23‏/02‏/2010

دور الصوفية في إنحراف الأُمة عن حقيقة العبادة

ظهرت الصوفية في العصر العباسي لأسباب تاريخية منها ضعف الخلافة المركزية أو انحرافها، وانغماس الناس في الترف وانصرافهم عن الاهتمام بالدار الآخرة.. غير أن الانحراف قد أصاب الفرق الصوفية بدرجة تتناسب تناسباً عكسياً مع قربها من التمسك بالسُنة والاقتداء بالسلف الصالح.

وكان من الأخطاء الأساسية في الفكر الصوفي النظرة العدائية إلى الحياة الدنيا تلك التي يبدو أنها متأثرة بالفكر البوذي والفلسفة الإشراقية. وحدث أن "أقبل العامة بقيادة المتصوفين - على الطقوس والأوراد وأقبل الحُكام ومن في حواشيهم وركابهم على الشهوات والملذات! وهذا الخلط الصوفي الأحمق، يعتبر أول صدع أصاب التفكير الإسلامي في صميمه بل أول تصدع أصاب كيان الأمة الإسلامية - فيما بعد - بالانهيار (من كتاب الإسلام المفترى عليه، محمد الغزالي :68)" فقد نتج عن هذا الانفصام انحسار مفهوم العبادة في دائرة الشعائر والأذكار، بل في الحقيقة كان الالتزام بتلك النظرة يعني تعذر القيام ببعض أركان الإسلام لا سيما الزكاة .

والعبارة المنقولة عن بعض زعماء الصوفية عند سماع قوله تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} [سورة الأنبياء – الآية 21] وهي "ونحن ما بالنا نفتُر ؟!" تنُم في الواقع عن الجهل بحقيقة العبادة في الإسلام وغاية الوجود الإنساني على الأرض التي أوضحها القرآن الكريم تفصيلاً.

بعد أن كان المسلم - أياً كان عمله الدنيوي - يستشعر في قرارة نفسه أنه يعبد الله تعالى حتى وهو يكدح على عياله وحتى وهو يطلب العلم أو يُعَلِّمه وحتى وهو يجوب الأرض في طلب الرزق أو التعرف على المعمورة بلا انفصام أو ازدواجية، أصبح المُريد وقد انحصر مفهوم العبادة لديه في الصلوات والأذكار يجد مساحة كبيرة من حياته فارغة فيلجأ إلى الشيخ لتعبئة هذا الفراغ، وعندها يقوم الشيخ بتشريع ما لم يأذن الله به فيُكَلِّف المريد بحفظ المتون الطويلة من الأوراد لترديدها بآلاف التسبيحات، وأحياناً يُكلفه بالسياحة في الأرض بلا زاد ليُقوي يقينه ويصدُق في توكله !! وبذلك أدى انحسار مفهوم العبادة إلى انحراف العبادة نفسها واستقائها من غير مَعين الكتاب والسنة.

 ولندع الصوفية أنفسهم ولننظر إلى أثرهم المعنوي في الأمة، كان ضمير الفرد العادي من العامة يستشعر الحيرة والألم وهو يرى الناس فئتين: فئة صالحة تعمل للآخرة وتتقرب إلى الله بأنواع الطاعات والقُربات لكنها لا حظ لها من الدنيا، وبأخرى فاسقة عاصية مُقَصِّرة في حق الله تعالى تتمتع بملاذ الحياة ونعيمها، ولا يكاد يرى لهاتين ثالثة. ويبدو الخيار أمامه صعباً: أيكون مع الأولى فيقضي على نفسه بالحرمان والفاقة، أو ينضم إلى الثانية فيقع في المحارم.

ومعظم الأمة بطبيعة الحال لم ينقطعوا عن الدنيا لكنهم كانوا يعملون فيها والإحساس بالندم والذنب ينتابهم لأنهم يرون أنهم لا يعبدون الله حين يقومون بذلك وغاب عنهم أن ذلك جزء من الغاية العظمى التي خُلقوا لأجلها.

وكل هذه الانحرافات وقعت قبل احتكاك الغرب اللاديني بالشرق بل قبل قيام الدولة العثمانية.

وعندما سيطر العثمانيون ازداد الأمر سوءاً وتطورت الانحرافات حتى توهم الناس أن العبادة نفسها هي بالدرجة الأولى ما يأمر به المشايخ والأولياء من البِدَع، ووقعت الأُمة في شرك حقيقي بما كان السُذَّج والجهلة بل وبعض العلماء يمارسونه من بِدَع الأضرحة والمشاهد والمزارات وتقديس الموتى والاعتماد عليهم في جلب النفع ودفع الضرر، ووصل الأمر إلى حالة مُزرية جداً حين كانت جيوش المستعمرين تقتحم المدن الإسلامية والمسلمون يستصرخون السيد أو الولي الذي كان قد مضى على وفاته مئات السنين!
(مِن ذلك البيت المشهور :
            يا خائفين من التتر    لوذوا بقبر أبي عمر
            انظر ركائز الإيمان ص 338، وقصة العنز المقدسة، الجبرتي : 1/401-403).

وامتد البلاء إلى الأربطة والثغور التي بُنيت أساساً للجهاد ومقارعة الكفار إذ تحولت إلى زوايا وتكايا للصوفية وفي أحسن الأحوال أصبحت مدارس علمية صرفة لا أثر للتربية الجهادية فيها وحتى مناهجها التعليمية كانت متخلفة ومحدودة (انتشرت الزوايا على السواحل الإسلامية للبحر الأبيض وخاصة في الشمال الأفريقي، وقد أعادت الحركة السنوسية إليها الصبغة الجهادية فترة من الزمان).

كتبه: د. سفر الحوالي
من كِتاب: العلمانية، نشأتها وتطورها، وأثرها في الحياة الإسلامية المعاصرة – رسالة ماجيستير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق