لأمه فلما روجع قال: سَأَلَتْنِيه ولا تسألني شيئاً أقدر عليه إلا وأطعمتها إياه.
والحكايات في البِر كثيرة وما بعد البِر إلا العقوق قال تعالى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة الإسراء – الآية 23]، وقال: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [سورة النساء – الآية 36]، وقال: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [سورة لُقمان – الآية 15].
والأم لها ثلاثة أرباع ما للأب من البر. فاحرص على بر الوالدين وطاعتهما في غير معصية الله تعالى، ولا تُقَصِّر في حقهما حتى وإن ظلماك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «فمَن أصبح وله والدان أصبح وله بابان مفتوحان إلى الجنة، إن كانا واحداً فواحد. قيل: وإن ظلماه، قال: «وإن ظلماه وإن ظلماه وإن ظلماه» أورده الألباني في "السلسلة الضعيفة" من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « الرحم معلقة بالعرش وليس الواصل بالمكافيء» رواه الإمام أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما وصححه أحمد شاكر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله ومن قطعني قطعه الله» رواه مسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.
والبر لا ينقطع بموت الوالدين فالدعاء يصل للميت باتفاق العلماء وكذلك الصدقة، وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حج عن أبيك واعتمر» رواه الترمذي في السُنن، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ومن مات وعليه صيام صام عنه وليه» رواه البخاري ومسلم من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. وكذلك الترحم عليهما والاستغفار لهما، وصلة صديقهما والرحم التي لا توصل إليهما، وانفاذ وصيتهما ما لم تشتمل على معصية وسداد ديونهما، كل ذلك من صور برهما.

كتبه: الشيخ سعيد عبدالعظيم

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق