20‏/02‏/2012

تفاوضي .. لا توافقي!!


 "توافقي" بهذا وصفت جماعة الإخوان المسلمين مرشَّح الرئاسة الأنسب مِن وجهة نظرها، والذي سوف يحظى بدعمها خلال الانتخابات القادمة، وهو وصْف يثير العديد مِن علامات الاستفهام يأتي في مقدمتها سؤال حول أطراف هذا التوافق، ومِن ثَم ضوابطه، وآلياته، وجدواه.



لوهلة حسبتهم "عموم الناس" .. في أول تصريح له يُطرح فيه "الرئيس التوافقي" كخيار ارتضته الجماعة، جاء على لسان فضيلة المرشد أنهم سوف يقفون على ما استقر عليه الرأى لدى "عموم الناس"، وهو تعبير يوحى بأنهم هُم أطراف التوافق، وأنَّ اختيارهم هو الموجِّه لاختيار الجماعة، وقبل أنْ يستقر لدى المتابع هذا الفهم، عَقَّب فضيلته مشدِّدًا على ألا يكون هذا المرشَّح ممن يُحسبون على التيار الإسلامي. وفى هذا استباق يُقيد اختيار مَن وصفهم بـ "عموم الناس"، موجِّهًا لآرائهم لا موجَّهًا منها. وهو ما يفرغ جملته الأولى مِن معناها.



ولأنَّ الخيار الذى أعلنه المرشد العام لم يكن محل "توافق" لدى أبناء التيار الإسلامي، بل وشباب الجماعة نفسها، فقد أثار حالة مِن الإستياء دفعت الأستاذ: كامل مندور لأنْ يكتب مقالاً في جريدة المصريون بتاريخ: الثالث مِن فبراير الحالى، بعنوان: "المرشد .. والرئيس القادم" في محاولة منه لامتصاص غضب شباب الجماعة، اقتبس منه الفقرة التالية لنقف عندها طويلاً:



"إذا جلس المفاوض المصري على طاولة المفاوضات وهو لا يملك مِن أوراق التفاوض سوى ورقة واحدة فقط هي الشعبية الكاسحة التى حصل عليها بالانتخابات، وهى ورقة لا تؤهله لأكثر مِن الجلوس على مائدة التفاوض فقط، اقتصادك منهار، علاقاتكم الإستراتيجية هشة، جبهتكم الداخلية مهترئة، ومع ذلك تلومون على فضيلة المرشد أنه فَرَض على أمريكا أنْ يكون الرئيس توافقيًا، بمعنى أنه لن يكون أحد رئيسًا لمصر إلا إذا وافق عليه الإخوان، وحينما عرضت أمريكا شخصًا بعينه ووقع الاعتراض عليه رضخت أمريكا لإرادة المفاوض المصري وطرحت بديلاً ليجري التوافق عليه، لا جدل أننا جميعًا كنا نحلم بأكثر مِن هذا، ولكن القاعدة الأصولية أنَّ ما لا يُدرك كله لا يترك كله وقد حقق فضيلة المرشد مِن فن الممكن حده الأقصى المتاح، والاسم المُقترح الآن لتولي المنصب هو شخصية محترمة مِن الجميع ولديه القدرة على إدارة شئون البلاد في السنوات الأربع القادمة، بعدها قد يكون لنا شأن آخر."



حسنًا الفقرة تُعَرِّف بوضوح "صارخ" مَن هو "الرئيس التوافقي" .. إنه الرئيس الذي تطرحه أمريكا ويوافق عليه الإخوان، هذا هو التوافق إذن!!



هكذا ينبهنا الأستاذ: كامل مندور أننا بعد عام مِن الثورة مازلنا أُسارى لما وصفته جملة الدكتور مصطفى الفقي الشهيرة:

"إنَّ رئيس مصر القادم لابد له مِن موافقة أمريكا وعدم اعتراض إسرائيل"



ففيما كان جهاد عامٍ مضى؟! هل كان ركضًا في المكان؟! لم نتجاوز به حدود دائرة التباعية. هل كانت تمرينات إحماء لنكون بعدها قادرين على رفض مرشح أمريكا ومطالبتها بترشيح آخر، ولكنها لا تصل بنا إلى بطولة اختيار رئيسنا بأنفسنا؟!



كم هي مهينة وموجعة هذه الصفعات التى خطها الكاتب، إذ يصف الإرادة الشعبية بأنها لا تعدو أنْ تكون "ورقة لا تؤهله لأكثر مِن الجلوس على مائدة التفاوض فقط"، بينما يدعونا إلى الفخر والتيه لأنه وعلى مائدة التفاوض وبمهارة شخصية مِن فضيلة المرشد "فرض على أمريكا" و"رضخت أمريكا" .. يا إلهي هل صار "الحد الأقصى المتاح" هو تحسين ظروف العبودية، واستبدال وكيل للسيد بوكيل آخر؟



الواقع الرديء كما يصفه الكاتب (وأخالفه التقدير) هل يُرجى له تحسنًا على يد الرئيس التوافقي؟! هل عليَّ أنْ أتصور أنَّ أمريكا جلست لتفاوض وتطرح مَن تراه الأقدر على إدارة البلاد لفرط حرصها على مصالحنا؟! بينما كان الإخوان يفاضلون بين الأقرب إليهم مودة ورحمة؟ إذا كان هذا الواقع هو ورقة الضغط الأمريكية التي دُفعت إلى مائدة المفاوضات، فهل يُنتظر مِن المرشَّح الأمريكى أنْ يُعَدِّل مِن قواعد اللعبة إلى غير صالح مَن أنزلوه إلى أرض الملعب؟!



"شأن آخر" هذا حق، هذا ما سوف يكون بعد أربع سنوات مِن الآن تحت قيادة "توافقية" تُرسي قواعد الجمهورية الثانية في لحظة فارقة مِن تاريخنا لن نستردها -إلا أنْ يشاء الله- بعد أنْ فرطنا فيها، والحق أنني ما استطعت أنْ أتفهم كيف يجمع صاحب خيار التدرج بين النظرة السوداوية للحاضر التعيس، وبين النظرة المستبشرة للمستقبل السعيد، إذا ما كانت إدارة المستقبل هى ذاتها إدارة الماضي مع استبدال لبعض اللاعبين، وتغيير في الخطط التكتيكية للعب، ولماذا يتخذ الآخر فى ذهنه صورة المارد عند الحديث عن الحاضر، بينما يذوب المارد ويتلاشى عند الحديث عن المستقبل!!



معارضتنا لمقترح الرئيس التوافقي ليس لأنه في مقابل الرئيس الإسلامي، ليس هذا بالضرورة، بالقطع هناك مِن بين الإسلاميين مَن قد يؤدي الدور "التوافقي" المقترح، و"السمت" كما جاء على لسان فضيلة المرشد ليس هو محل تقييم الغرب ولا مصدر فزعهم كما يحلو للبعض أنْ يُصَوِّر ذلك، ليس أدل على ذلك مِن أنَّ النظام السعودي هو الحليف الأول لأمريكا في المنطقة، وهى كذلك مَن يدعم ويُساند نظام شريف شيخ أحمد في الصومال.



فبين ترهيب مِن مرشح إسلامي يستعدي الخارج والداخل (زعموا)، وبين تنقيب عن مرشح إسلامي يسترضي الكتلة التصويتية الأكبر، تُجرى محاولات لاهثة لصرفنا عن قضيتنا الحقيقية:

اختيار حر لرئيس حر

اختيار حر عبر صناديق الانتخابات، لا على موائد المفاوضات

ورئيس حر يَعبر بنا خارج دائرة التبعية ويدرك هذه اللحظة الفارقة، وكم في تاريخنا مِن لحظات مهدرات.



إنَّ الدفع بتغيُّر متوقع لصلاحيات الرئيس في الدستور القادم بما يقلل مِن أهمية اختياره والتعويل عليه، لا يتفق مع مشهد المفاوضات، كما لا يجوز كذلك التهوين مِن تصريح المرشد العام، فمِن غير المعقول أنْ تُمَد مائدة المفاوضات مِن أجل الرأي الشخصي لفضيلته، وهذا مما يطرح السؤال التالي بقوة، فإنْ كنا قد وقفنا على أطراف التوافق، إلا إننا لم نقف بعد على آليات هذا التوافق.



كتبته: نور عبد الرحمن

19/02/2012

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق